عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 18-10-2010, 06:51PM
الغريبة
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
افتراضي مقال للإمام الألباني رحمه الله حول الحج والعمرة

حول الحج والعمرة
للشيخ محمد ناصر الدين الألباني

كنت وقفت على مقال " حول الحج والعمرة " للأستاذ الشيخ حمدي الجويجاتي ، في الأجزاء (5-8) من المجلد الحالي لهذه المجلة الزاهرة (*) رد فيه علي ، فلم أنشط للرد عليه ، اكتفاءً بما هو واضح في مقالي الذي انتقدته ، ولكن شاع في بعض ( الأوساط ) أن سكوتي دليل أن الحق مع الشيخ ، وليست الحال كذلك ، وإلا فإني أرحب بكل نقد على أن يكون حقاً ، وألح علي بعض الإخوان بضرورة الرد ، فرأيت موافقتهم وأرجو أن ينفع الله به من فتح قلبه للحق .

إن رد الشيخ الجويجاتي ينحصر في نقطتين أساسيتين ، ثم بنقطة ثالثة ، أما ما جاء في تضاعيف كلامه فأضرب عنه صفحاً ، فأمره يطول وللمجلة نطاق محدود :

النقطة الأولى : زعمه أننا خالفنا بما ذهبنا إليه سنة الخلفاء الراشدين.
النقطة الثانية : وأنه لم يقل بذلك أحد من علماء المسلمين ( يعني أننا خرقنا الإجماع بزعمه ) .
النقطة الثالثة : " أن الخلاف الذي وقع بالاجتهاد ، إنما هو في الأفضلية في كثير من الفروع ، وفي هذا توسعة ورحمة . . . " كما قال : وليت الشيخ لجأ إلى الأحاديث التي استدللنا بها على وجوب التمتع -وهي كثيرة طيبة- ناقشها مناقشة العالم المتمكن رواية ودراية ، وإلى أجوبتنا الكثيرة عن احتجاج من احتج بنهي عمر رضي الله عنه عن التمتع بالحج وإفراد الخلفاء به ، ولكنه لم يصنع من ذلك شيئاً ، وإنما اتهمني بما ليس في ، وهذا ما سيراه القراء الكرام :

1- النقطة الأولى :

قال الشيخ : " هذا مع صريح اعترافه بأن عمر بن الخطاب نهى عن التمتع بالحج وعثمان والزبير (!) وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم ، وأن الخلفاء الراشدين قد أفردوا في الحج ، ثم قال بعد ذلك بكل اجتراح وجموح : " هذا مخالف للكتاب والسنة " وعلل عمل الصحابة بما أوحاه له تفكيره ضارباً عرض الحائط بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي " .

أقول : سبحانك هذا بهتان عظيم ، فحن لم نقل بوجوب المتعة ، إلا اتباعاً لسنته -صلى الله عليه وسلم- ، وفراراً من غضبه على الذين أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة ، ولم يبادروا إلى اتباعه فوراً ، ( كما رواه مسلم وغيره ) ، وهو مذكور في مقالنا المنشور في الجزء (1-4) مع غيره من الأحاديث التي في معناه ، فكيف جاز للشيخ حمدي أن يتهمنا بهذه التهمة المكشوفة ؟!

وإن كان يعني أننا ضربنا عرض الحائط ببعض الحديث المذكور ، وهو " سنة الخلفاء الراشدين " فهو غير صحيح أيضاً ، لأن الخلفاء الراشدين لم يتفقوا على خلاف ما ذهبنا إليه في التمتع بالحج ، بل ثبت في " صحيح مسلم (4-46) أن علياً رضي الله عنه كان يأمر بها ، وأبو بكر رضي الله عنه ، لا يعرف عنه قول بخلافه ، فأين مخالفتنا للخلفاء الراشدين المزعومة ؟! بله ضربنا عرض الحائط بقوله -صلى الله عليه وسلم- ؟! فاللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه . . .

ولعل الشيخ من أولئك الذين يظنون أن معنى قوله عليه السلام : " وسنة الخلفاء الراشدين " أي أحدهم ، ثم لا يبالون بعد ذلك أكان له مخالف منهم أم لا ؟ فليعلم هؤلاء الظانون أن هذا التفسير خطأ محض ، وأن الصواب فيه : أي مجموعهم ، يعني ما اتفق عليه الخلفاء الراشدون ، وأما إذا اختلفوا ، فمحال أن يأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- باتباع كل منهم على ما بينهم من الاختلاف ، وإنما المرجع حينذاك قول الله تبارك وتعالى : ( فإن تنازعتم في شئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ).

على أن لبعض العلماء رأياً آخر في تفسير الحديث هذا ، فقد جاء في " إيقاظ الهمم " ( ص 32 طبع الهند ) :
" وقال يحيى بن آدم : لا تحتاج مع قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى قول أحد ، وإنما يقال : سنة النبى -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر وعمر رضي الله عنهم ليعلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مات وهو عليها ، أقول : وعلى هذا ينبغي أن يحمل حديث : " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي " ، فلا يرى فيه إشكال في العطف ، فليس للخلفاء سنة تتبع إلا ماكان عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- " .

قلت : فعلى هذا (يكون) العطف في الحديث ، كالعطف في قوله تعالى : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين ... ) فإن من المعلوم أن اتباع غير سبيل المؤمنين ، هو مشاققة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وإنما ذكر سبيلهم ليدل على أنه هو الذي كان عليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- ، وهذا المعنى في الحديث أرجح عندي من الذي قبله لأمور لا مجال لذكرها الآن.

وأما المعنى الأول فباطل قطعاً ، وهو الذي يجول في أذهان كثير ممن لا يعرفون كيف يؤخذ بالسنة .

فمن المخالف للسنة المطهرة منا ، ولقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- الأخير الذي ترك الناس عليه ، وأمر به علي رضي الله عنه ؟ إن الشيخ على القول المرجوح عنده في تفسير حديث السنة والراجح عند أمثاله هو - مخالف لسنة الخلفاء الراشدين !

أما أنا فقد خالفت -بعد ثبوت الدليل من السنة- عمر وعثمان ليس إلا ، وهما -رضي الله عنهما- قد ثبت أنهما نهيا عن التمتع ، ولكن أنكر ذلك عليهما جماعة من الصحابة منهم الخليفة الراشد علي بن أبي طالب ، لمخالفته لنص القرآن الكريم ( فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدي ) وكنا فصلنا القول في ذلك تفصيلاً في مقالنا الذي نشرته المجلة ، فلا نعيد القول فيه ، ولكني أرى أن أذكر الشيخ برواية أخرى فيها إنكار أقرب الناس إلى عمر -رضي الله عنه- وأعرفهم به ألا وهو عبد الله بن عمر ، وهو من هو " علماًَ وفهماً عربياً غير ذي عوج " فروى الإمام أبو جعفر الطحاوي عن سالم بن عبد الله بن عمر ، قال :

" إني لجالس مع ابن عمر -رضي الله عنه- في المسجد ، إذ جاءه رجل من أهل الشام ، فسأل عن التمتع بالعمرة إلى الحج ، فقال ابن عمر : حسن جميل ، فقال : فإن أباك كان ينهى عن ذلك ، فقال : ويلك ! فإن كان أبي قد نهى عن ذلك ، وقد فعله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأمر به ، فبقول أبي تأخذ أم بأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ؟! قال : بأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، فقال : فقم عني ". ورواه أحمد بنحوه. والترمذي وصححه .

فليتأمل المحب للسنة والمنتصر لها ، كيف كان السلف الصالح لا يؤثرون عليها قول أحد من الناس ولو كانوا آباءهم ، والشيخ ينكر علينا أخذنا بأمره -صلى الله عليه وسلم- بالتمتع ، ومخالفتنا لعمر وعثمان وليسا بمعصومين رضي الله عنهما !!

وقبل أن أنتقل إلى النقطة الثانية أريد أن أنبه القراء إلى أن ما نسبه الشيخ إلي عطفاً على نهي عمر عن التمتع من القول : " وغيرهم من الصحابة " أقول : وهذا القول افتراء محض علي ، وقوله : " والزبير " خطأ منه : والصواب " ابن الزبير " .


رد مع اقتباس