عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 14-10-2009, 09:22PM
أبو حمزة مأمون
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
افتراضي معرفة فضل أئمة الإسلام لا يوجب قبول كل ما قالوه..

قال ابن القيم رحمه الله :
معرفة فضل أئمة الإسلام و مقاديرهم و حقوقهم و مراتبهم، و أن فضلهم و علمهم و نصحهم لله و رسوله لا يوجب قبول كل ما قالوه، وما وقع في فتاويهم من المسائل التي خفي عليهم فيها ما جاء به الرسول فقالوا بمبلغ علمهم و الحق في خلافها؛ لا يوجب اطراح أقوالهم جُملة، و تنقصهم و الوقيعة فيهم، فهذان طرفان جائزان عن القصد و قصد السبيل بينهما فلا نؤثم، ولا نعصم،ولا نسلك بهم مسلك الرافضة في علي، ولا مسلكهم في الشيخبن، بل نسلك مسلكهم أنفسهم فيمن قبلهم من الصحابة فإنّهم لا يؤثمونهم، ولا يعصمونهم، ولا يقبلون كل أقوالهم، ولا يهدرونها فكيف ينكرون علينا في الأئمة الأربعة مسلكاً يسلكونه هم في الخلفاء الأربعة و سائر الصحابة و لا منافاة بين هذين الأمرين لمن شرح الله صدره للإسلام، وإنّما يتنافيان ولا منافاة بين هذين الأمرين لمن شرح الله صدره للإسلام، و إنّما يتنافيان عند أحد رجلين:
جاهل بمقدار الأئمة و فضلهم، أو جاهل بحقيقة الشريعة الّتي بعث الله بها رسوله ومن له علم بالشرع، و الواقع يعلم قطعاً أن الرجل الجليل الذي له في الإسلام قدم صالح و آثار حسنة وهو من الإسلام و أهله بمكان قد تكون منه الهَفوة و الزلة هو فيها معذور بل و مأجور لاجتهاده، فلا يجوز أن يتبع فيها، ولا يجوز أن تهدر مكانته و إمامته و منزلته من قلوب المسلمين.
قال عبد الله بن المُبارك:
كنت بالكوفة فناظروني في النبيذ المختلف فيه، فقلت لهم : تعالوا فليحتج المُحتج منكم عمن شاء من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم بالرخصة، فإن لَم يبين الرد عليه عن ذلك الرجل بسند صحت عنه، فاحتجوا فما جاءوا عن أحد برخصة إلا جئناهم بسند، فلما لم يبق في يد أحد منهم إلا عبد الله بن مسعود و ليس احتجاجهم عنه في شدة النبيذ بشيء يصح عنه، إنّما يصح عنه أنه لم ينتبذ له في الْجرِ الأخضرِ
.قال ابن المُبارك: فقلت للمحتج عنه في الرخصة: يا أحمق، عد أن ابن مسعود لو كان هاهنا جالساً، فقال: هو لك حلال، وما وصفنا عن النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه في الشدة كان ينبغي لك أن تحذر و تَخشى.

فقال قائل: يا أبا عبد الرحمن، فالنخعي و الشعبي-و سمى عدة معهما- كانوا يشربون الحرام!.
فقلت لهم: دعوا عند المناظرة تسمية الرجال فرب رجل في الإسلام مناقبه كذا و كذا و عسى أن تكون منه زلة أفيجوز لأحد أن يحتج بها، فإن أبيتم فما قولكم في عطاء و طاوس و جابر بن زيد و سعيد بن جبير و عكرمة؟

قالوا: كانو خياراً
قلت: فما قولكم في الدرهم بالدرهمين يداً بيد؟
قالوا: حرام
فقلت: إن هؤلاء رأوه حلالاً، أفماتوا وهم يأكلون الحرام؟! فبهتوا و انقطعت حجتهم.

قال ابن المبارك: ولقد أخبرني المعتمر بن سليمان قال: رآني أبي و أنا أنشد الشعر، فقال: يا بُنَي، لا تنشد الشعر.
فقلت: يا أبت كان الحسن ينشد الشعر، و كان ابن سرين ينشد.
فقال: أي بني، إن أخذت بشرِّ ما في الحسن و بشر ما في ابن سرين اجتمع فيك الشر كله.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: و هذا الذي ذكره ابن المبارك متفق عليه بين العلماء؛ فإنه مامن أحد من أعيان الأئمة من السابقين الأولين ومن بعدهم إلا وله أقوال و أفعال خفي عليهم فيها السنة.

قلت:وقد قال أبو عمر بن عبد البر في أول استذكاره: قال شيخ الإسلام: و هذا باب واسع لا يحصى مع أن ذلك لا يغض من أقدارهم، ولا يسوغ اتباعهم فيها قال تعالى: ﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59].

قال مجاهد و الحكم بين عتيبة ومالك و غيرهم: ليس أحد من خلق الله إلا يؤخذ من قوله و يترك إلا النبي صلى الله عليه و سلم.

وقال سليمان التيمي: إن أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله.

قال ابن عبد البر: هذا اجماع لا أعلم فيه خلافاً، و قد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم و أصحابه في هذا المعنى ما ينبغي تأمله فروي كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:((إنِّي لأخاف على أمتي من بعدي من أعمال ثلاثة. قالوا: وما هي يا رسول الله؟ قال: إني أخاف عليهم من زلة العالم، ومن حكم الجائر، ومن هوى متبع)).
وقال زياد بن حيدر: قال عمر: ((ثلاث يهدمن الدين: زلة عالم، و جدال منافق بالقرآن، و أئمة مضلون)).

وقال الحسن: قال أبو الدرداء: ((إن ممَّا أخشى عليكم زلة العالم، و جدال المنافق بالقرآن، و القرآن حق و على القرآن منار كأعلام الطريق)).

و كان معاذ بن جبل يقول في خطبته كل يوم قلما يُخطئه أن يقول ذلك:((الله حكم قسط، هلك المُرتابون، إن وراءكم فتناً يكثر فيها المال و يفتح فيها القرآن حتَّى يقرأه المؤمن و المنافق والمرأة و الصبي و الأسود و الأحمر، فيوشك أحدهم أن يقول:قد قرأت القرآن فما أظن أن يتبعوني، حتَّى أبتدع لهم غيره، فإياكم وما ابتدع، فإن كل بدعة ضلالة، و إياكم وزيغة الحكيم، فإن الشيطان قد يتكلم على لسان الحكيم بكلمة الضلالة، و إن المنافق قد يقول كلمة الحق فتلقوا الحق عمن جاء به فإن على الحق نوراً، قالوا: كيف زيغة الحكيم؟ قال: هي كلمة تروعكم وتنكرونها، و تقولون: ماهذه، فاحذروا زيغه، ولا تصدنكم عنه، فإنه يوشك أن يفيء و يراجع الحَق، و إن العلم و الإيمان مكانَها إلى يوم القيامة فمن ابتغاهما وجدهما)).

وقال سلمان الفارسي: كيف أنتم عند ثلاث: زلة عالم، و جدال منافق بالقرآن، و دنيا تقطع أعناقكم؟

فأما زلة العالم: فإن اهتدى فلا تقلدوه دينكم، و تقولون: نصنع مثلما يصنع فلان، و إن أخطأ فلا تقطعوا إياسكم منه، فتعينوا عليه الشيطان.

و أما مجادلة منافق بالقرآن: فإن للقرآن مناراً كمنار الطريق، فما عرفتم منه فخذوه، وما لم تعرفوا فكِلُوه إلى الله تعالى.

و أما دنيا تقطع أعناقكم: فانظروا إلى من هو دونكم، ولا تنظروا إلى من هو فوقكم.

و عن ابن عباس: ويل للأتباع من عثرات العالم، قيل: كيف ذلك؟ قال: يقول العالم شيئا برأيه ثمَّ يجد من هو أعلم منه برسول الله صلى الله عليه و سلم، فيترك قوله ثمَّ يمضي الأتباع.

ذكر أبو عمر هذه الآثار كلها و غيره.اهـ
إعلام الموقعين (3/295-298).
و الله الموفق وحده
رد مع اقتباس