عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 21-09-2007, 05:13PM
أبو عبد الرحمن السلفي1
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
بيان بعض أسباب ذهاب الأمن وأسباب حصوله ووجوده - 5

بيان بعض أسباب ذهاب الأمن وأسباب حصوله ووجوده - 5

السبب السابع: انتشار الرشوة والفساد في المجتمع.

من أسباب ذهاب الأمن وانعدامه أحياناً انتشار الرشوة والفساد في المجتمع.

فإذا انتشرت الرشوة والفساد بين الناس، فكبر على الاقتصاد والأمن أربعاً، وأرسل العزاء إلى أبناء البلد، وابكعليهم شفقة إن الله -تعالى- منع الفساد في الأرض، وحرمه على الناس، وانتشار الرشوة في المجتمع من أكبر الفساد والإفساد في الأرض.

قال -تعالى-: {الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون} [البقرة: 27].

فأحد أوجه تفسير هذه الآية ما قاله ابن كثير عن علماء التفسير فقال: «وقد اختلف أهل التفسير في معنى العهد الذي وصف هؤلاء الفاسقين بنقضه فقال بعضهم: هو وصية الله إلى خلقه، وأمره إياهم بما أمرهم به من طاعته، ونهيه إياهم عما نهاهم عنه من معصيته في كتبه، وعلى لسان رسله، ونقضهم ذلك هو تركهم العمل به» أهـ (1).

قلت: فتأمل حال من يخالف أمر الله ونهيه، وقد نهى الشرع عن أكل الأموال بالباطل، والرشوة من الأكل بالباطل، فالمخالفون للأمر والنهي هم الخاسرون، ومجتمعهم هو الخاسر؛ لأنهم نقضوا عهد الله فخالفوا الشرع، ولم يعملوا بالوصية، فأنى لهم التطور والأمن والاستقرار؟!

فالعلو في الأرض، والفساد فيها ليس من سمات أهل الخير، ولا الآخرة قال -تعالى-: {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً} [القصص: 83] وقال –تعالى-: {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض} [ص: 28] فأينما حل الفساد حل الدمار، وغضب الله، والشقاء، والعنت، والمأساة.

قال –تعالى-: {فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم} [محمد: 22-23].

وقد نهانا الله عن الفساد فقال: {ولا تعثوا في الأرض مفسدين} [الشعراء:183] ويكفي المرتشي عاراً، وخزياً أنه ملعون، وكذلك من يرشيه، ويعينه على هذا الفساد.

عن عبدالله بن عمروا -رضي الله عنهما- قال: «لعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الراشي والمرتشي»(2) وفي رواية قال عبدالله بن عمرو: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «لعنة الله على الراشي والمرتشي»(3).

وآكل الرشوة آكل للسحت؛ أي للحرام فلا يستجاب له دعاء، ولا بركة في ماله، وإن تصدق من ماله الحرام لا يقبل منه، فالله طيب لا يقبل إلا طيباً.

عن أبي هريرة قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «أيها الناس إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحاً إني بما تعملون عليم} [المؤمنون: 51]، وقال: {يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم} [البقرة:172]، ثم ذكر الرجل يطيل السفر، أشعت أغبر، يمد يديه إلى السماء، يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك؟»(4).

وآكل الرشوة رجل ظالم، ظلم نفسه، وظلم الناس حوله؛ فأما ظلمه لنفسه فبأكله الحرام والسحت، حيث جلب لنفسه غضب الله وسخطه، فلينتظر العقوبة من الله في الدنيا والآخرة.

قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إنه لا يدخل الجنة لحم ودم نبتا على سحت، النار أولى به...»(5).

والسحت: «هو الحرام، وقيل: هو الخبيث من المكاسب»(6).

وأما ظلمه للناس، فإنه لا ريب سيجامل من يرشيه ويدفع له، ويهمل من لا يعطيه، وما ذنب الفقير الذي لا مال عنده ليدفع الرشوة! تتعطل أعماله، وتهضم حقوقه ويذهب حقه هباء منثوراً، فهذا عين الظلم، فإذا انتشر الظلم حينها ضاع المجتمع؛ لأن المظلوم يدعو الله بحرقه، وصدق، وإخلاص، فكيف لا يستجاب له؟! ولا شك أن آكل الرشوة له نصيب كبير من هذا الدعاء.

* مفاسد الرشوة.

كم للرشوة من مفاسد ومضار، لكن لضيق الوقت، ومحدودية البحث نتحدث عن شيء من ذلك فهاك بعض مفاسدها:

1- سلب الحقوق، وهدرها، وتعطيلها.

فكم من صاحب حق سلب حقه، وأخذ منه عنوة وقهراً؛ لأن غيره دفع وهو لم يدفع، أو لن يدفع، أو لا يستطيع أن يدفع.

2- انتشار الظلم والقهر.

فالمرتشي ظالم، يظلم نفسه والناس حوله، وقد بينت ذلك قبل قليل.

3- اعتلاء المناصب من غير ذوي الكفاءات والخبرات.

فقد يدفع الراشي مالاً ليصل إلى منصب ما، أو ليحصل على وظيفة ما، وهو غير أهل أو كفئ لها، حينها تكون الطامة، والمصيبة، فترى من التصرفات العجيبة الغريبة المريبة المعيبة، فتضيع حقوق الناس، وتتخلف البلاد عن المجتمعات بدل أن تتطور وتواكب التقدم؛ كل ذلك لأن من يفرض منه أن يخطط بشكل صحيح لا يجيد ذلك؛ لأنه ليس بأهل لمكانه، وهذا من علامات الساعة.

4- ولو ضربنا هذا المثال تتضح الأمور؛ فلو أن رجلاً بنى عمارةً فيها العديد من الشقق بقصد الربح، واضطر أن يدفع رشوة للمساح، ومهندس شركة المقاولات ومهندس البلدية، والمفتش، وموصل الكهرباء، وموصل الهاتف، والمراقب وهلم جرا، لكلفته العمارة أضعاف أضعاف ما كان يتوقع، حينها يضطر أن يرفع أجرة الشقق السكنية، والمحلات التجارية المعدة للإجارة وهم بدورهم يرفعون ثمن السلع والبضائع، وهكذا لا يجد الناس المسكن المناسب والملائم؛ لغلائه، ولا المأكل المحترم كل ذلك بسبب أولئك المفسدون وهكذا يعيش الناس في ضيق، وضنك وتمتلء قلوبهم حقداً وغيضاً على المسؤولين والدوائر، وولاة الأمر، فيصبح المجتمع على شفا جرف هار، ينهار ولو بالقشة وقابل للإنفجار في أي لحظة.

5- انهيار الاقتصاد ثم الخروج على ولاة الأمر بالمظاهرات

كم انهار اقتصاد دول بسبب كثرة الرشوة، فإن الموظفين الذين على الصناديق العامة، وفي الأماكن الحساسة، إذا أكلوا الرشوة، لابد وأنهم سيمررون المعاملات الخاطئة، ويقللون من دخل الدولة، فبدل أن يدفع من عليه غرامه بمقدار مئة ألف درهم لصندوق الحكومة، يدفع عشرة آلاف درهم للمسؤول ويعفيه من الغرامة وحينها يكون الغارم الحقيقي هو الدولة، والناس؛ لأن دخل الدولة إذا قل قلت معه الخدمات، والمشاريع النافعة للناس، حينها يبقى الناس في أسوأ حال يعانون ما يعانون من نقص في الأغذية، والأدوية، والوظائف، والدخل، والتعليم فيضجر الناس، ويحقدون على الحاكم، وينفذ صبرهم، فيخرجون إلى الشوارع مطالبين بالإصلاح، واستقالة الحاكم، فتخرج لهم قوات الأمن متصدية فيقع الإشتباك وينهار الأمن، ويختل، ويصبح الناس في فوضى لا نهاية لها، فهل رأيتم إلى أين تقود الرشوة؟!

* معاقبة المرتشي من السياسة الشرعية.

إن الموظف أو المسؤول في مكان ما مؤتمن على ذلك المكان، فعليه أن يؤدي الأمانة خير أداء، فإن خالف وأكل الحرام، فقد خان الأمانة، وخان ولاة أمره، حينها على ولي الأمر أن يعاقبه، وعقوبة من لا يستحق هذا المنصب عقوبة تعزيرية تطبق بما يناسب الحال والزمان، وبما يراه ولي الأمر الحاكم في حدود ضوابط الشريعة وقواعدها؛ وذلك مثلاً بعزله من منصبه ووضع صورته في الجرائد، ليرتدع غيره، أو بسجنه، أو بجلده، ولابد من أخذ ما اغتصبه من أموال الناس منه، واسترداده إلى خزينة الدولة، فإن الغاصب عليه إعادة المغصوب شرعاً وبالقوة؛ لأنه حق عام للناس كافة يعيده رغم أنفه بالكلمة أو بالقوة.

وقال شيخ الإسلام الإمام ابن تيمية -رحمه الله- واصفاً عقوبة من يرتكب الجرائم التي ليس فيها حد، وإنما عقوبتها التعزير قال: «وأما المعاصي التي ليس فيها حد مقدر ولا كفارة، كالذي يقبل الصبي، والمرأة الأجنبية..، أو يسرق من غير حرز، أو شيئاً يسيراً، أو يخون أمانته، كولاة أموال بيت المال أو الوقوف، ومال اليتيم ونحو ذلك، إذا خانوا فيها؛ وكالوكلاء والشركاء، إذا خانوا، أو يغش في معاملته؛ كالذين يغشون في الأطعمة والثياب ونحو ذلك، أو يطفف المكيال والميزان،أو يشهد الزور...، أو يرتشي في حكمه، أو يحكم بغير ما أنزل الله،أو يتعدى على رعيته...،أو غير ذلك من المحرمات،فهؤلاء يعاقبون تعزيراً وتنكيلاً وتأديباً، بقدر ما يراه الوالي، على حسب كثرة ذلك الذنب في الناس وقتله..، وقد يعزر بترك استخدامه في جند المسلمين؛ كالجندي المقاتل،إذا فر من الزحف، فإن الفرار من الزحف من الكبائر وقطع خبزه نوع تعزير له، وكذلك الأمير إذا فعل ما يستعظم فعزله من الإمارة تعزير له وكذلك قد يعزر بالحبس، وقد يعزر بالضرب، وقد يعزر بتسويد وجهه وإركابه على دابة مقلوباً» أهـ (7).

قلت: فعلى المسؤولين وولاة الأمر- وفقهم الله- أن يعاقبوا كل مرتش وأن يعزلوا من لا يصلح منهم، إذا خان الأمانة، ليكون عبرة لغيره، ولا يتساهل معهم أبداً، لأنهم مفسدون، يؤدي صنيعهم إلى الطعن في الحاكم، وقد لا يرضى بما يحصل ولا علم له بصيغ المرتشي، وإلا انتهى الأمر بزعزعة الأمن، وانتشار الظلم، وضعف الاقتصاد، وضياع البلاد وإنني لا أعني بما سبق جهة معينة، فبلادنا ولله الحمد لا تزال بخير، بفضل من الله، إنما ذلك تنبيه، وعلاج لمن أراده، وفق الله الجميع للخير.



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) تفسير القرآن العظيم (1/210).

(2) أخرجه أبو داود (برقم/3580) والترمذي (برقم/1337) وقال: «هذا حديث حسن صحيح» وصححه الألباني في صحيح الترمذي (2/69) وأخرجه الحاكم في مستدركه (4/203) وقال: «هذا حديث صحيح الإسناد» وأخرجه ابن حبان في صحيحه (/11468).

(3) أخرجه ابن ماجه (برقم/2313) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (2/250).

(4) أخرجه مسلم في صحيحه (1015).

(5) أخرجه الترمذي في سننه (برقم/614) وابن حبان في صحيحه واللفظ له (12/378)، وقال الترمذي «هذا حديث حسن غريب»، وصححه ابن حبان، والألباني في صحيح الترمذي (1/336).

(6) صحيح الترغيب والترهيب (2/320).

(7) السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، للعلامة أحمد بن عبد السلام الشهير بابن تيمية (ص 117-118) بتصرف ط: دار الراوي- الدمام تحقيق: عبد الباسط الغريب.
رد مع اقتباس