عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 13-03-2015, 11:42AM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم




شرح مقدمة التفسير ( 2 )
للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله -.


المتن :

فقد سألني بعض الإخوان أن أكتب له مقدمة تتضمن قواعد كليه، تعين على فهم القرآن ومعرفة
تفسيره ومعانيه والتمييز - في منقول ذلك ومعقوله- بين الحق وأنواع الأباطيل، والتنبيه على الدليل
الفاصل بين الأقاويل.



الشرح :

يعني المؤلف (1) بهذا الكلام أن تأليفه للكتاب له سبب، وسببه سؤال بعض الإخوان أن يكتب له
في هذا الموضوع، والتأليف قد يكون ابتدائيا من المؤلف، حين يرى حاجة الناس إلي موضوع معين،
فيكتب فيه، وقد يكون له سبب مثل سؤال بعض الناس له أن يكتب في هذا الموضوع المعين، فالأول
يكون مسؤولاً بلسان الحال، والثاني يكون مسؤولاً بلسان المقال.

فإن العالم إذا رأى الناس محتاجين إلي شيء وألفَ فيه، فإن حال الناس تستدعي أن يبين لهم
هذا الأمر الذي وقعوا فيه، حتى يعرفوا حكمه، ويتعبدوا لله فيه على بصيرة، وكذلك قد يسأل
عن أمر معين.


يقول المؤلف: (قواعد كليه) ، القواعد جمع قاعدة، وهي أساس الشيء، ومنها قواعد البيت أي
أساساته، فهي الأساسات.


التي تعين على فهم القرآن، وحينئذ نعرف أن هذه القواعد قواعد في التفسير؛ لتفسير القرآن، لأن
فهم القرآن أحد الأمور الثلاثة التي قصدت بإنزال القرآن.

فالقرآن الكريم نزل لأمور ثلاثة: التعبد بتلاوته، وفهم معانيه والعمل به، ولهذا كان الصحابة - رضي الله
عنهم- لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموها، وما فيها من العلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن
والعلم والعمل جميعاً.

أما لفظ القرآن فلا يكاد يشكل على أحد، أو يعسر عليه؛ لأنه يقرؤه العامي والعالم والمتعلم، وأما
فهمه فهو الذي يحتاج إلي تعلم وتفكر وتدبر، وأما العمل به فهو أشد على النفوس وأعظم؛ لأن
النفس تحتاج إلي مجاهدة في إلزامها بما تقتضيه الحال؛ من تصديق الخبر، وامتثال الأمر،
واجتناب النهي.

وتأمل قوله تعالي: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الْأَلْبَابِ) (صّ: 29)
حتى يتبين لك أنه لا بد من فهم القرآن، ولابد من العمل به.


وقول المؤلف رحمه الله في هذا المقام: (ومعرفة تفسيره ومعانيه) كل هذا من باب عطف التفسير
أو عطف المترداف، كقول الشاعر:

فألفى قولها كذباً ومينا

وذلك لأن فهم القرآن ومعرفة تفسيره ومعانيه أمور متقاربة، وإن كان فهم القرآن يتضمن فهم
معناه، وفهم حكمه وأسراره، لأن القرآن له معاني، ولهذا المعاني والأحكام حكم واسرار، ثم
قد يقال: إن التفسير غير المعنى، فالتفسير تفسير اللفظ، والمعنى هو ما يراد بالكلام، وسيأتي
من ذلك أمثلة إن شاء الله.


فالتفسير هو تفسير اللفظ فقط، كأن يفسر هذه الكلمة كما فسرها صاحب القاموس، فمثلاً
قوله تعالي:
(أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا) (الأنعام: 158) ،
تفسيرها اللفظي أن تقول: يوم يأتي شيء من آيات الله الدالة على قدرته مثلا والمراد بها طلوع
الشمس من مغربها، فهنا صار فرق بين المعني اللفظي، أي: التفسير اللفظي والتفسير المعنوي
الذي يراد، ولهذا فالقرآن يفسر على الناحيتين تفسيراً لفظياً مطابقاً للفظ فقط، وتفسيراً معنوياً،
وهو ما يراد به، ثم قد يتوافقان وقد يختلفان.


فالمهم أننا إذا أردنا أن نجعل العطف في كلام المؤلف على التأسيس لا التوكيد والترداف،
فنقول: إن فهم القرآن يريد به الحكم والأسرار التي يتضمنها، ومعرفة تفسيره، يعني اللفظ فقط،
ومعانيه، أي: معرفة المراد به.


وقوله: (والتمييز في منقول ذلك ومعقوله بين الحق وأنواع الأباطيل) أفاد المؤلف- رحمه الله-
أن تفسير القرآن نوعان: نقلي وعقلي، ولكن يجب أن يكون التفسير العقلي غير مخالف للتفسير
النقلي؛ لأن التفسير النقلي مقدم عليه، وذلك لأن العقول يلحقها من الشبهات والشهوات
ما يحرمها الوصول إلي معرفة الحق بخلاف المنقول، ومع ذلك ففي المنقول شيء من الباطل،
ففيه إسرائيليات كثيرة أدخلت في التفسير، وفيه أحاديث موضوعه وضعيفة أدخلت أيضاً في
التفسير، فاحتاج الإنسان إلي أن يعرف ما يميز بين الحق وأنواع الأباطيل.


وقوله: (والتنبيه على الدليل الفاصل بين الأقاويل) ، أي: سواء كان الدليل نقلياً أم عقلياً؛ لأنه يجب
أن نعتبر الدليل العقلي في القرآن ما لم يخالف المنقول، وإلا فالعقل لا شك أن له مدخلاً كبيراً
في فهم القرآن ولهذا يأمرنا عز وجل بالتفكير في كثير من آيات القرآن الكريم، بل إن التدبر
في قوله تعالي: (لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِه) (: 29) ، يدخل فيه المعنى العقلي الذي يدركه الإنسان بعقله.

________

(1) هو شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن الإمام مجد الدين أبي
البركات عبد السلام بن أبي محمد بن عبد الله بن أبي القاسم بن محمد بن الخضر بن على
بن عبد الله بن تيمية الحراني، ولد في 661هـ، وتوفي في 728هـ.


‏----------------



شرح مقدمة التفسير
لشيخ الإسلام ابن تيمية
لفضيلة الشيخ العلامة /
محمد بن صالح العثيمين
-رحمه الله تعالى -


الرابط المباشر لتحميل الكتاب:

http://www.archive.org/download/waq19756/19756.pdf

التصفية والتربية

TarbiaTasfia@







رد مع اقتباس