عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 08-08-2004, 12:00AM
معاذ بن يوسف الشّمّريّ معاذ بن يوسف الشّمّريّ غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Jun 2004
الدولة: الأردن - إربد - حرسها الله -
المشاركات: 31
إرسال رسالة عبر مراسل Yahoo إلى معاذ بن يوسف الشّمّريّ
افتراضي الألبانيّ ؛ و التّلازم بين الظّاهر و الباطن .

بسم الله الرّحمن الرّحيم

أمّا بعد :

فهذه كلماتٌ - أخرى - لإمامنا الألبانيّ - رحمه الله - في ( التّلازم بين الظّاهر و الباطن ) ؛ فلْيمت الحروريّ غيظاً ( ! ) .

فلقد قال - رحمه الله - في " جلباب المرأة المسلمة " - بعد نقله أحاديث كثيرةً في وجوب مخالفة المشركين - في أبواب متعدّدةٍ من الدّين - - ( 206 - 212 ) :

(( فثبت مّما تقدّم أنّ مخالفة الكفّار وترك التّشبّه بهم من مقاصد الشّريعة الإسلاميّة العُليا ؛ فالواجب على كلّ مسلمٍ - رجالاً ونساءاً - أن يراعوا ذلك في شؤونهم كلّها ؛ وبصورةٍ خاصّةٍ في أزيائهم وألبستهم ؛ لما علمت من النّصوص الخاصّة فيها ؛ وبذلك يتحقّق صحّة ( الشرط السّابع ) في زيّ المرأة .

هذا؛ وقد يظنّ بعض النّاس أنّ هذه المخالفة إنما هي أمرٌ تعبّديٌّ محض ، وليس كذلك ؛ بل هو معقول المعنى ، واضح الحكمة ، فقد تقرّر - عند العلماء المحقّقين - أنّ هناك ارتباطاً وثيقاً بين الظّاهر والباطن ، وأنّ للأوّل تأثيراً في الآخر ؛ إنْ خيراً فخير ، وإن شرّاً فشرّ ؛ وإنْ كان ذلك ممّا قد لا يشعر به الإنسان في نفسه ؛ ولكن قد يراه في غيره .

قال شيخ الإسلام - رحمه الله - ( ص 105 - 106 - [ قلت : أي : من " الاقتضاء " ] - ) :

(( وهذا أمرٌ يشهد به الحسّ والتّجربة ؛ حتّى إنّ الرّجلين إذا كانا من بلدٍ واحد ، ثم اجتمعا في دار غربة ؛ كان بينهما من المودّة والائتلاف أمرٌ عظيم ؛ وإن كانا في مصرهما لم يكونا متعارفَين ، أو كانا متهاجرَين ، وذلك لأنّ الاشتراك في البلد نوع وصفٍ اختصّا به عن بلد الغربة .

بل لو اجتمع رجلان في سفرٍ أو بلدٍ غريب ، وكانت بينهما مشابهةٌ في العمامة ، أو الثّياب ، أو الشّعر ، أو المركوب ، ونحو ذلك ؛ لكان بينهما من الائتلاف أكثر ممّا بين غيرهما .

وكذلك تجد أرباب الصّناعات الدّنيويّة يألف بعضهم بعضاً مالا يألفون غيرهم ، حتّى إنّ ذلك يكون مع المعاداة والمحاربة ، إمّا على الملك ، وإمّا على الدّين ، وتجد الملوك ونحوهم من الرّؤساء وإن تباعدت ديارهم وممالكهم بينهم مناسبةٌ تُورث مشابهةً ورعايةً من بعضهم لبعض ، وهذا كلّه موجب الطّباع ومقتضاه ؛ إلاّ أن يمنع من ذلك دينٌ أو غرضٌ خاصّ .

فإذا كانت المشابهة في أمورٍ دنيويّةٍ تُورث المحبّة والموالاة ؛ فكيف بالمشابهة في أمورٍ دينيّة ؟!؛ فإنّ إفضاءها إلى نوعٍ من الموالاة أكثر وأشدّ ، والمحبّة والموالاة لهم تنافي الإيمان ، ... ، وقال - سبحانه - : } لاَ تَجِدُ قَوْمَاً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَو كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيْرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ { [ المجادلة: 22 ] ، فأخبر - سبحانه وتعالى - أنّه لا يوجد مؤمنٌ يوادُّ كافراً ؛ فمن وادَّ الكفّار فليس بمؤمن ، والمشابهة الظّاهرة مظنّة الموادّة ، فتكون محرّمة )) .

وقال في مكانٍ آخر ( ص 6 - 7 ) :

(( وهذه الأمور الباطنة والظّاهرة بينهما ارتباطٌ ومناسبة ، فإنّ ما يقوم بالقلب من الشّعور والحال يوجب أموراً ظاهرةً ، وما يقوم بالظّاهر من سائر الأعمال يوجب للقلب شعوراً وأحوالاً ؛ وقد بعث الله محمداً - صلّى الله عليه وسلّم - بالحكمة الّتي هي سنّته ، وهي الشّرعة والمنهاج الّذي شرعه له ، فكان من هذه الحكمة أن شرع له من الأعمال والأقوال ما يُباين سبيل المغضوب عليهم والضّالين ؛ فأمر بمخالفتهم في الهدي الظّاهر ، وإن لم يظهر لكثيرٍ من الخلق في ذلك مفسدة ؛ لأمور ؛ منها :

أنّ المشاركة في الهدي الظّاهر تُورث تناسباً وتشاكلاً بين المتشابهين ، يقود إلى موافقة ما في الأخلاق والأعمال ، وهذا أمرٌ محسوس ، فإن اللاّبس ثياب أهل العلم يجد من نفسه نوع انضمامٍ إليهم ، واللاّبس ثياب الجند المقاتِلة - مثلاً - يجد من نفسه نوع تخلّقٍ بأخلاقهم ؛ ويصير طبعه متقاضياً لذلك ؛ إلاّ أن يمنعه مانع .

ومنها أنّ المخالَفة في الهدي الظّاهر تُوجب مباينةً ومفارقةً توجب الانقطاع عن موجبات الغضب ، وأسباب الضّلال ، والانعطاف على أهل الهدى والرّضوان ، وتحقّق ما قطع الله من الموالاة بين جنده المفلحين وأعدائه الخاسرين ، وكلّما كان القلب أتمّ حياة ، وأعرف بالإسلام الّذي هو الإسلام ؛ لست أعني مجرّد التوسم به ظاهراً أو باطناً بمجرد الاعتقادات من حيث الجملة - كان إحساسه بمفارقة اليهود والنّصارى باطناً و ظاهراً أتمّ ، وبُعده عن أخلاقهم الموجودة في بعض المسلمين أشدّ .
ومنها أن مشاركتهم في الهدي الظّاهر توجب الاختلاط الظّاهر ، حتى يرتفع التّمييز - ظاهراً - بين المهديّين المرضيّين ، وبين المغضوب عليهم والضّالين ، ... ، إلى غير ذلك من الأسباب الحكيمة .

هذا إذا لم يكن ذلك الهدي الظّاهر إلا مباحاً محضاً لو تجرّد عن مشابهتهم ؛ فأمّا إن كان من موجبات كفرهم ؛ كان شعبةً من شعب الكفر ؛ فموافقتهم فيه موافقةٌ في نوعٍ من أنواع معاصيهم؛، فهذا أصلٌ ينبغي أن يُتفطّن له )) .

وكان قد قال في أوّل الكتاب ( ص 7 - 8 ) :

(( وهنا نكتةٌ ... وهي أنّ الأمر بموافقة قومٍ أو بمخالفتهم قد يكون لأنّ نفس قصد موافقتهم أو نفس موافقتهم مصلحة ، وكذلك نفس قصد مخالفتهم أو نفس مخالفتهم مصلحة ؛ بمعنى أنّ ذلك الفعل يتضمّن مصلحةً للعبد أو مفسدة ، وإن كان ذلك الفعل الذي حصلت به الموافقة أو المخالفة لو تجرّد عن الموافقة والمخالفة لم يكن فيه تلك المصلحة أو المفسدة ، ولهذا نحن ننتفع بنفس متابعتنا لرسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - والسّابقين في أعمال ؛ لولا أنّهم فعلوها لربّما قد كان لا يكون لنا مصلحة ؛ لما يورث ذلك من محبّتهم ، وائتلاف قلوبنا بقلوبهم ، وأنّ ذلك يدعونا إلى موافقتهم في أمورٍ أخرى ، إلى غير ذلك من الفوائد ، كذلك قد نتضرّر بموافقتنا الكافرين في أعمالٍ لولا أنّهم يفعلونها لم نتضرّر بفعلها ؛ وقد يكون الأمر بالموافقة والمخالفة ؛ لأنّ ذلك الفعل الذي يوافق فيه أو يخالف متضمّنٌ للمصلحة أو المفسدة ولو لم يفعلوه ؛ لكن عبّر عنه بالموافقة والمخالفة على سبيل الدّلالة والتّعريف ؛ فتكون موافقتهم دليلاً على المفسدة ، ومخالفتهم دليلاً على المصلحة ، واعتبار الموافقة والمخالفة على هذا التقدير من باب ( قياس الدّلالة ) ، وعلى الأوّل من باب ( قياس العلة ) ، وقد يجتمع الأمران ؛ أعني : الحكمة الناشئة من نفس الفعل الّذي وافقناهم أو خالفناهم فيه ، ومن نفس مشاركتهم فيه ؛ وهذا هو الغالب على الموافقة والمخالفة المأمور بهما والمنهيّ عنهما ، فلا بد من التفطّن لهذا المعنى ؛ فإنه به يعرف معنى نهي الله لنا عن اتّباعهم ، وموافقتهم مُطلقاً ومقيّداً )) .

قلت - [ القائل هو الألبانيّ ] - : وهذا الارتباط بين الظاهر والباطن مما قرّره - صلّى الله عليه وسلّم - في قوله الّذي رواه النّعمان بن بشيٍر ؛ قال : (( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُسَوِّي صُفُوفَنَا حَتَّى كَأَنَّمَا يُسَوِّي بِهَا الْقِدَاحَ ، حَتَّى رَأَى أَنَّا قَدْ عَقَلْنَا عَنْهُ ، ثُمَّ خَرَجَ يَوْمَاً ، فَقَالَ :

(( عِبَادَ اللَّهِ ( ! ) ؛ لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ ، وفي روايةٍ : قلوبكم )) .

فأشار إلى أنّ الاختلاف في الظّاهر - ولو في تسوية الصّفّ - مما يوصل إلى اختلاف القلوب ، فدلّ على أنّ الظّاهر له تأثيٌر في الباطن ، ولذلك رأيناه - صلّى الله عليه وسلّم - ينهى عن التّفرّق ؛ حتّى في جلوس الجماعة ، ويحضرني - الآن - في ذلك حديثان :

1- عن جابر بن سمرة ؛ قال :

(( خَرَجَ عَلَينَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ؛ فَرَآنَا حِلَقَاً ؛ فَقَالَ :
مَالِي أَرَاكُمْ عِزِين ؟! ) .

2 - عن أبي ثعلبة الخشنّي ؛ قال :

(( كَانَ النَّاسُ إِذَا نَزَلُوا مَنْزِلاً تَفَرَّقُوا فِي الشِّعَابِ وَالأَوْدِيَةِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :

(( إِنَّ تَفَرُّقَكُمْ فِي هَذِهِ الشِّعَابِ وَالأَوْدِيَةِ إِنَّمَا ذَلِكُمْ مِنْ الشَّيْطَانِ )) .

فَلَمْ يَنْزِلْ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْزِلاً إِلاَّ انْضَمَّ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْض ؛ حَتَّى يُقَالَ : لَوْ بُسِطَ عَلَيْهِمْ ثَوْبٌ لَعَمَّهُمْ )) )) ا.هـ

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

نقلتها - سائلاً الأجر و المثوبة
في : ليلة : 22 - جمادى الثّانية - 1425 هـ .
__________________
أبو عبد الرّحمن الأثريّ

- كان الله له -
رد مع اقتباس