عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 11-12-2009, 02:02PM
أم محمود
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
افتراضي تصحيح المفاهيم في جوانب العقيدة



بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد، سبق لي أن تحدثت تحت هذا العنوان في موسم المحاضرات لعام 94-95هـ وتناولت بالحديث النقاط التالية:
1- العبادة.
2- التوسل.
3- مبحث الصفات.
4- القرآن الكريم.

ووعدت بأني سوف أعود فأتحدث مرة أخرى تحت العنوان ذاته إن شاء الله فها أنا ذا أعود إلى العنوان بمشيئة الله تنفيذاً للوعد المذكور وأختار هذه المرة النقاط الآتية:
1- الأولياء والكرامات.
2- الشفاعة.
3- السنة النبوية.

والذي دفعني إلى الحديث في تصحيح المفاهيم هذه المرة والمرة التي قبلها هو إدراكي التام ما عليه عامة المسلمين - كما يدرك غيري- من تصورات بعيدة عن حقيقة الإسلام في الموضوعات المذكورة وغيرها في جوانب الإسلام حتى صار البون شاسعاً بينهم وبين المنهج المحمدي الذي أشار إليه النبي عليه الصلاة والسلام بقوله: «تركتكم على بيضاء نقية لا يزيغ عنها إلا هالك»، وعلى الرغم من هذا التوجيه النبوي المتضمن للإنذار فقد زاغ جمهور المسلمين عن المنهج فصاروا يعملون خارج المنهج في جوانب كثيرة، مغيرين بذلك مفاهيم وتصورات كثيرة، فحياة المسلمين اليوم أقرب إلى الجاهلية التي قبل مبعث النبي منها إلى الحياة الإسلامية مما جعل حياتهم مغايرة لحياة الرعيل الأول من الصحابة والتابعين الذين أخذوا تلكم المعاني من صاحب الشريعة مباشرة أو بسند عال، ولعل سر ذلك انصراف الناس عن دراسة مصادر الإسلام الأصلية وتسرب كثير من عادات وتقاليد غير إسلامية إلى صفوف المسلمين. كالهندوكية والبوذية والثقافة اليونانية. وهذا التركيب المزجي خلف في صفوف المسلمين ريبة مدللة ومضللة في الوقت ذاته أطلق عليها "الصوفية" وكنتيجة حتمية لوجودها كثر المحترفون باسم الدين بعد أن لقبوا أنفسهم برجال السلوك فسلكوا بأتباعهم غير سبيل المؤمنين وصنفوا أنفسهم كالآتي:
- العارفون بالله
- والأقطاب
– والأوتاد.
أيها الإخوة، لا نعلم أن المسلمين ابتلوا ببلية أو أصيبوا بمصيبة أعظم وأخطر من مصيبة الصوفية إذ من بابهم دخلت على المسلمين تصورات أجنبية ومفاهيم غربية لا عهد للمسلمين بها في ماضيهم بل هي باب لكل بدعة دخلت على عبادة المسلمين وعقائدهم التي منها هذه التصورات الطارئة على المعاني أو النقاط التي سوف أتناولها بالبحث في هذه العجالة محاولاً بيان التصور الصحيح لها والتصور غير الصحيح لعلي أكون أديت بذلك بعض ما يجب أداؤه من واجب النصح لعامة المسلمين لأني لا أريد بمحاضرتي هذه أداء واجب الموسم الثقافي للجامعة فحسب بل أرجو أن تصل هذه المحاضرة يوماً إلى أيدي من تعنيهم وتتحدث عنهم وعن سوء فهمهم فتصحح لهم تصوراتهم تلك بإذن الله في هذه الجوانب.
والله أسأل وبمحبة رسوله أتوسل أن يجعل عملي مخلصاً لوجهه الكريم إنه خير مسئول وأكرم مجيب.

وبعد هذه المقدمة التي أرجو ألاّ تكون مملة نأخذ في الحديث عن النقاط الثلاث التي اخترتها لحديثي، هذه المرة على النحو التالي:

(عنوان1 أولاً: الأولياء: )
(عنوان2 الأولياء جمع ولي: )
الولي من تولى الله أمره وخصه بعنايته لصلاحه لأن الله يتولى الصالحين ويحب المؤمنين ويدافع عنهم ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾، وفي الحديث القدسي: «من عادى لي وليا فقد آذنته بحرب».
ويعتبر الصلاح والتقوى من العناصر الأساسية في الولاية ومن مستلزماتها: العلم، ونعني بالعلم معرفة الله بأسمائه وصفاته وآلائه جملة وتفصيلاً ومعرفة شرعه الذي جاء به رسوله المصطفى ونبيه المرتضى عليه الصلاة والسلام. وقد تولى القرآن الكريم تعريف الأولياء بما لا يترك مجالاً للتردد أو التساؤل أو التوقف:
﴿وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً﴾، إذ يقول الله عز وجل من قائل:﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ﴾، ويقول أيضاً:﴿إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ﴾ وقد حصر القرآن- كما ترى- الأولياء فيمن يتصفون بصفة التقوى. والتقوى تستلزم العلم والمعرفة - كما قلنا - لأن حقيقة التقوى امتثال المأمورات واجتناب المنهيات خوفاً من عذاب الله وسخطه وتطلعاً إلى رضائه وجنته وكرامته ولا يتم ذلك إلا بالفقه في الدين، فالخير كله في الفقه في الدين كما أن الشر كله في الجهل بالدين والإعراض عنه. يقول الرسول الكريم في هذا المعنى: «من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين» ولا يخفى على طالب العلم المفهوم المخالف للحديث. وهو أن من لن يُرزَق الفقه في الدين قد فاته الخير. وماذا بعد الخير إلا الشر؟..

هكذا بيّن الكتاب والسنة صفات أولياء الرحمن التي منها: العلم والمعرفة والصلاح والتقوى. وذلك يعني أن الأولياء هم العلماء العاملون والفقهاء المبرزون حملة كتاب الله المتبعون لسنة نبيه عليه الصلاة والسلام لنخلص إلى القول:
بأن الله لم يتخذ ولياً جاهلاً يجهل دينه وما جاء به نبيه عليه الصلاة والسلام، لنقضي بذلك على الزعم الشائع بين كثير من الناس أن الأولياء هم أولئك الجهال المخادعون من الكهنة والمشعوذين ومن السحرة أحياناً الذين يسحرون أعين الناس ثم يتظاهرون بفعل أشياء مثيرة. وهم في الواقع لم يفعلوا شيئاً وكثير من أولئكم الكهنة يستخدمون الشياطين أو على الأصح تستخدمهم الشياطين لتوحي إليهم. وقد تأتي لهم بأموال مسروقة فتظن العامة أنهم من أولياء الرحمن وما يخبرون به أو يأتي إليهم من الأموال من قبيل الكرامات وأنى لهم الكرامة؟ بل الإهانة أولى بهم وحقاً إنهم مهانون إذ حرموا ولاية الله والأنس به ووقعوا في أسر عدو الله: الشيطان، فأصبحوا أولياءه ﴿وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ﴾.
والذي أريد أن أصل إليه أنه لا تلازم بين الولاية وبين ظهور الأمور الخارقة للعادة. وفي هذا المعنى يحكى عن الإمام الشافعي رحمه الله قوله:" لو رأيتم رجلاً يسير في الهواء. أو يمشي على الماء لا تقبلوا منه دعوى الولاية حتى تعرضوا أعماله على الكتاب والسنة " أو كلام هذا معناه. يعنى الإمام الشافعي رحمه الله أن ظهور الأمور الخارقة للعادة ليس من مستلزمات الولاية بل قد لا تظهر تلك الأمور على أيدي كثير من أولياء الرحمن لأنها ليست من صنع الأولياء. وإنما هي من فعل الرب تعالى الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد. وقد تظهر تلك الأمور على أيدي أناس غير صالحين كما سبقت الإشارة إلى هذا المعنى وكما سيأتي بيان ذلك إن شاء الله مفصلاً.
وبالجملة من رزق الفقه في الدين يدرك تماماً إن باب الولاية أوسع مما يظنه كثير من العوام وأشباه العوام الذين ضيقوا مفهوم الولاية بل غيروه فحصروا الولاية في بيوت معينة أو أشخاص معينين. يتظاهرون بالدروشة. وخفة العقل. ومباديء الجنون أحياناً ويهذون هذياناً وربما أخبروا الناس عن مكان الضالة وعن بعض الحوادث التي تقع في أماكن بعيدة عن أماكن وجودهم بواسطة شياطينهم التي تنقل إليهم الأخبار من أماكن بعيدة صادقة أو كاذبة. هذا هو مفهوم الولاية عندهم ولا يخفى وجه خطأ هذا المفهوم. وقد استغل القوم جهل العوام فأثبتوا لأنفسهم منصباً وراثياً يرثه الأبناء عن الآباء فينتقل إلى الأبناء بطريقة أوتوماتكية ( تلقائية ) لأن القاعدة تقول كل من كان أبوه ولياً لا بد أن يكون ولياً ولا محالة. لأن الولاية عندهم غير مقيدة بقيود مكتسبة كالعلم والصلاح والتقوى. بل إن واقعهم على العكس من ذلك إذ يتصفون بالجهل والجرأة على الله والخروج على شرعه والابتداع في دينه وكراهة أوليائه وأهل طاعته من العلماء العاملين والدعاة الغيورين.
رد مع اقتباس