عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 12-02-2015, 05:17PM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم





إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد
لفضيلة الشيخ الدكتور /صالح بن فوزان الفوزان
-حفظه الله ورعاه-


باب ما جاء في المصورين

ج / 2 ص -262- [الباب الواحد والستون:]
* باب ما جاء في المصورين



هذا الباب عقده المصنِّف رحمه الله في "كتاب التّوحيد" لأنّ التصوير سببٌ من أسباب الشّرك، ووسيلةٌ إلى الشّرك الذي هو ضدّ التّوحيد، كما حدث لقوم نوح لَمّا صوّروا صور الصالحين ونصبوها في مجالسهم وآل بهم الأمر إلى أنْ عبدوهم من دون الله، فأوّلُ شركٍ حصل في الأرض كان بسبب الصور وبسبب التّصوير.
وكذلك قوم إبراهيم الذين بعث إليهم الخليل- عليه الصلاة والسلام- كانوا يعبدون التماثيل التي هي صور مجسّمة لذوات الأرواح، وكذلك بنو إسرائيل عبدوا التمثال الذي هو على صورة عجل صنعه لهم السامري.
فدلّ هذا: على أنّ التصوير سببٌ لحُدوث الشرك ووسيلةٌ إلى الشّرك، وذلك أنه إذا صنعت الصورة وعلِّقت أو نُصبت وهي صور للزُّعماء والصّالحين والعلماء فإنّها في النهاية تعظُّم، ثم الشيطان يأتي النّاس ويقول لهم: إنّ هذه الصور فيها نفعٌ لكم، وفيها دفعُ ضرر، فيعظِّمونها ويتبرّكون بها، ويذبحون لها وينذرون لها، حتى تُصبح أوثاناً تعبد من دون الله.


فلهذا السبب عقد المصنِّف رحمه الله هذا الباب في "كتاب التّوحيد"، لأنّ هذا الكتاب في بيان التّوحيد وبيان الشرك ووسائل الشرك، ومن أعظم وسائل الشرك وأسبابِه التّصوير ونصب الصور وتعليقها.
فقوله رحمه الله: "باب ما جاء في المصوِّرين" يعني: من الوعيد الشديد والنّهي والزّجر عن ذلك.
قال: "عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى"" مثل هذا الحديث الذي يرويه النّبي صلى الله عليه وسلم عن ربّه يسمّى بالحديث القُدْسي، نسبةً إلى القدس وهو الطهر، لأنّه من كلام الله سبحانه وتعالى الذي رواه عنه رسوله صلى الله عليه وسلم.


والأحاديث القدسيّة معروفة عند أهل العلم، وأُلِّفتْ فيها مؤلّفات، جُمعت فيها الأحاديث القدسيّة، منها ما هو صحيح، ومنها ما هو دون ذلك.
وهذا الحديث من الأحاديث القدسيّة الصحيحة لأنّه في "الصحيحين ".
ج / 2 ص -263- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: ومن أظلم ممّن ذهب يخلُق كخلقي؛ فليخلقوا ذرّة، أو ليخلُقوا حبّة، أو ليخلُقوا شعيرة" أخرجاه.


فقوله: "قال الله تعالى" هذا فيه إثبات الكلام لله عزّ وجلّ، وأنّه يقول ويتكلّم كما يليق بجلاله سبحانه وتعالى، ليس ككلام المخلوق، وإنّما هو كلام الخالق جل وعلا.
"ومن أظلم ممّن ذهب يخلق كخلقي" هذا استفهام إنكار بمعنى النفي، أي: لا أحد أشدُّ ظلماً من المصوِّر، مثل قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً}، {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعَى إِلَى الْأِسْلامِ} أي: لا أحد اظلم من هذا، فهو أظلمُ الظّالمين.
قوله تعالى: "يخلُق كخلقي" يعني بذلك المصوِّر، لأنّ المصور يحاول أن يوجد صورة تشبه الصورة التي خلقها الله سبحانه وتعالى، لأنّ الله جل وعلا تفرّد بالخلْق، وتفرّد بالتّصوير: {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ}، {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ}، {وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ}، فالله جل وعلا هو المصوِّر، فالذي يحاول أن يضع شكلاً يشبه الصورة التي خلقها الله جل وعلا يجعل نفسَه شريكاً لله في التّصوير، ولهذا يجعل الصورة على شكل المصوِّر من إنسان أو حيوان، فيجعل لها رأساً ووجهاً وعينين وأنفاً وشفتين وأُذنين ويدين ورجلين، ثم يلوِّنُها بالتلوينات إذا كانت رسماً، وإن كانت بناءً فإنّه يبني تمثالاً مكوّناً من أعضاء وتقاطيع يحاولُ بها مشابهة خلق الله سبحانه وتعالى ومشاركة الله جل وعلا فيما اختصّ به وتفرّد به، فإنّ الله جل وعلا هو الخالق وحدَه، لا أحد يخلُق غيرُه: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ}، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ}.


هو يستطيع أن يرسم شكلاً أو يبني تمثالاً، ولكنّه لا يستطيع أن يجعله حيَّاً متحركاً عاقلاً مفكِّراً يأكُل ويشرب ويعمل كما يعمل خلقُ الله سبحانه وتعالى: {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ}.
وقوله: "فليخلقوا ذرة" هذا أمر تعجيز وتحدٍّ، وهو تحدٍّ قائم إلى يوم القيامة.
ج / 2 ص -264- ولهما عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أشدُّ النّاس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله ".


"أو ليخلُقوا حبّة" حبّة من النّبات: حبّة بُرّ أو دخن أو غير ذلك من الحبوب.
"أو ليخلُقوا شعيرة" أي: حبّة شعير، هم يستطيعون أن يعملوا صورة حبّة، صورة شعيرة، صورة ذرّة، لكن لا يستطيعون أن يجعلوا فيها الخواصّ التي يجعلها الله في هذا المخلوق، وإنّما عمله أن يستطيع أن يجعل مجرّد شكل ورسم أو تمثال فقط.
قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى}، فالله وحده يجعل حبّة فيها خصائص الحبّة من الحياة والنموّ والطعم، لأنّ الحبّة فيها حياة، ولذلك إذا بُذِرَتْ نبتَتْ، وتسمّى حياة نموّ، أمّا حياة الحيوان فإنّها تسمّى حياة حركة، فالحياة على قسمين: حياةُ حركة، وهذه في ذوات الأرواح، وحياةُ نموّ وهي في الحبُوب والبُذور التي جعلها الله سبحانه وتعالى لإنباتِ الأشياء.


ولو أن هذا الإنسان الذي يسمّونه الفنّان صرف جهده لأشياء نافعة، صرف جهده لاختراع، صناعة تنفع، ينفع نفسه وينفع النّاس بها لكان هذا عملاً جيِّداً، ومع النيّة والإيمان يكون عبادة ويؤجَرُ عليها.
أمّا أنْ يصرف جُهده ووقته وتعلُّمه في إيجاد هذه الصور ونحت هذه الصور فهذا عبثٌ فارغ وعملٌ محرّم، وهو ملعون على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أشدّ النّاس عذاباً يوم القيامة، فبئسما اختار لنفسه من هذا الفنّ الممقوت.


"أخرجاه" أي: أخرجه البخاري ومسلم- رحمهما الله-.
"ولهما" أي: البخاري ومسلم: "أشدّ النّاس عذاباً يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله ".
قوله صلى الله عليه وسلم: "أشدّ النّاس عذاباً يوم القيامة" في الحديث الأوّل: "ومن أظلم"، وفي هذا أنّهم أشدّ النّاس عذاباً يوم القيامة، فيدلّ على أنّ التصوير حرامٌ مغلّظ التحريم وأنّه كبيرة من كبائر الذُّنوب، فهذا الذي يعتبرونَه فنَّاً ويتعلّمونه ويتفاخرون به هو أعظم الذُّنوب.


ج / 2 ص -265- ولهما عن ابن عبّاس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كلُّ مصوِّرٍ في النّار، يُجعل له بكلّ صورة صوّرها نفسٌ يعذّب بها في جهنّم ".

وهم أشدّ النّاس عذاباً يوم القيامة إن لم يتوبوا إلى الله عزّ وجلّ.
"الذين يضاهئون بخلق الله" "يضاهئون" يعني: يحاولون أنْ يوجدوا صورة تشبه خلق الله سبحانه وتعالى، فالمضاهاة معناها: المشابهة، كما قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ} يعني: يشابهون من سبقهم من الكُفّار.


فهذا فيه: بيان علّة تحريم التصوير؛ أنّ فيه مضاهاة لخلق الله تعالى وإساءة أدب مع الله عزّ وجلّ.
قال: "ولهما عن ابن عبّاس: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "كلُّ مصوِّرٍ في النّار، يُجعل له بكلّ صورة صوّرها نفسٌ يعذّب بها في جهنّم".
هذا الحديث- أيضاً- فيه وعيدٌ شديد؛ فقوله: "كلّ مصوّر" هذا يشمل جميع أنواع التصوير، سواءً كان نحتاً وتمثالاً، وهو ما يسمّونه: مجسّماً، أو كان رسماً على ورق، أو على لوحات، أو على جُدران، أو كان التقاطاً بالآلة الفوتوغرافية التي حدَثت أخيراً، لأنّ من فعل ذلك يسمّى مصوِّراً، وفعله يسمّى تصويراً، فما الذي يخرج التصوير الفوتوغرافي كما يزعم بعضهم.
فما دام أنّ عمله يسمّى تصويراً فما الذي يُخرِجُه من هذا الوعيد؟.


وكذلك قوله: "بكل صورة صوّرها" عامٌّ أيضاً لكل صورة أيًّا كانت، رسماً أو نحتاً، أو التقاطاً بالآلة، غاية ما يكون أنّ صاحب الآلة أسرع عملاً من الذي يرسُم، وإلا فالنتيجة واحدة، كلٌّ من هؤلاء قصده إيجاد صورة، فالذي ينحت أو يبني التمثال قصده إيجاد صورة، والذي يرسم قصده إيجاد صورة، والذي يلتقط بالكاميرا قصده إيجاد الصّورة، لماذا نفرّق بينهم والرّسول صلى الله عليه وسلم يقول: "كلُّ مصوِّرٍ في النّار؟"، ما هو الدليل المخصص إلاّ فلسفة يأتون بها، وأقوالاً يخترعونها يريدون أن يخصّصوا كلام الرّسول صلى الله عليه وسلم برأيهم، والمحذور الذي في الصور الفوتوغرافية والتمثاليّة أو المرسومة هو محذور واحد، وهو أنّها وسيلةٌ إلى الشرك، وأنّها مضاهاةٌ لخلق الله تعالى، كلٌّ منهم مصوِّر، والنتيجة واحدة، والمقصود واحد، فما الذي
ج / 2 ص -266- يخصّص صاحب الآلة عن غيره؟، إن لم يكن صاحب الآلة أشد، لأنّ صاحب الآلة يأتي بالصورة أحسن من الذي يرسم، فهو يحمّضُها ويلوّنُها، ويتعب في إخراجها حتى تظهر أحسن من التي تُرسم، فالمعنى واحد، ولا داعي لهذا التكلُّفَ أو هذا التمحُّل في التفريق بين الصور.


ومعلومٌ أنّ كلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يخصّص إلاّ بدليل من كلام الله أو كلام رسوله، لا باجتهادات البشر وتخرُّصات البشر وفلسفات البشر، هذا مردود على صاحبه، وهذا معروف من أُصول الحديث وأُصول التفسير أنّ العامّ لا يخَصَّص إلاّ بدليل، ولا يخصّص العامّ باجتهادات من النّاس يقولونها، هذه قاعدة مسلّمةٌ مجمَعٌ عليها، فما بالُهم تغيب عنهم هذه القاعدة ويقولون: "إن التصوير بالآلة الفوتوغرافية لا يدخل في الممنوع" إلى آخره؟، كلّ هذا كلام فارغ لا قيمة له عند أهل العلم وعند الأُصوليّين. القواعد الأُصولية تأبى هذا كلّه، وهم يعرفون هذا، ولكن- سبحان الله- الهوى والمغالَطة أحياناً يذهبان بصاحبهما مذهباً بعيداً.


يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "كل مصوِّرٍ في النّار" ويأتي فلان ويقول: "لا، المصوِّر بالفوتوغرافي ليس في النّار".
وقوله: "يُجعل له بكلّ صورة صوّرها نفسٌ يعذّبُ بها في جهنّم" أي: كلّ صورة صوّرها بأي وسيلة إمّا بنحت وإمّا برسم وإمّا بالتقاطٍ بالآلة الفوتوغرافية، كثرت الصور أو قلّت، تحضر هذه الصور التي صوّرها يوم القيامة، ويُجعل في كل صورة نفس يعذّب بها في جهنّم، هذه الصور تصلاه بالعذاب يوم القيامة، كما أنّ صاحب المال الذي لا يزكِّيه يجعل الله مالَه ثُعباناً يوم القيامة- أو في القبر- فيسلِّطُه عليه: {وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}، كذلك الصور هذه تجعل فيها نفوس وتسلّط عليه تعذّبه في نار جهنّم، فما بالُكم بالذي صنع آلات الصّور؟، سيعذّب بها يوم القيامة- والعياذُ بالله- كلِّها. وهل يخلصه الذي يقول: الصورة الفوتوغرافية لا يعذب بها.


وقوله صلى الله عليه وسلم: "يُجعل له بكل صورة " قيل: إنّ الباء سببيّة، أي: بسبب كلّ
ج / 2 ص -267- ولهما عنه مرفوعاً: "من صوّر صورة في الدنيا؛ كُلِّف أن ينفُخ فيها الروح، وليس بنافخ ".
ولمسلم عن أبي الهيّاج قال: قال لي عليّ: "ألا أبعثُك على ما بعثني عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟: أن لا تدع صورةً إلاّ طمستها، ولا قبراً مشرِفاً إلاّ سوّيتَه".


صورة، وقيل: إنّ الباء بمعنى (في)، أي: في كل صورة نفس يعذب بها.
قوله: "ولهما عنه مرفوعاً: من صوّر صورة" هذا نوعٌ آخر من الوعيد.
"كُلِّف أن ينفُخ فيها الرّوح، وليس بنافخ" أي: تحضّر الصور كلّها التي صنعها، ويؤمر بأن ينفخ فيها الأرواح، وهل يستطيع أن ينفخ الأرواح؟، ولكن هذا من باب التعجيز والعذاب، بأن يُحمّل ما لا يستطيع وما لا يُطيق- والعياذ بالله- فيطولُ عذابُه.


ولولا أنّ في التصوير خُطورة وفيه فتنة لَمَا رأيتُم فتنة النّاس به وكثرتُه، لأنّ الشيطان يحثّ عليه ويحرِّض عليه، لأنّ فيه ضرراً على بني آدم، فهو يحثُّهم على فعله وعلى صنعتِه من أجل أن يتحمّلوا هذه الأوزار
- والعياذُ بالله-.


وتتلخص أنواع الوعيد التي وردت في حق المصور فيما يلي: أنه لعنه صلى الله عليه وسلم أنه أشد النّاس ظلماً، أنه أشد النّاس عذاباً، أنه يجعل له بكل صورة صوّرها نفس يعذب بها في النار، أنه يكلّف نفخ الروح بكل صورة صوّرها ويقال له: أحي ما خلقت؟.
قوله: "عن أبي الهيّاج" الأسدي: تابعيّ جليل، وهو كاتب أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه.
"قال: قال لي عليّ: "لا أبعثُك" أي: أُرسلك.


"على ما بعثني عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟" أي: أرسلني إليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وكلّفني به، فعليّ رضي الله عنه يريد أن يكلِّف أبا الهيّاج بهذه المهمة التي كلّفه بها رسولُ الله صلى الله عليه وسلم.
"أن لا تدع صورةً" "صورة" نكرة في سياق النفي، فتعُمّ كلّ صورة مجسّمة أو مرسومة أو ملتقطة بالآلة.


ج / 2 ص -268- "إلاَّ طمستَها" وطمسُها يكون بإتلافها، أو بقطع رأسها، حتى تصبح مجّرد شكل بدون رأس، لأنّ الصورة تتمّ وتتكامل بالرأس والوجه.
وليس معنى طمس الصورة كما يفعله بعض الجُهّال أو المتحيِّلين أنّه يجعل خطَّاً في عُنُق الصورة فيُصبح كالطّوق، لأن الطمس: أن تُزيل الرأس إمّا بقطعهِ، وإمّا بتلطيخِه وإخفائه تماما.
فقوله: "ولا قبراً مشرِفاُ إلاّ سوّيته" المشرف: المرتفع، بأن يُبنى على القبر بناية من أجل تعظيم القبر، كما يفعل من بناء الأضرحة، أو يزاد عليها غير ترابها حتى تصبح مرتفعة أكثر من شبر، أو تجصص القبور ويكتب عليها، وما أشبه ذلك، فهذا كله حرام، لأنّه وسيلة إلى الشرك.


ولاحظوا كون الرسول صلى الله عليه وسلم جمع بين طمس الصورة وتسوية البناء على القبور مما يدلُّكم على أنّ من العلل العظيمة في منع التصوير أنّه وسيلة إلى الشرك، فكما أن البناء على القبور وسيلة إلى الشرك، فكذلك التصوير وسيلة إلى الشرك. وأيضاً كون الرسول صلى الله عليه وسلم كلف علي بن أبي طالب رضي الله عنه بهذه المهمة مما يرد به على الذين يغلون في أهل البيت ويزعمون أن لهم خاصية تسوغ الغلو في قبورهم.


وقوله صلى الله عليه وسلم: "ولا قبراً مشرِفاً" يعني: مرتفعاً بالبناء، أو بالتّراب، ففي هذا: الأمر بهدم القباب التي على القبور والأمر بهدم الأضرحة، وأنّ هذا من مهمّة ولاة الأُمور ومن مهمّة كلّ مسلم أن يعمل على إزالة هذا الشيء فإن كان له سلطة وقدرة فيزيله باليد، وإن كان ليس له سُلطة فإنّه يتصل بولاة الأمور ويبلِّغ ويبِّين أن هذا أمر يلزمهم إزالته، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بإزالته. ويحذر المسلمين من البناء على القبور ويبيِّن لهم السنّة في دفن الموتى وما يلزم اتخاذه وعمله نحو القبور مما هو مشروع.


فهذه الأحاديث فيها فوائد ومسائل عظيمة:
المسألة الأولى: فيها إثبات الكلام لله عزّ وجلّ، وأنه يتكلم، وكلامه سبحانه وتعالى كسائر صفاته، يليق بجلاله سبحانه وتعالى ليس ككلام المخلوق.

المسألة الثانية:
في الحديث دليلٌ على تحريم التّصوير بجميع أنواعه، لا يُستثنى شيءٌ من التصوير، لقوله صلى الله عليه وسلم: "كلُّ مصوّرٍ في النار"، "من صوّر صورة"، "لا تدع
ج / 2 ص -269- صورة"، "أشدّ النّاس عذاباً يوم القيامة المصورون" وهذا عام في كل مصور، وكل صورة بأي وسيلة كان إيجادها، لكن ما دعت الضّرورة إليه من التصوير؛ فإنه يرخص فيه، مثل: الصورة التي توضع في الجواز، أو إثبات الشخصية، لأنّ النّاس يُمنعون من حوائجهم ومن أسفارهم ومن وظائفهم، بل حتّى من دخولهم في المدارس والمعاهد إلاّ بهذا، فكان هذا من باب الضّرورة، فيجوز بقدر الضّرورة فقط، وما عداه من التصوير فهو حرام، سواء كان للذكريات- كما يقولون-، أو لأجل الفنّ أو لغير ذلك من الأغراض أو لتجميل الجدران أو ما أشبه ذلك، فكلّه حرام.


المسألة الثالثة:
في الأحاديث بيان علّة تحريم التصوير، وهي: أنّه مضاهاة لخلق الله، وأيضاً هو وسيلةٌ من وسائل الشرك وهذه أشّد.

المسألة الرابعة:
في الأحاديث: دليل على أنّ التصوير من كبائر الذّنوب، وذلك لأمور:
أوّلاً: الرسول صلى الله عليه وسلم قال عن ربِّه: "من أظلمُ ممّن ذهب يخلُق كخلقي"، هذا يدلّ على أنّ التصوير كبيرة.
وثانياً: وعيدُه بالنّار، والوعيد بالنّار إنّما يكون على كبيرة.
المسألة الخامسة: في الحديث دليلٌ على وجوب طمس الصور، والرّسول صلى الله عليه وسلم لَمّا رأى في بيت عائشة قراماً فيه تصاوير؛ تغيّظ صلى الله عليه وسلم وأبى أن يدخُل البيت حتى هُتِك هذا القِرام وأُزيلت الصور المعلقة.
ففي هذه الأحاديث: وُجوب إتلاف الصّور أو امتهانُها، لأنّ الصورة إذا كانت ممتهنة توطأ وتُداس ويُجلس عليها فإنها تكون ممتهنة، كما إذا كانت في فِراش أو في إناء يُشرب به أو يُطبخ به فإنها ممتهنة لا قيمةَ لها، والرّسول صلى الله عليه وسلم لَمّا أُميط القِرام وجُعِل وسائد جلس عليه صارت الصور مهانة.

المسألة السادسة:
في الحديث دليل على وُجوب هدم الأضرحة المبنيّة على القُبور، لأنّها وسيلةٌ من وسائل الشّرك فيجب هدمُها، ممن يقدِر على ذلك بسلطتِه، ومن لا سُلطة له فإنّه يبيِّن ويدعو إلى هدمِها ويراجع السلطة في هدمِها.



المصدر :

كتاب :
إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد

رابط تحميل الكتاب

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/.../mostafeed.pdf




رد مع اقتباس