بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[57] الرابع : عن أبي ثابت ، وقيل : أبي سعيد ، وقيل : أبي الوليد ، سهل بن حُنَيْفٍ وَهُوَ بدريٌّ رضي الله عنه : أنَّ النَّبيّ ﷺ قَالَ : « مَنْ سَأَلَ الله تَعَالَى الشَّهَادَةَ بِصِدْقٍ بَلَّغَهُ الله مَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ وَإِنْ مَاتَ عَلَى فِرَاشِهِ » . رواه مسلم .
في هذا الحديث :
أنَّ من نوى شيئًا من أعمال البرّ صادقًا من قلبه أُثيب عليه ، وإن لم يتفق له ذلك .
[58] الخامس : عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله ﷺ : « غَزَا نبيٌّ مِنَ الأنْبِياءِ صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهمْ فَقَالَ لِقَومهِ : لا يَتْبَعَنِّي رَجُلٌ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأةٍ وَهُوَ يُريدُ أنْ يَبْنِي بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ بِهَا ، وَلا أحَدٌ بَنَى بُيُوتاً لَمْ يَرْفَعْ سُقُوفَهَا ، وَلا أحَدٌ اشْتَرَى غَنَماً أَوْ خَلِفَاتٍ وَهُوَ يَنْتَظِرُ أَوْلادَها . فَغَزا فَدَنَا مِنَ القَرْيَةِ صَلاةَ العَصْرِ أَوْ قَريباً مِنْ ذلِكَ ، فَقَالَ لِلشَّمْسِ : إِنَّكِ مَأمُورَةٌ وَأنَا مَأمُورٌ ، اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا ، فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللهُ عَلَيهِ ، فَجَمَعَ الغَنَائِمَ فَجَاءتْ - يعني النَّارَ - لِتَأكُلَهَا فَلَمْ تَطعَمْها ، فَقَالَ : إنَّ فِيكُمْ غُلُولاً ، فلْيُبايعْنِي مِنْ كُلِّ قَبيلةٍ رَجُلٌ ، فَلَزِقَتْ يد رجل بِيَدِهِ فَقَالَ : فِيكُمُ الغُلُولُ فلتبايعني قبيلتك ، فلزقت يد رجلين أو ثلاثة بيده ، فقال : فيكم الغلول ، فَجَاؤُوا بِرَأْس مثل رأس بَقَرَةٍ مِنَ الذَّهَبِ ، فَوَضَعَهَا فَجاءت النَّارُ فَأكَلَتْها . فَلَمْ تَحلَّ الغَنَائِمُ لأحَدٍ قَبْلَنَا ، ثُمَّ أحَلَّ الله لَنَا الغَنَائِمَ لَمَّا رَأَى ضَعْفَنا وَعَجْزَنَا فَأحَلَّهَا لَنَا » . مُتَّفَقٌ عَلَيهِ .
« الخَلِفَاتُ » بفتحِ الخَاءِ المعجمة وكسر اللامِ : جمع خِلفة وهي الناقة الحامِل .
في هذا الحديث :
أنَّ فتن الدنيا تدعو النفس إلى الهلع ومحبةِ البقاء .
وفيه :
أنَّ الأمور المهمّة لا ينبغي أن تفوَّض إلا لحازم فارغ البال لها .
قال القرطبي : نهي النبيُّ قومه عن اتباعه على أحد هذه الأحوال ؛ لأنَّ أصحابها يكونون متعلقي النفوس بهذه الأسباب فتضعف عزائمهم ، وتفتر رغباتهم في الجهاد والشهادة ، وربّما يفرط ذلك التعلّق فيفضي إلى كراهة الجهاد وأعمال الخير .
ومقصود هذا النبي ﷺ تفرغهم من العوائق والاشتغال إلى تمنَّي الشهادة بنيِّة صادقة ، وعزم حازم ، ليتحصَّلوا على الحظ الأوفر والأجر الأكبر .