عرض مشاركة واحدة
  #57  
قديم 02-02-2015, 12:57PM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم





القول المفيد على كتاب التوحيد

باب: لا يرد من سأل بالله

ج / 2 ص -347- باب: لا يرد من سأل بالله

ـ
قوله: "باب لا يرد": "لا": نافية بدليل رفع المضارع بعدها، والنفي يحتمل أن يكون للكراهة، وأن يكون للتحريم.
قوله: "من سأل بالله": أي: من سأل غيره بالله.


والسؤال بالله ينقسم إلى قسمين:
أحدهما: السؤال بالله بالصيغة، مثل أن يقول: أسألك بالله كما تقدم في حديث الثلاثة حيث قال الملك: "أسألك بالذي أعطاك الجلد الحسن واللون الحسن بعيرا"1.
الثاني: السؤال بشرع الله عز وجل أي: يسأل سؤالا يبيحه الشرع; كسؤال الفقير من الصدقة، والسؤال عن مسألة من العلم، وما شابه ذلك.
وحكم رد من سأل بالله الكراهة أو التحريم حسب حال المسئول والسائل،


وهنا عدة مسائل:
المسألة الأولى: هل يجوز للإنسان أن يسأل بالله أم لا؟
وهذه المسألة لم يتطرق إليها المؤلف رحمه الله; فنقول
أولا: السؤال من حيث هو مكروه ولا ينبغي للإنسان أن يسأل أحدا شيئا إلا إذا دعت الحاجة إلى



1 سبق (ص 289).


ج / 2 ص -348-

ــ
ذلك، ولهذا كان مما بايع النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن لا يسألوا الناس شيئا، حتى إن عصا أحدهم ليسقط منه وهو على راحلته; فلا، يقول لأحد: ناولنيه، بل ينزل ويأخذه1. والمعنى يقتضيه; لأنك إذا أعززت نفسك ولم تذلها لسؤال الناس بقيت محترما عند الناس، وصار لك منعة من أن تذل وجهك لأحد; لأن من أذل وجهه لأحد; فإنه ربما يحتاجه ذلك الأحد لأمر يكره أن يعطيه إياه، ولكنه إذا سأله اضطر إلى أن يجيبه، ولهذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ازهد فيما عند الناس يحبك الناس"2 فالسؤال أصلا مكروه أو محرم إلا لحاجة أو ضرورة. فسؤال المال محرم، فلا يجوز أن يسأل من أحد مالا إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك، وقال الفقهاء رحمهم الله في باب الزكاة: "إن من أبيح له أخذ شيء أبيح له سؤاله"، ولكن فيما قالوه نظر; فإن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر من السؤال، وقال: "إن الإنسان لا يزال يسأل الناس حتى يأتي يوم القيامة وما في وجهه



1 أخرجه مسلم في (الزكاة, باب كراهة المسألة للناس, 2/721); عن عوف بن مالك رضي الله عنه.
2 أخرجه ابن ماجه في (الزهد, باب الزهد في الدنيا, 2/1374). وقال في "الزوائد": "في إسناده خالد بن عمرو وهو ضعيف متفق على ضعفه, واتهم بالوضع, وأورد له العقيلي هذا الحديث, وقال: ليس له أصل من حديث الثوري". وأخرجه: الحاكم (4/313). وقال: "صحيح الإسناد", ونازعه الذهبي; فقال: "خالد وضاع". وأخرجه: أبو نعيم في "الحلية" (3/253, 7/ 136), والعقيلي في "الضعفاء" 2/11), من حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه. والحديث حسنه النووي في "الرياض" (473), وفي "الأربعين النووية" (حديث رقم 31). وصححه الألباني في "الصحيحة" (944), وقال المنذري في "الترغيب والترهيب" (4/ 157): "وقد حسن بعض مشايخنا إسناده, وفيه بعد; لأن من رواته خالد بن عمرو, وخالد هذا قد ترك واتهم". وضعفه ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (ص 272).




ج / 2 ص -349- عن ابن عمر رضي الله عنهما; قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سأل بالله، فأعطوه،....


مزعة لحم"1، وهذا يدل على التحريم إلا للضرورة.
وأما سؤال المعونة بالجاه أو المعونة بالبدن; فهذه مكروهة، إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
وأما إجابة السائل; فهو موضوع بابنا هذا، ولا يخلو السائل من أحد أمرين:
الأول: أن يسأل سؤالا مجردا; كأن يقول مثلا: يا فلان! أعطني كذا وكذا، فإن كان مما أباحه الشارع له فإنك تعطيه; كالفقير يسأل شيئا من الزكاة.
الثاني: أن يسأل بالله; فهذا تجيبه وإن لم يكن مستحقا; لأنه سأل بعظيم، فإجابته من تعظيم هذا العظيم، لكن لو سأل إثما، أو كان في إجابته ضرر على المسئول; فإنه لا يجاب.


مثال الأول: أن يسألك بالله نقودا؛ ليشتري بها محرما كالخمر.
ومثال الثاني: أن يسألك بالله أن تخبره عما في سرك، وما تفعله مع أهلك; فهذا لا يجاب لأن في الأول إعانة على الإثم، وإجابته في الثاني ضرر على المسئول.


قوله: صلى الله عليه وسلم "من سأل بالله": "من": شرطية للعموم.
قوله: "فأعطوه": الأمر هنا للوجوب ما لم يتضمن السؤال إثما أو ضررا على المسئول; لأن في إعطائه إجابة لحاجته، وتعظيما لله عز وجل



1 أخرجه: البخاري في (الزكاة, باب من سأل الناس تكثرا, 1/457), ومسلم في (الزكاة, باب كراهة المسألة, 1/720), عن ابن عمر رضي الله عنهما.


ج / 2 ص -350- ومن استعاذ بالله; فأعيذوه، ومن دعاكم; فأجيبوه 1،.......


الذي سأل به. ولا يشترط أن يكون سؤاله بلفظ الجلالة بل بكل اسم يختص بالله، كما قال الملك الذي جاء إلى الأبرص والأقرع والأعمى: "أسألك بالذي أعطاك كذا وكذا".2
قوله: "ومن استعاذ بالله فأعيذوه" أي قال: أعوذ بالله منك; فإنه يجب عليك أن تعيذه; لأنه استعاذ بعظيم، ولهذا لما قالت ابنة الجون للرسول صلى الله عليه وسلم: "أعوذ بالله منك" قال لها: "لقد عذت بعظيم -أو معاذ-، الحقي بأهلك"3. لكن يستثنى من ذلك لو استعاذ من أمر واجب عليه; فلا تعذه، مثل أن تلزمه بصلاة الجماعة، فقال: أعوذ بالله منك. وكذلك لو ألزمته بالإقلاع عن أمر محرم، فاستعاذ بالله منك; فلا تعذه لما فيه من التعاون على الإثم والعدوان، ولأن الله لا يعيذ عاصيا، بل العاصي يستحق العقوبة لا الانتصار له وإعاذته. وكذلك من استعاذ بملجأ صحيح يقتضي الشرع أن يعيذه -وإن لم يقل أستعيذ بالله-; فإنه يجب عليك أن تعيذه كما قال أهل العلم: لو جنى أحد جناية ثم لجأ إلى الحرم; فإنه لا يقام عليه الحد ولا القصاص في الحرم، ولكنه يضيق عليه; فلا يبايع، ولا يشترى منه، ولا يؤجر حتى يخرج، بخلاف من انتهك حرمة الحرم بأن فعل الجناية في نفس الحرم; فإن الحرم لا يعيذه لأنه انتهك حرمة الحرم.


قوله: "ومن دعاكم فأجيبوه": "مَنْ": شرطية للعموم، والظاهر أن المراد بالدعوة هنا الدعوة للإكرام، وليس المقصود بالدعوة هنا النداء.



1 النسائي: الزكاة (2567) , وأبو داود: الزكاة (1672) , وأحمد (2/99 ,2/127).
2 سبق (ص 289).
3 أخرجه: البخاري في (الطلاق, باب من طلق وهل يواجه الرجل امرأته بالطلاق, 3/401); عن أبي أسيد رضي الله عنه.


ج / 2 ص -351-


وظاهر الحديث وجوب إجابة الدعوة في كل دعوة، وهو مذهب الظاهرية. وجمهور أهل العلم على أنها مستحبة إلا دعوة العرس; فإنها واجبة لقوله صلى الله عليه وسلم فيها: "شر الطعام طعام الوليمة، يدعى إليها من يأباها ويمنعها من يأتيها، ومن لم يجب; فقد عصى الله ورسوله"1.
وسواء قيل بالوجوب أو الاستحباب;

فإنه يشترط لذلك شروط:
1- أن يكون الداعي ممن لا يجب هجره أو يسن.
2- ألا يكون هناك منكر في مكان الدعوة، فإن كان هناك منكر، فإن أمكنه إزالته;

وجب عليه الحضور لسببين:
- إجابة الدعوة.
- وتغيير المنكر.
وإن كان لا يمكنه إزالته حرم عليه الحضور; لأن حضوره يستلزم إثمه، وما استلزم الإثم; فهو إثم.
3- أن يكون الداعي مسلما، وإلا لم تجب الإجابة; لقوله صلى الله عليه وسلم "حق المسلم على المسلم ست..."2، وذكر منها: "إذا دعاك فأجبه"3 قالوا: وهذا مقيد للعموم الوارد.
4- أن لا يكون كسبه حراما; لأن إجابته تستلزم أن تأكل طعاما

ـ
1 أخرجه: البخاري في (النكاح, باب من ترك الدعوة فقد عصى الله ورسوله, 3/381), ومسلم في (النكاح, باب الأمر بإجابة الداعي, 2/1055); عن أبي هريرة رضي الله عنه.
2 مسلم: السلام (2162) , والترمذي: الأدب (2737) , والنسائي: الجنائز (1938) , وأحمد (2/372 ,2/412).
3 أخرجه: مسلم في (السلام, باب من حق المسلم للمسلم, 4/1705); عن أبي هريرة رضي الله عنه.


ج / 2 ص -352-


حراما، وهذا لا يجوز، وبه قال بعض أهل العلم.
وقال آخرون: ما كان محرما لكسبه; فإنما إثمه على الكاسب لا على من أخذه بطريق مباح من الكاسب، بخلاف ما كان محرما لعينه; كالخمر والمغصوب ونحوهما، وهذا القول وجيه قوي، بدليل أن الرسول صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاما لأهله1، وأكل من الشاة التي أهدتها له اليهودية بخيبر2، وأجاب دعوة اليهودي3، ومن المعلوم أن اليهود معظمهم يأخذون الربا، ويأكلون السحت، وربما يقوي هذا القول قوله صلى الله عليه وسلم في اللحم الذي تصدق به على بريرة: "هو لها صدقة ولنا منها هدية"4.


وعلى القول الأول; فإن الكراهة تقوى وتضعف حسب كثرة المال الحرام وقلته، فكلما كان الحرام أكثر كانت الكراهة أشد، وكلما قل كانت الكراهة أقل.
5- أن لا تتضمن الإجابة إسقاط واجب، أو ما هو أوجب منها، فإن تضمنت ذلك حرمت الإجابة.
6- أن لا تتضمن ضررا على المجيب، مثل أن تحتاج إجابة الدعوة إلى سفر أو مفارقة أهله المحتاجين إلى وجوده بينهم.



1 أخرجه: البخاري في (البيوع, باب شراء النبي صلى الله عليه وسلم بالنسيئة, 2/79), ومسلم في (المساقاة, باب الرهن, 3/1226); عن عائشة رضي الله عنها.
2 أخرجه: البخاري في (الهبة, باب قبول الهدية من المشركين, 2/241), ومسلم في (السلام, باب السم, 4/1721); عن أنس رضي الله عنه.
3 أخرجه: الإمام أحمد في "المسند" (3/210, 211, 252, 270, 289), وفي "الزهد" وانظر: "الإرواء" (1/71).
4 أخرجه البخاري في (الزكاة, باب إذا تحولت الصدقة, 1/463), ومسلم في (العتق, باب إنما الولاء لمن أعتق, 2/1144).


ج / 2 ص -353- ومن صنع إليكم معروفا; فكافئوه،......


مسألة: هل إجابة الدعوة حق لله أو للآدمي؟
الجواب: حق للآدمي، ولهذا لو طلبت من الداعي أن يقيلك فقبل; فلا إثم عليك، لكنها واجبة بأمر الله عز وجل ولهذا ينبغي أن تلاحظ أن إجابتك طاعة لله، وقيام بحق أخيك، لكن لصاحبها أن يسقطها، كما أن له أن لا يدعوك أيضا، ولكن إذا أقالك حياء منك وخجلا من غير اقتناع; فإنه لا ينبغي أن تدع الإجابة.


مسألة: هل بطاقات الدعوة التي توزع كالدعوة بالمشافهة؟
الجواب: البطاقات ترسل إلى الناس، ولا يدرى لمن ذهبت إليه; فيمكن أن نقول: إنها تشبه دعوة الجفلى، فلا تجب الإجابة، أما إذا علم أو غلب على الظن أن الذي أرسلت إليه مقصود بعينه; فإن لها حكم الدعوة بالمشافهة.


قوله: "من صنع إليكم معروفا؛ فكافئوه": المعروف: الإحسان، فمن أحسن إليك بهدية أو غيرها; فكافئه، فإذا أحسن إليك بإنجاز معاملة وكان عمله زائدا عن الواجب عليه; فكافئه، وهكذا، لكن إذا كان كبير الشأن ولم تجر العادة بمكافأته; فلا يمكن أن تكافئه; كالملك والرئيس... مثلا إذا أعطاك هدية، فمثل هذا يدعى له; لأنك لو كافأته لرأى أن في ذلك غضا من حقه، فتكون مسيئا له، والنبي صلى الله عليه وسلم أراد أن تكافئه لإحسانه.


وللمكافأة فائدتان:
1- تشجيع ذوي المعروف على فعل المعروف.
2- أن الإنسان يكسر بها الذل الذي حصل له بصنع المعروف إليه، لأن من صنع إليك معروفا فلا بد أن يكون في نفسك رقة له، فإذا رددت


ج / 2 ص -354- فإن لم تجدوا ما تكافئونه; فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه" رواه أبو داود والنسائي بسند صحيح1.


فيه مسائل:

الأولى: إعاذة من استعاذ بالله.


إليه معروفه زال عنك ذلك، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اليد العليا خير من اليد السفلى"2 واليد العليا هي يد المعطي، وهذه فائدة عظيمة لمن صنع له معروف; لئلا يرى لأحد عليه منة إلا الله عز وجل، لكن بعض الناس يكون كريما جدا، فإذا كافأته بدل هديته أعطاك أكثر مما أعطيته; فهذا لا يريد مكافأة، ولكن يدعى له; لقوله صلى الله عليه وسلم: "فإن لم تجدوا ما تكافئونه; فادعوا له"3 وكذلك الفقير إذا لم يجد مكافأة الغني; فإنه يدعو له. ويكون الدعاء بعد الإهداء مباشرة; لأنه من باب المسارعة إلى أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ولأن به سرور صانع المعروف.


قوله: "حتى تروا أنكم قد كافأتموه": "تروا"; بفتح التاء بمعنى تعلموا، وتجوز بالضم بمعنى تظنوا; أي: حتى تعلموا أو يغلب على ظنكم أنك قد كافأتموه، ثم أمسكوا.


فيه مسائل:

الأولى:
إعاذة من استعاذ بالله: وسبق أن من استعاذ بالله وجبت إعاذته، إلا أن يستعيذ عن شيء واجب فعلا أو تركا; فإنه لا يعاذ.



1 سبق (1/121).
2 أخرجه: البخاري في (الزكاة, باب لا صدقة إلا عن ظهر غنى, 3/345- فتح), ومسلم في (الزكاة, باب بيان أفضل الصدقة, 2/717); عن حكيم بن حزام رضي الله عنه.
3 النسائي: الزكاة (2567) , وأبو داود: الأدب (5109) , وأحمد (2/68).


ج / 2 ص -355- الثانية: إعطاء من سأل بالله.
الثالثة: إجابة الدعوة.
الرابعة: المكافأة على الصنيعة.
الخامسة: أن الدعاء مكافأة لمن لا يقدر إلا عليه.
السادسة: قوله: " حتى تروا أنكم قد كافأتموه".


الثانية: إعطاء من سأل بالله: وسبق التفصيل فيه.
الثالثة: إجابة الدعوة: وسبق كذلك التفصيل فيها.
الرابعة: المكافأة على الصنيعة: أي: على صنيعة من صنع إليك معروفا، وسبق التفصيل في ذلك.
الخامسة: أن الدعاء مكافأة لمن لا يقدر إلا عليه: وسبق أنه مكافأة في ذلك، وفيما إذا كان الصانع لا يكافأ مثله عادة.
السادسة: قوله: "حتى تروا أنكم قد كافأتموه": أي: أنه لا يقصر في الدعاء، بل يدعو له حتى يعلم أو يغلب على ظنه أنه قد كافأه. وفيه مسائل أخرى، لكن ما ذكره المؤلف هو المقصود.






المصدر :

كتاب
القول المفيد على كتاب التوحيد

رابط التحميل المباشر


http://waqfeya.com/book.php?bid=1979



رد مع اقتباس