عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 08-10-2010, 11:19PM
أبو عبد الله بشار أبو عبد الله بشار غير متواجد حالياً
مشرف - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
الدولة: السعودية
المشاركات: 557
افتراضي

وهذه فائدة أخرى لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله من وصيته الكبرى التي قرّر فيها قول أهل السنّة والجماعة في القرآن الكريم فقال رحمه الله :

وَمِن ذلك الاقتصاد في السنَّةِ ، وَاتِّباعهَا كما جَاءت ( بلا زيادة ولا نقصان ) مِثلُ الكَلام : فِي ( القُرآنِ و سَائِرِ الصِّفَاتِ ) فَإِنَّ مَذهبَ سَلفِ الأمَّة وَأَهل السنَّةِ أَنَّ القُرآنَ كَلامُ اللَّهِ ؛ مُنَزَّلٌ غَير مَخلوقٍ ، مِنه بدأ وإِليه يعودُ . هكذا قَالَ غَير واحد من السَّلف . رُوي عَن سُفيَانَ بنِ عيينة عَن عَمرِو بنِ دِينَارٍ ( وكان من التَّابعينَ الأعيان ) قال : ما زِلت أسمعُ النَّاسَ يقولون ذلك . والقرآنُ الذي أَنزَلهُ اللَّهُ على رسُوله صلَّى اللَّه عليه وسلَّم هو هذا القرآن الذي يقرأهُ المُسلمونَ ويكتُبونهُ في مصاحِفهم وهو كَلام اللَّهِ لا كلامُ غيرِهِ ، وإن تَلاهُ العِبَاد وبَلَغوهُ بحركاتهِم وأَصواتهم . فَإِنَّ الكَلام لمن قالهُ مُبتدئًا لا لمن قاله مبلّغاً مُؤَدِّيًا قال اللَّه تعالى : ( وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ المُشرِكِينَ استَجَارَكَ فَأَجِرهُ حَتَّى يَسمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ) التوبة 6 .
وهذا القُرآنُ في المصاحف كما قال تعالى : ( بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ * فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ ) البروج 21 _ 22 .
وَقَالَ تَعَالَى : ( يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً * فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ) البيّنة 2 _ 3 . وَقَالَ : ( إنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ) الواقعة 77 _ 78 . والقُرآن كَلامُ اللَّهِ بِحروفهِ ونَظمِهِ ومَعانيهِ كُلُّ ذَلِكَ يدخُل في القرآنِ وفي كَلامِ اللَّه . وإعرَابُ الحُروفِ هوَ مِن تَمَام الحُروف ، . وَإِذَا كَتَبَ المُسلمُونَ مُصحَفاً فَإِن أَحبُّوا أَنْ لَا يُنَقِّطُوهُ وَلَا يُشَكِّلُوهُ جازَ ذَلِكَ ، كما كَانَ الصَّحابة يَكتُبُونَ المصاحِف مِن غَيْرِ تَنقِيطٍ وَلا تشكيلٍ ، لأَنَّ القَوم كَانوا عَرَباً لا يَلحَنُونَ .
وَهَكَذَا هِيَ المَصَاحِفُ التي بَعَث بِهَا عثمان رضي اللَّهُ عَنه إلى الأَمصَارِ في زمن التَّابِعِينَ . ثُمَّ فَشَا " اللَّحنُ " فَنُقِّطَت المَصَاحِفُ وَشُكِّلَت بِالنُّقَطِ الحُمْرِ ثُمَّ شُكِّلَت بِمِثلِ خَطِّ الحُروفِ ، فتنازع العُلَمَاء في كَراهة ذلك .
وَفيه خِلافٌ عَن الإِمام أحمد رحمه اللَّه وغيره من العُلماء قيل : يُكرَه ذلك لأَنهُ بِدعةٌ ، وقيلَ : لا يُكرَهُ لِلحَاجَةِ إلَيهِ ، وقيل يُكرَهُ النُّقَطُ دُونَ الشَّكل لبيان الإِعرَاب . وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لا بَأسَ بِهِ ، وَالتَّصدِيقُ بِمَا ثَبتَ عَن النَّبيِّ صلَّى اللَّه عليه وسلَّم أنَّ اللَّهَ يَتكَلَّمُ بِصَوْت ، وَيُنَادِي آدَمَ عَلَيهِ السَّلامُ بِصَوت ، إلى أمثال ذلك من الأَحاديثِ . فهذه الجُملَةُ كان عليها سلف الأُمَّة وأَئمَّةُ السُّنَّةِ . وَقَالَ أَئِمَّةُ السُّنَّةِ : القُرآنُ كَلامُ اللَّهِ تَعَالَى غَيرُ مَخلوقٍ .
حَيثُ تُلِيَ وَحَيث كُتبَ . فَلا يُقَالُ لِتِلاوةِ العَبدِ بِالقُرآنِ : إنَّها مَخلُوقَةٌ لأنَّ ذَلِكَ يَدخُل فيِه القُرآن المُنَزَّلُ وَلا يُقَالُ : غَيرُ مَخلُوقةٍ لأَنَّ ذَلِكَ يَدخُلُ فيهِ أَفعَالُ العِبَادِ . وَلَمْ يَقُل قَطُّ أَحَدٌ مِن أَئِمَّةِ السَّلَفِ : أَنَّ أَصوَاتَ العِبَادِ بِالقُرآنِ قَدِيمَةٌ بَل أَنكَرُوا عَلَى مَن قَالَ : لَفظُ العَبدِ بِالقُرآنِ غَيرُ مَخلُوقٍ .
وَأَمَّا مَن قَالَ : إنَّ المِدَادَ قَدِيمٌ : فَهَذَا مِن أَجهَلِ النَّاسِ وَأَبعَدِهم عَن السنَّةِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : ( قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ البَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ) الكهف 109 .
فَأَخبَرَ أَنَّ المِدادَ يَكتبُ بِهِ كَلِمَاته . وكذلك مَن قَالَ لَيس القُرآنُ في المُصحَفِ ، وإنَّما فِي المُصحَفِ مِدَادٌ وَوَرَقٌ أَو حِكَايَةٌ وَعِبَارَةٌ . فَهُوَ مُبتَدِعٌ ضَالٌّ . بَل القُرآنُ الَّذِي أَنزَلَهُ اللَّهُ على مُحمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وسلَّم هُو ما بَينَ الدَّفَّتَيْنِ . وَالكَلامُ فِي المُصحَفِ ( عَلَى الوَجهِ الَّذِي يَعرِفُهُ النَّاسُ ) لَهُ خَاصَّةً يَمتَازُ بِهَا عَنْ سَائِرِ الأَشياءِ . وَكَذَلِكَ مَن زَادَ عَلَى السنَّةِ فَقَالَ : إنَّ أَلفَاظَ العِبَادِ وَأَصوَاتَهُم قَدِيمَةٌ فَهُوَ مُبتَدِعٌ ضَالٌّ . كَمَن قَالَ : إنَّ اللَّهَ لا يَتَكَلَّمُ بِحَرفِ وَلَا بِصَوتِ فَإِنَّهُ أَيضًا مُبتَدِعٌ مُنكِرٌ لِلسنَّةِ . وَكَذَلِكَ مَن زَادَ وَقَالَ : إنَّ المِدَادَ قَدِيمٌ فَهُوَ ضَالٌّ . كَمَن قَالَ : لَيسَ فِي المَصَاحِفِ كَلامُ اللَّهِ . وَأَمَّا مَن زَادَ عَلَى ذَلِكَ مِن الجُهَّالِ الَّذِينَ يَقُولُونَ : إنَّ الوَرَقَ وَالجِلدَ وَالوَتَدَ وَقِطعَةً مِن الحَائِطِ : كَلَامُ اللَّهِ فَهُوَ بِمَنـزِلَةِ مَن يَقُولُ : مَا تَكَلَّمَ اللَّهُ بِالقُرآنِ وَلا هُوَ كَلامُهُ . هَذَا الغُلوُّ مِن جَانِبِ الإِثبَاتِ يُقَابِلُ التَّكذِيبَ مِن جَانِبِ النَّفيِ وَكِلاهُمَا خَارِجٌ عَن السنَّةِ وَالجَمَاعَةِ . وَكَذَلِكَ إفرَادُ الكَلامِ فِي النُّقطَةِ وَالشَّكلَةِ بِدعَةٌ نَفيًا وَإِثبَاتًا وَإِنَّهَا حَدَثَت هَذِهِ البِدعَةُ مِن مِائَةِ سَنَةٍ أَو أَكثَرَ بِقَلِيلِ فَإِنَّ مَن قَالَ : إنَّ المِدَادَ الَّذِي تُنَقَّطُ بِهِ الحُرُوفُ وَيُشَكَّلُ بِهِ قَدِيمٌ فَهُوَ ضَالٌّ جَاهِلٌ وَمَن قَالَ : إنَّ إعرَابَ حُرُوفِ الْقُرْآنِ لَيسَ مِن القرآنِ فَهُوَ ضَالٌّ مُبتَدِعٌ . بَل الوَاجِبُ أَن يُقَالَ : هَذَا القُرآنُ العَرَبِيُّ هُوَ كَلامُ اللَّهِ ، وَقَد دَخَلَ فِي ذَلِكَ حُرُوفُهُ بِإِعرَابِهَا كَمَا دَخَلَتْ مَعَانِيهِ ، وَيُقَالُ : مَا بَيْنَ اللَّوحَينِ جَمِيعُهُ كَلامُ اللَّهِ . فَإِنْ كَانَ الْمُصحَفُ مَنقُوطًا مَشكُولاً أُطلِقَ عَلَى مَا بَينَ اللَّوحَينِ جَمِيعِهِ أَنَّهُ كَلامُ اللَّهِ . وَإِن كَانَ غَيرَ مَنقُوطٍ وَلَا مَشكُولٍ : كَالمَصَاحِفِ القَدِيمَةِ الَّتي كَتَبَهَا الصَّحَابَةُ ، كَانَ أَيضًا مَا بَينَ اللَّوحَينِ هُوَ كَلامُ اللَّهِ . فَلَا يَجُوزُ أَن تُلقَى الفِتنَةُ بَينَ المُسلمينَ بِأَمر مُحدثٍ ونِزَاعٍ لَفظِيٍّ لا حَقِيقَةَ لَهُ وَلَا يَجُوزُ أَن يَحدُثُ فِي الدِّينِ مَا لَيسَ مِنهُ .
انتهى كلامه رحمه الله


التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الله بشار ; 10-10-2010 الساعة 08:51AM
رد مع اقتباس