عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 27-01-2009, 08:11PM
أم ياسر آل شاوي الجزائرية
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
...::: فـــــــائدةٌ، وتأمّـــلاتٌ، وتَــذكِرة:::...

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحِـــيمِ



..::: فائدةٌ، وتأمّلاتٌ... وتَذكِرة :::..


...أَسَاسُ الحُكمِ العَادِلِ فِي أَيِّ قَضِيَّةٍ...


للشيخ ربيع بن هـادي المدخلي
-متّع الله بعلمه وبقائه-


...والذى يحكمُ في قضيّةٍ؛ لا يجوز له أن يحكُمَ إلاّ في حُدودِ علمِهِ، وعلى نحو ممّا يقرأ ويسمع؛ على حد قول النبي -صلى الله عليه وسلّم- « إنَّمَا أَنـَا بشرٌ؛ وإنّكم تختصمون إليّ؛ ولعلّ بعضُكم أن يكون ألْـحَنَ بحُجَّتِهِ من بعض؛ فأقضي على نحو ما أسمع، فمن قضيتُ له بحقّ أخيه شيئاً فلا يأخذه؛ فإنّما أقطعُ لهُ قطعةً من النار » ([1]) .

والشاهدُ منهُ « إنَّمَا أَنَـا بَشَر » إلى قوله : « فأقضي على نحوِ ما أسمع » فعلى أيّ شخصٍ تَوَلّى الفصلَ في قضيّةٍ أن يحكُمَ بعلمٍ، وعليه أن يتحرَّى الوسائلَ التي توصلُه إلى العلمِ بجوانبِ تلك القضيّة .

فإذا توفّرت له الوسائلُ التي توجبُ عليه أن يَفْصِلَ فيها؛ وجب عليه أن يَفْصِلَ فيها في ضوءِ تلك المعلومات .

فإن لم يحكم بالحقّ الذي يعلمُه بل حَكَمَ بما لا يعلم كان جائرًا ظالمًا من أهل النار، وإن حَكَمَ فيها بدون تحرٍّ وبجهلٍ كان جائرًا ظالمًا من أهل النار .
وإن حَكَمَ بما يعلمُ في ضوءِ الأدلةِ التي يسمعُها ويقرؤُها كان عدْلاً مستقيماً منصفاً من أهل الجنّة([2]) .



------------------------------------------------------------------
([1]) البخاري الأحكام حديث ( 7169 )، ومسلم أقضية حديث ( 4 ) 1713.
([2]) إشارة إلى حديث بريدة - رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلّم - قال :
« القضاة ثلاثة واحد في الجنة واثنان في النار، فأما الذي في الجنة فرجل عرف الحق فقضي به، ورجل عرف الحق فجار في الحكم فهو في النار، ورجل قضي للناس على جهل فهو من النار » .
أخرجه أبو داود في 18- الأقضية حديث 3573 ( 4 / 5 ) والترمذي في 13- الأحكام حديث 1322( 3 / 604 ) بنحوه وابن ماجه في 13- الأحكام حديث 2315 ( 2 / 776 ) .


ص 103-104 من كتاب
[منهجُ الإمامِ مسلمٍ
في ترتيبِ كتابهِ الصحيحِ
ودحضِ شبهاتٍ حوله]
طبعة: مجالس الهدى للإنتاج والتوزيع بالجزائر.


تأمّـلاتٌ :

الحمد لله الذي أنعم على الأمّة الإسلامية بعلماء ربانيين يربّونها على الفضائل والمكارم القويمة،
والعدل والإنصاف والحقّ المبين...
جال بخاطري ما جال من أفكار وتدبُّراتٍ عميقة -برغم عقلي القاصر الضعيف- وأنا أقرأ في هذا الكتاب القيّم الرصين؛ للشيخ حفظه الله تعالى؛ وقد أتى فيه بدُرر حديثية ماتعة، ونقاشات علمية مع الطرف الآخر مقنعة، وبالحجة والبرهان ساطعة ...
مع تدقيق وتمحيص باهر في المسائل واستفراغ للوسع كبير...

فقلت في نفسي :
يا الله!! ما أضعف تقوانا!! وما أضأل في العلم حقيقتنا ومستوانا!!
وما أبعد بعضنا عن صدق اللسان.. ورفيع الحجة وصدق البيان!!
بل ما أكثر جهلنا بالنصوص الشرعية؛
وحسن انتزاعها والاستدلال بها حين الخصومة مع مجادل معاند،
أو متعلّم ومستفهم مبتغٍ للحقّ ...
سبحان الله!! يتعب الشيخ حفظه الله ويتعنّى البحث ويتقصى الأدلة؛
بعلمية فائقة، ونقاش قويّ بديع؛
من أجل إقامةِ الحجّة على المخالف؛ أو هدايته للحقّ المبين !!
نقاطٌ ومسائلٌ عديدة حول محور قضية واحدة!! استوعبت كتابا كاملا!!
يناقشها الشيخ مع الطرف المقابل بكل علمية وإحاطة قويّة بجوانبها
وحيثياتها ومدلولات ألفاظها،
وبيان لوازمها،
وطرحٍ لآثارها وتحذير من خطورة نتائجها .
عملٌ وجهدٌ علميٌّ قيّم رصين، في سبيل الحقّ.
وجهادٌ باللسان والبنان من أجل نشر الحجّة ودحض الباطل،
ولحراسة سنة المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم،
في مُؤلَّفٍ واحد ..!
فما حالنا نحن؟!
مئــات القضايا نلوكها بين ألسنتنا في دقائق !!
لا قضية واحدة !!
لا والله!! بل عشرات ومئات !!
في مجلس واحد !!
في محاورة واحدة!!
في ديوانية...
في جلسة
في وقفة على قارعة طريق!!
وربما في محاورة عبر النت...
بجهل فاضح وعيّ في الكلم واضح وضعف وفقر علميٍّ في الصدور والعقول من الحجج والبراهين العلمية وإنما مجرد أقاويل ونقولات من هنا وهناك؛ فمرة من نسخ ولصق...
ومرة من مخزون الذاكرة القديمة المحرفة...
ومرة من نقولات وإشاعات وتهاويل: حدثني فلان عن فلان إلى سلاسل لا تنتهي من مجهولات ومجاهيل...
فلا آيات ولا أحاديث ولا آثار سلفية عظيمة إلا ما ندر !!
وننطلق بهذا الكمّ الهائل من الجهل والفقر العلمي؛ نسعى لإقامة الحقّ -بزعمنا- بين الخلق،
ونقيم الحجج؛ نناقش بها ونجادل!! بل ونظلم ونجور وندعي أننا من أهل الحجة والبيان بينما نحن أفقر وأصغر من هذه المسؤولية الضخمة وهي أكبر منّا...فلا نحن لها ولا من أهلها...
ومع ذلك قضايا ضِخام! تحيّر الكبار !! فيتهجّم عليها المجاهيل والصغار!!
ويجبن عنها الكبار!! ويقتحمها الأحداث الأغمار!!
والكلّ تراه يعظ وينصح أن اسكتوا والزموا غرز العلماء
ولا تتصدروا ولا تتكلموا ولا تفتئتوا
أو تتقدموا بين أيديهم !
لكن إن تعجب فاعجب أن كلّ هذا الكلّ يتكلم!
ويعلّق!
ويتصدّر!
ويحكم !
وكأنّّه غير معنيّ بما نصح به غيره!!
فهلاّ سكت وبدأ بنفسه وإذا سئل قال:
ليس هذا عشك فادرجي؟!
أو
أعطي القوس باريها ؟!
هلاّ كان حلس بيته وأمسك لسانه وبكى على خطيئته
وترك المشاكل والخلافات وحلولها وعلاجاتها للأكابر
فأراح واستراح؟!

وصدق والله الإمام أحمد رحمه الله لما قال:
"لو سكت الجهّال لقلّ الخلاف"
فلا إلـه إلا الله !! والله المستعان !
وأين نحن والله من كلام الشيخ حفظه الله ...
إن حكمنا في القضايا؛
فبالهوى والعواطف والعصبية للأهل والقوم والأقرباء والخلاّن !
بالتسرع والعجلة!
بالتشهّي وروح الانتقام!
بالإشاعات وأخبار الشوارع والطرقات!
نحكم بالجهالة؛ واعتمادًا على المجاهيل لا الثقات العدول الصادقين !!!
نحكم بأحاديث وحكايات الإنترنت وبرامج المحادثة
ممن لا نعرف صدقه من كذبه !!!
نحكم بأقاصيص الغيبة والنميمة ونشر الفتن بين المسلمين
بل بين الصالحين منهم والداعين للخير والهدى!!!

وبما قال أبو فلان وأم فلانة من منتدى فلان الفلاني
ومن موقع وشبكة وبوابة كذا وكذا في الإنترنت !!
ومن جعبة قِيلِ جيراننا وجاراتنا، وأصدقائنا وصويحباتنا!!!
فلا علم ولا خشية!!
ولا خوف من الفتن!!
ولا حكم بعدل! ولا تثبت وفطنة!
ولا تحريّ ولا إحاطة بجوانب الحقّ وحيثيات المسائل
وأبعادها ومصالحها ومفاسدها!
ولا تأسّي بالأنبياء عليهم السلام
والصالحين من أهل العلم والإستنباط
وفقهاء القضايا وخبراء الفتن والبلايا
العلماء بمواضع وأوقات الصمت والكلام !!
ولا نستحضر أهميّة ما ذكّر به وأكد عليه الشيخ حفظه الله تعالى
حين الحكم على الأحداث الجارية
أوالخلق والقضايا !!!

ولا نعرف قدر هكذا كلام وهكذا نصائح وتوجيهات قيّمة؛ إلاّ لما يرتكس بعضنا في الفتن ويناله من حمئها ووحلها عياذا بالله تعالى ما يناله! وما يتبعه من فتن وما تجلبه من ويلات وأحزان
وظلم وجور بين المسلمين ومحن!
ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم !!!

وهـاهنا!
تذكرةٌ لنفسي ولإخواني الطيبين وأخواتي الغاليات
حول آفات وموبقات اللسان :

قال الله سبحانه وتعالى في الترهيب من حصائد الألسن وما تفوه به من زلاّت وآفات وما اختص به الرقيب العتيد بالرقابة والتدوين في السجلاّت:
﴿إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد *
ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد﴾
[ق:17-18].

~ * ~ * ~ * ~ * ~ * ~ * ~ * ~ * ~
وقال الله سبحانه: ﴿والذين هم عن اللغو معرضون﴾ [المؤمنون:1-3].
فانظروا -يا رعاكم الله- كيف ذمّ الله تعالى اللّغو وفضول الكلام بمدح المعرضين عنه النائين عن مجالسه فما بالكم بما تحصده الألسن بالليل والنهار من شرور وآثام في مجالس وبيئة ومواقف آثمة ومنتديات بالفتن عامرة خلت من ذكر الله ومن العلم الشرعي وملأها شياطين الجنّ والإنس بالغيبة والبهتان والجهل والظلم
وضياع الأوقات والأعمار في استشراف الفتن...

~ * ~ * ~ * ~ * ~ * ~ * ~ * ~ * ~
وقال الله أيضا- عزّ سبحانه من قائل- في وجوب ضبط اللسان
ولجم خبيئته ولزوم السداد وخشية الله في لفظه حتّى رتّب عليه صلاح الأعمال ومغفرة الذنوب:
﴿يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً *يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً﴾
[الأحزاب:70-71].
والآيات في هذا الشأن تترى وتتداعى على قلب وعقل المؤمن وتُتلى باللّيل والنّهار على الكبار والصغار وفي المجامع والمجالس من قبل العلماء والوعاظ وحيا منزّلا يزكي القلوب ويربي الأنفس على صالح الأقوال ونظيف الألفاظ .

~ * ~ * ~ * ~ * ~ * ~ * ~ * ~ * ~
وقال-صلّى الله عليه وسلّم- في بيان فضيلة الصمت والحث على قلة الكلام وكفّ الألسن ويتأكد ذلك في زمن الهرج :«من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت» رواه البخارى؛ كتاب الأدب؛ باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره.

~ * ~ * ~ * ~ * ~ * ~ * ~ * ~ * ~
وها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرع ويزجر صنفا من الخليقة تعاف قربهم الأنفس الزكيّة وينفر من رفقتهم ومجالستهم الصلحاء إذ همّهم وهجيراهم إذاية الناس بحصائد ألسنتهم وتتبّع عوراتهم والتجسس على هفواتهم وهِناتهم ونشرها وفضحها من حيثُ سترها عليهم ربهم عليهم ...
فعن ابن عمر –رضي الله تعالى عنه وأرضاه- قال : صعد رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم) على المنبر فنادى بصوت رفيع فقال :
«يا معشر من أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لاتؤذوا المسلمين ولاتتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عورة أخيه المسلم يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورتهيفضحه ولو في جوف رحله»
حديث حسن كما في غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام
برقم 420 للعلاّمة الألباني رحمه الله تعالى.

~ * ~ * ~ * ~ * ~ * ~ * ~ * ~ * ~
وقال رسول الله ( صلّى الله عليه وسلّم):
«... من خاصم في باطل وهو يعلم ؛ لم يزل في سخط الله حتى ينزع ، ومن قال في مؤمن ما ليسفيه ؛ حبس في ردغة الخبال ؛ حتى يأتي بالمخرج مما قال» حديث صحيح برقم 437
في السلسلة الصحيحة للإمام الألباني رحمه الله تعالى.
( ردغة الخبال : هي عصارة أهل النار عياذا بالله من عقابه)

~ * ~ * ~ * ~ * ~ * ~ * ~ * ~ * ~
وبعـد:
فجزى الله خيرًا صاحب الفضيلةِ الشيخَ الجليلَ ربيعَ بن هادي المدخلي
عنّي وعن المسلمين خيرًا
ومتّع بعلمه وبقائه...
وفوائده ودُرره من مسطوراته وأقواله...

وأخيرًا:هذه ذكرى وتذكير ...
لكل مسلمٍ ومسلمة...
وليجعله-بالخصوص والتأكيد-
طلاب العلم وطالباته
ديدن ألسنتهم بالليل والنّهار
هو دعاءٌ عظيم ...
من نبيّ عظيم،
يوحى إليه بدواء كل فتنة وعلاجها...
ولا يدخّر -صلوات ربي عليه وآله وسلامه-
جهدا ولا وسعا لنصح أمتّه وإرشادها
لما فيه خلاصها ونجاتها من كل شرّ وفتنة وبلاء...
ولا يؤخّر بيانا شافيا كافيا عن وقت حاجة...

﴿ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِمَا عَنِتُّمْ
حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾
[128/سورة التوبة]

فأرشدنا صلوات ربي وسلامه عليه حين اشتداد الفِتنِ والمحن
والاختلافات في زمنِ الغُربةِ والحيرةِ
أن نحفظ
ونكرر
ونلهج بصدق وتضرّع لله
فنَقـــول:

(( اللَّهُمَ رَبَّ جبـرئيل
وميكـائيل،
وإسرافـيل،
فاطرَالسمواتِ والأرض،
عالمَ الغيـبِ والشهادة،
أنت تحكمُ بين عِـبادك؛
فيما كانُـوافيه يختلفون.
اِهــدِني لما اختُلِف فيه من الحقّ؛
بإذنـك؛
إنّك لـَـتَهدِي إلى صراطٍ مُستقيم.))

حسّنه العلاّمة الألباني -رحمه الله-
في صحيح سنن ابن ماجه[ 1116]
طبعة مكتب التربية العربي.



أختكم في الله:
أم يـاسر الجزائرية.
[1/صفر/1430هـ]


ملاحظة:
لمن رأى في كُـليماتي شيئاً من نفع أقول:
الرجاء ذكر المصدر برابطه لا مجرد كلمة منقول.
رد مع اقتباس