عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 20-03-2015, 09:08AM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم




شرح مقدمة التفسير ( 09)


للشيخ ابن عثيمين -رحمه الله -


المتن :


وقال تعالى: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ
نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ (52) مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا
فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) (الشورى: 52-53) .


الشرح :

قال تعالي: (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا) ، (رُوحاً) أي القرآن، وسماه الله تعالي روحاً، لأن به
الحياة المعنوية، وإن شئت فقل الحقيقية أيضاً، لأن من اهتدي به فإن له الحياة الكاملة في
الدنيا وفي الآخرة.


وقوله (رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا) يعني مما نأمر به ونوحي به، وبهذا
استدللنا على أن القرآن غير مخلوق، من قوله (ً مِنْ أَمْرِنَا) ووجه ذلك أن الله قال في آية أخري:
(ِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْر) فجعل الأمر قسيماً للخلق، والقرآن من الأمر لا من الخلق، فتبين بهذا
أن القرآن غير مخلوق.

وقوله: (مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإيمَانُ) فالفعل تدري ينصب مفعولين علقت بما الاستفهامية،
وما: استفهام مبتدأ، والكتاب خبر، والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب سد مسد مفعولي
تدري؛ لأن الرسول صلي الله عليه وسلم ما كان يدري ما الكتاب ولا الإيمان قبل أن يوحي إليه.


وقوله: (وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ) يعني: صيرنا هذا الروح الذي أوحينا إليك نوراً نهدي
به من نشاء من عبادنا، وكلمة (مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا) عامة، ولا ندري من الذي يشاء الله أن يهديه
بالقرآن، لكن إذا رجعنا إلي الآية التي قبلها صار الذي يهديه به الله من اتبع رضوانه من عباده.


وقوله: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) ، قال هنا (نَهْدِي بِهِ) وفي نفس الآية: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي) .
.لكن بين الهدايتين فرق، (نَهْدِي بِهِ) هداية توفيق وهداية ولابة، ولهذا عديت بنفسها (تهدي به من) ،
وأما (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاط) فهي هداية دلالة، فالرسول صلي الله عليه وسلم يهدي لله،
ولا يهدي من، قال تعالى: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْت) (القصص: من الآية56) ، لكن (وَإِنَّكَ
لَتَهْدِي إِلَى صِرَاط) فهو عليه الصلاة السلام يدل الناس، لكن ليس بيده هداية التوفيق.


يقول تعالى: (صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْض)
هنا أضيف الصراط إلي
الله عز وجل وقد أضيف في سورة الفاتحة إلي غير الله، فقال تعالي (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ)
ولا تعارض بين الإضافتين، فإن إضافته إلي الله باعتبار أنه هو الذي وضعه لعباده، وأنه موصل إليه،
وإضافته إلي الناس في قوله: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) باعتبار أنهم أهله وسالكوه، فالإضافة مختلفة،
فلهذا صح أن تضاف إلي هذا تارة وإلي هذا تارة.


وقوله: (أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) الأمور هنا أي الشؤون، فكل الأمور الدنيوية والأخروية، الشرعية
والكونية، كلها تصير إلي الله سبحانه وتعالي، ولهذا لا مرجع للخلق إلا ربهم سبحانه وتعالي، في جميع
أحوالهم وشؤونهم الدينية والدنيوية، كما قال تعالي: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ)
(الشوري: 10) وكذلك الأمور الكونية (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ
كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (88) (سَيَقُولُونَ لِلَّه) (المؤمنون: من الآية88-89) .

وتصدير الجملة بألا في
قوله تعالى: (أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ) للتنبيه الدال على الأهمية، وتقديم المتعلق يفيد الحصر،
يعني: ألا إلي الله لا إلي غيره.



* * * * * * * *


شرح مقدمة التفسير
لشيخ الإسلام ابن تيمية

لفضيلة الشيخ العلامة /
محمد بن صالح العثيمين
-رحمه الله تعالى -

الرابط المباشر لتحميل الكتاب:

http://www.archive.org/download/waq19756/19756.pdf








رد مع اقتباس