عرض مشاركة واحدة
  #46  
قديم 01-02-2015, 11:18PM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم






القول المفيد على كتاب التوحيد

باب: قول ما شاء الله وشئت

ج / 2 ص -228- باب: قول ما شاء الله وشئت


عن قتيلة: "أن يهوديا أتى للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: إنكم تشركون، تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة.


مناسبة الباب لكتاب التوحيد
أن قول: (ما شاء الله وشئت) من الشرك الأكبر، أو الأصغر; لأنه إن اعتقد أن المعطوف مساو لله; فهو شرك أكبر، وإن اعتقد أنه دونه لكن أشرك به في اللفظ; فهو أصغر، وقد ذكر بعض أهل العلم: أن من جملة ضوابط الشرك الأصغر؛ أن ما كان وسيلة للأكبر فهو أصغر.


قوله: "أن يهوديا": اليهودي: هو المنتسب إلى شريعة موسى عليه السلام، وسموا بذلك من قوله تعالى: {إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ} [الأعراف: من الآية 156]; أي: رجعنا، أو لأن جدهم اسمه يهوذا بن يعقوب; فتكون التسمية من أجل النسب، وفي الأول تكون التسمية من أجل العمل، ولا يبعد أن تكون من الاثنين جميعا.


قوله: "إنكم تشركون": أي: تقعون في الشرك أيها المسلمون.
قوله: "ما شاء الله وشئت": الشرك هنا أنه جعل المعطوف مساويا للمعطوف عليه، وهو الله عز وجل ؛ حيث كان العطف بالواو المفيدة للتسوية.
قوله: "والكعبة": الشرك هنا أنه حلف بغير الله، ولم ينكر


ج / 2 ص -229- فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة، وأن يقولوا: ما شاء الله ثم شئت" رواه النسائي وصححه1.


النبي صلى الله عليه وسلم ما قال اليهودي، بل أمر بتصحيح هذا الكلام; فأمرهم إذا حلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة; فيكون القسم بالله.
وأمرهم أن يقولوا: ما شاء الله، ثم شئت; فيكون الترتيب بثم بين مشيئة الله ومشيئة المخلوق، وبذلك يكون الترتيب صحيحا، أما الأول; فلأن الحلف صار بالله، وأما الثاني; فلأنه جُعِل بلفظ يتبين به تأخر مشيئة العبد عن مشيئة الله، وأنه لا مساواة بينهما.


ويستفاد من الحديث:

1- أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينكر على اليهودي مع أن ظاهر قصده الذم واللوم للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه; لأن ما قاله حق.
2- مشروعية الرجوع إلى الحق وإن كان من نبه عليه ليس من أهل الحق.
3- أنه ينبغي عند تغيير الشيء أن يغير إلى شيء قريب منه; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم أن يقولوا: "ورب الكعبة"، ولم يقل: احلفوا بالله، وأمرهم أن يقولوا: "ما شاء الله، ثم شئت".
إشكال وجوابه: وهو أن يقال: كيف لم ينبه على هذا العمل إلا هذا اليهودي؟
وجوابه: أنه يمكن أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يسمعه ولم يعلم به.



1أخرجه: الإمام أحمد (6/371, 372), والنسائي في (الأيمان, باب الحلف بالكعبة), (7/6), والطحاوي في "المشكل" (1/91, 357), والحاكم (4/297) -وصححه ووافقه، الذهبي-, والبيهقي (3/216), والمزي في "تهذيب الكمال" (3/ 1694). وصححه الحافظ في "الإصابة" (4/389).


ج / 2 ص -230- وله أيضا عن ابن عباس; أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ما شاء الله وشئت، فقال: "أجعلتني لله ندا؟! بل ما شاء الله وحده"1.


ولكن يقال: بأن الله يعلم; فكيف يقرهم؟ فيبقى الإشكال.
لكن يجاب: إن هذا من الشرك الأصغر دون الأكبر; فتكون الحكمة هي ابتلاء هؤلاء اليهود الذين انتقدوا المسلمين بهذه اللفظة، مع أنهم يشركون شركا أكبر ولا يرون عيبهم.
قوله: في حديث ابن عباس رضي الله عنهما: "أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم".


الظاهر أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم تعظيما، وأنه جعل الأمر مفوضا لمشيئة الله ومشيئة رسوله.
قوله: "أجعلتني لله ندا"؟!.
الاستفهام للإنكار، وقد ضُمِّن معنى التعجب، ومن جعل للخالق ندا; فقد أتى شيئا عجابا.
والند: هو النظير والمساوي; أي: أجعلتني لله مساويا في هذا الأمر؟!
قوله: "بل ما شاء الله وحده" أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما يقطع عنه الشرك، ولم يرشده إلى أن يقول ما شاء الله ثم شئت؛ حتى يقطع عنه كل ذريعة عن الشرك وإن بَعُدَت.



1سبق (ص 29).


ج / 2 ص -231-

يستفاد من الحديث:
1- أن تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم بلفظ يقتضي مساواته للخالق شرك، فإن كان يعتقد المساواة; فهو شرك أكبر، وإن كان يعتقد أنه دون ذلك; فهو أصغر، وإذا كان هذا شركا; فكيف بمن يجعل حق الخالق للرسول صلى الله عليه وسلم؟! هذا أعظم; لأنه صلى الله عليه وسلم ليس له شيء من خصائص الربوبية، بل يلبس الدرع، ويحمل السلاح، ويجوع، ويتألم، ويمرض، ويعطش كبقية الناس، ولكن الله فضَّله على البشر بما أوحي إليه من هذا الشرع العظيم، قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ} [الكهف: من الآية110] فهو بشر، وأكد هذه البشرية بقوله: (مثلكم)، ثم جاء التمييز بينه وبين بقية البشر بقوله تعالى: {يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [الكهف: من الآية110]، ولا شك أن الله أعطاه من الأخلاق الفاضلة التي بها الكمالات من كل وجه؛ أعطاه من الصبر العظيم، وأعطاه من الكرم ومن الجود، لكنها كلها في حدود البشرية، أما أن تصل إلى خصائص الربوبية; فهذا أمر لا يمكن، ومن ادعى ذلك; فقد كفر بمحمد صلى الله عليه وسلم وكفر بمن أرسله.


فالمهم أننا لا نغلو في الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فننزله في منزلة هو ينكرها، ولا نهضم حقه الذي يجب علينا؛ فنعطيه ما يجب له، ونسأل الله أن يعيننا على القيام بحقه، ولكننا لا ننزله منزلة الرب عز وجل.
2- إنكار المنكر، وإن كان في أمر يتعلق بالمنكِر; لقوله صلى الله عليه وسلم: "أجعلتني لله ندا"؟!، مع أنه فعل ذلك تعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا إذا انحنى لك شخص عند السلام; فالواجب عليك الإنكار.


3- أن من حسن الدعوة إلى الله عز وجل ؛ أن تذكر ما يباح إذا


ج / 2 ص -232- ولابن ماجه عن الطفيل أخي عائشة لأمها; قال: "رأيت كأني أتيت على نفر من اليهود; قلت: إنكم لأنتم القوم؛ لولا أنكم تقولون: عزير ابن الله. قالوا: وأنتم لأنتم القوم؛ لولا أنكم تقولون: ما شاء الله، وشاء محمد. ثم مررت بنفر من النصارى، فقلت: إنكم لأنتم القوم؛ لولا أنكم تقولون: المسيح ابن الله.


ذكرت ما يحرم; لأنه صلى الله عليه وسلم لما منعه من قوله: "ما شاء الله وشئت" أرشده إلى الجائز، وهو قوله: "بل ما شاء الله وحده".
قوله في حديث الطفيل: "رأيت كأني أتيت على نفر من اليهود": أي: رؤيا في المنام.
وقوله: "كأن": اسمها الياء، وجملة "أتيت" خبرها.
وقوله: "على نفر": من الثلاثة إلى التسعة، واليهود أتباع موسى.
قوله: "لأنتم القوم": كلمة مدح; كقولك: هؤلاء هم الرجال.
وقوله: "عزير هو": رجل صالح، ادعى اليهود أنه ابن الله، وهذا من كذبهم، وهو كفر صريح، واليهود لهم مثالب كثيرة، لكن خُصَّت هذه; لأنها من أعظمها، وأشهرها عندهم.


قوله: "ما شاء الله، وشاء محمد": هذا شرك أصغر; لأن الصحابة الذين قالوا هذا ولا شك أنهم لا يعتقدون أن مشيئة الرسول صلى الله عليه وسلم مساوية لمشيئة الله، فانتقدوا عليهم تسوية مشيئة الرسول صلى الله عليه وسلم بمشيئة الله عز وجل باللفظ، مع عظم ما قاله هؤلاء اليهود في حق الله - جل وعلا -.
قوله: "تقولون: المسيح ابن الله": هو عيسى ابن مريم، وسمي


ج / 2 ص -233- قالوا: وإنكم لأنتم القوم؛ لولا أنكم تقولون: ما شاء الله وشاء محمد. فلما أصبحت; أخبرت بها من أخبرت، ثم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته; قال: هل أخبرت بها أحدا؟. قلت: نعم".



مسيحا بمعنى ماسح; فهو فعيل بمعنى فاعل; لأنه كان لا يمسح ذا عاهة إلا برئ بإذن الله; كالأكمه والأبرص.
والشيطان لعب بالنصارى، فقالوا: هو ابن الله; لأنه أتى بدون أب، كما في القرآن: {فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا} [الأنبياء: من الآية91]، قالوا: هو جزء من الله; لأن الله أضافه إليه، والجزء هو الابن.


والروح على الراجح عند أهل السنة: ذات لطيفة تدخل الجسم، وتحل فيه كما يحل الماء في الطين اليابس، ولهذا يقبضها المَلَك عند الموت وتُكَفَّن ويصعد بها، ويراها الإنسان عند موته; فالصحيح أنها ذات، وإن كان بعض الناس يقول: إنها صفة، ولكنه ليس كذلك، والحياة صحيح أنها صفة لكن الروح ذات، إذًا نقول لهؤلاء النصارى: إن الله أضاف روح عيسى إليه، كما أضاف البيت والمساجد والناقة إليه وما أشبه ذلك على سبيل التشريف والتعظيم، ولا شك أن المضاف إلى الله يكتسب شرفا وعظمة،

حتى إن بعض الشعراء يقول في معشوقته:

لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي
قوله: "فلما أصبحت أخبرت بها من أخبرت": المقصود بهذه العبارة الإبهام; كقوله تعالى: {فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ} [طه: من الآية78]، والإبهام قد يكون للتعظيم كما في الآية المذكورة، وقد يكون للتحقير حسب السياق، وقد يراد به معنى آخر.
قوله: " هل أخبرت بها أحدا ؟": سأل النبي صلى الله عليه وسلم هذا السؤال; لأنه


ج / 2 ص -234- قال: فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: "أما بعد; فإن طفيلا رأى رؤيا أخبر بها من أخبر منكم، وإنكم قلتم كلمة يمنعني كذا وكذا


لو قال: لم أخبر أحدا; فالمتوقع أن الرسول عليه الصلاة والسلام سيقول له: لا تخبر أحدا، هذا هو الظاهر، ثم يبين له الحكم عليه الصلاة والسلام، لكن لما قال: إنه أخبر بها; صار لا بد من بيانها للناس عموما; لأن الشيء إذا انتشر يجب أن يعلن عنه، بخلاف ما إذا كان خاصا; فهذا يخبر به من وصله الخبر.
قوله: "فحمد الله": الحمد: وصف المحمود بالكمال، مع المحبة والتعظيم.
قوله: "وأثنى عليه": أي: كرر ذلك الوصف.
قوله: "أما بعد": سبق أنها بمعنى مهما يكن من شيء بعد; أي: بعد ما ذكرت; فكذا وكذا.


قوله: "يمنعني كذا وكذا": أي: يمنعه الحياء كما في رواية أخرى، ولكن ليس الحياء من إنكار الباطل، ولكن من أن ينهى عنها، دون أن يأمره الله بذلك، هذا الذي يجب أن تحمل عليه هذه اللفظة إن كانت محفوظة: أن الحياء الذي يمنعه ليس الحياء من الإنكار; لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يستحي من الحق، ولكن الحياء من أن ينكر شيئا قد درج على الألسنة وألفه الناس قبل أن يؤمر بالإنكار، مثل الخمر بقي الناس يشربونها حتى حُرِّمت في سورة المائدة; فالرسول صلى الله عليه وسلم لما لم يؤمر بالنهي عنها سكت، ولما حصل التنبيه على ذلك بإنكار هؤلاء اليهود والنصارى؛ رأى صلى الله عليه وسلم أنه لا بد من إنكارها؛ لدخول اللوم على المسلمين بالنطق بها.


ج / 2 ص -235- أن أنهاكم عنها; فلا تقولوا: ما شاء الله وشاء محمد، ولكن قولوا: ما شاء الله وحده"1.


فيه مسائل:

الأولى: معرفة اليهود بالشرك الأصغر.
الثانية: فهم الإنسان إذا كان له هوى.
قوله: "قولوا ما شاء الله وحده" نهاهم عن الممنوع، وبيَّن لهم الجائز.


فيه مسائل:

الأولى: معرفة اليهود بالشرك الأصغر: لقوله: "إنكم لتشركون".
الثانية: فهم الإنسان إذا كان له هوى: أي: إذا كان له هوى فهم



1أخرجه: ابن ماجه في (الكفارات, باب النهي أن يقال: ما شاء الله وشئت), (1/685). وقال البوصيري: "رجال الإسناد ثقات على شرط البخاري". وهو عند ابن ماجه من طريق أبي عوانة اليشكري, وقد تابعه شعبة عند الدارمي, (2/295), والخطيب في "الموضِّح" (1/303), وحماد بن سلمة عند أحمد (5/ 72), والطبراني في "الكبير" (8214), والمزي في "تهذيب الكمال" (2/ 626, 627), وزيد بن أبي أنيسة عند الطبراني في "الكبير" (8215). وخالف سفيان بن عيينة; فأخرجه أحمد (5/393), وابن ماجه (1/685) من طريقه; عن حذيفة بن اليمان. وكذا معمر بن راشد; فأخرجه الطحاوي في "المشكل" (1/ 90) من طريقه عن جابر بن سمرة رضي الله عنهم، وقد رجح الحافظ أن الحديث من رواية الطفيل. انظر: "فتح الباري" (11/ 540).


ج / 2 ص -236- الثالثة: قوله صلى الله عليه وسلم "أجعلتني لله ندا" ؟!; فكيف بمن قال: " ما لي من ألوذ به سواك..."، والبيتين بعده؟


شيئا، وإن كان هو يرتكب مثله أو أشد منه; فاليهود - مثلا - أنكروا على المسلمين قولهم: "ما شاء الله وشئت"، وهم يقولون أعظم من هذا، يقولون: عزير ابن الله، ويصفون الله تعالى بالنقائص والعيوب.
ومن ذلك بعض المقلدين يفهم النصوص على ما يوافق هواه; فتجده يحمل النصوص من الدلالات ما لا تحتمل، كذلك أيضا بعض العصريين يحملون النصوص ما لا تحتمله حتى توافق ما اكتشفه العلم الحديث في الطب والفلك وغير ذلك، كل هذا من الأمور التي لا يحمد الإنسان عليها; فالإنسان يجب أن يفهم النصوص على ما هي عليه، ثم يكون فهمه تابعا لها، لا أن يُخضع النصوص لفهمه أو لما يعتقده، ولهذا يقولون: استدل ثم اعتقد، ولا تعتقد ثم تستدل; لأنك إذا اعتقدت ثم استدللت ربما يحملك اعتقادك على أن تحرف النصوص إلى ما تعتقده كما هو ظاهر في جميع الملل والمذاهب المخالفة لما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، تجدهم يحرفون هذه النصوص لتوافق ما هم عليه، والحاصل أن الإنسان إذا كان له هوى; فإنه يحمل النصوص ما لا تحتمله من أجل أن توافق هواه.
الثالثة: قوله صلى الله عليه وسلم "أجعلتني لله ندا" ؟!: هو قوله: "ما شاء الله وشئت"1.


وقوله: "فكيف بمن قال: ما لي من ألوذ به سواك والبيتين بعده..." يشير رحمه الله إلى أبيات للبوصيري في البردة - القصيدة المشهورة -، يقول فيها:

يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم


1 النسائي: الأيمان والنذور (3773) , وأحمد (6/371).

ج / 2 ص -237- الرابعة: أن هذا ليس من الشرك الأكبر، لقوله: " يمنعني كذا وكذا".
الخامسة: أن الرؤيا الصالحة من أقسام الوحي.


إن لم تكن في معاوي آخذا بيدي فضلا وإلا فقل يا زلة القدم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
غاية الكفر والغلو; فلم يجعل لله شيئا، والنبي صلى الله عليه وسلم شرفه بكونه عبد الله ورسوله، لا لمجرد كونه محمد بن عبد الله.
الرابعة: أن هذا ليس من الشرك الأكبر: لقوله: "يمنعني كذا وكذا"; لأنه لو كان من الشرك الأكبر ما منعه شيء من إنكاره.


الخامسة: أن الرؤيا الصالحة من أقسام الوحي: تؤخذ من حديث الطفيل، ولقوله صلى الله عليه وسلم: "الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة"1 وهذا موافق للواقع بالنسبة للوحي الذي أوحي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ؛ لأن أول الوحي كان بالرؤيا الصالحة من ربيع الأول إلى رمضان، وهذا ستة أشهر، فإذا نسبت هذا إلى بقية زمن الوحي، كان جزءا من ستة وأربعين جزءا; لأن الوحي; كان ثلاثا وعشرين سنة وستة أشهر مقدمة له.
والرؤيا الصالحة: هي التي تتضمن الصلاح، وتأتي منظمة، وليست بأضغاث أحلام.
أما أضغاث الأحلام; فإنها مشوشة غير منظمة، وذلك مثل التي قصها رجل على النبي صلى الله عليه وسلم قال: إني رأيت رأسي قد قطع، وإني جعلت



1أخرجه: البخاري في (التعبير, باب القيد في المنام, 4/ 303), ومسلم في (الرؤيا, 4/ 1373); من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.


ج / 2 ص -238- السادسة: أنها قد تكون سببا لشرع بعض الأحكام.


أشتد وراءه سعيا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تحدث الناس بتلاعب الشيطان بك في منامك"1، والغالب أن المرائي المكروهة من الشيطان، قال الله تعالى: {إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [المجادلة: من الآية 10]، ولذلك أرشد النبي صلى الله عليه وسلم لمن رأى ما يكره أن يتفل عن يساره، أو ينفث ثلاث مرات، وأن يقول: "أعوذ بالله من شر الشيطان ومن شر ما رأيت. وأن يتحول إلى الجانب الآخر، وأن لا يخبر أحدا"2 وفي رواية: أمره أن يتوضأ، وأن يصلي.3


السادسة: أنها قد تكون سببا لشرع بعض الأحكام: من ذلك رؤيا إبراهيم عليه الصلاة والسلام أنه يذبح ابنه، وهذا الحديث، وكذلك أثبت النبي صلى الله عليه وسلم رؤيا عبد الله بن زيد في الأذان، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنها رؤيا حق"4 وأبو بكر رضي الله عنه أثبت رؤيا من رأى ثابت بن قيس بن



1أخرجه: مسلم في (الرؤيا, باب لا يخبر بتلعب الشيطان به في المنام), (4/1776) من حديث جابر رضي الله عنه.
2حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه, وفيه: "... وإذا رأى غير ذلك مما يكره; فإنما هي من الشيطان, ولا يذكرها لأحد; فإنها لا تضره", أخرجه: البخاري في (التعبير, باب الرؤيا من الله), (4/296). وحديث جابر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم; قال: إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها; فليبصق عن يساره ثلاثا, وليستعذ من الشيطان ثلاثا, وليتحول عن جنبه الذي كان عليه , أخرجه: مسلم (4/ 1773).


3حديث أبي هريرة رضي الله عنه, وفيه: "... فمن رأى شيئا يكرهه; فلا يقصه على أحد, وليقم فليصل", أخرجه: البخاري في (التعبير, باب القيد في المنام), (4/303).
4أخرجه: أحمد (4/ 43), وأبو داود في (الصلاة, باب كيف الأذان), (1/337), والترمذي أخرج آخره دون صفة الأذان (1/ 236)- وقال: "حسن صحيح", وابن ماجه في (الأذان, باب بدء الأذان). وقال النووي في "المجموع" (3/76): "رواه أبو داود بإسناد صحيح, وروى الترمذي بعضه بطريق أبي داود".


ج / 2 ص -239-


شماس; فقال للذي رآه: إنكم ستجدون درعي تحت بُرْمَة، وعندها فرس يستن، فلما أصبح الرجل ذهب إلى خالد بن الوليد وأخبره، فذهبوا إلى المكان ورأوا الدرع تحت البرمة عندها الفرس1، فنفذ أبو بكر وصيته; لوجود القرائن التي تدل على صدقها، لكن لو دلت على ما يخالف الشريعة; فلا عبرة بها، ولا يلتفت إليها; لأنها ليست رؤيا صالحة.



1أورده الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/321), وقال: "رواه الطبراني, ورجاله رجال الصحيح".




المصدر :

كتاب
القول المفيد على كتاب التوحيد

رابط التحميل المباشر


http://waqfeya.com/book.php?bid=1979




رد مع اقتباس