عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 29-01-2015, 09:05AM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم




القول المفيد على كتاب التوحيد

باب قول الله تعالى :{ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }1.

ج / 1 ص -306- باب قول الله تعالى :{ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }1.


مناسبة الترجمة أن هذا من البراهين الدالة على أنه لا يستحق أحد أن يكون شريكا مع الله; لأن الملائكة وهم أقرب ما يكون من الخلق لله عزوجل ما عدا خواص بني آدم يحصل منهم عند كلام الله - سبحانه - الفزع.
قوله تعالى:{ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ }، قال ذلك ولم يقل: "فزعت قلوبهم"; إذ عن تفيد المجاوزة، والمعنى: جاوز الفزع قلوبهم; أي: أزيل الفزع عن قلوبهم. والفزع: الخوف المفاجئ; لأن الخوف المستمر لا يسمى فزعا. وأصله: النهوض من الخوف.


وقوله: "عن قلوبهم"; أي: قلوب الملائكة; لأن الضمير يعود عليهم بدليل ما سيأتي من حديث أبي هريرة، ولا أحد من الخلق أعلم بتفسير القرآن من رسول الله صلى الله عليه وسلم
قوله تعالى: {قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ }، جواب الشرط: والمعنى: قال بعضهم لبعض: وإنما قلنا ذلك لأن في الكلام قائلا ومقولا له، فلو جعلنا




1 سورة سبأ آية : 23.




ج / 1 ص -307-


الضمير في قالوا عائدا على الجميع; فأين المقول له؟ والمعنى: أي شيء قال ربكم؟
وإعراب ماذا على أوجه:
1. ما: اسم استفهام مبتدأ، وذا: اسم موصول خبر; أي: ما الذي.
2. ماذا: اسم استفهام مركب من ما وذا.
3. ما: اسم استفهام، وذا زائدة. قال ابن مالك:

ومثل ماذا بعدما استفهام أو من إذا لم تلغ في الكلام


وقوله: {قَالُوا الْحَقَّ }أي: قال المسئولون. والحق: صفة لمصدر محذوف مع عامله، والتقدير قال القول الحق.
والمعنى: أن الله - سبحانه - قال القول الحق لأنه سبحانه هو الحق، ولا يصدر عنه إلا الحق ولا يقول ولا يفعل إلا الحق. والحق في الكلام هو الصدق في الأخبار، والعدل في الأحكام; كما قال الله تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً } 1. ولا يفهم من قوله: { قَالُوا الْحَقَّ } أنه قد يكون قوله باطلا، بل هو بيان للواقع، فإن قيل: ما دام بيانا للواقع ومعروفا عند الملائكة أنه لا يقول إلا الحق; فلماذا الاستفهام؟ !
أجيب: أن هذا من باب الثناء على الله بما قال، وأنه سبحانه لا يقول إلا الحق.


قوله تعالى: { وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }، أي: العلي في ذاته وصفاته، والكبير: ذو الكبرياء، وهي العظمة التي لا يدانيها شيء، أي العظيم الذي لا أعظم منه.




1 سورة الأنعام آية : 115.




ج / 1 ص -308-


مناسبة الآية للتوحيد:
أنه إذا كان منفردا في العظمة والكبرياء; فيجب أن يكون منفردا في العبادة.

والعلو قسمان:
الأول: علو الصفات، وقد أجمع عليه كل من ينتسب للإسلام حتى الجهمية ونحوهم.
الثاني: علو الذات، وقد أنكره كثير من المنتسبين للإسلام مثل الجهمية وبعض الأشاعرة غير المحققين منهم; فإن المحققين منهم أثبتوا علو الذات. وعلوه لا ينافي كونه مع الخلق يعلمهم ويسمعهم ويراهم; لأنه ليس كمثله شيء في جميع صفاته.


وفي الآية فوائد:
1. أن الملائكة يخافون الله; كما قال تعالى: { يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ } 1.
2. إثبات القلوب للملائكة; لقوله: { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ } 2.
3. إثبات أنهم أجسام وليسوا أرواحا مجردة من الجسمية، وهو أمر معلوم بالضرورة، قال تعالى: { جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ } 3، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل له ست مئة جناح قد سد الأفق4 فالقول بأنهم أرواح فقط إنكار لهم في الواقع، وهو قول باطل. لكنهم لا يأكلون ولا يشربون، وإنما أكلهم وشربهم التسبيح بدليل قوله تعالى: { يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ } 5، ففي هذا




1 سورة النحل آية : 50.
2 سورة سبأ آية : 23.
3 سورة فاطر آية : 1.
4 رواه: البخاري من حديث عائشة (كتاب بدء الخلق, باب إذا قال أحدكم آمين, 2/427), مسالم (كتاب الإيمان, باب معنى قول الله -عز وجل-: ولقد رآه نزلة أخرى , 1/ 158).
5 سورة الأنبياء آية : 20.




ج / 1 ص -309-


دليل على أن ليلهم ونهارهم مملوءان بذلك، ولهذا جاء: { يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ } ولم يقل: يسبحون في الليل; أي: أن تسبيحهم دائم، والتسبيح تنزيه الله عما لا يليق به.
4. أن لهم عقولا; إذ إن القلوب هي محل العقول خلافا لمن قال: إنهم لا يعقلون، ولأنهم يسبحون الله، ويطوفون بالبيت المعمور.


5. إثبات القول لله - سبحانه وتعالى -، وأنه متعلق بمشيئته; لأنه جاء بالشرط: إذا فزع، وإذا الشرطية تدل على حدوث الشرط والمشروط، خلافا للأشاعرة الذين يقولون: إن الله لا يتكلم بمشيئة، وإنما كلامه هو المعنى القائم بنفسه; فهو قائم بالله أزلي أبدي; كقيام العلم والقدرة والسمع والبصر. ولا ريب أن هذا باطل، وأن حقيقته إنكار كلام الله، ولهذا يقولون: إن الله يتكلم بكلام نفسي أزلي أبدي، كما يقولون: هذا الكلام الذي سمعه موسى، وسمعه النبي صلى الله عليه وسلم ونزل به جبريل على الرسول صلى الله عليه وسلم شيء مخلوق للتعبير عن كلام الله القائم بنفسه. وهذا في الحقيقة قول الجهمية; كما قال بعض المحققين من الأشاعرة: ليس بيننا وبين الجهمية فرق، فإننا اتفقنا على أن هذا الذي بين دفتي المصحف مخلوق، لكن نحن قلنا عبارة عن كلام الله، وهم قالوا: هو كلام الله. فالجهمية خير منهم في أنهم يقولون: هذا كلام الله، لكنهم شر منهم في كونهم يصرحون أن كلام الله مخلوق.


6. إثبات أن قول الله حق، وهذا جاء في القرآن: { وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ } 1، وقال: { فَالْحَقُّ وَالْحَقَّ أَقُولُ } 2 ; فالله تعالى لا يقول إلا حقا; لأنه هو الحق، ولا يصدر عن الحق إلا الحق.




1 سورة الأحزاب آية : 4.
2 سورة ص آية : 84.




ج / 1 ص -310- وفي الصحيح عن أبي هريرةرضي الله عنهعن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " إذا قضى الله الأمر في السماء; ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، ينفذهم ذلك "1...


قوله: "وفي الصحيح": سبق الكلام عليها.
قوله: "قضى الله الأمر في السماء": المراد بالأمر الشأن، ويكون القضاء بالقول; لقوله تعالى: { وَإِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } 2.
قوله: "خضعانا": أي: خضوعا; لقوله: "كأنه"; أي: صوت القول في وقعه على قلوبهم.
قوله: "صفوان": هو الحجر الأملس الصلب، والسلسلة عليه يكون لها صوت عظيم.
وليس المراد تشبيه صوت الله تعالى بهذا; لأن الله{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } 3، بل المراد تشبيه ما يحصل لهم من الفزع عندما يسمعون كلامه بفزع من يسمع سلسلة على صفوان.


قوله: "ينفذهم ذلك": النفوذ: هو الدخول في الشيء، ومنه: نفذ السهم في الرمية; أي: دخل فيها، والمعنى: إن هذا الصوت يبلغ منهم كل مبلغ.
قوله: { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ } 4 أي: أزيل عنها الفزع.
قوله: "فقالوا": أي: قال بعضهم لبعض.
قوله: { مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ } 5 أي: قالوا: قال الحق; أي: قال القول الحق; فالحق صفة لمصدر محذوف مع عامله، تقديره: قال القول




1 البخاري : تفسير القرآن (4800) , والترمذي : تفسير القرآن (3223) , وابن ماجه : المقدمة (194).
2 سورة البقرة آية : 117.
3 سورة الشورى آية : 11.
4 سورة سبأ آية : 23.
5 سورة سبأ آية : 23.




ج / 1 ص -311- { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } 1


الحق، وهذا الجواب الذي يقولونه هل هم يقولونه لأنهم سمعوا ما قال وعلموا أنه حق، أو أنهم كانوا يعلمون أنه لا يقول إلا الحق؟ يحتمل أن يكونوا قد علموا ما قال، وقالوا: إنه الحق; فيكون هذا عائدا إلى الوحي الذي تكلم الله به. ويحتمل أنهم قالوا ذلك لعلمهم أن الله - سبحانه - لا يقول إلا الحق; فلذلك قالوا هذا لأن ذلك صفته سبحانه وتعالى.


وهذا الحديث مطابق للآية تماما، وعلى هذا يجب أن يكون هذا تفسير الآية، ولا يقبل لأي قائل أن يفسرها بغيره; لأن تفسير القرآن إذا كان بالقرآن أو السنة; فإنه نص لا يمكن لأحد أن يتجاوزه.

وأما تفسير الصحابي; فإنه حجة عند أكثر المفسرين، وأما التابعين; فإن أكثر العلماء يقول: إنه ليس بحجة إلا من اختص منهم بشيء; كمجاهد; فإنه عرض المصحف على ابن عباس عشرين مرة أو أكثر، يقف عند كل آية ويسأله عن معناها، وأما من بعد التابعين; فليس تفسيره حجة على غيره، لكن إن أيده سياق القرآن كان العمدة سياق القرآن.


فلا يقبل أن يقال: إذا فزع عن قلوب الناس يوم القيامة، بل نقول: الرسول صلى الله عليه وسلم فسر الآية بتفسير غيبي لا مجال للاجتهاد فيه، وما كان غيبيا وجاء به النص; فالواجب علينا قبوله، ولهذا نقول في مسألة ما يعذر فيه بالاجتهاد وما لا يعذر: إنه ليس عائدا على أن هذا من الأصول وهذا من الفروع; كما قال بعض العلماء: الأصول لا مجال للاجتهاد فيها، ويخطئ المخالف مطلقا، بخلاف الفروع.




1 سورة سبأ آية : 23.




ج / 1 ص -312- فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض،....


لكن شيخ الإسلام ابن تيمية أنكر تقسيم الدين إلى أصول وفروع، ويدل على بطلان هذا التقسيم: أن الصلاة عند الذين يقسمون من الفروع مع أنها من أجل الأصول.
والصواب: أن مدار الإنكار على ما للاجتهاد فيه مجال وما لا مجال فيه، فالأمور الغيبية ينكر على المخالف فيها ولا يعذر، سواء كانت تتعلق بصفات الله أو اليوم الآخر أو غير ذلك، لأنه لا مجال للاجتهاد فيها.


أما الأمور العملية التي للاجتهاد فيها مجال; فلا ينكر على المخالف فيها إلا إذا خالف نصا صريحا، وإن كان يصح تضليله بهذه المخالفة; كقول ابن مسعود في بنت وبنت ابن وأخت: للبنت النصف، ولابنة الابن السدس، تكملة الثلثين، وما بقي; فللأخت وذكر له قسمة أبي موسى: للابنة النصف، وللأخت النصف وقوله:ائت ابن مسعود; فسيتابعني فأخبر ابن مسعود بذلك، فقال: قد ضللت إذا، وما أنا من المهتدين1.


قوله: "فيسمعها مسترق السمع": أي: هذه الكلمة التي تكلمت بها الملائكة. و "مسترق": مفرد مضاف; فيعم جميع المسترقين. وتأمل كلمة "مسترق"; ففيها دليل على أنه يبادر، فكأنه يختلسها اختلاسا بسرعة، ويؤيده قوله: {إِلاَّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ} 2.
قوله: "ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض": يحتمل أن يكون




1 رواه: البخاري (كتاب الفرائض, باب ميراث ابنة ابن مع ابنة, 4/238).
2 سورة الصافات آية : 10.




ج / 1 ص -313- وصفه سفيان بكفه، فحرفها وبدد بين أصابعه، فيسمع الكلمة، فيلقيها إلى من تحته.
ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن،.....


هذا من كلامه صلى الله عليه وسلم أو من كلام أبي هريرة، أو من كلام سفيان. قوله: "وصفه سفيان بكفه": أي: أنها واحد فوق الثاني، أي الأصابع; فالجن يتراكبون واحدا فوق الآخر، إلى أن يصلوا إلى السماء، فيقعدون لكل واحد مقعد خاص، قال تعالى: { وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً } 1.


قوله: "فيسمع الكلمة، فيلقيها إلى من تحته": أي: يسمع أعلى المسترقين الكلمة، فيلقيها إلى من تحته; أي: يخبره بها، و"من": اسم موصول، وقوله: "تحته" شبه جملة صلة الموصول لأنه ظرف.
قوله: "ثم يلقيها الآخر إلى من تحته حتى يلقيها": أي: يلقي الكلمة آخرهم الذي في الأرض على لسان الساحر أو الكاهن. و السحر عزائم ورقى وتعوذات تؤثر في بدن المسحور وقلبه وعقله وتفكيره. والكاهن: هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل. وقد التبس على بعض طلبة العلم; فظنوا أنه كل من يخبر عن الغيب ولو فيما مضى; فهو كاهن، لكن ما مضى مما يقع في الأرض ليس غيبا مطلقا، بل هو غيب نسبي، مثل ما يقع في المسجد يعد غيبا بالنسبة لمن في الشارع، وليس غيبا بالنسبة لمن في المسجد. وقد يتصل الإنسان بجني، فيخبره عما حدث في الأرض ولو كان بعيدا; فيستخدم الجن، لكن ليس على وجه.




1 سورة الجن آية : 9.




ج / 1 ص -314- فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها،.....


محرم; فلا يسمى كاهنا; لأن الكاهن من يخبر عن المغيبات في المستقبل.
وقيل: الذي يخبر عما في الضمير، وهو نوع من الكهانة في الواقع، إذا لم يستند إلى فراسة ثاقبة، أما إذا كان يخبر عما في الضمير استنادا إلى فراسة; فإنه ليس من الكهانة في شيء; لأن بعض الناس قد يفهم ما في الإنسان اعتمادا على أسارير وجهه ولمحاته، وإن كان لا يعلمه على وجه التفصيل، لكن يعلمه على سبيل الإجمال.


فمن يخبر عما وقع في الأرض ليس من الكهان، ولكن ينظر في حاله، فإذا كان غير موثوق في دينه; فإننا لا نصدقه; لأن الله تعالى يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } 1. وإن كان موثوقا في دينه، ونعلم أنه لا يتوصل إلى ذلك بمحرم من شرك أو غيره; فإننا لا ندخله في الكهان الذين يحرم الرجوع إلى قولهم، ومن يخبر بأشياء وقعت في مكان ولم يطلع عليها أحد دون أن يكون موجودا فيه; فلا يسمى كاهنا; لأنه لم يخبر عن مغيب مستقبل يمكن أن يكون عنده جني يخبره، والجني قد يخدم بني آدم بغير المحرم; إما محبة لله عزوجل أو لعلم يحصله منه، أو لغير ذلك من الأغراض المباحة.


والسحرة قد يكون لهم من الجن من يسترق لهم السمع. ولا يصل هؤلاء المسترقون إلا إلى السماء الدنيا; لقوله تعالى: { وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً } 2; فلا يمكن نفوذه إلى ما فوق.


قوله: "فربما أدركه الشهاب..." إلخ: الشهاب: جزء منفصل من النجوم، ثاقب، قوي، ينفذ فيما يصطدم به.
قال العلماء في تفسير قوله تعالى: { وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ




1 سورة الحجرات آية : 6.
2 سورة الأنبياء آية : 32.




ج / 1 ص -315- وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مئة كذبة.
فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا: كذا وكذا؟ فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء "1.


وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِلشَّيَاطِينِ } 2أي: جعلنا شهابها الذي ينطلق منها; فهذا من باب عود الضمير إلى الجزء لا إلى الكل. فالشهب: نيازك تنطلق من النجوم. وهي كما قال أهل الفلك: تنزل إلى الأرض، وقد تحدث تصدعا فيها. أما النجم، فلو وصل إلى الأرض; لأحرقها.
واختلف العلماء: هل المسترقون انقطعوا عن الاستراق بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الأبد أو انقطعوا في وقته فقط؟ والثاني هو الأقرب: أنهم انقطعوا في وقت البعثة فقط، حتى لا يلتبس كلام الكهان بالوحي، ثم بعد ذلك زال السبب الذي من أجله انقطعوا.


قوله: "فيكذب معها مئة كذبة": هل هذا على سبيل التحديد، أو المراد المبالغة، أي أنه يكذب معها كذبات كثيرة؟ الثاني هو الأقرب، وقد تزيد عن ذلك وقد تنقص; فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا: كذا وكذا؟ والناس في هذه الأمور الغريبة على حسب ما أخبر به المخبر يأخذون كل ما يقوله صدقا، فإذا أخبر بشيء فوقع، ثم أخبر بشيء ثان; قالوا: إذن لا بد أن يصدق.


فوائد الحديث:
1. إثبات القول لله عزوجل
2. عظمة الله - سبحانه وتعالى -.




1 سورة الملك آية : 5.
2 رواه: البخاري (كتاب التفسير, باب "إلا من استرق السمع" , 3/247).




ج / 1 ص -316-


3. إثبات الأجنحة للملائكة.
4. خوف الملائكة من الله عزوجل وخضوعهم له.
5. أن الملائكة يتكلمون ويعقلون.
6. أنه لا يصدر عن الله إلا الحق.
7. أن الله - سبحانه - يمكن هؤلاء الجن من الوصول إلى السماء فتنة للناس، وهي ما يلقونه على الكهان، فيحصل بذلك فتنة، والله عزوجل حكيم.
وقد يوجد الله أشياء تكون ضلالا لبعض الناس، لكنها لبعضهم هدى امتحانا وابتلاء.


8. كثرة الجن; لأنهم يترادفون إلى السماء، ومعنى ذلك أنهم كثيرون جدا، وأجسامهم خفيفة يطيرون طيرانا.
وذكر ذلك عنهم شيخ الإسلام ابن تيمية في السحرة الذين يستخدمون الجن وتطير بهم: أنهم يصبحون يوم عرفة في بلادهم ويقفون مع الناس في عرفة، وهذا ممكن الآن في الطائرات، لكن في ذلك الوقت ليس هناك طائرات; فتحملهم الشياطين، ويجعلون للناس المكانس التي تكنس بها البيوت، ويقول: أنا أركب المكنسة وأطير بها إلى مكة، فيفعلون هذا، وشيخ الإسلام يقول: إن هؤلاء كذبة ومستخدمون للشياطين، ويسيئون حتى من الناحية العملية; لأنهم يمرون الميقات ولا يحرمون منه.


9. أن الكهان من أكذب الناس، ولهذا يضيفون إلى ما سمعوا كذبات كثيرة يضللون بها الناس، ويتوصلون بها إلى باطلهم تارة بالترهيب




ج / 1 ص -317- وعن النواس بن سمعان (); قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا أراد الله تعالى أن يوحي بالأمر; تكلم بالوحي;
ـ

وتارة بالترغيب، كأن يقولوا: ستقوم القيامة يوم كذا وكذا، وسيجري عليك كذا من موت أو سرقة مال ونحو ذلك.
10. أن الساحر يصور للمسحور غير الواقع، وفي هذا تحذير من أهل التمويه والتلبيس، وأنهم إن صدقوا في شيء; فيجب الحذر منهم بكل حال.


قوله: "وعن النواس...": هذا الحديث لم يخرجه المؤلف، لكن قد ذكره ابن كثير من رواية ابن أبي حاتم، وذكر فيه علة، وهي أن في سنده الوليد بن مسلم، وهو مدلس وقد رواه عن شيخه بالعنعنة; فيكون في الحديث ضعف، إلا أنه قد روى مسلم1 وأحمد من حديث ابن عباس حديثا قد يكون شاهدا له، حيث أخبر أن الله إذا تكلم بالوحي سمعه حملة العرش، فسبحوا، ثم سمعه أهل كل سماء، فيسبحون كما سبح أهل السماء السابعة، حتى يصل إلى السماء الدنيا، فتخطفه الجن أو الشياطين. وهذا وإن لم يكن فيه ذكر رجفة السماء أو السجود; لكن يدل على أن له أصلا.


قوله: "إذا أراد أن يوحي بالأمر": أي: بالشأن.
قوله: "تكلم بالوحي": جملة شرطية تقتضي تأخر المشروط عن




1 في (كتاب السلام, باب تحريم الكهانة, 4/1750).




ج / 1 ص -318- أخذت السماوات منه رجفة (أو قال: رعدة شديدة) خوفا من الله عزوجل.
فإذا سمع ذلك أهل السماوات; صعقوا وخروا لله سجدا، فيكون أول من يرفع رأسه جبريل، فيكلمه الله من وحيه بما أراد،


الشرط; فالإرادة سابقة، والكلام لاحق; فيكون فيه رد على الأشاعرة الذين يقولون: إن الله لا يتكلم بإرادة، وإن كلامه أزلي; كالسمع والبصر; ففيه إثبات الكلام الحادث، ولا ينقص كمال الله إذا قلنا: إنه يتكلم بما شاء، كيف شاء، متى شاء، بل هذا صفة كمال، لكن النقص أن يقال: إنه لا يتكلم بحرف وصوت، إنما الكلام معنى قائم بنفسه.
قوله: "أخذت السماوات منه رجفة": السماوات: مفعول به جمع مؤنث سالم، أو ملحق به; فيكون منصوبا بالكسرة. ورجفة: فاعل.


قوله: "أو قال: رعدة شديدة": شك من الراوي، وإنما تأخذ السماوات الرجفة أو الرعدة; لأنه سبحانه عظيم يخافه كل شيء، حتى السماوات التي ليس فيها روح.
قوله: "فإذا سمع ذلك أهل السماوات; صعقوا وخروا لله سجدا": فإن قيل: كيف يمكن أن يصعقوا ويخروا سجدا؟
فالجواب: أن الصعق هنا - والله أعلم - يكون قبل السجود، فإذا أفاقوا سجدوا.


قوله:"فيكون أول من يرفع رأسه جبريل": أول: بالنصب على أنها خبر مقدم، وجبريل بالرفع على أنها اسم يكون مؤخرا.
قوله: "بما أراد": أي: بما شاء; لأن الله تعالى يتكلم بمشيئة.




ج / 1 ص -319- ثم يمر جبريل على الملائكة، كلما مر بسماء، سأله ملائكتها: ماذا قال ربنا يا جبريل؟
فيقول: قال الحق، وهو العلي الكبير، فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل، فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله عزوجل "1.


قوله: "ثم يمر جبريل على الملائكة": لأنه يريد النزول من عند الله إلى حيث أمره الله أن ينتهي إليه بالوحي.
قوله: "قال الحق وهو العلي الكبير": سبق في تفسير ذلك أنه يحتمل، قال الحق في هذه القضية المعينة، أو قال الحق; لأن من عادته سبحانه ألا يقول إلا الحق، وأيا كان; فإن جبريل لا يخبر الملائكة بما أوحى الله إليه، بل يقول: قال الحق مبهما، ولهذا سمي عليه السلام بالأمين، والأمين: هو الذي لا يبوح بالسر.


قوله:"وهو العلي الكبير": تقدم الكلام عليه.
قوله: "فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل": أي: قال الحق. وهو العلي الكبير.
قوله: "فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره الله - عزوجل -": أي: يصل بالوحي إلى حيث أمره الله من الأنبياء والرسل.




1 رواه: ابن أبي عاصم في "السنة برقم (515), والطبري في "تفسيره" (22/63), وابن أبي حاتم; كما في "تفسير ابن كثير" (3/537), وابن خزيمة في "التوحيد" (ص 144), والبيهقي في "الأسماء والصفات" (ص 202), والبغوي في "تفسيره" (5/290). والحديث في إسناده نعيم بن حماد, ضعيف. "تهذيب التهذيب" (10/458). والوليد بن مسلم وهو مدلس, وقد عنعنه. انظر: "تقريب التهذيب" (2/336).




ج / 1 ص -320-


من فوائد الحديث:
1. إثبات الإرادة؛ لقوله: "إذا أراد الله"، وهي قسمان: شرعية، وكونية.
والفرق بينهما.
أولا: من حيث المتعلق; فالإرادة الشرعية تتعلق بما يحبه الله عزوجل سواء وقع أو لم يقع، وأما الكونية; فتتعلق بما يقع، سواء كان مما يحبه الله أو مما لا يحبه.
ثانيا: الفرق بينهما من حيث الحكم، أي حصول المراد; فالشرعية لا يلزم منها وقوع المراد، أما الكونية; فيلزم منها وقوع المراد. فقوله تعالى: { وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ } 1 هذه إرادة شرعية; لأنها لو كانت كونية لتاب على كل الناس، وأيضا متعلقها فيما يحبه الله وهو التوبة.
وقوله تعالى: { إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ } 2 هذه كونية; لأن الله لا يريد الإغواء شرعا، أما كونا وقدرا فقد يريده.
وقوله تعالى: { يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ } 3 هذه كونية، لكنها في الأصل شرعية; لأنه قال: { وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ } وقوله تعالى{ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } 4 هذه شرعية; لأن قوله: { وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ }، لا يمكن أن تكون كونية; إذ إن العسر يقع، ولو كان الله لا يريده قدرا وكونا; لم يقع.
2. أن المخلوقات وإن كانت جمادا تحس بعظمة الخالق، قال تعالى: { تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ } 5.




1 سورة النساء آية : 27.
2 سورة هود آية : 34.
3 سورة النساء آية : 26.
4 سورة البقرة آية : 185.
5 سورة الإسراء آية : 44.




ج / 1 ص -321-


3. إثبات أن الملائكة يتكلمون، ويفهمون، ويعقلون؛ لأنهم يسألون: { مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ } 1 ؟ ويجابون: قال: "الحق"، خلافا لمن قال: إنهم لا يوصفون بذلك; فيلزم من قولهم هذا أننا تلقينا الشريعة ممن لا عقول لهم، وهذا قدح في الشريعة بلا ريب.
4. إثبات تعدد السماوات; لقوله: "كلما مر بسماء".
5. أن لكل سماء ملائكة مخصصين; لقوله: "سأله ملائكتها".
6. فضيلة جبريل عليه السلام حيث إنه المعروف بأمانة الوحي، ولهذا قال ورقة بن نوفل: "هذا هو الناموس الذي كان يأتي موسى"2، والناموس بالعبرية بمعنى صاحب السر.
7. أمانة جبريل عليه السلام، حيث ينتهي بالوحي إلى حيث أمره الله عزوجل، فيكون فيه رد على الرافضة الكفرة الذين يقولون: بأن جبريل أمر أن يوحي إلى علي فأوحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم ويقولون: خان الأمين فصدها عن حيدرة، وحيدرة لقب لعلي بن أبي طالب; لأنه كان يقول في غزوة خيبر: أنا الذي سمتني أمي حيدرة3. وفي هذا تناقض منهم; لأن وصفه بالأمانة يقتضي عدم الخيانة.
8. إثبات العزة والجلال لله عزوجل لقوله: "عز وجل"، والعزة بمعنى الغلبة والقوة، وللعزيز ثلاثة معان:
1. عزيز: بمعنى ممتنع أن يناله أحد بسوء.




1 سورة سبأ آية : 23.
2 من حديث عائشة, رواه: البخاري (كتاب بدء الوحي, باب حدثنا يحيى بن بكير, 1/ 14), ومسلم (كتاب الإيمان, باب بدء الوحي, 1/139).
3 رواه: مسلم (كتاب الجهاد, باب غزوة ذي قرد, 3/1441).





ج / 1 ص -322- فيه مسائل:
الأولى:
تفسير الآية.
الثانية: ما فيها من الحجة على إبطال الشرك خصوصا من تعلق على الصالحين، وهي الآية التي قيل: إنها تقطع عروق شجرة الشرك من القلب.


2. عزيز: بمعنى ذي قدر لا يشاركه فيه أحد.
3. عزيز: بمعنى غالب قاهر.
قال ابن القيم في النونية:

وهو العزيز فلن يرام جنابه أنى يرام جناب ذي السلطان

وهو العزيز القاهر الغلاب لم يغلبه شيء هذه صفتان

وهو العزيز بقوة هي وصفه فالعز حينئذ ثلاث معان


وأما "جل": فالجلال بمعنى العظمة التي ليس فوقها عظمة.

فيه مسائل:

الأولى: تفسير الآية: أي: قوله تعالى: { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ }، الآية، وقد سبق تفسيرها.
الثانية: ما فيها من الحجة على إبطال الشرك: وذلك أن الملائكة وهم من هم في القوة والعظمة يصعقون ويفزعون من تعظيم الله; فكيف بالأصنام التي تعبد من دون الله وهي أقل منهم بكثير; فكيف يتعلق الإنسان بها؟ !




ج / 1 ص -323- الثالثة. تفسير قوله: { قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ }.
الرابعة. سبب سؤالهم عن ذلك.
الخامسة. أن جبريل يجيبهم بعد ذلك بقوله: " قال كذا وكذا".
السادسة: ذكر أن أول من يرفع رأسه جبريل.
السابعة: أنه يقول لأهل السماوات كلهم لأنهم يسألونه.


ولذلك قيل: إن هذه الآية هي التي تقطع عروق الشرك من القلب; لأن الإنسان إذا عرف عظمة الرب سبحانه؛ حيث ترتجف السماوات ويصعق أهلها بمجرد تكلمه بالوحي; فكيف يمكن للإنسان أن يشرك بالله شيئا مخلوقا ربما يصنعه بيده حتى كان جهال العرب يصنعون آلهة من التمر إذا جاع أحدهم أكلها؟ ! وينزل أحدهم بالوادي فيأخذ أربعة أحجار: ثلاثة يجعلها تحت القدر، والرابع - وهو أحسنها - يجعله إلها له.


الثالثة: تفسير قوله: { قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ } وسبق تفسيرها.
الرابعة: سبب سؤالهم عن ذلك: فالسؤال: ماذا قال ربكم؟ وسببه شدة خوفهم منه وفزعهم خوفا من أن يكون قد قال فيهم ما لا يطيقونه من التعذيب.
الخامسة: أن جبريل يجيبهم بعد ذلك بقوله: قال كذا وكذا; أي: يقول: قال الحق.


السادسة: ذكر أن أول من يرفع رأسه جبريل: لحديث النواس بن سمعان، وفيه فضيلة جبريل.
السابعة: أنه يقول لأهل السماوات كلهم لأنهم يسألونه: وفي هذا دليل على عظمته بينهم.




ج / 1 ص -324- الثامنة:أن الغشي يعم أهل السماوات كلهم.
التاسعة: ارتجاف السماوات لكلام الله.
العاشرة: أن جبريل هو الذي يتتهي بالوحي إلى حيث أمره الله.
الحادية عشرة: ذكر استراق الشياطين.
الثانية عشرة: صفة ركوب بعضهم بعضا.
الثالثة عشرة: إرسال الشهب.


الثامنة: أن الغشي يعم أهل السماوات كلهم: تؤخذ من قوله: "فإذا سمع ذلك أهل السماوات; صعقوا وخروا لله سجدا".
لتاسعة: ارتجاف السماوات لكلام الله: لقوله: "أخذت السماوات منه رجفة"; أي: لأجله تعظيما لله.
العاشرة: أن جبريل هو الذي ينتهي بالوحي إلى حيث أمره: أي: لا أحد يتولى إيصال الوحي غير جبريل حتى يوصله إلى حيث أمره به; لأنه الأمين على الوحي.
الحادية عشرة: ذكر استراق الشياطين: أي: الذين يسترقون ما يسمع في السماوات، فيلقونه على الكهان، فيزيد فيه الكهان وينقصون.
الثانية عشرة: صفة ركوب بعضهم بعضا: وصفها سفيان رحمه الله بأن حرف يده وبدد بين أصابعه.
الثالثة عشرة: إرسال الشهب: يعني: التي تحرق مسترقي السمع، قال تعالى: { إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ } 1.



ــ
1 سورة الحجر آية : 18.




ج / 1 ص -325- الرابعة عشرة: أنه تارة يدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وتارة يلقيها في أذن وليه من الإنس قبل أن يدركه.
الخامسة عشرة: كون الكاهن يصدق بعض الأحيان.
السادسة عشرة: كونه يكذب معها مئة كذبة.
السابعة عشرة: أنه لم يصدق كذبه إلا بتلك الكلمة التي سمعت من السماء.


الرابعة عشرة: أنه تارة يدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وتارة يلقيها في أذن وليه من الإنس قبل أن يدركه.
الخامسة عشرة: كون الكاهن يصدق بعض الأحيان: لأنه يأتي بما سمع من السماء ويزيد عليه، وإذا وقع ما في السماء; صار صادقا. اعتراض وجوابه: كيف يسمع المسترقون الكلمة وعندما يسأل الملائكة جبريل يجابون بقال الحق فقط؟


والجواب: إن الوحي لا يعلمه أهل السماء، بل هو من الله إلى جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم أما الأمور القدرية التي يتكلم الله بها; فليست خاصة بجبريل. بل ربما يعلمها أهل السماء مفصلة، ثم يسمعها مسترقو السمع.
السادسة عشرة: كونه يكذب معها مئة كذبة: أي: يكذب مع الكلمة التي تلقاها من المسترق. وقوله:"مئة كذبة": هذا على سبيل المبالغة كما سبق وليس على سبيل التحديد.
السابعة عشرة: أنه لم يصدق إلا بتلك الكلمة التي سمعت من




ج / 1 ص -326- الثامنة عشرة. قبول النفوس للباطل! كيف يتعلقون بواحدة ولا يعتبرون بمئة؟ !
التاسعة عشرة. كونهم يتلقى بعضهم من بعض تلك الكلمة ويحفظونها ويستدلون بها.
العشرون: إثبات الصفات خلافا للأشعرية المعطلة.


السماء: وأما ما قاله من عنده; فهو تخرص; فالكلمة التي سمعها تصدق، والذي يضيفه كله كذب يموه به على الناس.
الثامنة عشرة: قبول النفوس للباطل كيف يتعلقون بواحدة ولا يعتبرون بمئة؟ !: وهذا صحيح، وليس صفة عامة لعامة الناس، بل لأهل الجهل والسفه; فهم يتعلقون بالكاهن من أجل صدقه مرة واحدة، وأما مئة كذبة، فلا يعتبرون بها، ولا شك أن بعض السفهاء يغترون بالصالح المغمور بالمفاسد، ولكن لا يغتر به أهل العقل والإيمان، ولهذا لما نزل قوله تعالى: { يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا } 1 تركهما كثير من الصحابة اعتبارا بالموازنة، والعاقل لا يمكن إذا وازن بين الأشياء أن يرجح جانب المفسدة; فهو وإن لم يأت الشرع بالتعيين يعرف ويميز بين المضار والمنافع.


التاسعة عشرة: كونهم يتلقى بعضهم من بعض تلك الكلمة ويحفظونها... إلخ: الكلمة: هي الصدق; لأنها هي التي تروج بضاعتهم، ولو كانت بضاعتهم كلها كذبا ما راجت بين الناس.
العشرون: إثبات الصفات خلافا للأشعرية المعطلة: الأشعرية: هم الذين ينتسبون إلى أبي الحسن الأشعري وسموا معطلة لأنهم يعطلون




1 سورة البقرة آية : 219.




ج / 1 ص -327-


النصوص عن المعنى المراد بها ويعطلون ما وصف الله به نفسه. والمراد تعطيل أكثر ذلك فإنهم يعطلون أكثر الصفات ولا يعطلون جميعها، بخلاف المعتزلة; فالمعتزلة ينكرون الصفات ويؤمنون بالأسماء، هؤلاء عامتهم، وإلا; فغلاتهم ينكرون حتى الأسماء، وأما الأشاعرة; فهم معطلة اعتبارا بالأكثر; لأنهم لا يثبتون من الصفات إلا سبعا.

وصفاته تعالى لا تحصى، وإثباتهم لهذه السبع ليس كإثبات السلف; فمثلا: الكلام عند أهل السنة: أن الله يتكلم بمشيئته بصوت وحرف. والأشاعرة قالوا: الكلام لازم لذاته كلزوم الحياة والعلم، ولا يتكلم بمشيئة، وهذا الذي يسمع عبارة عن كلام الله وليس كلام الله، بل هو مخلوق; فحقيقة الأمر أنهم لم يثبتوا الكلام، ولهذا قال بعضهم: إنه لا فرق بيننا وبين المعتزلة في كلام الله; لأننا أجمعنا على أن ما بين دفتي المصحف مخلوق، وحجتهم في إثبات الصفات السبع: أن العقل دل عليها. وشبهتهم في إنكار البقية: زعموا أن العقل لا يدل عليها.


والرد عليهم بما يلي:
1- أن كون العقل يدل على الصفات السبع لا يدل على انتفاء ما سواها; فإن انتفاء الدليل المعين لا يستلزم انتفاء المدلول; فهب أن العقل لا يدل على بقية الصفات، لكن السمع دل عليها; فنثبتها بالدليل السمعي.
2- أنها ثابتة بالدليل العقلي بنظير ما أثبتم به هذه السبع; فمثلا: الإرادة ثابتة لله عندهم بدليل التخصيص، حيث إن الله جعل الشمس شمسا، والقمر قمرا، والسماء سماء والأرض أرضا، وكونه يميز بين ذلك؛ معناه: أنه سبحانه وتعالى يريد; إذ لولا الإرادة; لكانت الدنيا كلها سواء، فأثبتوها؛ لأن العقل دل عليها. فنقول لهم: الرحمة لا تمضي لحظة على




ج / 1 ص -328- الحادية والعشرون: التصريح بأن تلك الرجفة والغشي خوفا من الله عزوجل
الثانية والعشرون: أنهم يخرون لله سجدا.


الخلق إلا وهم في نعمة من الله; فهذه النعم العظيمة من الله تدل على رحمته لخلقه أدل من التخصيص على الإرادة. والانتقام من العصاة يدل على بغضه لهم، وإثابة الطائعين ورفع درجاتهم في الدنيا والآخرة يدل على محبته لهم أدل على التخصيص من الإرادة، وعلى هذا فقس; فالمؤلف رحمه الله لما كان الأشعرية لا يثبتون إلا سبع صفات على خلاف في إثباتها مع أهل السنة جعلهم معطلة على سبيل الإطلاق، وإلا; فالحقيقة أنهم ليسوا معطلة على سبيل الإطلاق.


الحادية والعشرون: التصريح بأن تلك الرجفة والغشي خوفا من الله عزوجل فيدل على عظمة الخالق جل وعلا، حيث بلغ خوف الملائكة منه هذا المبلغ.
الثانية والعشرون: أنهم يخرون لله سجدا: أي: تعظيما لله واتقاء لما يخشونه; فتفيد تعظيم الله عزوجل كالتي قبلها.





المصدر :

كتاب
القول المفيد على كتاب التوحيد

رابط التحميل المباشر


http://waqfeya.com/book.php?bid=1979





رد مع اقتباس