عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 25-10-2007, 05:22PM
أبو عبد الرحمن السلفي1
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
الشريط السادس
الوجه الأول:
المسألة السابعة والعشرون: تصنيف الكتب الباطلة ونسبتها إلى الله.
 تصنيف الكتب على قسمين:
• الزيادة في الكتب المنزلة.
• جعل كتب كالشرح للكتب المنزلة.
 سريان هذه المسألة في اليهود.
 سريان هذه المسألة في هذه الأمة.
• في الروافض والدروز والنصيرية.
[سبب كراهة السلف للتصانيف]، [الغاية الحقيقة من التصنيف].
• تصنيف التفاسير عند مختلف الفرق.
 سريان هذه المسألة في وقتنا الحاضر في أهل الفكر.
[الكلام على تفسير الفخر الرازي]. [ذكر منع الشيخ ابن باز لتفاسير الصابوني].
الوجه الثاني من الشريط:
المسألة الثامنة والعشرون: لا يقبلون إلا الحق الذي مع طائفتهم.
 سريان هذه المسألة في اليهود.
 سريان هذه المسألة في النصارى. [وجود إنجيل فيه بشارة بالنبي محمد  لا تعترف به النصارى].
 سريان هذه المسألة في هذه الأمة ومنها بعض أتباع المذاهب الأربعة.
 طريق الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الرد على من يخالفه:
• ذكر ما عليه طائفته.
• تبيين أن المقصود من كلام العلماء هو إفهام الأدلة.
المسألة التاسعة والعشرون: مع ذلك فهم لا يعلمون ما عليه طائفتهم.
 شرح لطريقة الرد السابقة.
المسألة الثلاثون: وهي من العجائب؛ تركوا الاجتماع فعاقبهم الله بفرحهم بما لديهم.
 ذكر أسباب التفرق:
• العلم: ﴿فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾[المائدة:14].
• البغي: ﴿وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾[الشورى:14].
 بيان أن فرح كل حزب بما لديه من عقوبة الله له.
انتهت الفهرسة بحمد الله جل وعلا

بسم الله الرحمن الرحيم
[المتن]
قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى: هذه أمور خالف فيها رسول الله  أهل الجاهلية من الكتابيين والأميين مما لا غنى للمسلم عن معرفتها:
فالضدُّ يظهر حسنَه الضدُّ ..........................
........................ وبضدها تتبين الأشياء
فأهم ما فيها وأشدها خطرا عدم إيمان القلب بما جاء الرسول ، فإن انضاف إلى ذلك استحسان ما عليه الجاهلية تمت الخسارة، كما قال تعالى ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْبَاطِلِ وَكَفَرُوا بِاللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الْخَاسِرُونَ﴾[العنكبوت:52]
(المسألة الأولى) أنهم يتعبدون بإشراك الصالحين في دعاء الله وعبادته يريدون شفاعتهم عند الله، بظنهم أن الله يحب ذلك، وأنّ الصالحين يحبونهم كما قال تعالى ﴿وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ﴾[يونس:18]، وقال تعالى ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾[الزمر:3].
وهذه أعظم مسألة خالفهم فيها رسول الله ، فأتى بالإخلاص، وأخبر أنه دين الله، الذي أرسل به جميع الرسل، وأنه لا يقبل من الأعمال إلا الخالص، وأخبر أنّ من فعل ما استحسنوا فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار.
وهذه هي المسألة التي تفرق الناس لأجلها بين مسلم وكافر، وعندها وقعت العداوة ولأجلها شرع الجهاد، كما قال تعالى ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾[الأنفال:39].
[الشرح]
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، حمدا كثيرا طيبا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذا الكتاب قليل الصفحات، لكنه اشتمل على مسائلَ من أهم المهمّات، بل إنّ هذه الوُريقات في هذه الرسالة هي أصول الدِّين؛ لأنّ النبي  إنما بُعث ليخلِّص الناس من جهالة الجاهليين على أنواع مللهم وأصناف نحلهم.
فإذن هي خلاصة لما أَمر به اللهُ جل وعلا، وأمر به رسولُه  المشركين والكفار أن يتركوه.
وهذه الرسالة هي مسائل؛ المسألة منها قد تكون بضعة أسطر، وقد تَقِلُّ إلى كلمتين أو ثلاث.
وقد تناولها بالشرح؛ بشرح وجيز يكشف عن مراميها ومعانيها علاّمة العراق الشيخ السّلفي محمود شكري الأَلُوسِي، وهو شرح مطبوع متداول، لكنه في كثير من الأنحاء والمواضع لم يكشف الكشف الذي ينبغي.
وهناك من إخواننا من سجَّل رسالة ماجستير في شرح هذه المسائل، ولا شك أنها تحتاج ذلك لعظمها كما سترى، وليس من رأى كمن سمع.
سمّاها الشيخ الإمام رحمه الله تعالى ”مسائل الجاهلية التي خالف فيها رسول الله  أهل الجاهلية“
وكما ذكر في المقدمة أنّ الجاهليين الذين يريدهم بقوله ”أهل الجاهلية“ هم الأميون يعني مشركي العرب وأصناف أهل الكتاب، وكذلك غيرهم من الصابئة والمجوس وأنواع أهل الملل.
والجاهلية راجعة إلى الجهل بالله جل وعلا، وبما يستحقه، وبما يحبه من الدين والطاعة، وهذه الجاهلية هي كل ما كان عليه الناس قبل رسول الله  مما خالفوا فيه الدين المشترك للرسل صلوات الله وسلامه عليهم أو ما شرعه من الدين الحق على ألسنة رسله. فيشترك في ذلك ما كان عليه أهل الجاهلية من العرب، وأهل الجاهلية من أهل اليهود، وأهل الجاهلية من النصارى، وأهل الجاهلية من المجوس، وأهل الجاهلية من الصابئة، وهكذا إلى جميع أنواع أهل الملل.
الجاهلية غالب إطلاقها في الكتاب والسنة يُعنى بها الحال، وقد تطلق ويُعنى بها صاحب الحال.
• فمن الأول؛ وهو أن تطلق ويعنى بها الحال، يعني الصفة التي هي راجعة إلى نفي العلم والإغراق في الجهل بما أنزل الله جل وعلا على رسوله، هذه الجاهلية التي هي الحال والصفة منها قول النبي  لأبي ذر حين عيّر رجلا أسود وهو بلال –بالراجح- بأمه، قال عليه الصلاة والسلام «أعَيّرتَهُ بأمّهِ؟ إِنّكَ امرُؤٌ فيكَ جاهِليّة»، وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام «ثنتان من أمتي من أمر الجاهلية»، وكذلك قول عائشة ”كان نكاح الناس في الجاهلية على أربعة أنحاء“ ونحو ذلك من الحاديث التي فيها ذكر الجاهلية، ويدل لذلك قول الله جل وعلا ﴿أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾[المائدة:50]، فإنه في هذه النصوص يعنى بالجاهلية الحال والصفة.
• وقد يراد بها ذو الحال، فيقال فلان جاهلي، كما يقال امرؤ القيس شاعر جاهلي، يريدون بذلك أنه هو الجاهلي لعيشه في تلك الفترة التي هي الجاهليه المطلقة.

والجاهلية تقسم باعتبارات:
 فتارة تنقسم إلى قسمين:
وهي الجاهلية المطلقة.
والجاهلية المقيدة.
 وتارة تقسم إلى ثلاثة أقسام وهي:
جاهلية في المكان.
جاهلية في الزمان.
جاهلية في الأشخاص.
فالقسمة الأولى وهي الجاهلية المطلقة والمقيدة:
فنعني بالمطلقة: الكاملة من جميع الوجوه بأحد الاعتبارات الثلاث.
والمقيدة: يعني المقيدة بوجه من الوجوه، إما مقيدة بمكان، أو بزمان، أو بشخص، أو ببعض الصفات.
1- فالجاهلية في المكان تكون مطلقة ومقيدة:
فالمطلقة في بلاد الكفار؛ دار الحرب، بلاد الكفار، هذه يقال لها أمكنة جاهلية، والمكان جاهلي؛ لأجل أنها دار كفار.
وقد يكون المكان فيه جاهلية مقيدة ببعض الأمور كما هو في بلاد المسلمين، فإنه لا يزال فيهم بعض خصال الجاهلية فيكون فيهم بعض الجاهلية، تكون مقيدة ببعض الأشياء، أو مقيدة ببعض الأمكنة دون بعض، تقول البلد الفلاني من بلاد المسلمين فيه جاهلية، أو بلد أصبح جاهليا إذا رجع أهله وارتدوا عن الإسلام إلى الشرك.
2- وجاهلية الزمان أيضا مطلقة ومقيدة:
فالجاهلية في الزمان المطلقة هي ما كان قبل مبعث رسول الله  كانت جاهلية مطلقة في الزمان؛ يعني كل ما كان قبل زمن الرسول  -وَحَدُّهُ بعثة النبي - يقال لها جاهلية بإطلاق.
والجاهلية المقيدة بالزمان هذه هي التي تكون في بعض ظهور خصال الجاهلية في وقت دون وقت، لكنها جاهلية مقيدة وليست مطلقة؛ يعني مقيدة بوقت ظهرت فيه خصال الجاهلية، فتكون مقيدة بالوقت.... ( )
فلا يصح إطلاق من أطلق (بجاهلية القرن العشرين) أو نحوها من العبارات التي يستعملها من لم يدقق، لأنه بعد بعثة رسول الله  انقضت الجاهلية المطلقة، ولا يزال في أمته من ينافح عن هذا الدين ويرفع رايته، فليس ثم جاهلية منسوبة إلى زمنٍ كالقرن العشرين، وإنما تكون منسوبة إلى وقت من الأوقات فيما إذا ظهرت بعض الصفات ثم يجاهدها ويظهر عليها أهل الحق بالإنكار فلا تصبح جاهليةً يعني الزمن.
فمثلا تقول القرن العشرين ظهرت فيه أنواع من الجاهليات كثيرة، لكن ما نطلق نقول: جاهلية القرن العشرين. لأن هذا إطلاق للزمن بكامله، والنبي  أخبر بأنه لاَ يَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمّتِه «عَلَى الْحَقّ ظَاهِرِينَ لاَ يَضُرّهُمْ من خالفهم ولا مَن خَذَلَهُمْ حَتّى يَأْتِيَ أَمْرُ الله وهم على ذلك» هؤلاء يبينون وينصحون.
3- القسم الثالث جاهلية في الأشخاص وهي أيضا مطلقة ومقيدة:
فالمطلقة في الكافر.
والمقيدة في شخص دون شخص، أو في شخص في بعض حاله دون بعض، كما قال النبي  لأبي ذر «إِنّكَ امرُؤٌ فيكَ جاهِليّة»؛ يعني بعض خصال الجاهلية.
هذه التقسيمات التي ذكرها أهل العلم في هذا المقام.
وأهل الجاهلية والذي حدا بالشيخ في هذا الأمر العظيم يعني التصدي لجمع هذه المسائل هو ما رواه البخاري وغيره عن النبي ، من حديث ابن عباس عن النبي  أنه قال «أبغضُ الرجال إلى الله ثلاثةٌ: مُلحِدٌ في الحرَم, ومُبْتغٍ في الإسلام سنّةَ الجاهلية, ومُطَّلب دم امرئ بغير حقّ ليهريقَ دمَه» فمن طلب وابتغى في الإسلام سنة يعني مسألة من مسائل الجاهلية فهو داخل في قوله( أبغضُ الرجال إلى الله ثلاثةٌ) فمن ابتغى شيئا من أمر الجاهلية وطلبه أو كان فيه ولم يتركه بعد البيان له فهو داخل في هذا الوعيد الذي أخبر به عليه الصلاة والسلام.
والجاهليون الذين خالفهم رسول الله ، والذين تذكر هذه المسائل لبيان سننهم وما كانوا عليه، قد يكونون من العرب كما ذكرت أو من أهل الكتاب أو غيرهم كما سيأتي إيضاحه في مواضعه إن شاء الله تعالى.
وذكر أهمية معرفة سنن الجاهلية؛ لأنه كما يذكر عن عمر رضي الله عنه بالخبر لم نعرف إسناده ولم نجد له إسنادا أنه قال: إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ في الإسلام من لم يعرف الجاهلية. فإذا عرف المرء الجاهلية وعرف أنه يجب عليه أن يتباعد عنها كان أحرى له أن يكون على بينة من أمره ولا تدخله سنة من سنن الجاهلية ولا مسألة من مسائل الجاهلية، ولهذا قال الشيخ رحمه الله في هذه الخطبة (لا غنى بالمسلم عن معرفتها) لا غنى بالمسلم عن معرفة هذه الأمور؛ لأنها أمور دخلت على المسلمين وابتغوا سنة الجاهلية عن جهل تارة، وعن علم مع عناد واستكبار تارة أخرى، وكما ذكر من قول الشاعر (وبضدها تتبين الأشياء) وقول الشاعر الآخر قبله (فالضد يظهر حسنَه الضدُّ) وقوله هنا (فالضد يظهر حسنَه الضدُّ) هذا من كلام عجز بيت للمنبجي أحد الشعراء المعروفين يقول في وصف شخص:
فالوجه مثل الصبح مبيضُّ والشعر مثل الليل مسودُّ
صنفان لما استجمعا حسنا والضد يظهر حسنَه الضدُّ
وأما قوله (وبضدها تتبين الأشياء) فهذا من الشعر السائر المعروف لأبي الطيب المتنبي قالك
ونذيمهم وبهم عرفنا فضله وبضدها تتبين الأشياء
في قصيدة يُثني بها ويمدح بها أبا علي هارون بن عبد العزيز الكاتب أحد المتنسكة الذين مالوا إلى التصوف، وفي بعض الطبعات جُعلت وكأنها بيت واحد فتنبه لذلك.
ذكر المسألة الأولى من هذه المسائل ألا وهي أن أهل الجاهلية كانوا يتعبدون بإشراك الصالحين في عبادتهم، في العبادة والدعاء يرجون شفاعتهم لظنهم أن الصالحين يحبون ذلك وأن الله جل وعلا يحب ذلك.
وهذه المسألة هي زبدة الرسالة؛ رسالة النبي  لأنتها مسألة الإخلاص في الدين، والعبادة فأهل الجاهلية كانوا يتعبدون الله جل وعلا بإشراكهم الصالحين في عبادة الله.
والصالحون جمع الصالح. والصالح يراد به العهد وهو ثلاثة أصناف:
1- الأنبياء والرسل.
2- الصالحون من البشر.
3- الملائكة.
وهؤلاء قد وقع في إشراكهم بالعبادة طوائف من الأميين مشركي العرب وغيرهم، فتارة يعبدون نبيا، وتارة دعون ويعبدون ملَكا، وتارة يعبدون صالحا ليس بملك ولا بنبي. قال جل وعلا ﴿ أَفَرَأَيْتُمْ اللَّاتَ وَالْعُزَّى(19)وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى ﴾[النجم:19-20]، وقال جل وعلا ﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ ءَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾[المائدة:116] ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ( ) لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ﴾[سبإ:40]الآيات، ذكر جل وعلا هذه الأنواع في عدة آيات في القرآن، وهذه الشبهة أو هذا العمل الذي كانوا يعملونه من إشراك الصالحين جاء في هذه الأمة وورثته هذه الأمة من الجاهليين، والجاهليون حين عبدوا الصالحين يعني أنهم توجهوا إليهم، تارة يستغيثون بهم، تارة يذبحون لهم، تارة ينذرون لهم، تارة يستشفعون بهم، تارة يجعلونهم وسائط ونحو ذلك من أفعالهم، وهذه الأعمال حكم عليهم الله جل وعلا أنهم مشركون، وهذه هي –أعني الأفعال- هي عين ما حصل وحدث في هذه الأمة بعد القرون المفضلة.
هل كان أهل الجاهلية يعملون تلك الأعمال عن جهل أم عن علم؟ بل كانوا يفعلونها عن علم، وكانوا يعلمون حججا لذلك، ولهذا جادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق، قال جل وعلا عنهم ﴿فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ﴾[غافر:83]، فأهل الجاهلية عندهم علوم ولكنها مضادة لعلم الأنبياء، مضادة للعلم الذي أنزله الله جل وعلا، قال جل وعلا (فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْعِلْمِ)، فعندهم علم ولكنه ليس بنافع، ولهذا من حاجّ أهل التوحيد في الأزمان المتأخرة، فإنما يحاجهم بشبه مثل الشبه التي كانت عند أهل الجاهلية وواجهوا بها رسول الله ، ومن أعظمها ما قال الشيخ رحمه الله تعالى في قوله تعالى ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾[الزمر:3]. من أعظمها مسألة الشفاعة، طلب الزلفى إلى الله جل وعلا بأولئك الصالحين، فتجد أن منهم طائفة يقولون نحن لا نتوجه إلى الأولياء، إلى الصالحين، إلى الأنبياء، لأجل أنهم يستقلون بالنفع أو بدفع الضر، وإنما نتخذهم شفعاء عند الله جل وعلا؛ لأجل ما لهم من المقام الرفيع عند الله جل وعلا وهذا الأصل هو الذي يفعله المتأخرون، المشركون من هذه الأمة حيث إنهم يزعمون أنهم ما اتخذوا أولئك إلا واسطة، ويسمّون تلك الواسطة وذلك العمل يسمونه توسلا، والتوسل شيء واتخاذ الواسطة شيء آخر، عندهم شبه وحجج ولكنها داحضة كما قال الله جل وعلا ﴿وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ﴾[غافر:5]، وهم تارة يعبدون عبادة مستقلة؛ يعني بعضهم يتوجه إلى الأولياء، إلى الصالحين، إلى اللات، إلى العزى، يتوجهون لأجل أنهم عُبَّاد لهم منزلة عند الله، فيصرفون بعض العبادات لهم استقلالا، وتارة يتخذونهم واسطة.
فإذن هذه المسألة هي أعظم المسائل التي خالف فيها رسول الله  أهل الجاهلية، فإن الله جل وعلا أمره بالإخلاص، وأن يأمر الناس بالإخلاص، فقال جل وعلا آمرا نبيه ﴿قُلْ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي(14)فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ﴾[الزمر:14-15] وقال جل وعلا ﴿وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ﴾[البينة:5]، وقال جل وعلا ﴿قُلْ [إِنِّي] ( ) أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ(11)وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ﴾[الزمر:11-12]، وهكذا في آيات كثيرة يأمر الله جل وعلا بإخلاص الدين له، ونبذ الشرك، والتوجه إليه وحده دونما سواه، خالفوا ذلك فأشركوا.
ما معنى الشرك؟ أنهم جعلوا لله جل وعلا ندا في العبادة، وهذا هو الشرك الأكبر، والنِدّ هو الشبيه والنظير كما حسان في هجائه، قال:
أتهجوه ولستَ له بندٍّ فشركما لخيركما الفداء
يعني لست له بمثيل ولا نظير، فمن جعل أحدا مع الله مثيلا ونظيرا لله في العبادة والتوجه فقد سواه بالله جل وعلا، وقد أشرك بذلك الشرك الذي حكم الله جل وعلا به على المشركين بأنهم من أهل النار وأنهم حُرِّمَت عليهم الجنة.
قال جل وعلا مخبرا عن احتجاج المشركين وقولهم لآلهتهم في النار، قال جل وعلا في سورة الشعراء ﴿تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ(97)إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾[الشعراء:97-98]، فأخبروا عن أنفسهم أنهم سووا آلهتهم برب العالمين، وهذه التسوية تسوية في محبة العبادة، تسوية في العبادة؛ لأنهم توجهوا إلى الله وتوجهوا إلى غيره، عبدوا الله وعبدوا غيره، صرفوا بعض أنواع العبادة لله وصرفوا بعضا آخرا لغير الله، فهذا معنى التسوية وهو معنى اتخاذ النِّد، أنهم جعلوا لله عبادة وجعلوا لغيره عبادة أيضا، ولهذا استنكف المشركون لما أتى النبي  بكلمة التوحيد لا إله إلا الله، ما ذا قالوا؟ ﴿أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ﴾[ص:5].
واليوم إذا رأيت فإنه قد دخل هذا الأمر يعني هذا النوع من الشرك في المسلمين بعد مضي نحوٍ من ثلاثة قرون شيئا فشيئا.
وأصل البلاء الذي من أجله دخل هذا النوع من الشرك هو أنه فسرت كلمة التوحيد بأنها دالة على الربوبية، كما عليه أهل الكلام ومن تبعهم، لم يجعلوا كلمة التوحيد دالة على إفراد الله جل وعلا بالعبادة، وإنما جعلوها دالة على إفراد الله جل وعلا بالربوبية، ولهذا تجد في كتب أهل الكلام أنهم قالوا الإله هو القادر على الاختراع، الإله ما عندهم؟ القادر على الاختراع. لا إله إلا الله عند أهل الكلام معناها: لا قادر على الاختراع -يعني على الخلق- إلا الله. وهذا المعنى يقر به أهل الجاهلية ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾[الزخرف:9]، ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ﴾[الزخرف:87]، كانوا يوقنون بأن الله جل وعلا هو القادر على الاختراع وحده وأنّ غيره لا يخلق شيئا، لهذا احتج عليهم ربنا جل وعلا بقوله ﴿أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ﴾[الأعراف:191] لأنهم يقرون بتلك المقدمة.
كذلك أخذ هذا المعنى طوائف من المبتدعة من جنس الأشاعرة فقرروه في كتبهم، قرروه في كتبهم، فيقول أحد من متأخريهم وهو السَّنوسي في رسالته التي يسمونها أم البراهين، يقول فيها في معنى كلمة التوحيد يقول: فمعنى لا إله إلا الله لا مستغنيا عما سواه، ولا مفتقرا إليه كل ما عداه إلا الله، فمعنى الإله –هذا كلامه- هوالمستغني عما سواه المفتقر إليه كل ما عداه. لما درس الناس مثل هذه صار توحيد العبادة عندهم ليس هو معنى كلمة التوحيد، انحرف الناس شيئا فشيئا حتى اتخذوا آلهة من دون الله، يظنون أن التعلق بأرواح الموتى وسؤال من له جاه عند الله -على حَسَب ظنهم– سؤاله ليس من الشرك، وهذا أصل البلاء الذي دخل في المسلمين، شيئا فشيئا دخل حتى عُظمت القبور وأُشيدت وعُظم أصحابها، حتى أُعتقد أن لهم بعض خصائص الإلهية، حتى وصل الأمر في عهد الشيخ الإمام محمد رحمه الله تعالى إلى أنهم كانوا يعتقدون فيهم أنهم ينفعون ويضرون استقلالا والعياذ بالله، بل كانوا يشركون بهم في الرخاء وفي الشدة.
لهذا قال الشيخ في قواعده الأربع: أن مشركي أهل زماننا أعظم شركا من مشركي العرب ذلك لأن أولئك كانوا يشركون في الرخاء وأما في الشدة فكانوا يوحدون الله ويخلصون الدين له كما قال جل وعلا عنهم ﴿فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوْا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ﴾[العنكبوت:65]. وأما أهل هذا الزمان فإنهم يشركون في السراء وفي الضراء كما قال أحد علماء الدعوة حيث ناقش رجلا في تعلق طائفة من الناس بابن عباس في الطائف، كما كان قبل الدعوة كانوا يتعلقون به ويجعلونه إلها لهم، ويصرفون له حقوق الله جل وعلا، يجعلونه مستغاثا به، مذبوحا له، منذورا له، مدعوا، قال له: إن ابن عباس –يقول هذا أحد علماء الدعوة، يقول للآخر- إنّ أهل الطائف -يعني من كان منهم على هذا الاعتقاد- يتوجهون إلى ابن عباس يعرفون ابن عباس ولا يعرفون الله، فقال الرجل الآخر: معرفتهم بابن عباس تكفي. وهذا أمر قد لا يظهر لكثير من الناشئة في البلاد، لكن من عرف ما عليه الخرافيون في بعض البقاع في هذه البلاد وفي عيرها من بلاد المسلمين، يجد أن هذا الأمر شائع منتشر، بل إنهم يزيدون في أنهم يعتقدون أن بعض الأولياء لهم الضر والنفع الاستقلالي.
هذه المسألة ذكرها الشيخ أول مسألة لعظم شأنها، وهي الزبدة لرسالة النبي  بإخلاص الدين له، وبتوحيده جل وعلا وعدم الإشراك به، ونبذ الشرك الذي كان يفعله أهل الجاهلية.
قال رحمه الله: إن من فعل ذلك فقد أخبر النبي  بأن الله حرم عليه الجنة ومأواه النار كما قال جل وعلا مخبرا عن قول عيسى بن مريم عليه السلام ﴿وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ [رَبِّي]( ) وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ﴾[المائدة:72].
إذن هذه المسألة هي أعظم المسائل، إذا كانت هي أعظم المسائل التي خالف فيها رسول الله  أهل الجاهلية فكون الدعوة تُجعل مركِّزة عليها معتنية بها أتم العناية يكون ذلك من وِراثة دعوة المصطفي ؛ لأنْ هذه المسألة من أعظم المسائل التي خالف فيها رسول الله  أهل الجاهلية، فإذا كانت كذلك فغيرها من المسائل التي خالف فيها رسول الله  أهل الجاهلية هي دونها في المرتبة، فعليه يكون ورثة الأنبياء، ورثة النبي ، من ورثوا عنه العلم النافع إنما يدعون أول ما يدعون ويهتمون أكثر ما يهتمون به بهذه المسألة العظيمة وهي أن ينقضوا الناس من النار وأن يجعلوهم ممن يرجى له الجنة، وذلك بنهيهم عن الشرك وبتوضيح مسألة التوحيد أتم إيضاح ومعنى الشهادة لله جل وعلا بالوحدانية وما فيها من النفي والإثبات ومعنى الكفر بالطاغوت ونحو ذلك من أصول التوحيد.
إذا كان كذلك، فتعلم أن من توجه في دعوته بغير الاهتمام بهذه المسألة العظيمة فإنما اهتم بأمر لم يكن اهتمام رسول الله  به أولا، ولهذا جاء في حديث معاذ أن النبي عليه الصلاة والسلام قال له «إنك تأتي أهل كتاب فليكن أول ما تدعوهم إليه إلى أن يوحدوا الله» كما في صحيح البخاري في كتاب التوحيد، أو في الرواية المشهورة«إلى أن شعادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله» أو«إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله».
فهذه المسألة هي أعظم المسائل، وعليها يجب أن تكون الدعوة مركزة مهتما بها؛ لأنها هي التي بها يتفرق الناس إلى مسلم وكافر، وأما غيرها من المسائل فهو دونها بكثير.
قال الشيخ رحمه الله: من أجل هذه المسألة تفرق الناس إلى مسلم وكافر وهذا يعني أن من أشرك بالله جل وعلا صالحا أو غير صالح فإنه كافر بالله، كافر، لا نتوان عن إطلاق الشرك عليه، ولا إطلاق الكفر عليه؛ لأنه ما دام أنه مشرك بالله جل وعلا، فعل الشرك، فإنه يطلق عليه أنه مشرك كافر، لكن الشرك الذي يُطلق عليه لا تستباح به أمواله ولا يستباح به دمه، بل ذلك موقوف على البيان، موقوف على الدعوة، لابد من البيان والدعوة قبل الاستباحة، لكن الحكم عليه، يُحكم عليه بأنه مشرك وتُرتَّب عليه أحكام الكفار في الدنيا، ولكن لا يشهد عليه بأحكام الكفار في الآخرة؛ يعني بأنه من أهل النار حتى نعلم أنه رد الحجة الرسالية بعد بيانها له بعد أن أقامها عليه أهل العلم، أو أنه قاتل تحت راية الكفر.
هذه هي المسألة الأولى، وطريقتنا في هذا الشرح ذكر إيضاح لهذه المسألة بما يتم معه فهم مرادات المؤلف رحمه الله تعالى، وليست مجال تقرير المسألة بكل ما يتعلق بها من فروع؛ لأن المقام يضيق عن ذلك، وموطن بيان هذه المسائل كتاب التوحيد وغيره من الكتب التي أُلفت في هذا الشأن. ( )
[المتن]
(المسألة الثانية) أنهم متفرقون في دينهم كما قال تعالى ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾( ) وكذلك في دنياهم ويرون أنّ ذلك هو الصواب، فأتى بالاجتماع في الدين بقوله ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾[الشورى:13]، وقال تعالى ﴿الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ﴾[الأنعام:159]، ونهانا عن مشابهتهم بقوله ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ﴾[آل عمران:105]، ونهانا عن التفرق في الدنيا بقوله ﴿ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾[آل عمران:103].
[الشرح]
هذه المسألة الثانية وَصَفَ فيها أهل الجاهلية بأنهم متفرقون في دينهم ودنياهم، عندهم العزة والكرامة في التفرق؛ لأنه يدل على استقلال كل بما عنده، وأنه لا يتبع أحدا، متفرقون في دينهم، كلٌّ له دين، بعضهم يعبد الملائكة، بعضهم يعبد الصالحين، بعضهم ينكر البعث، بعضهم يجحد الرسالة بعضهم يؤله عيسى، بعضهم يؤَلِّه عزيرا، ونحو ذلك، في دينهم لم يجتمعوا، كذلك في دنياهم، فبين الله جل وعلا أنهم شرع لنا من الدين ما نجتمع بيه في الدنيا، قال جل وعلا ﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِن الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾[الشورى:13]، قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في شرح هذه الآية في قاعدة الجماعة والفرقة: إن الأصل الأصيل الذي دعا إليه الأنبياء جميعا وهو الدين المشترك والإيمان المشترك هو الاجتماع على دين حق وعدم التفرق في ذلك. وأكد ذلك جل وعلا بقوله ﴿وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ﴾،( ) فذكر جل وعلا ما وصف به أمر المرسلين بقوله (وَصَّيْنَا) وما أمر به النبي  بقوله(وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ)، قال (شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى) فهذه الآية فيها الأمر بالاجتماع، (أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) وإقامة الدين بالاجتماع على التوحيد؛ يعني على ما دعا إليه النبي ، بأن لا يكون في البلاد شرك، وأن لا يُقر الشرك وأن لا يكون هناك ما يحرم الأصل الدين، لأنه إذا تفرق الناس في أصل تفرقوا في الدنيا ولا شك، فأهل الشرك لما تفرقوا في الدين تفرقوا في الدنيا، فالتفرق في الدين يورث التفرق في الدنيا، وكذلك التفرق في الدنيا –يعني بعدم الاجتماع كما سنوضحه – يورث التفرق في الدين، فأمر الله جل وعلا بعدم التفرق في الدين وعدم التفرق في الدنيا؛ يعني بالأمر بالاجتماع والائتلاف في الأبدان والاجتماع في الدين، فهما نوعان من الاجتماع؛ اجتماع في الأديان واجتماع في الأبدان وأحدهما ملازم في الآخر، لهذا قال أهل العلم: الجماعة في قول النبي  «الجماعة رحمة والفرقة عذاب» ونحو ذلك من النصوص التي فيها ذكر الجماعة هو ما يكون من مجموع الأمرين، اجتماع في الدين واجتماع في الدنيا، اجتماع في الأبدان واجتماع في الدين، فكما أن النبي  خالف أهل الجاهلية في أنهم متفرقون في الدين فأتى بدين واحد يخضع له الجميع، كذلك أمره بالاجتماع في الدنيا وأن يقروا لولاتهم وأن لا يخرجوا عليهم كما سيأتي إيضاحه في المسألة الثالثة.
قال جل وعلا ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ﴾[آل عمران:105] أنزلها الله جل وعلا على صحابة النبي  مع كون الذين كانوا قبل من اليهود والنصارى افترقوا على أكثر من سبعين فرقة؛ اليهود على إحدى وسبعين فرقة، والنصارى على ثنتين وسبعين فرقة، فنهانا الله جل وعلا عن التفرق في الدين بقوله (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا) يعني أنه جل وعلا أمر بالاجتماع على التوحيد والاعتصام بحبل الله، وأن لا نتفرق في الدين وأن نجتمع على الكلمة العظمى كلمة التوحيد، وأن لا يحدث فيما بيننا حدث مخالف لأصل الإسلام ولا نخالف عما أنزل الله على رسوله.
الآية الأخرى في قوله ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾[آل عمران:103] فهذه الآية في الاجتماع في الدنيا، فإن الناس إذا تفرقوا في الدنيا؛ يعني تفرق بعضهم عن بعض بأن أطاع بعضهم طائفة وأطاع الآخرون طائفة أخرى وحصل هذا التفرق في الأبدان في الدنيا نتج عنه جزما التفرق في الدين ويبدأ صغيرا ثم يكون كبيرا، فكلما تفرق الناس في الدين نتج عنه فرقة في الأبدان، وكلما تفرقوا في الأبدان -يعني بأنْ يكون لكل طائفة مطاع لا يقرون بطاعة كبرائهم من ولاة الأمر- فإنهم ينتج عن ذلك تفرقهم في دينهم فأمر الله جل وعلا بقوله (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)، (لَا تَفَرَّقُوا) في أبدانكم، (لَا تَفَرَّقُوا) عن من ولاه جل وعلا أمركم، لهذا جاء في الحديث -الذي سيأتي إن شاء الله تعالى- أن النبي  قال «إنّ اللّهَ يَرْضَىَ لَكُمْ ثَلاَثاً أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً, وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرّقُوا, وأن تُناصِحوا من ولاه الله أمركم» كان أهل الجاهلية يعتزون بالتفرق، ويعتبرون الطاعة مذلة ومهانة كما سيأتي في المسألة الثالثة، وهاتان المسألتان متصلتان ببعض، فإن أهل الجاهلية لمّا لم يطيعوا ولاتهم مع كونهم مشركين تفرقوا في دنياهم لأن إحدى المسألتين متصلة بالأخرى، فأتى الله جل وعلا بالاجتماع في الأمرين، وإنما تتم الشريعة بالأمرين جميعا، اجتماع في الدين بأن لا نتفرق فيه، واجتماع في الدنيا بأن لا يكون في المسلمين أحزاب ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾( )، ولهذا كلما نشأ في الإسلام ناشئة تُفَرِّقُ عن الجماعة الأولى وعن النهج الأصل، فإن ذلك يعد من التفرق والاختلاف، إذا كان ذلك عن أراء مستقلة وعن دين مستقل في الأصول، وهذا الذي حدث في الأمة فافترقت إلى ثلاث وسبعين فرقة ثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال «هي الجماعة»، يعني التي اجتمعت في دينها واجتمعت في دنياها.
[المتن]
(المسألة الثالثة) أن مخالفة ولي الأمر وعدم الانقياد له فضيلة، والسمع والطاعة له ذل ومهانة، فخالفهم رسول الله ، وأمر بالصبر على جور الولاة وأمر بالسمع والطاعة لهم والنصيحة، وغلظ في ذلك وأبدى وأعاد.
وهذه الثلاث التي فيه جمع بينها فيما ذكر عنه في الصحيحين أنه قال: « إنّ اللّهَ يَرْضَىَ لَكُمْ ثَلاَثاً أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً, وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرّقُوا, وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم» ولم يقع خلل في دين الناس ودنياهم إلا بسب الإخلال بهذه الثلاث أو بعضها.
[الشرح]
رحمه الله الشيخ رحمة واسعة، لم يقع خلل في دين الناس أو دنياهم إلا بسبب الإخلال في هذه الثلاث أو بعضها، هذه الثالثة أهل الجاهلية كانوا فوضى، لا يقرون بولاية لأحد ولا يرضون ذلك؛ لأنهم يعتقدون أن الطاعة لبشر مثلهم أنها ذل ومهانة، كيف يطيع ويسمع له وهو مثله؟ بما فضل عليه؟ ويعتبرون عدم الطاعة دليل العزة ودليل الكرامة ودليل الرفعة، فخالفهم النبي  خالف أهل الجاهلية بأن أمر بطاعة ولاة الأمر يعني المسلمين في غير المعصية، أمر بطاعتهم في المعروف، وأن لا يُخرج عليهم وأن لا يُفَرَّق الناس من حولهم، ولهذا كان أول من خالف هذا الأصل الخوارج حيث إنهم خرجوا عن ولاية وخلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بآراء اجتهدوا فيها، والنبي  أمر بالطاعة قال «أطع», قال «أسمع وأطع وإن أخذ مالك وضرب ظهرك», وقال في الحديث الآخر حينما سأله: أفلا نقاتلهم؟ قال: «لا ما صلوا». «إنه يكون عليكم أمراء تعرفون منهم وتنكرون، فمن أنكر فقد برئ، ولكن من رضي وتابع». قال: أفلا نقاتلهم؟ قال: «لا ما صلوا.» وفي رواية «ما أقاموا فيكم الصلاة.»، وفي حديث آخر قال «إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان.»، فما دام أن الوِلاية يصح عليها اسم الإسلام، ولم تنتقل عنه إلى الكفر ولم يُحكم بردتها، فالطاعة والسمع واجبان، وتجميع الناس حولها ما دام اسم الإسلام باقيا واجب؛ لأنه ما يحصل للناس من الاجتماع ولو كان هناك نقص في بعض أمور الدين فإنه ما يحصل من الاجتماع أضعاف أَضعاف ما يحصل من المصلحة من التفرق، وأنتم إذا نظرتم إلى تاريخ المسلمين، وجدتم أن هذا الأصل حزم في مواضع وكلما ظن الناس أنهم بخروجهم على الوالي المسلم أنه سينتجون خيرا فإنه ترتد عليهم ولا يكون ذلك خير، كما قال عليه الصلاة والسلام «لا يأتيكم زمان إلا والذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم» خرجوا على بني أمية ولم يقروا لهم، وقامت دولة بني العباس ومع ذلك لم تكن دولة بني العباس كدولة بني أمية، وهكذا في نزول من الزمان، فأتى النبي  بمخالفة المشركين في ذلك، وقد كان الواحد من المشركين ينصح بالاجتماع وينهى عن التفرق فقال أحد منهم:
لا يصلح الناس فوض لا صَراط لهم ولا صَراط إذا جُهالهم سادوا
كانوا يأمرون بأن يرجعوا إلى كبرائهم، ولكن ما كانوا يطيعون، بل كانت الجزيرة العربية فيها من القيادات والاختلاف قبل مبعث رسول الله  ما لا يحصى ولا تغيبن عنكم الحروب الدائرة في الجاهلية وأسباب ذلك.
إذن فهذا الأصل من الأصول العظيمة، قال رحمه الله: وأبدى فيه –يعني النبي - أبدى فيه وأعاد وغلظ في ذلك، من التغليظ أنه قال «اسمع وأطع ولو ضرب ظهرك وأخذ مالك» تسمع وتطيع لم؟ لأن أخذ المال وضرب الظهر هذا مفسدته عليك وستلقى ربك أنت وهو ويقتص لك منه، لكنك إذا لم تطع تعدى ذلك إلى الناس فصار الاختلاف وصارت الفرقة ومعها لا يكون الاجتماع في الدين.
في هذه الجزيرة قبل دعوة الشيخ رحمه الله تعالى كان الناس متفرقون كل في جهة، كان في شرق الجزيرة العربية كانوا يدينون للولاية العثمانية، وكان في غربها يدينون [للأشراف] وفي وسط الجزيرة يعني في نجد لم تكن تحت ولاية؛ إنما كان لكل بلد أمير ولكل بلد والي يطيعه أصحابه وكان في ذلك من القتال ما تعلمون حتى إنه في يوم واحد في بعض القرى القريبة من الرياض في يوم واحد قُتل أربعة؛ كان أمير فقتله واحد تولى الإمارة، وقتله ثالث وتولى الإمارة، وقتله رابع وتولى الإمارة في يوم واحد، وهي كلها قرى لا تزيد القرية عن مئات إن كثرت.
فأنعم الله جل وعلا على هذه البلاد بدعوة التوحيد، واجتمع الناس في دينهم وفي دنياهم ولا شك أن التفرق في دنيا سيورث التفرق في الدين والتفرق في الدين يورث التفرق في الدنيا وإنما يحصل –كما قال الشيخ- يحصل الفساد في الناس من الإخلال في أحد هذه الثلاث أو بها جميعا؛ إذا أشركوا وقع الشرك، إذا لم يجتمعوا في الدين ولم يجتمعوا في الدنيا، إذا لم يطيعوا ولاة أمورهم ولم يناصحوهم فإنه يقع الافتراق في الدين والدنيا، وهذه الثلاث أصول عظيمة، هذه الثلاث كما ذكر جمعها النبي  بقوله « إنّ اللّهَ يَرْضَىَ لَكُمْ ثَلاَثاً أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً, وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرّقُوا, وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم» وهي مسائل عظيمة أسأل الله جل وعلا أن ينفعنا دائما فيما بيَّنه إمام هذه الدعوة من المسائل العظيمة التي نحتاج إليها ولا شك في كل وقت في هذا الزمان، ومذاكرتها والتذكير بها ضروري يعني حبذا لو يكون في المجالس أن تؤخذ مسألة، مسألة، من هذه المسائل ويُقرأ شرحها للألوسي أو لغيره، وينظر فيها ويتأمل لأنها أشد ما تكون بحاجة إليها كما قال في المقدمة قال: لا غنى للمسلم عن معرفتها.
أسأل الله الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن ينور قلوبنا جميعا، وأن يجعلنا متبعين لنبينا ، وأن يعلمنا العلم النافع وأن يرزقنا الدعوة إليه والصبر على الأذى فيه، وأسأله جل وعلا أن يجعل آخر أيامنا خيرا من أولها وأن يجعل أيامنا في قرب منه وازدياد وزلفى إليه، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وأسأل الله جل وعلا لي ولكم الثبات إلى الممات والاستعداد ليوم لقاه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
[الأسئلة]
1/ يقول: ما رأيكم فيمن يقول: إن على العالم أن يعلم منهج السلف الصالح دون التطرق إلى الفرق الضالة وأصحاب المناهج الضالة ألا يدخل في مقولة عمر رضي الله عنه تنقض عرى الإسلام عروة عروة؟
والجواب: أن هذا الكلام غير دقيق وليس بصحيح بل هو غلط؛ لأن الرد على المخالف في دين الإسلام، الرد على المخالف من أصول هذا الدين؛ لأن الله جل وعلا هو أول من ردّ، وأعظم من رد على المخالفين لرسول الله ، وهو الذي حاجهم بنفسه جل وعلا، فالرد على المخالفين من أعظم القربات، يقول شيخ الإسلام: وهو من أعظم أنواع الجهاد. وهذا صحيح وقد يفوق جهاد الأعداء الخارجيين؛ يعني أن مجاهدة العدو الداخل أعظم من مجاهدة العدو الخارج؛ لأن العدو الخارج بينةٌ عداوته أما العدو الداخل فهذا قد يخفى، ومن أعظم العداوات أن ينشأ في المسلمين من يدعوهم إلى غير منهج السلف لأن هذا -كالبدع والشركيات والمناهج الضالة من منحرفة كالرافضة والخوارج ونحوها- فإن هذا لا شك أنه الرد على هؤلاء من أعظم القربات، الخرافيين الصوفيين أهل الطرق ونحو ذلك كل هؤلاء الرد عليهم من أفضل القربات وأعظم الطاعات، وهو نوع من الجهاد لا بد منه قال جل وعلا ﴿فَلَا تُطِعْ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا﴾[الفرقان:52] ومجاهدهم بالقرآن وبالعلم من أعظم أنواع الجهاد، أما أن يتركوا ويسكت عنهم، فمتى يعرف الحق؟ إذا سكت العالم على بيان ضلال الضالين، متى يعرف الحق؟ لأننا يجب علينا أن نرعى الدين، الدين علينا أهم من الأشخاص فإذا كان الرد على فلان يحمي حمى الدين –هذا المخالف- ولا مفسدة راجحة في الرد؛ من سفك دماء ونحوه، فهذا يتعين الرد، فالرد على المخالفين من أصول الإسلام ولا شك.
فقوله أنه عليه أن يبين منهج السلف دون التطرق إلى الفرق الضالة كلام غير دقيق وغير صحيح.
أحد الإخوان يطلب أن يفرغ الدرس بعد تسجيله.
هذا يكون إن شاء الله تعالى.
2/ يسأل عن آية آل عمران هل هي في الدين أو في الدنيا؟
وهي قوله تعالى ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُو﴾[آل عمران:103].
لا هي في الدنيا، لم؟ لأنه قال ﴿وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ﴾[آل عمران:103] ما كان الرجل من الأوس مع الآخر من الخزرج متآلفان متحابان، ما كان يرضى الرجل الذي في المدينة مثلا من الأوس أو الخزرج أن يأتيه واحد من قريش ويسكن مكانه، ما يرضى, لو يأتي ويفعله ربما فعل به وفعل، كان بينهم عداوات ما بينهم تآلف ولا تحاب، فأمر الله جل وعلا بأن نعتصم بحبل الله جميعا ولا نتفرق؛ يعني في الدنيا.
3/ ذُكر في الكتاب أن هذه المسألة -يعني المسالة الأولى- شرع من اجلها الجهاد فأرجو توضيح ذلك.
لا شك أن النبي  إنما جاهد لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى، وليكون الدين كله لله جل وعلا، كما قال﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ﴾[الأنفال:39] وفي الآية الأخرى ﴿وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ﴾[البقرة:193]، يعني جميعا، وقال جل وعلا ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً﴾[البقرة:208]، فالمأمور به العباد أن يخلصوا الدين، إذا ما أخلصوا الدين لله جل وعلا فإنهم يجاهَدون جهاد كفر كما فعل النبي ، من أجل هذه المسألة جُوهد المشركون واُستبيحت دماؤهم وأموالهم، ومن اجلها تفرق الناس بين مسلم وكافر فالدعاء بأي شيء أبيحت؟ لأجل الكفر، دماء المشركين أبيحت لأجل أنهم مشركون لأجل أنهم يشركون مع الله آلهة أخرى، فهذه المسألة هي التي يجاهد من أجلها لأنها أعظم ما يجاهد لأجله.
4/ بالنسبة لقولكم في الجاهلية بالنسبة للزمان المطلق، وتعليقكم على عدم دقة قول بجاهلية القرن العشرين. -أنا ما قلت أن القول غير دقيق أنا قلت أنه غلط من أصله- ألا تحمل على أن معظم الناس اليوم في جاهلية؟
هذا أيضا غلط آخر، الشيخ رحمه الله تعالى، الشيخ محمد في وقته الذي الجاهلية فيه أكثر من هذا الزمان، قال: ولا أقول إن أكثر الناس على الشرك، وأنّ الناس ارتدوا إلا طائفة كذا وكذا. وهذا الذي نعتقده، بخلاف ما ينقل عن الدعوة في بعض الأمصار، أنهم يعتقدون أن من هم خلافهم أنهم مشركون، يقول الشيخ رحمه الله تعالى: فإنني لم أكفر إلا بما أجمع عليه، وأكثر الأمة والحمد لله ليس كذلك. فقوله هنا (ألا تحمل على أن معظم الناس اليوم في جاهلية) هذا كلام ليس بصحيح، قد يكون في بعضهم جاهلية لكن معظم الناس في جاهلية هذا غير دقيق؛ لأن قوله (في جاهلية) يعني جاهلية كاملة؛ يعني الكفر، وهذا غلط؛ لأنه لو قال الأخ: على أن معظم الناس عندهم خصال من الجاهلية لكان صحيحا، أما أن يقال في جاهلية اليوم فهذا تعبير لا يستعمله أهل العلم.
5/ يقال عندما يتعدى الإمام بالضرب وأخذ المال يُصبر عليه كما قال النبي ، ولكن لو مسّ العِرضَ فهل يُصبر عليه أيضا؟
قوله هنا (لو مسَّ العِرض) هذه مجملة تحتاج إلى تفصيل.
مسُّ العِرض إذا كان بالتعدي على العرض مباشرة فإنه يُقاتِل المرء دون عِرضه؛ يعني أتى والي من الولاة ودخل يريد أن يأخذ زوجتك أو يتعدى عليها تقاتل دون ذلك، فإن قُتلت دون عرضِك فأنت شهيد.
أما مسّ العرض بمعنى أن يكون هناك مثل ما يكون في مثل هذا الزمان الإعلام ونحوه الذي يفسد النساء، ويُفسد الأعراض فهذا لاشك أنه لا يدخل ضمن الأول؛ لأنّ هذا ليس متعينا ولا موجها لواحد بعينه، وإنما عليه أن يتحصّن بالدين، وهذا من جنس الفتن ومن جنس أنواع البلاء والمعاصي التي تنتشر في الناس بأمر الولاة ونحوهم، وهذا لا يخرج به المرء عن الإسلام، فكيف إذن لا يُصبر عليه؟
فإذن العبارات المجملة ينتبه أصحابها.
6/ هذه ملاحظة جيدة: نلاحظ بعض الطبعات فيها زيادة وحذف ونقص.
هذا صحيح طبعات الكتاب بعضها يزيد وبعضها ينقص، بعضها فيه اختلاف في بعض الألفاظ بل أن بعض الطبعات في ذكر قريب من مائة مسألة تزيد قليلا، وبعضها فيها مائة وعشرون مسألة أو تزيد، فعليه أن يقبل بين ما نقرأ وما عنده ويضيف.
7/ نرجو توضيح ما إذا كان المصر على كفرٍ من العُبّاد الجاهليين دعاة الصالحين والأولياء، بعد أن بين له الأمر وما هو عليه ثم أقر وأصر على ما هو عليه، أو أنه قاتل تحت راية كفر، هل تنطبق عليه أحكام الكفار في الآخرة أم يبقى كمن لم يبين له؟
الجواب: أن من قاتل تحت راية كفرية معتقدا صحة ما قاتل لأجله ولو لم يصله البيان بمفرده فإنه إذا مات يشهد عليه بالنار، كما فعل الصحابة؛ الصديق ومن معه مع المرتدين لما أسروا من أسروا قال ما تركوهم حتى يشهدوا بأن قتلاهم في النار، وأن قتلى المسلمين في الجنة، فمن قاتل تحت راية كفر غير مكره معتقد صحة ما قاتل له ولو لم يبين له بمفرده فإنه يكون كافرا ظاهرا وباطنا، يُشهد عليه بالنار، أما إذا خرج معهم ولم يقاتل ونحو ذلك فهذا ليس له هذا الحكم.
8/ أيضا هذا سؤال جيد يقول: هل كل المسائل التي ذكرها المؤلف مخرجة من الملة؟
الجواب: لا، هذه المسائل اشتملت على ما هو شرك أكبر، وما هو كفر، وما هو شرك أصغر، وما هو بدعة وما هو محرم. اشتملت على هذه الأنواع سيأتينا إن شاء الله تعالى كل هذه الأنواع، بعضها مثل التقليد في المسألة الرابعة قال: إن دينهم مبني على أمور أعظمها التقليد، التقليد على النحو ذاك محرم، قد يكون شركا أكبر، إذا كان تقليدا في التحليل والتحريم ونحوه. إذن هذه المسائل لا تأخذ المسألة تقول أنها شرك لأنه ذكرها الشيخ في مسائل الجاهلية، لا، هذه خصال كان عليها أهل الجاهلية بعضها يكون شرك وبعضها ليس كذلك.
9/ هذا سؤال الحقيقة كثيرا ما يرد ومع كثرة إيضاحه وبيانه ما زال يورد، فلا أدري سبب إثارته دائما، يقول: مارأيك بمن قال –دائما في الأسئلة تحاولوا أنكم تسألون عن القول لكن بمن قال نتركه- ما رأيك عن قول من قال إن الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله خرج على العثمانيين، وكيف نرد عليهم؟
الجواب من جهتين:
الجهة الأولى: أنه كما ذكرت لكم نَجْد في وقت الشيخ لم تكن تحت ولاية العثمانيين، بل إن نجدا من سنة 260 هـ وهي لم تخضع لوِلاية، لا ولاية العباسيين لا ولايات أخر، كانت مستقلة، تسلط عليها بعض الخوارج من ذلك الوقت وطائفة من أهل اليمن ونحوها، يعني استقلت لم تدخل تحت طاعة من ذلك الوقت، فكانوا في تفرق فلم يُجبر أهلها ولم يخضعوا لبيعة وإنما كانوا مستقلين، لما ظهرت الدولة العثمانية كانت نجد كل بلد لها أميرها، فما خضعوا تحت الخلافة العثمانية في أول ما قامت لأنه أول ما قامت كانت على إسلام صحيح بعد ذلك انحرفت.
هذا لما أتى الشيخ وهم على هذا النحو كل بلد لها أمير، ما يقرون بطاعة لبني عثمان بخلاف الأحساء والمنطقة الشرقية وهؤلاء يقرون للولاية للعثمانيين، والوالي على الأحساء ونحوها تحت ولايته، كذلك [الأشراف] ونحوهم كان عندهم نوع استقلال لكنهم تحت الولاية العامة، أما نجد كانت مستقلة، هذا من جهة.
رد مع اقتباس