عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 01-11-2015, 12:39AM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم





تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام


للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -



[253]الحديث الثاني :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال ( لا تلقوا الركبان ولا يبع بعضكم على بيع بعض ولا تناجشوا ولا يبع
حاضر لباد ولا تصرّوا الغنم ومن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر ).

وفي لفظ ( هو بالخيار ثلاثاً )


موضوع الحديث:
النهي عن بيوع قد تكون المصلحة فيها تارة للفرد وتارة للجماعة والمقصود منها حماية الحقوق من الظلم والغرر



المفردات
لا تلقوا الركبان : التلقي هو الخروج إلى خارج السوق ليشتري بأرخص بعد أن علم أسعار السوق
الركبان : جمع راكب وهو خرج مخرج الغالب إذ أن تلقي المشاة ليس بجائز
قوله ولا يبع بعضكم على بيع بعض :فسره بعضهم
بالسوم وفسره بعضهم بأنه ما يكون في مدة الخيار


قوله ولا تناجشوا : النجش هو الاستثارة يقال نجش الصيد إذا أثاره والمراد بالنجش أن يدفع فيها ثمناً عالياً لا ليشتريها ولكن ليوقع الآخر فيها

قوله ولا يبع حاضر لباد : الحاضر هو صاحب الحضر وهو الساكن في المدينة والباد هو الساكن في البادية

قوله ولا تصرّوا الغنم : الصرّ هو حبس اللبن في الماشية ذات اللبن لترد إلى السوق على هيئة يُظن فيها أنها صاحبة لبن كثير

قوله وهو بخير النظرين : أي نظر الرد ونظر الإمساك يختار أيهما أراد إذا رأى فيه المصلحة .
قوله بعد أن يحلبها : المراد استمرار الحلب وهل يكون مستمراً كعادته أم لا ؟

قوله إن رضيها أمسكها : هذا تفسير للنظرين وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر هذا أيضاً للتفسير

وفي لفظ هو بالخيار ثلاثاً : أي ثلاثة أيام .


المعنى الإجمالي
إن الشارع الحكيم ﷺ يحرص دائماً على جلب المصالح ودفع الضرر سواء كان ذلك للفرد أو للجماعة وقد نهى ﷺ
عن هذه البيوع لما فيها من الضرر ولما في تركها والعمل بما يجوز من جلب المصالح رعاية للحقوق فصلوات الله وسلامه عليه .



فقه الحديث
أولاً: الكلام على الفقرة الأولى وهو النهي عن تلقي الركبان من ثلاثة وجوه من حيث حكم الفعل المنهي عنه ومن حيث
صحة البيع أو فساده ومن حيث إثبات الخيار أو عدم إثباته ،

الوجه الأول وهو من حيث الحكم فإن من تلقى الركبان عالماً بالتحريم قاصداً لذلك فإن فعله حرام لأنه مخالفة صريحة
للنهي وهذا هو الأظهر أما إن خرج لحاجة من غير قصد التلقي أو كان بيته على الطريق فإن هذا لا يدخل في التحريم ولا يكون
فاعله آثماً فيما يظهر



الوجه الثاني وهو صحة البيع أو فساده قال وهو عند الشافعي صحيح وإن كان آثماً وعند غيره من العلماء يبطل ومستنده
أن النهي للفساد ومستند الشافعي أن النهي لا يرجع إلى نفس العقد ولا يخل هذا الفعل بشيء من أركانه وشرائطه وإنما هو
لأجل الإضرار بالركبان .



وأقول : إن القول بصحة البيع هو الأظهر إذ لو لم يكن البيع صحيحاً لما جعل النبي ﷺ له الخيار في قوله ( فصاحب
السلعة بالخيار ) فلما جعل النبي ﷺ له الخيار دل على أن البيع صحيح لأنه إذا استمر على البيع وأنفذه وكان البيع غير
صحيح فإن مقتضى ذلك أنه نفذ بيعاً باطلاً .



والوجه الثالث : إثبات الخيار بحيث لا ضرر بالركبان بحيث يكونون عالمين بالسعر فلا خيار

وأقول : إن إثبات الخيار في بعض الروايات وهي رواية صحيحة يجب على المكلف والفقيه المصير إليها ومن قال لا خيار فإنه
قد خالف ما قرره الشارع ﷺ وهذا التقرير إذا تأملناه هو في غاية المصلحة وذلك يدور على وجود الغرر والضرر
فإن وجد الغرر والضرر الذي هو علة للنهي فذاك هو الموجب للخيار وإن لم يوجد غرر ولا ضرر فالقول الصحيح عدم وجود
الخيار ولهذا قال الفقهاء الحكم يدور مع علته .



ثانياً :أما قوله ولا يبع بعضكم على بيع بعض فهذا سلك فيه الفقهاء مسلكان ، المسلك الأول تفسيره بالسوم وأنه إذا سام
رجل من المسلمين سلعة فإنه لا يجوز للآخر أن يسوم على سومه حتى يشتري أو يترك وهذا قول مالك أي أن مجرد السوم
يمنع السوم من الآخر مثال ذلك أن يأتي رجل فيسوم سلعة ويأتي آخر والأول قبله يسوم فيقول هذا أنا أسوم بكذا زيادة على
سوم الأول هذا ممنوع عند مالك وأصحابه .



أما المسلك الثاني فهو مسلك الشافعية والحنابلة وهو أن السوم على السوم جائز ما لم يُقبل من كان قد سام أولاً
وإنما النهي في هذا الحديث أن يكون البيع قد وقع فيقول للمشتري في مدة الخيار رد هذا وأنا أبيع منك بأقل أو العكس
فهذا هو الممنوع بموجب هذه الفقرة .



وخصص من ذلك من منع السوم على السوم وهم المالكية خصصوا بيع من يزيد لقول النبي ﷺ في قصة صاحب
الحلس والقدح وأن النبي ﷺ (قَالَ مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ قَالَ رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ قَالَ مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا قَالَ
رَجُلٌ أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ ) فأجازوا السوم على السوم في بيع من يزيد ومنعوه في غيره ويمكن أن يرجح قول
الشافعية والحنابلة قياساً على الخطبة على الخطبة فإن النبي ﷺ في هذا الحديث قَالَ ( ولا يَخْطُبُ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ )
وعندما قالت له فاطمة بنت قيس أنه خطبها معاوية وأبو جهم وأسامة قال النبي ﷺ (أَمَّا أَبُو جَهْمٍ فَلا يَضَعُ عَصَاهُ
عَنْ عَاتِقِهِ وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ فَصُعْلُوكٌ لا مَالَ لَهُ ) فلم يمنع النبي ﷺ الخطبة على الخطبة في هذا الحديث لأن الخطاب
لم يقبل أحد منهم ثم قال لها ( انْكِحِي أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ ) وقد قال الفقهاء إن الخطبة على الخطبة تجوز إذا كان الخاطب الأول
لم يُقبل أما إن قبل فإنه لا يجوز ذلك وربما يقال أن قياس البيع عليه وجيه . وبالله التوفيق .



ثالثاً :قوله ولا تناجشوا النجش كما تقدم معناه استثارة رغبة المشتري بحيث أنه يدفع في تلك السلعة ثمناً قد يكون خيالياً
ليوهم الآخرين بأن السلعة جيدة وتستحق هذا الثمن وهو لا يريد شراءها وفي هذه الحالة إن كان بمواطئة فإن الناجش والبائع
كلاهما عاص واقع في الإثم لكن إذا لم يكن بمواطئة وحصل الفعل من الناجش قاصداً لمنفعة البائع فالإثم خاص
به وهل يصح البيع أو يبطل هذا محل خلاف ونظر وقد نقل الصنعاني عن ابن المنذر أن طائفة من أهل الحديث قالوا بفساد
ذلك البيع وهو قول أهل الظاهر ورواية عن مالك وهو المشهور عند الحنابلة إذا كان بمواطئة البائع أو صنيعه أهـ



وكأن المذهب الثاني هو ثبوت الخيار وإذا قلنا بثبوت الخيار فإن البيع صحيح والخيار لمن حصل عليه الغبن لذلك فقد
نقل الصنعاني أيضاً أنه هو المشهور عن المالكية وهو وجه للشافعية قياساً على المصراة أهـ .

قلت إن هذا القول وجيه وقد تلخص لنا مما سبق أن النجش معصية وأن فاعله آثم وأن الخيار ثابت لمن اغتر بفعل
الناجش ووقع في الغبن من أجله.



رابعاً :قوله ولا يبع حاضر لباد هذه المسألة حملها بعضهم على الكراهة وحملها آخرون على التحريم إذا أدّى ذلك
إلى الإضرار بأهل البلد المجلوب إليهم وكأنهم قصدوا بأن هذا نوع من الاحتكار لأن النبي ﷺ قال( لا يَبِعْ حَاضِرٌ
لِبَادٍ دَعُوا النَّاسَ يَرْزُقِ اللَّهُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ ) فهو يدور بين شيئين الشيء الأول الاحتكار وإنما يكون الاحتكار في
السلع الضرورية التي يحتاج الناس إليها ضرورة كالطعام ولذلك فقد اشترطوا في التحريم شروطاً :



أولها :أن تكون السلعة من الضروريات .
والثاني :أن يعرض الحضري على البدوي .
والثالث: أن يلحق أهل البلد ضرر بذلك فإن كانت السلعة من غير الضروريات أو عرض البدوي على الحضري أو كانت
السلعة موجودة لا ضرر على أهل البلد من حبسها فحينئذ لا تحريم .

الشيء الثاني :أن يكون النهي محمولاً على الكراهة فقط فإنه حينئذ يقال بأنه لا داعي لهذه الشروط .


خامساً :قوله ولا تصروا الغنم قال ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى فيه مسائل الأولى الصحيح في ضبط هذه اللفظة ضم التاء
وفتح الصاد وتشديد الراء المهملة المضمومة على وزن تُزكوا مأخوذة من صَرَ يُصَرَّ ومعنى اللفظة يرجع إلى الجمع تقول
صريت الماء في الحوض وصريته بالتخفيف والتشديد إذا جمعته أهـ .



قلت : إن ما رجحه ابن دقيق العيد في هذه اللفظة يظهر أنه مرجوح وليس براجح وأن الصحيح في هذه اللفظة أنها بفتح تاء
المضارعة وضم الصاد والراء والمقصود ربط أخلاف الماشية ليجتمع فيها اللبن هذا هو القول الصحيح إن شاء الله
وإن كان من حيث المعنى وهو الجمع لا يبعد عن المعنى الأول .



ثانياً :وينبني على هذا أن التصرية حرام لهذا قال ابن دقيق العيد رحمه الله ( لا خلاف أن التصرية حرام للغش والخديعة التي
فيها للمشتري والنهي يدل عليه مع علم تحريم الخديعة قطعاً من الشرع ) أهـ قلت إن إجماع أهل العلم على تحريم
التصرية انتهاء إلى نهي النبي ﷺ وعملاً به هذا هو الحق لكن حصره بالغش والخديعة فيه نظر بل ولكونه إيذاءٌ
للحيوان فالدابة المصراة تتأذى بالصَّر كما يتأذى من ربط ومنع إخراج بوله إذاً فالعلة ليست محصورة في الغش والخديعة فقط
بل ولكونه إيذاء للحيوان بمنع ما ينبغي إخراجه منه ومنع ابن المصراة من رضاعها حتى يخفف عنها الأذى
أو يذهبه فتبين أن التحريم من جهتين وإن كان مقصود الشرع الأكبر هو الضرر المتعدي إلى الغير والعمل بالخداع
والشرع يمنع الخداع .



ثالثاً: يؤخذ من قوله ومن ابتاعها فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها يؤخذ من هذا أن النبي ﷺ جعل الخيار للمشتري
بعد أن يحلبها ومعلوم أن المصراة في أول حلبة بعد البيع يكون لبنها كثيراً فإذا حلبها في المرة الثانية يجد أن اللبن
نقص لذلك فإن النبي ﷺ جعل الخيار لمدة ثلاثة أيام بحيث يستقر اللبن على وضعه الأول سواء كان كثيراً أو قليلاً أو متوسطاً
ثم هو بعد ذلك بالخيار .



رابعاً :قوله إن رضيها أمسكها أي رضي لبنها أمسكها عنده وترك الرد وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر فجعل النبي ﷺ
له الخيار في ذلك .



خامساً : في قوله وإن سخطها ردها وصاعاً من تمر الصاع من التمر أو من الطعام قد جعله الشارع ﷺ في مقابل
اللبن الذي جاءت به من عند صاحبها .



سادساً : لما كان اللبن يختلف فقد يكون قليلاً وقد يكون كثيراً حكم النبي ﷺ فيه بحكم قاطع فجعل فيه
صاعاً من تمر أو صاعاً من طعام



سابعاً :أبى ذلك بعض أهل المذاهب وجعل المردود هو القيمة والقائل بذلك هو أبو حنيفة وروي عن مالك قول بترك
العمل بهذا الحديث والقول الأول أصح .



وأخيراً إني لآسف أن يرد بعض الفقهاء حديث النبي ﷺ أو يعترض عليه بقواعد قعدها من ليس بمعصوم فيجعل تلك
القواعد أصلاً والحديث فرع بل يقول إن الحديث مضنون فهل هذا هو التأدب مع النبي ﷺ الذي يليق به صلوات
الله وسلامه عليه كلا فنسأل الله أن يهدي المسلمين للعمل بطاعة ربهم وإجلال وإكرام واحترام سنة النبي ﷺ
وبالله التوفيق .



--------


تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ.

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحي النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 4 ]

[ المجلد الرابع ]

رابط تحميل الكتاب :


http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam4.pdf






.


رد مع اقتباس