عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 06-10-2003, 05:48PM
طارق بن حسن
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
افتراضي

فصل

في ذكر بعض أقسام المخالفين لشهادة
أن محمداً رسول الله – صلى الله عليه وسلم
-

أيها الإخوة في الله، قد بينا فيما سبق حقيقة شهادة أن محمداً رسول الله، التي من عمل بها والتزم بها ظاهراً وباطناً فهو الصادق في شهادته، ومن خالفها فإنه على خطر عظيم.
والمخالف لهذه الشهادة أقسام:
فقسم: لا يؤمن برسالة محمد – صلى الله عليه وسلم- وينكرها جملة وتفصيلاً، تكذيباً أو عناداً، كحال المشركين.
وقسم: يؤمن برسالة النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – لكن ينكر عمومها، ويقول إنها خاصة بالعرب، كحال طوائف من أهل الكتاب.
ويقال لهؤلاء وأولئك : يقول الله – عز وجل- لرسوله – صلى الله عليه وسلم- : "وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً" [سبأ:28]، ويقول – سبحانه وتعالى-:"قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً" [الأعراف:58]، ويقول – سبحانه- : "قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون"[الأنعام:33].
وليس مقصوداً في هذه الكلمة استقصاء الرد على هؤلاء وغيرهم من الطوائف، فإن علماء الإسلام وأئمتهم قد أجادوا في ذلك، وصنفوا فيها المصنفات، فمن أراد الاستزادة فعليه مراجعة المطولات..
وقسم: يشهدون أن محمداً رسول الله، وينتسبون للإسلام، لكنهم خالفوا حقيقة هذه الشهادة بأنواع ومراتب من المخالفات، بعضها أعظم من بعض.

فقسم منهم: بالغ في الغلو فيه – صلى الله عليه وسلم-، وجعله نوراً أزلياً ينتقل في الأنبياء، حتى جاء – صلى الله عليه وسلم-، ومنهم من يزعم أنه مظهر يتجلى الله فيهن والعياذ بالله.
فالأول: قول الغلاة الشيعة والباطنية، وأيضاً غلاة الصوفية.
والثاني: هو قول أهل وحدة الوجود.
وكل هذه أقوال كفرية لا تصدر عن قلب مؤمن، وإنما يُزخرف فيها القول، وتلبس لباس الإسلام؛ تمويهاً على العوام. وإلا فهي مضاهاة لقول من سبق من الأمم الكافرة، مثل اعتقاد النصارى في المسيح ، وأنه إله في صورة إنسان.
والرسول – صلى الله عليه وسلم- إنما هو بشرٌ، وعبدٌ من عباد الله،اصطفاه الله وشرفه بأن كان خاتم الأنبياء والمرسلين، وسيد ولد آدم أجمعين، وبشريته تنفي ما زعم فيه من المزاعم الباطلة التي ذكرت سابقاً وما شابهها.
يقول الله – عز وجل -:"قل إنما أنا بشري مثلك يُؤحى إليَّ إنما إلهكم إله واحد فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً"[الكهف:110]، وقال – عز وجل- :"قل سبحان ربي هل كنت إلا بشراً رسولاً"[الإسراء:93]،وقال – صلى الله عليه وسلم- : (إنما أنا بشر مثلكم ، أنسى كما تنسون) [صحيح البخاري] (1/150.104)، و[صحيح مسلم](1/402) رقم الحديث (572) (92).
وغير ذلك من الأدلة والنصوص الدالة قطعاً على بشرية محمد – صلى الله عليه وسلم-، وأن الله – سبحانه – إنما ميَّزه بالرسالة والنبوة، أما الغلو فيه ورفعه فوق منـزلته فهذا مخالف لحقيقة رسالته، ومخالف لـ ( شهادة أن محمداً رسول الله).
وقسم منهم: غلا فيه أيضاً، بأن صرف له – صلى الله عليه وسلم- أنواعاً من العبادة، مثل: الدعاء، والخشوع، والصلاة إلى قبره، ونحو ذلك مما هو من خالص حق الله – عز وجل - .
وقد حذر النبي – صلى الله عليه وسلم- أمته من ذلك، وشدد فيه، وأبدأ فيه وأعاد، بل قبل ذلك القرآن الكريم، فإن الله – سبحانه – خص الدعاء والخضوع والصلاة ونحوها من العبادات به – سبحانه- .
ويقول – عز وجل - : "وقال ربكم أدعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين"[غافر:60].
ويقول – سبحانه- واصفاً أفضل عباده: ( إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين)[الأنبياء:90]. وقال سبحانه رسول – صلى الله عليه وسلم- : "فصل لربك وانحر"[الكوثر:2] وقال أيضاً – عز وجل- آمراً نبيه – صلى الله عليه وسلم- : "قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين"[الأنعام:162].
وقال – صلى الله عليه وسلم- في الحديث الـذي رواه عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- : " لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبده، فقولوا : عبد الله ورسوله"[صحيح البخاري] (4/142). أخرجاه.
وفي [ الصحيحين] أيضاً عن عائشة – رضي الله عنها- قالت: لما نُزِل برسول الله – صلى الله عليه وسلم- طَفِق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها، فقال وهو كذلك: " لعنة الله على اليهود والنصـارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، يُحذر ما صنعوا[ صحيح البخاري] (1/112) و (4/144)،و(5/140)، و[صحيح مسلم] (1/377) رقم الحديث (531)، قالت عائشة – رضي الله عنها: فلولا ذاك أبرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجداً [صحيح مسلم] (1/376) رقم الحديث (529).
ونهيه – صلى الله عليه وسلم-، وتشديده في اتخاذ القبور مساجد بالصلاة لله عندها، ولعنه من فعل ذلكن مع أنه لم يعبدها ولم يدعها، وإنما ذلك ذريعة لعبادتها والشرك بها، فكيف بمن عبدها، وتوجه إليها، ونذر لها، وطاف بها، وذبح لها، ودعا أهلها، وطلب منهم النفع والضر.
قال القرطبي – رحمه الله - : ولهذا بالغ المسلمون في سد الذريعة في قبر النبي – صلى الله عليه وسلم – فأعلوا حيطان تربته، وسدوا المداخل إليها، وجعلوها محدقة لقبره – صلى الله عليه وسلم-، ثم خافوا أن يتخذ موضع قبره قبلة – إذا كان مستقبل المصلين-فتصور الصلاة إليه بصورة العبادة، فبنوا جدارين من ركني القبر الشماليين، وحرفوهما حتى التقيا على زاوية مثلث من ناحية الشمال حتى لا يتمكن أحد من استقبال قبره .اهـ[ المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم] للإمام القرطبي ، ط/دار ابن كثير (2/128).
وبهذا يتبين أن الله – سبحانه – قد صان قبره – صلى الله عليه وسلم – إجابة لدعائه – صلى الله عليه وسلم - : " الله لا تجعل قبر وثناً يعبد "[ موطأ الإمام مالك] رواية يحيى بن يحيى الليثي ، عن عطاء بن يسار مرسلاً ص (414) وإن من توجه إليه إنما هو في الحقيقة قاصد لما قام في قلبه أنه قبر النبي – صلى الله عليه وسلم -، وإلا فقبره – صلى الله عليه وسلم – لا يمكن استقباله، ولا الوصول إليه.
بل هو كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية يرحمه الله تعالى: إن الوصول إلى قبره – صلى الله عليه وسلم – غير مقدور، ولا مأمور ا.هـ. وذلك بعد إحاطته بثلاثة جدران.
وقسم: غلوا فيه – صلى الله عليه وسلم -، وزعموا أنه يعلم الغيب ويعلم أحوالهم وما هم عليه، بل وصل بعضهم أن زعم أنه يشاهده ويجتمع به يقظة لا مناماً.
وهذا تكذيب لكتاب الله وكفر بالله – عز وجل، يقول سبحانه "قل لا يعلم من في السماوات الأرض الغيب إلى الله وما يشعرون أيان يبعثون" [النمل: 65] ويقول سبحانه: "ولله غيب السماوات والأرض" [هود: 123] ويقول عز وجل : "علم الغيب والشهادة الكبير المتعال" [الرعد: 9].
وثقول سبحانه وتعالى آمراً نبيه – صلى الله عليه وسلم - : "قل لا أقول لكم عندى خزائن الله ولا أعلم الغيب" [الأنعام: 50].
ويقول عز وجل آمراً نبيه – صلى الله عليه وسلم -: "قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لا ستكثرت من الخير وما مسنى السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون" [الأعراف: 188].
وأما أدلة وفاته – صلى الله عليه وسلم – فكثيرة:
منها: قوله تعالى: "إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ" [الزمر:30]، وقوله عز وجل "وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِنْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ" [الانبياء:34]، ومنها قوله تعالى: "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ" [آل عمران:185].
وفي حديث عائشة في قصة وفاته – صلى الله عليه وسلم -، وفي آخرها قال – صلى الله عليه وسلم –: "في الرفيق الأعلى" في صحيح البخاري (5/138 ، 139) و (7/192)، ثم فاضت روحه – صلى الله عليه وسلم.
وقسم من الناس: جفا في حق النبي المصطفى – صلى الله عليه وسلم -، وسنته الصحيحة، فأخذوا ينكرون طائفة من أحاديث النبي – صلى الله عليه وسلم -، تارة بدعوى أن العقل لا يقبلها، فلما تعارض فهم عقولهم مع ما صح سنده من سنة المصطفى – صلى الله عليه وسلم – نبذوا السنة وراء ئهورهم؛ قديماً منهم للعقل على النقل، وما علموا أن العقل الصريح لا يمكن أن يعارض النقل الصحيح، ومتى توهم هذا التعارض فإن المتهم في ذلك عقل من توهم التعارض، وإلا فالنص الصحيح مقدم بكل حال.
وهذا القسم من الناس ضال مبطل، مخالف لمقتضى شهادة أن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم -.
وقد تقدم بيان الأدلة في ذلك، ونقل قول الشافعي رحمه الله: أجمع العلماء على أن من استبانت له سنة رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لم يكن له أن يدعها لقول أحد.
وتارة يرد السنة بدافع الهوى وغلبة الشهوات، وقد كثير هذا في الأزمان المتأخرة، حتى صار ينطق في الأمور الشرعية بتحليل أو تحريم من لي أهلاً لها، وهذا من أعظم الجرم.
يقول الله سبحانه: "وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً" [الإسراء:36]، ويقول سبحانه: "قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ" [الأعراف:33].
هذا وإن من الناس من خالف حقيقة شهادة أن محمد رسول الله بما هو دون الكفر، وإن كان خطيراً يجب الحذر منه.
فمن ذلك: الحلف بالنبي – صلى الله عليه وسلم – وهذا شرك أصغر، وذريعة للشرك الأكبر.

حقيقة شهادة أن محمداً رسول الله
صلى الله عليه وسلم

لسماحة الشيخ
عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
المفتي العام للمملكة العربية السعودية

الناشر
رئاسة إدارة البحوث العلمية والإفتاء
الرياض – المملكة العربية السعودية
رد مع اقتباس