عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 04-10-2010, 05:19PM
أبو عبد الله بشار أبو عبد الله بشار غير متواجد حالياً
مشرف - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Oct 2009
الدولة: السعودية
المشاركات: 557
افتراضي وصية شيخ الإسلام لأبي القاسم المغربي

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وبعد :
فهذه وصية شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله لأبي القاسم المغربي عندما طلب منه النصيحة فيما ينفعه في دينه ودنياه فقال رحمه الله :

الحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ . أَمَّا " الوَصِيَّةُ " فَمَا أَعْلَمُ وَصِيَّةً أَنفَعُ مِن وَصِيَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِمَنْ عَقَلَهَا وَاتَّبَعَهَا . قَالَ تَعَالَى :
( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ ) .

_ وَوَصَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذًا لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ فَقَالَ : يَا مُعَاذ : اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْت وَأَتْبِع السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا وَخَالِقْ النَّاسَ بِخُلُقِ حَسَنٍ } . وَكَانَ مُعَاذٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْزِلَةِ عَلِيَّةٍ ؛ فَإِنَّهُ قَالَ لَهُ : " { يَا مُعَاذُ وَاَللَّهِ إنِّي لَأُحِبّكَ وَكَانَ يُرْدِفُهُ وَرَاءَهُ } . وَرُوِيَ فِيهِ : " أَنَّهُ أَعْلَم الْأُمَّةِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَأَنَّهُ يُحْشَرُ أَمَامَ الْعُلَمَاءِ بِرَتْوَةِ - أَيْ بِخُطْوَةِ - " . وَمِنْ فَضْلِهِ أَنَّهُ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَلِّغًا عَنْهُ دَاعِيًا وَمُفَقِّهًا وَمُفْتِيًا وَحَاكِمًا إلَى أَهْلِ الْيَمَنِ . وَكَانَ يُشَبِّهُهُ بِإِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَإِبْرَاهِيمُ إمَامُ النَّاسِ . وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : إنَّ مُعَاذًا كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ؛ تَشْبِيهًا لَهُ بِإِبْرَاهِيمَ . ثُمَّ إنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَّاهُ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ فَعُلِمَ أَنَّهَا جَامِعَةٌ . وَهِيَ كَذَلِكَ لِمَنْ عَقَلَهَا مَعَ أَنَّهَا تَفْسِيرُ الْوَصِيَّةِ الْقُرْآنِيَّةِ . حَقٌّ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . وَحَقٌّ لِعِبَادِهِ . ثُمَّ الْحَقُّ الَّذِي عَلَيْهِ لَا بُدَّ أَنْ يُخِلَّ بِبَعْضِهِ أَحْيَانًا : إمَّا بِتَرْكِ مَأْمُورٍ بِهِ أَوْ فِعْلِ مَنْهِيٍّ عَنْهُ . فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْت } وَهَذِهِ كَلِمَةٌ جَامِعَةٌ وَفِي قَوْلِهِ " حَيْثُمَا كُنْت " تَحْقِيقٌ لِحَاجَتِهِ إلَى التَّقْوَى فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ . ثُمَّ قَالَ : { وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا } فَإِنَّ الطَّبِيبَ متى تَنَاوَلَ الْمَرِيضُ شَيْئًا مُضِرًّا أَمَرَهُ بِمَا يُصْلِحُهُ . وَالذَّنْبُ لِلْعَبْدِ كَأَنَّهُ أَمْرٌ حَتْمٌ . فَالْكَيِّسُ هُوَ الَّذِي لَا يَزَالُ يَأْتِي مِنْ الْحَسَنَاتِ بِمَا يَمْحُو السَّيِّئَاتِ . وَإِنَّمَا قَدَّمَ فِي لَفْظِ الْحَدِيثِ " السَّيِّئَةَ " وَإِنْ كَانَتْ مَفْعُولَةً لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُنَا مَحْوُهَا لَا فِعْلُ الْحَسَنَةِ فَصَارَ { كَقَوْلِهِ فِي بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ : صُبُّوا عَلَيْهِ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ } . وَيَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ الْحَسَنَاتُ مِنْ جِنْسِ السَّيِّئَاتِ فَإِنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْمَحْوِ ، وَالذُّنُوبُ يَزُولُ مُوجِبُهَا بِأَشْيَاءَ : ( أَحَدُهَا ) التَّوْبَةُ . وَ ( الثَّانِي ) الِاسْتِغْفَارُ مِنْ غَيْرِ تَوْبَةٍ . فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يَغْفِرُ لَهُ إجَابَةً لِدُعَائِهِ وَإِنْ لَمْ يَتُبْ فَإِذَا اجْتَمَعَتْ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ فَهُوَ الْكَمَالُ . ( الثَّالِثُ ) الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ الْمُكَفِّرَةُ : أَمَّا " الْكَفَّارَاتُ الْمُقَدَّرَةُ " كَمَا يُكَفِّرُ الْمُجَامِعُ فِي رَمَضَانَ وَالْمُظَاهِرُ وَالْمُرْتَكِبُ لِبَعْضِ مَحْظُورَاتِ الْحَجِّ أَوْ تَارِكُ بَعْضِ وَاجِبَاتِهِ أَوْ قَاتِلُ الصَّيْدِ بِالْكَفَّارَاتِ الْمُقَدَّرَةِ وَهِيَ " أَرْبَعَةُ أَجْنَاسٍ " هَدْيٍ وَعِتْقٍ وَصَدَقَةٍ وَصِيَامٍ . وَأَمَّا " الْكَفَّارَاتُ الْمُطْلَقَةُ " كَمَا قَالَ حُذَيْفَةُ لِعُمَرِ : فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ ؛ يُكَفِّرُهَا الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ وَالصَّدَقَةُ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ . وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ الْقُرْآنُ وَالْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ فِي التَّكْفِيرِ بِالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ وَالْجُمْعَةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ وَسَائِر الْأَعْمَالِ الَّتِي يُقَالُ فِيهَا : مَنْ قَالَ كَذَا وَعَمِلَ كَذَا غُفِرَ لَهُ أَوْ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَهِيَ كَثِيرَةٌ لِمَنْ تَلَقَّاهَا مِنْ السُّنَنِ خُصُوصًا مَا صُنِّفَ فِي فَضَائِلِ الْأَعْمَالِ . وَاعْلَمْ أَنَّ الْعِنَايَةَ بِهَذَا مِنْ أَشَدِّ مَا بِالْإِنْسَانِ الْحَاجَةُ إلَيْهِ ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ مِنْ حِينِ يَبْلُغُ ؛ خُصُوصًا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ وَنَحْوِهَا مِنْ أَزْمِنَةِ الْفَتَرَاتِ الَّتِي تُشْبِهُ الْجَاهِلِيَّةَ مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ الَّذِي يَنْشَأُ بَيْنَ أَهْلِ عِلْمٍ وَدِينٍ قَدْ يَتَلَطَّخُ مِنْ أُمُورِ الْجَاهِلِيَّةِ بِعِدَّةِ أَشْيَاءَ فَكَيْفَ بِغَيْرِ هَذَا وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ { لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَدَخَلْتُمُوهُ . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ؟ قَالَ : فَمَنْ ؟ } هَذَا خَبَرٌ تَصْدِيقُهُ فِي قَوْله تَعَالَى :
( فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلَاقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ بِخَلَاقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالَّذِي خَاضُوا )
وَلِهَذَا شَوَاهِدُ فِي الصِّحَاحِ وَالْحِسَانِ . وَهَذَا أَمْرٌ قَدْ يَسْرِي فِي الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الدِّينِ مِنْ الْخَاصَّةِ ؛ كَمَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ السَّلَفِ مِنْهُمْ ابْنُ عيينة ؛ فَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ أَحْوَالِ الْيَهُودِ قَدْ اُبْتُلِيَ بِهِ بَعْضُ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الْعِلْمِ وَكَثِيرًا مِنْ أَحْوَالِ النَّصَارَى قَدْ اُبْتُلِيَ بِهِ بَعْضُ الْمُنْتَسِبِينَ إلَى الدِّينِ كَمَا يُبْصِرُ ذَلِكَ مَنْ فَهِمَ دِينَ الْإِسْلَامِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ نَزَّلَهُ عَلَى أَحْوَالِ النَّاسِ . وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ وَكَانَ مَيِّتًا فَأَحْيَاهُ اللَّهُ وَجَعَلَ لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ لَا بُدَّ أَنْ يُلَاحِظَ أَحْوَالَ الْجَاهِلِيَّةِ وَطَرِيقَ الْأُمَّتَيْنِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَالضَّالِّينَ مِنْ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَيَرَى أَنْ قَدْ اُبْتُلِيَ بِبَعْضِ ذَلِكَ . فَأَنْفَعُ مَا لِلْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ الْعِلْمُ بِمَا يُخَلِّصُ النُّفُوسَ مِنْ هَذِهِ الْوَرَطَاتِ وَهُوَ إتْبَاعُ السَّيِّئَاتِ الْحَسَنَاتِ . وَالْحَسَنَاتُ مَا نَدَبَ اللَّهُ إلَيْهِ عَلَى لِسَانِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ مِنْ الْأَعْمَالِ وَالْأَخْلَاقِ وَالصِّفَاتِ . وَمِمَّا يُزِيلُ مُوجِبَ الذُّنُوبِ " الْمَصَائِبُ الْمُكَفِّرَةُ " وَهِيَ كُلُّ مَا يُؤْلِمُ مِنْ هَمٍّ أَوْ حُزْنٍ أَوْ أَذًى فِي مَالٍ أَوْ عِرْضٍ أَوْ جَسَدٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ لَكِنْ لَيْسَ هَذَا مِنْ فِعْلِ الْعَبْدِ . فَلَمَّا قَضَى بِهَاتَيْنِ الْكَلِمَتَيْنِ حَقَّ اللَّهِ : مِنْ عَمَلِ الصَّالِحِ وَإِصْلَاحِ الْفَاسِدِ قَالَ : " وَخَالِقْ النَّاسَ بِخُلُقِ حَسَنٍ " وَهُوَ حَقُّ النَّاسِ . وَجِمَاعُ الْخُلُقِ الْحَسَنِ مَعَ النَّاسِ : أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَك بِالسَّلَامِ وَالْإِكْرَامِ وَالدُّعَاءِ لَهُ وَالِاسْتِغْفَارِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالزِّيَارَةِ لَهُ وَتُعْطِي مَنْ حَرَمَك مِنْ التَّعْلِيمِ وَالْمَنْفَعَةِ وَالْمَالِ وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَك فِي دَمٍ أَوْ مَالٍ أَوْ عِرْضٍ . وَبَعْضُ هَذَا وَاجِبٌ وَبَعْضُهُ مُسْتَحَبٌّ .

التعديل الأخير تم بواسطة أبو عبد الله بشار ; 04-10-2010 الساعة 05:25PM
رد مع اقتباس