عرض مشاركة واحدة
  #40  
قديم 12-04-2016, 12:18AM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام

للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -



الحديث الأول :
عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال سمعت النبي ‪ﷺ ‬ يقول وأشار النعمان بأصبعيه إلى أذنيه إن الحلال بين والحرام بين وبينهما مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب .



موضوع الحديث :
اتقاء الشبهات استبراء للدين والعرض



المفردات
إن الحلال بين : أي واضح
والحرام بين : أي واضح وكل منهما يتضح بصفته وماهيته ففي الحلال البين أنواع المآكل من البر والذرة والأرز واللحم المذكى والأسماك والفواكه والخضروات وغير ذلك . ومن الحرام البين الربا والمال المأخوذ بالسرقة والغش وغير ذلك من المأكولات المحرمة والمشروبات المحرمة كالخمر والمخدرات بجميع أنواعها وما أشبه ذلك والمال المأخوذ بالظلم وأكل أموال الأوقاف وأكل أموال اليتامى وأكل مال المسلم بغير حق والزنا وما إلى ذلك من المحرمات
قوله وبينهما مشتبهات وفي رواية وبينهما أمور مشتبهات وهذه المشتبهات يخفى حكمها إلا على أهل العلم المتعمقين فيه والممارسين لأحكام الشريعة ولهذا قال لا يعلمهن كثير من الناس يعني أن أكثر الناس تخفى عليهم أما أهل العلم فإنهم بالنظر والقياس يلحقون هذا المشتبه بأحد الحكمين إما أن يكون أشبه بالحلال فيلحقونه به أو أشبه بالحرام فيلحقونه به ولهذا قال فمن اتقى الشبهات أي ابتعد عنها ولم يقربها حماية لدينه وحماية لعرضه فإنه حينئذ قد استبرأ أي طلب البراءة لدينه وعرضه
قوله ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام : أي أن من تجرأ على الشبهات بمعنى أنه تجرأ على الأمور المشتبهة فوقع فيها وأفتى نفسه بحلها فإنه يقع في الحرام ولا بد لأن من المعلوم من حال الناس أن من تجرأ على الأمور المشتبهة فإن الشيطان يستدرجه حتى يستهين بالحرام الواضح فيقع فيه وقد ضرب النبي ‪ﷺ ‬ مثلاً بقوله كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ومعلوم أن صاحب الماشية الذي يرعى فربما يقول إن المرعى الذي في الفلاة قد أكلت منه مواشي الناس ولكن الذي حول الزرع وقريب منه الرعي فيه أسلم وأحسن لأن المرعى الذي فيه لم تقع فيه المواشي فيرعى قريباً من الزرع فإذا رعى قريباً من الزرع دخلت بعض مواشيه على الزرع فأكلت منه وهكذا ضرب النبي ‪ﷺ ‬ هذا المثل ثم قال ألا وإن لكل ملك حمى : كان الملوك في الزمن الأول لهم خيل يقاتل عليها ولهم إبل يحمل عليها ولا بد لهم من أماكن تكون محمية لخيلهم وإبلهم وماترك هذا إلا حين استغنى الملوك والرؤساء بالمصنوعات كالسيارات والطيارات والدبابات والمصفحاتثم قال ‪ﷺ ‬ وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب هذه المضغة لصغرها أي لصغر حجمها فإنها هي التي تصرف الجسد والجوارح فإن كانت صالحة بأن كانت عامرة بالإيمان معمورة بالتقوى ظهرت الأعمال وحركات الجسد صالحة لأن القلب الصالح هو الأمير لها والمدبر فيها وإن كانت بخلاف ذلك بأن كانت مشحونة بالهوى والشهوات وأمور الباطل انعكست على الجسد وجوارحه فأفسدته بأوامرها السيئة المبنية على الشهوات والشبهات نسأل الله أن يصلح قلوبنا وأعمالنا إنه جواد كريم


المعنى الإجمالي
مدار هذا الحديث على ثلاثة أمور :-
حلال بين واضح وحرام بين واضح وأمور مشتبهة تخفى على معظم الناس فلا يدرون هل هي من الحلال أم من الحرام ولهذا فإن النبي ‪ﷺ ‬ يحذر من الأمور المشتبهة أن يستهان بها أو يتجرأ عليها بلا علم وأن الواجب على من لم يكن عنده علم ألا يقدم على أي شي من هذه المشتبهات حتى يسأل أهل العلم عن حكمها فإن أفتوه وبقي مع ذلك في نفسه شيء من الخوف والشك فليتجنب تلك الشبهات وليبتعد عنها لقوله عليه الصلاة والسلام ( وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي الْقَلْبِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ قَالَ سُفْيَانُ وَأَفْتَوْكَ ) ولقد أخبر عليه الصلاة والسلام أن في الجسد مضغة ينبني عليها صلاح الجسد وفساده فإن صلحت فسيكون الجسد كله صالحاً لأنها تملي عليه الصلاح وإن فسدت كان الجسد كله فاسداً لأنها تملي عليه العصيان فليدع العبد ربه بأن يصلح قلبه حتى يكون صالحاً فلا يأمر صاحبه إلا بخير


فقه الحديث
أولاً : يؤخذ من هذا الحديث أن الدين ينقسم إلى ثلاثة أقسام حلال واضح بين وحرام واضح بين والقسم الثالث أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فيهن شبه بالحلال وشبه بالحرام


ثانياً : في ضمن ذلك حث للمسلم على أخذ الحلال واجتناب الحرام والله تعالى يقول {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ }[ البقرة : 168 ]
ففي هذا أمر بأخذ الحلال الواضح واجتناب الحرام الواضح والإمساك عن الشبهات حتى يعلم العبد من أي شيء هي


ثالثاً : أمر الله للعباد بأكل الحلال أمر إباحة فمن امتنع عن أكل الحلال تديناً عد معتدياً وقد علمنا ما جرى للرهط الثلاثة الذين جاءوا إلى بيوت النبي ‪ﷺ‬ يسألون عن عبادته حيث روى البخاري في صحيحه عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال جَاءَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ إِلَى بُيُوتِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ‪ﷺ‬ يَسْأَلُونَ عَنْ عِبَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا أُخْبِرُوا كَأَنَّهُمْ تَقَالُّوهَا فَقَالُوا وَأَيْنَ نَحْنُ مِنْ النَّبِيِّ ‪ﷺ ‬ قَدْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ قَالَ أَحَدُهُمْ أَمَّا أَنَا فَإِنِّي أُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَصُومُ الدَّهْرَ وَلا أُفْطِرُ وَقَالَ آخَرُ أَنَا أَعْتَزِلُ النِّسَاءَ فَلا أَتَزَوَّجُ أَبَدًا ) وفي رواية ( وَقَالَ بَعْضُهُمْ لا آكُلُ اللَّحْمَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لا أَنَامُ عَلَى فِرَاشٍ ) فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ‪ﷺ‬ فَقَالَ أَنْتُمْ الَّذِينَ قُلْتُمْ كَذَا وَكَذَا أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ وَأَتْقَاكُمْ لَهُ لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي) فليس من الدين ترك الحلال تديناً كما أنه ليس من الدين التجرؤ على محارم الله سبحانه وتعالى .


رابعاً : أخبر النبي ‪ﷺ‬ أن هناك أموراً مشتبهات والناس أمام هذه المشتبهات ينقسمون إلى قسمين أما علماء فإنهم يجب عليهم أن يدرسوا هذه المشتبهات ويلحقوها بما يرون أنها به أشبه وإليه أقرب سواء كان من الحلال أو من الحرام يحكمون عليها بعد الدراسة بعيداً عن المؤثرات ليكون الحكم لهم ولغيرهم من الناس
الصنف الثاني العوام وطلبة العلم المبتدئين الذين لا يمكنهم إلحاق هذه المشتبهات بأحد النوعين الحلال أو الحرام فهؤلاء يجب عليهم التوقف وعدم الإقدام على هذه المشتبهات إلا بفتوى من أهل العلم وإن اختلفت الفتوى فيجب أن يعودوا إلى الفتوى التي تكون أقرب إلى كتاب الله وسنة رسول الله ‪ﷺ‬ من خلال الأدلة المسبورة في الفتوى


خامساً : يؤخذ من هذا أن في ترك الأمور المشتبهة حماية للدين والعرض وفي ذلك يكون التارك للمشتبه أقرب للسلامة


سادساً : مثل النبي ‪ﷺ‬ للمشتبهات بمن رعى حول الحمى فإنه من قارب الحمى وقع فيه ولا بد


سابعاً : هناك علاقة في قوله كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه وبين قوله ألا إن في الجسد مضغة وهذه العلاقة هي أن التحرز مما اشتبه أمره يعود إلى تقوى القلوب وصلاحها وتأثرهابالإيمان فإن كان القلب صالحاً متأثراً بالإيمان كان أزكى وأبعد عن الشبهات وإن كان تأثره بالإيمان ضعيف وسماعه للنصوص الشرعية قليل كان أكثر جرأة على تلك الشبهات أو بالمعنى الأصح المتشابهات


ثامناً : أخبر النبي ‪ﷺ‬ أن الجسد كله يقوم على القلب صلاحاً وفساداً مع أن القلب مضغة أي قطعة من اللحم صغيرة ولكنه هو المحرك والمؤثر في الجسد


تاسعاً : اختلف الناس قديماً وحديثاً هل العقل في القلب أو في الدماغ فبعضهم قالوا في الدماغ وبعضهم قالوا في القلب ولكل منهم أدلة والصحيح أن العقل فيهما جميعاً وأن بين القلب والدماغ ارتباط قوي ولا يصح العقل إلا إذا كان القلب والدماغ صحيحان فإذا حصل التأثير على الدماغ انعكس أثره على القلب وإذا حصل التأثر على القلب انعكس أثره على الدماغ ولا يصح العقل إلا بصحتهما وبالله التوفيق .



--------

تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحي النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 5 ]

[ المجلد الخامس ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam5.pdf

الرابط المباشر لتحميل الكتاب :

http://subulsalam.com/play.php?catsmktba=9384








رد مع اقتباس