عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 21-08-2007, 06:55PM
معاذ بن يوسف الشّمّريّ معاذ بن يوسف الشّمّريّ غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Jun 2004
الدولة: الأردن - إربد - حرسها الله -
المشاركات: 31
إرسال رسالة عبر مراسل Yahoo إلى معاذ بن يوسف الشّمّريّ
افتراضي تيسير الغفور الودود في حكم استنشاق البنزين المتطاير في محطّات الوقود

بسم الله الرّحمن الرّحيم

تيسير الغفور الودود
في بيان حكم استنشاق ( البنزين ) المُتطاير في محطّات الوقود


الحمد لله ربّ العالمين ، و الصّلاة و السّلام على رسوله الأمين ، و على آله و صحبه الطّيّبين الطّاهرين ، و تابعيهم بإحسانٍ من أهل الحديث الأثريّين ؛ إلى يوم الدّين .

أمّا بعد :

فلقد ورد سؤالٌ من ساحل ( عُمان ) مفاده الاستفسار عن حكم استنشاق رائحة ( البنزين ) المُتطاير من محطّات الوقود ؛ و ذلك بالنّسبة للعاملين فيها و المارّين عليها ؛ لا سيّما و قد ثبت أنّ شمّ هذه المادّة يعمل عمل الإسكار في الجسم ؛ و (( ما أسكر كثيره فقليله حرام )) .

فما حكم استنشاق هذه المادّة المسكرة و أمثالها بغير قصدٍ ؛ حتّى لو لم يَسْكر المُستنشق لقلّة المادّة المُستنشقة ؟.

فقلتُ مجيبًا - مستعينًا بالله العظيم - :

لا بدّ - قبل الإجابة - من معرفة أمورٍ ثلاثةٍ ؛ ندلف منها إلى الجواب :

الأمر الأوّل : أنّ الخمر - شرعًا - هو ما أسكر ؛ لحديث ابن عبّاس - رضي الله عنهما - عند مسلمٍ و غيره : (( كلُّ مسكرٍ خمرٌ ، و كلّ خمرٍ حرامٌ )) ؛ وهو حديثٌ (( كاد أن يكون متواترًا )) - كما قال عليٌّ القاريّ الحنفيّ - عفا الله عنّا وعنه - .

و في حديثٍ آخر كاد أنْ يكون متواترًا - أيضًا - : (( ما أسكر كثيره ؛ فقليله حرام )) ؛ وهو مرويٌّ (( عن نحو ثمانيةٍ من الصّحابة بأسانيد ثابتة ))
- كما قال إمامنا الألبانيّ - رحمه الله - في " الضّعيفة : 3 / 364 " - .

و على هذا أهل الحديث ، و جمهور السّلف و الخلف .

و شذّ من أهل الرّأي الأحنافُ فخالفوا الإجماع الأوّل - إلاّ محمّدًا - على الصّحيح - - ؛ وزعموا أنّ :

الخمرَ المحرّمَ ما كان من العنب - فقط - .

و أنّه لا يَحْرُمُ ممّا أَسْكَرَ من الأشربة من غير العنب إلاّ الحدُّ المُسكر ( ! ) .

و ذلك لأنّ الخمر - أي الّتي من العنب - إنّما حُرّمت لعينها ؛ لا لعلّةٍ هي الإسكار تجمعها مع غيرها ؟!!! .

و للجواب على هذه العجائب الغرائب تمتلئ كراريسُ دون نهايته ؛ و حسبي أنْ أقول :

أوّلاً : بل حديثنا الصّحيح ( القريب من التّواتر ) السّابق قاضٍ بأنّ كلّ ما أسكر فهو خمرٌ ؛ من عنبٍ ، أو تمرٍ ، أو شعيرٍ ، أو غيره .

و الخمرُ : ما خامر العقل ؛ فغطّاه ، و أسكره .

فكلُّ ما كان كذلك فهو ذلك ؛ كالمخدّرات ، و القات ، والتّدخين على الجوع ؛ كالإفطار من صيامٍ على مسكرات الدّخائن ، و الأشربة الكحوليّة العصريّة المصنوعة من موادّ كيماويّةٍ غير نباتيّةٍ - أصلاً - لا عنبيّة ، و لا شعيريّة ، و لا تمريّة . . . ؛ و الّتي أكثرها يُذهب العقل و يسكره أكثر من خمر العنب بدرجات .

بل ؛ في بلاد الكفر تخديرٌ بالأدهان .

و لو قُدّر أنْ يُخامَرَ العقل بإسكارِ أمواجٍ ، أو أشعةٍ فهي كذلك .

ثانيًا : لله درُّ هذا القول الشّاذ وأصحابه ( !!! ) .

إذ كيف يعرفون الحدّ المسكر من ( الأشربة من غير العنب ) ؟!! .

ما ضابط ذلك ؟!! .

ذلك لا يُعرف - أصلاً - إلاّ بالوصول إلى حدّ السّكر ( ! ) .

فلا يحرم السّكر عندهم إلاّ بعد السّكر ( ! ) .

فهل في الشّرائع مثل هذا ؟!! .

تحريمه - إذًا - عبثٌ ، وسفاهة ؛ لأنّه تكليف ما لا يطاق .

و هل من شرب المجّة و الاثنتين قادرٌ - حقًّا - على التّوقّف عند ذلك الحدّ الوهميّ المظنون ؟!! .

و هل لا يكون الإسكار إلاّ بتلك الشّربة الأخيرة الّتي ظهر السّكر عندها ؟!! .

بل قال النّسائيّ - عليه رحمة الله – في " سننه " : (( و لا خلاف بين أهل العلم أنّ السّكر بكليّته لا يحدث على الشّربة الآخرة دون الأولى و الثّانية بعدها )) .

ثالثًا : و أمّا أنّ الخمر حُرّمت لعينها فهذا قول الحنفيّة ، وحزب التّحرير المعاصر ؛ الّذي حقّه أن يُسمّى بـ ( فرقة التّحليل الإعتزاليّة ) ؛ أخذًا من قول ابن عبّاسٍ - رضي الله عنهما - : (( حُرّمت الخمر لعينها قليلها وكثيرها ، والسّّكر من كلّ شراب )) .

و زعموه مرفوعًا .

و لكنّ رفعه ضعيفٌ شاذٌّ ؛ بشهادة محدّثي الأحناف - أنفسهم - ؛ كالزّيلعي في " نصب الرّاية " .
هذا هو الأمر الأوّل .

و أمّا الأمر الثّاني : فهو معرفة قاعدة المكاثرة .

فإنّ من قواعد الأصول أنْ نعلم أنّه : (( قد يحرم أصلاً ما يحلُّ فرعًا ، ويحلُّ أصلاً ما يحرم فرعًا )) .

و هذا شيءٌ شرحته بأمثلته في كتابي " الحصن المنيع " - يسّر الله نشره - ؛ ومن ذلك :

- النّهي عن تهجين البغال - أصلاً - ، و ركوب النّبيّ - صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم - لها - فرعًا .

- و إباحة الأكل و الشّرب - أصلاً - ، و تحريم الإسراف فيه - فرعًا - .


و الشّيء قد يحلُّ منفردًا ؛ فإذا انضمّ إليه شيءٌ من الحلال حَرُم .

و قد يحرُم منفردًا ؛ فإذا انضمّ إليه شيءٌ من الحلال حلَّ .

و قد يحرُم منفردًا ؛ و إذا انضم ّ إليه شيءٌ من الحرام حلَّ - أيضاً - ( ! ) .

و مثال ما يحلُّ منفردًا ؛ فيحرم بانضمام الحلال إليه :

الأنبذة و الأشربة المباحة ؛ إذا أضيف إليها من المباحات ما يخمّرها صارت خمرًا حرامًا .

و التّفاحة و سائر المأكولات ؛ إذا أُكلت وحدها ؛ فهي على الإباحة ، فإذا انضاف إليها من مثلها ما يُتخمُ آكلها ؛ فهي الحُرمة .

و الحرام منفردًا الحلالُ بانضمام شيءٍ من الحلال إليه ؛ مثاله :

الماء المتنجّس الّذي هو دون القلّتين ؛ فإنّه حرامٌ شربه أو الانتفاع به - إجماعًا - ؛ فإذا زيد عليه من الماء الطّاهر ما يُكاثَر به ليصير قُلّتين فأكثر طهُر و جاز الانتفاع به - على الصّحيح - ؛ لحديث : (( إذا بلغ الماء قلّتين لم يحمل الخبث )) الثّابت بشواهده .

و حتّى لو كان الماء المضاف نجسًا حرامًا - أيضًا- ؛ فإنّهما إذا صارا - معًا - قُلّتين فأكثر طَهُرا - جميعًا - ؛ ما لم يكن تغيّرٌ في ريحٍ أو طعمٍ أو لون .

و هذا مثال الحرام منفردًا ، الّذي يحلّ بانضمام مثله إليه .

فإذا عرفنا هذا ؛ دلفنا منه إلى الأمر الثّالث ؛ لنقول :

الأمرُ الثّالث : أنّ الشّريعة الرّبانيّة سمحةٌ ، مبناها على اليُسر ؛ فلا يحرُم فيها ما عمّت به البلوى ممّا لا يُتحرّز منه .

فإنّ لَهْمَ التّراب في نهار الصّيام مفطرٌ محرّمٌ - على الصّحيح - ؛ أمّا تَنَشُّقُ الغبار و الأبخرة و الرّذاذات المتطايرة عن غير قصدٍ ، و بغير عمدٍ فليس بمفطرٍ ؛ إلاّ من تقصّدٍ و تكلّف ( !!! ) .

و ذلك مثل المرضى المتداوين بـ ( بخّاخ ) الرّبو ، ونحوه .

فنقول : إذا كان في هذا الغاز المضغوط موادٌّ دوائيّةٌ ذات جَرْمٍ تدخل الجوف أفطرت ، و أمّا إنْ كانت غازًا - فقط - ؛ فلا .

و عليه :

فإنّ ما يفعله كثيرٌ من سفهاء المسلمين و فسّاقهم - اليوم - من تعمّد استنشاق هذه الموادّ النّفطيّة المسكرة محرّم - اتّفاقًا - عند علماء العصر ؛ كثيرها وقليلها .

إلاّ أنّ من شمّ هذه الرّوائح من العاملين في ميدانها ، أو السّائرين بقرب مكانها ؛ فإنّه لا يحرم عليهم شيءٌ من ذلك لأمور :

- الأوّل : أنّه لا يُتحرّز منها .

- و الثّاني : أنّه (( إذا ضاق الأمر اتّسع )) .

- و الثّالث : أنّها مُكاثرةٌ بالهواء الّذي يُخرِج كثيرَها عن الإسكار ؛ فكيف قليلها ؟!!! .

و ذلك كمن كان يسكر من كأس خمر ؛ فصبّ هذا الكأس في بئر ماء ؛ فهل يحرم ماؤه ؟! .

و من ظنّ أنّ حديثنا : (( ما أسكر كثيره فقليله حرامٌ )) )) دليلٌ على تحريم مائه فهو غالط !!! .

إذ من ذا الّذي يشرب ماء البئر كُلّه ليسكر ؛ حتّى يَحرُم عليه الشّربة منه و الاثنتان ؟!! .

فإنّ المكاثرة أخرجت الكثير عن كونه مُسكرًا ؛ فكيف القليل ؟!.

و الله - تعالى - أعلم .
و الحمد لله ربّ العالمين .

و كتب :
ــــــــــــــــ
أبو عبد الرّحمن الأثريّ
معاذ بن يوسف الشّمّريّ
في : الأردن - إربد - حرسها الله - .
في : 27 - ربيع الأوّل - 1424 هـ .
__________________
أبو عبد الرّحمن الأثريّ

- كان الله له -
رد مع اقتباس