عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 25-10-2007, 05:33PM
أبو عبد الرحمن السلفي1
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
8/ لا يجوز إدخال مشرك ولا كافر إلى جزيرة العرب يحرم على أي مؤمن أن يدخله أو يتسبب في إدخاله يعني ليكون مقيما بها، أما إذا كان مارا غير مقيم يعني ثلاثة أيام يمر لحاجة لغرض، هذا أذن به عمر به عمر رضي الله عنه أذن لتجار أهل الذمة في كل مكان ثلاثة أيام، يأتوا إلى المدينة فيقيموا بها ثلاثة أيام ويذهبوا إلى مكان آخر ثلاثة أيام، فلا يقيمون بالجزيرة أما الإقامة في الجزيرة واستدعاؤهم ليعملوا ونحو ذلك فهذا محرم لظهور الدلائل في ذلك.
..... [سؤال غير مسموع]
هذا من الجفاء ما فيه شك، هذا من الموالاة المحرمة قال جل وعلا ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمْ النَّارُ﴾[هود:113]، أدخل فيها بعض أهل العلم يعني من السلف أدخلوا فيها بري القلم له تقريب الدواة يعني الحبر له ونحو ذلك، لأنه ظالم متعدي منابذ، إذا نابذ الدين وأظهر العداوة فلا يجوز مساعدته، بل يجب إظهار العداوة له كما أظهر لنا العداوة، لكن الشيء إذا لم يكن كذلك إذا كان مسالم في حالة، فكيف تعامله تظلمه تتعدى عليه؟ مثل ما ذكرت لك أن من الناس من يجفو ويوادهم والعياذ بالله ويواليهم مثل ما ذكرت يقربهم ويسكنهم في أفضل المساكن، إذا أتى المسلم ما أكرمه وإذا أتى هذا أكرمه لأجل نظره إليه وليس لأجل مصلحة دنيوية، لكن أجل هذا مثلا أمريكي أو هذا بريطاني وهذا كذا ونحو ذلك، وهذا لاشك أنه ضال، مثل ما ذكرت هذه من أنواع الموالاة والموالاة هذه محرمة، الموالاة محرمة، فلا يجوز للمسلم أن يلقي المودة للكفار قال جل وعلا ﴿وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ﴾[الممتحنة:1].
.......... [سؤال غير مسموع ]
لا، العبيد تختلف أحكامهم.
....... [سؤال غير مسموع، والآية المقصودة هي الآية الأولى من سورة الممتحنة]
لا الصواب أنها غير منسوخة هذا الذي عليه فتوى أهل العلم ممن نعرف وأدركنا والآن المشايخ كالشيخ عبد العزيز بن باز سمعته مرارا يذكر هذا الذي أنا نقلته عنه وهو تلخيص لكلامه ن هذا هو المعروف عند العلماء أن الآية هذه ليست بمنسوخة لأننا في حالة غير الحالات تلك ن وتعرف أن هذه الآية نزولها متأخر، يعني نزول السورة في أي سنة؟ قبل الفتح؛ فتح مكة، يعني نزولها متأخر؛ لأن حاطب ابن أبي بلتعة رضي الله عنه أسر للمشركين بخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وحصل منه ما حصل ونزلت تلك الايات العظيمة ، والله المستعان.
......... [سؤال غير مسموع]
هؤلاء الهندوس فيهم بلاء آخر وهو أنهم يظهرون شعار الكفر في ديار المسلمين التي هي لبس العمامة هذه شعار من شعار الكفر، لبسها على هذا النحو كلبس الصليب؛ لأنها شعار من شعار الكفر، وكما أن النصراني لا يجب يعني يأتي واحد راهب لجزيرة العرب أوغيرها يظهر لباس النصارى الخاص بهم مثل لباس الرهبان ونحو ذلك، ما فيه شك أن هذا من المحرمات، وكذلك هؤلاء إذا ذهبت الآن تجدهم والعياذ بالله وهذا من البلاء العام، نسأل الله جل وعلا أن يبسّر التخلص من هؤلاء جميعا.
............ [سؤال غير مسموع]
نحن ذكرنا أنهم يعاملون بالعدل، هذا أصل؛ معاملتهم بالعدل، إذا مرّ المؤمن في الطريق يعني على رجليه ليس في السيارة، هذا له وسط الطريق؛ لأن الدار دراه، والإسلام يعلو ويعلى عليه والكفار لهم جنبات في الطريق، «إذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه» يعني لا تفسحوا لهم يعني يمشي المسلم في صدر الطريق ويترك لأولئك جنبات الطريق، مثل الآن واحد ذهب إلى المستشفى فيه مثلا طريق طويل في المستشفى، يأتي مسلم مثلا يمشي في جنب الجدار، هذا لا سيوغ، هذا الذي جاء فيه مثل هذا الحديث أنك تمشي في الوسط وإذا أتى مشرك أو كافر نصراني أو نحوه وتحققت أن هذا مشرك أو نصراني فإنك تضطره إلى أضيقه، بمعنى أنك لا تفسح له تمشي وتتركه هو الذي يذهب إلى أضيق الطريق «تضطره إلى أضيقه» يعني أنك تمشي في وسط الطريق وهو يختار الطريق الضيق، لا تفسح له تعامله كالمسلم، لا يجوز ذلك، وهذا ليس مما ينافي العدل، بل هذا من مقتضى العدل لأن الإسلام يعلو ولا يُعلا عليه؛ ولأن المسلم أحق بداره؛ ولأنه في دار الإسلام لا يكرم كافر على مسلم، فإذا جعلت له وسط الطريق وأخذت بنيات الطريق فهذا من نوع إكرام له وهذا ينافي العدل لكن إذا أنا أخذت وسط الطريق كما قال النبي  وجعلت أضيق الطريق لذلك المشرك ولذلك الكافر قد امتثلت وأخذت بالعدل.
وإذا قال المشرك السلام عليكم كافر يهودي نصراني وقال النبي  «فقولوا وعليك» هذا الحديث أهل العلم له فيه نظران:
النظر الأول: أن يأخذوا بأصل العدل، ويقول أنّ العدل أصل أمر الله جل وعلا به عامة وفي رد التحية خاصة، فقال جل وعلا ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾[النساء:86]، (فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا) في المسلم أو الكافر أو لأحدهما إذا كان المسلم فأنت بالخيار تحيي بأحسن منها أو تردها أما إذا كان كافر فيقول. أما إذا كان كافر فيقول طائفة من أهل العلم عليك أن تردها كما هي ولهذا يذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم فقد فصل في هذه المسألة في كتاب ”أحكام أهل الذمة“ فقال: والكافر إذا قال السلام عليكم فيجب على المسلم أن يرد عليه بالعدل، فيقول وعليكم السلام، يقول إن الحديث الذي قال فيه النبي عليه الصلاة والسلام إذا قال لكم اليهود السلام عليكم فقولوا وعليكم، قال له سبب لأن اليهود يقولون السام عليكم، فما منع بقوله وعليكم السلام إلا أنّ المؤمن إذا قال وعليكم السلام لم يعامل بالعدل، وإنما عامل بالأحسن لأن ذلك يقول السام يعني الموت وأنت تقول عليكم السلام، فأنت أكرمته ما عاملته بالعدل، إذا قلت وعليكم عاملته بالعدل، وهذا هو ما أمر الله به، قال: فإذا تحققت من كافر أنه قال السلام -واضحة- عليكم، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى تبعا لشيخه شيخ الإسلام، يقول: تقول مجيبا بمثله وعليكم السلام، لأن هذا معاملة بالعدل.
والقول الآخر: لأكثر أهل العلم ويقولون أكثر أهل العلم ويقولون أن ظاهر الحديث وإن كانت العلة ظاهرة في السبب لكنه خرج مخرج الأمر العام؛ فيقولوا وعليكم. تكون العلة وردت لا يكون اقتصار الحكم على هذه العلة.
وهذا هو الصواب، بأنك إذا قابلك النصراني فتقول وعليكم سواء قال السلام أو قال السام.
ومشايخنا هنا حفظهم الله تعالى ونفعنا بعلومهم:
منهم من يفتي بظاهر الحديث، وهو سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز حفظه الله يقول تقولوا وعليكم.
ومنهم من يفتي بكلام شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وهي فتوى فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين حفظه الله.
إذن هذه المسألة لا تشكل على أصل المسألة. ومن رام إلى زيادة تفصيل فليرجع إلى كتاب ”أحكام أهل الذمة“ لابن القيم وقد أطنب فيها.
نختم بهذا أسأل الله أن ينفعني وإياكم وصلى الله وسلم على نبينا محمد( )
[المتن]
(المسألة السابعة والعشرون) تصنيف الكتب الباطلة ونسبتها إلى الله كقوله ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾[البقرة:79]الآية.
(المسألة الثامنة والعشرون) أنهم لا يقبلون من الحق إلا الذي مع طائفتهم كقوله ﴿قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا﴾[البقرة:91].
(المسألة التاسعة والعشرون) أنهم مع ذلك لا يعلمون بما تقوله طائفتهم، كما نبه الله تعالى عليه بقوله ﴿قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[البقرة:91].
(الثلاثون) وهي من عجائب آيات الله أنهم لما تركوا وصية الله بالاجتماع وارتكبوا ما نهى الله عنه من الافتراق، صار كل حزب بما لديهم فرحين.
[الشرح]
المسألة الثلاثون (فرحين) خبر صار الآية ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾( ) ، هنا فرحين خبر صار، منصوب.
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
سننبه أن هذا الدرس هو آخر هذه الدروس لأجل قرب الاختبارات وحاجة الأخوة الطلاب للمراجعة ونحو ذلك، فيستأنف إن شاء الله بعد الإعلان عن ذلك، فيكون بعد الاختبارات أو بعد العطلة الله أعلم لكن نعلن إن شاء الله الاستئناف.
هذه المسائل أولها أنّ من ما فعله أهل الجاهلية أنهم صنفوا الكتب الباطلة ونسبوها إلى الله جل وعلا، وذلك التصنيف للكتب الباطلة كان منهم على قسمين:
الأول: أنهم صنفوا في المكتب المنزلة على الله جل وعلا أشياء وزادوها فيها؛ يعني جعلوا الكتب التي أنزل الله جل وعلا, التوراة, والإنجيل جعلوها مزيدة فصنفوا فيها أشياء زادوها ونسبوها إلى ذلك الكتاب المنزل, هذه الأشياء قالوا هي من التوراة ومن الإنجيل، فيصير هذا النوع داخل تحت تحريف الكتب المنزلة من عند الله جل وعلا تحريفا لفظيا, يعني بالزيادة.
القسم الثاني: أنهم صنفوا كتب ليست من الكتب المنزلة ولم يضيفوها إلى الكتب المنزلة، ولكنهم جعلوها من الله جل وعلا لأنها كالشرح لها أو كالبيان أو أضافها المصنفون إلى ما أنزل الله جل وعلا وما أخبر به رسوله، وهذا حصل في اليهود والنصارى.
أما اليهود فكما أخبر الله جل وعلا في قوله ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾[البقرة:79]، فاليهود من علمائهم وأحبارهم من أضاف في التوراة أشياء, فالتوراة الموجودة اليوم ليست كلها كلام الله جل وعلا، بل فيها مما هو من كلامه مما أوحاه إلى موسى، ومنها وهو الكثير ما هو من ما أضافه علمائهم وأحبارهم، فنسبوا ذلك إلى الله, هذا نوع وقع فيه اليهود.
وكذلك وقعوا في النوع الثاني أنهم صنفوا شرحا لنصوص التوراة أو لما جاء به موسى وجعلوا فيه أشياء حللوا فيها حراما وحرموا فيها حلالا وافتروا فيها على الله جل وعلا ونسبوا تلك الكتب إلى الله، وهذه موجودة اليوم عندهم بما يسمونه بالمشنة والزمارة وهي قسما التلمود، وهذا منسوب إلى الله جل وعلا عندهم؛ لأنه من صنيع علماءهم يقدسون ذلك تقديسهم للتوراة، وهذا لعله المراد بقوله ﴿فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا﴾[البقرة:79]، فهم افتروا على الله جل وعلا حيث أنهم زادوا في التوارة ما ليس منها وافتروا على الله جل وعلا حيث إنهم جعلوا اجتهاداتهم التي ليس لها أصل في شريعتهم ولا في دينهم ولا في عقيدتهم، جعلوها منسوبة إلى الله جل وعلا، وهذه الخصلة عند اليهود والنصارى، لم تكن عند العرب عند مشركي العرب ذلك؛ لأن مشركي العرب أميون ليسوا ممن اعتنوا بالكتابة والقراءة وإنما يسمعون الأخبار، فهذه من الخصال التي وقعوا فيها جاهلي اليهود والنصارى.
وهذه جاءت ودخلت في هذه الأمة بأوسع المداخل، فالكتب التي صنفت في هذه الأمة، وصنفها أناس من هذه الأمة كثير منها كان من القسم الثاني؛ يعني مما حرف فيه الشرع وحرفت فيه العقيدة ونسب ذلك إلى النبي  بأنه دينه وأنه عقيدته وأنه ما يجب أن يلتزمه المسلم.
أما القسم الأول وهو تحريف القرآن فهذا لاشك أنه لم يقع؛ لأن الله جل وعلا حفظ هذا القرآن من الزيادة والنقصان، حفظه من أن ينسب إليه شيء وتقرّ ذلك الأمة ويكون هذا بينهم، هذا حفظ القرآن عن أن ينقص منه أو أن يزاد فيه، معلوم أن عند الروافض وبعض الفرق الضالة نسخ من مصاحف لهم يجعلونها مضاهية للقرآن، إما بنسبتها للقرآن كما يسمي الروافض مصحف فاطمة بذلك، ويقولون إن المصحف الموجود اليوم هو ثلث المصحف، وتقول طائفة منهم ثلث ما أنزل على محمد ، وآخرون من هذه الأمة أيضا جعلوا لهم كتابا يضاهون به القرآن كما عند الدروز وعند النصيرية فلهم كتب يضاهون بها القرآن وقد وقفت على شيء من تلك الكتب فيها مضاهات للقرآن وتقسيمات وآيات على حد تعبيرهم مسجوعة ونحو ذلك. لكن هذا إنما هو عند بعض تلك الطوائف ليس شائعا وهو يصدق عليه أنهم شابهوا فيه اليهود لأنهم فعلوا مثل ما فعل أولئك، لكن هذا ليس البلاد في الأمة كبيرا به.
وإنما البلاء في الأمة كان كبيرا بالقسم الثاني وهو تصنيف الكتب الباطلة كما ذكر الشيخ رحمه الله تعالى ونسبة تلك الكتب على الله جل وعلا، فإذا تأملت وجدتَ أنه لما [ظهر] زمن الابتداع وعلا مناره وقويت شوكته فصنفوا كتبا كثيرة، كان السلف الصالح يأنفون من التصنيف ويبتعدون عن التصنيف قدر الإمكان رغبة في أن يبقى العلم في الصدور، حتى ابتدؤوا في التصنيف بما نقل عن السلف؛ بما نقل عن النبي ، بما نقل عن الصحابة، بما نقل عن التابعين، وكانوا يقتصرون على ذلك رغبة في إبقاء صلة الأمة بما كان عليه سلفها في كلامهم وفي هديهم وفي دلّهم وسمتهم ونحو ذلك، فكان علماء الأمة يصنفون التصانيف بالأسانيد التي تنقل الأخبار والآثار عن الصحابة أو عن التابعين أو عن تبع التابعين، وكان منهم طائفة يعني من سلف هذه الأمة من كان يكره التصنيف كالإمام أحمد ونحوه، بل إن منهم من دفن كتبه رغبة في بقاء الصلة لما كان عليه الصحابة أقوالهم وهديهم واجتهاداتهم ونحو ذلك.
احتاج الناس إلى التصانيف، احتاج الناس إلى الكتب، فبدأ أهل العلم بالتصنيف بحسب الحاجة لذلك، ومن أوائل من صنف كتبا مبتدءة الشافعي رحمه الله تعالى لما صنف كتاب الرسالة فيه حجج وفيه دلائل لأصول السلف وأصول أهل السنة يعني في الاستدلال، كذلك صنف الشافعي كتاب الأم لما ذهب إلى مصر, صنف كتاب الأم في الفقه، ويذكر في كل مسألة استنباطه منها، إما –يعني استنباطه فيها كيف استنبط ذلك- إما من قرآن أو من سنة أو من قول صاحب ونحو ذلك، هذه من جهة أهل السنة مقرر لأنهم يصنفون تلك الكتب تفسيرا وشرحا وبيانا لكتاب الله جل وعلا وسنة النبي  وما كان عليه سلف الأمة من أقوال، ما نقل عنهم، وما من أقوال وما نقل عنهم من أفعال وهدي ونحو ذلك، ولهذا يقول الشيخ سليمان بن عبد الله رحمه الله في كتابه تيسير العزيز الحميد: وإنما كتب أهل العلم يُحتاج إليها في بيان معاني الكتاب والسنة وفي الوصول إلى فهم الكتاب والسنة، وإذا كانت لا توصل إلى ذلك فهي مذمومة. فأهل العلم حينما صنفوا الكتب التي هي ليس فيها يعني أسانيد وآثار إنما يرومون بها فقه الكتاب والسنة وفهم نصوص الكتاب والسنة، وصنف الفقهاء كتبهم وأهل العقائد عقائدهم المختصرة وأخلوها من الأدلة لأن تلك مستنبطة من الكتاب والسنة بحسب في الفقه اجتهاد المصنف الذي صنف وفي العقيدة بحسب ما نقل لهم من عقيدة السلف الصالح.
هذا الذي فعله أهل السنة وتتابعوا فيه بتصنيف الكتب هذا محمود ومرغوب فيه لأنه به يُسرت سبل الاستفادة من العلم، وقرب العلم في كل عصر لأهله.
ما الذي فعل أهل الضلال؟ صنفوا الكتب الباطلة، صنفوا الكتب التي يذكرون فيها رأيهم، لا يذكرون فيها الأدلة الشرعية، ولا يذكرون ذلك الرأي مستندة على أدلة شرعية، فأول ما صنف أولئك سموا بأهل الرأي، ومنها كتب الآن موجودة مثال ”كتاب الوقف“ لهلال بن مسلم الرأي، مطبوع موجود، فإذا تأملته وجدت أنه أسئلة: أرأيت إن كان كذا فالجواب كذا، مسائل في الوقف كلها من باب طرح المسائل بقوله أرأيت ثم الجواب عليها، وهذا مما اشتد فيه السلف الصالح يعني الأئمة في إنكار تصنيف الكتب على هذا النحو؛ يعني كتب الرأي التي ذُمَّت ما كان على هذا النحو، مثل كتاب هذا الذي ذكرتُ لكم ونحوه من الكتب.
أما كتب الفقه الأخرى فهي إذا كان استنباطها له أصوله وله أدلته فإنها لا تدخل في ذلك الذي نهوا عنه.
أما كتب أهل البدع التي صنفوها فإنها كما ذكرت ثم رجعت للكلام على الفقه كما ذكرتُ أنها صنفت ونسبت إلى القرآن، نسبت إلى السنة، فمنهم من صنف تفاسير جعل فيها التجسيم، يجعل عقيدة التجسيم كتفسير مُقَاتِل، تفسيرا للقرآن ففسر القرآن ففي كل آيات الصفات جعلها دالة على التمثيل؛ لأنه يعتقد التجسيم وينسب هذا إلى أنه تفسير للقرآن، هذا من جنس ما شاركت به هذه الأمة شابهت به اليهود، كذلك أهل الاعتزال أهل البدع والضلالات المختلفة من الفرق، المرجئة، القدرية، الجبرية إلى آخره صنفوا كتبا، هذه الكتب كل ينسبها إلى الله جل وعلا؛ يعني إلى دين الإسلام، يقول هذا هو الذي أمر الله جل وعلا باعتقاده هذا هو الذي أمر الله جل وعلا بالإيمان به، فنسبوها إلى الله جل وعلا بالنسبة الثانية؛ أنهم صنفوا وقالوا إن هذا هو الدين والعقيدة والشرع، وهذا لاشك أنه باطل، لِم؟ لأنه لم يذكروا من الدلائل عليه من كلام الله جل وعلا كلام النبي  وكلام الصحابة ما به يُعلم أن فهم ذلك الذي صنف صحيح، فإنهم ذكروا أشياء مخالفة لما كان عليه سلف هذه الأمة، فيكونون إذن قد خالفوا الأوائل ولما خالفوا صنفوا تلك الكتب ونسبوها إلى الشرع نسبوها إلى الإسلام، فكانوا بذلك مصنفين للكتب الباطلة ومشابهين لليهود ناسبين ذلك إلى الله جل وعلا؛ يعني إلى دينه، كل من كان من أهل البدع ومن أهل الضلال كذلك.
حتى وصل الأمر إلى وقت الشيخ الإمام رحمه الله تعالى، فصنفت الكتب التي فيها إبطال للدين الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام، صنفت الكتب في بيان أن الاستغاثة بالأموات والالتجاء إليهم أن هذا أمر مطلوب، ونُسب ذلك إلى سلف هذه الأمة، نسب ذلك إلى الأدلة، نسب ذلك إلى الإسلام وقالوا إن هذا هو الحق الذي عليه اعتقاد الفرقة الناجية كما يزعمون، صنفت الكتب الباطلة في البدع وجعلت تلك المصنفات منسوبة إلى ما كان علبه السلف، منسوبة إلى النبي ، فمثلا يصنف بعضهم في تحسين بعض البدع ويستدل عليها بقول النبي عليه الصلاة والسلام «من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة»، فيجعل تلك البدع التي أحدثها أو التي أمر بالالتزام بها منسوبة إلى النبي  لأنها داخلة في عموم كلامه، وهذا قد شابهوا فيه اليهود لأنهم استدلوا بالمتشابه أو كان هواهم قائما فجعلوا الدليل منزلا على هواهم. وأهل السنة السلف الصالح يجعلون الدليل أولا ثم يستنبطون منه، الدليل أولا ثم يستنبط منه، أما أن يقدّم الهوى ثم يبحث عن ما يساعده أو ما يدل عليه هذا طريقة أهل الأهواء الذين صنفوا تلك الكتب الباطلة.
في مسائل التوسل في بيان أن شك أهل الجاهلية إنما كان بعبادة الأصنام دون غيرها؛ يعني من الصالحين، من الموتى، من أهل القبور ونحو ذلك، صنفت مصنفات في ذلك في وقت الشيخ وعارضوا بها الدعوة، ونسبوها إلى النبي ، نسبوها إلى دين الإسلام، كما سيأتي في المسائل التي بعدها بيان لبعض فروع ما عملوا.
في هذا الزمن أيضا في هذا القرن كذلك يأتي جمع من أهل التفكير وأهل الفكر، وينقدح في أذهانهم أفكار وآراء وتوهمات، وينسبونها إلى الله جل وعلا، وينسبونها إلى الدين، ما الحجة فيما قلت؟ ما البرهان على ما ذكرت؟ لا حجة ولا برهان وينسبون ذلك إلى الإسلام، يقولون هذا هو الإسلام، لابد للعالم أو للمصنف أنه إذا ذكر رأيا أو فكرا أن يذكر دليله، أن يذكر ما اعتمد عليه خاصة إذا كانت أفكار جديدة ونحو ذلك، أما أن يكون رأيا مجردا وتنسبه إلى الإسلام، فهذا ولاشك أنه نوع من تصنيف الكتب الباطلة ونسبتها إلى الله جل وعلا.
مثل المصنفات في هذا العصر التي بعضها يتكلم مثلا عن الله، يقول الله جل جلاله، بعضهم يتكلم على الحلال والحرام يقول هذا حلال وهذا حرام، بعضها فيه تعالي أيضا هذا هو الإسلام ونحو ذلك، هذه كلها إذا لم تكن مدللة بالأدلة الشرعية من القرآن أو السنة الصحيحة فإنها تكون من جملة تصنيف الكتب الباطلة التي شابهت فيها هذه الأمة اليهود والنصارى.
إذن هذه المسألة التي ذكرها الشيخ رحمه الله فيها النهي عن الإقدام على تصنيف الكتب بدون مستند مما كان عليه أئمة السلف الصالح من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، بدون مستند من الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح؛ لأن التصنيف إنما هو للحاجة، وإذا كان كذلك فكل من صنف على ذلك النحو فقد صنف كتبا باطلة.
ولهذا كان أئمة الدعوة رحمهم الله تعالى يحفظون دين الناس بأن لا يدخلوا الكتب التي فيها فساد عقدي أو فساد فقهي أو نحو ذلك، أما الآن فقد توسع الناس حتى صارت الكتب التي كانت من قبل لا ترى صارت الآن موجودة الناس يقتنونها، ممن مثل تفسير الفخر الرازي الذي قيل فيه: فيه كل شيء إلا التفسير. وقيل فيه: لم يدع لا شاذة وفاذة إلا أوردها. هذا التفسير كان ينهر عنه بهذه البلاد لأنه ينسب إلى الله جل وعلا؛ لأنه تفسير لله جل وعلا، وهو كله في عقائد المتكلمين، بل إن بعضه فيه تنجيم وعناية بأحوال النجوم ونحو ذلك لأنّ الرازي كان يعتني بذلك، كتب المبتدعة على اختلاف أنواعها كان يحمى الناس من ذلك من أن يقتنوها وأن تكون بين أيديهم مثل مثلا كتاب الفتوحات المكية، وإلى اليوم ممنوع ولكن أحيانا يوجد في بعض المكتبات، وذلك لحماية الناس من مثل هذه المبتدعة.
من أواخر ما صنع في ذلك ما صدر من سماحة الشيخ عبد العزيز حفظه الله من منع تداول كتب الصابوني في التفسير أيضا، لم؟ لأنها من جنس ما ذكره الشيخ رحمه الله في هذه المسألة لأن تصنيف التفسير ونسبة ذلك إلى كتاب الله جل وعلا هذا شعبة من شعب أهل الجاهلية، تصنيف التفسير هو نسبة تلك التفاسير الباطلة إلى كتاب الله جل وعلا هو شعبة من شعب أهل الجاهلية، فلا يكون في التفسير الذي يسوغ تناقله بين الناس ويسوغ قراءته إلا ما فيه حق إلا ما فيه بعد من طرق أهل البدع والضلال، أما ما كان فيه ذلك يجب أن يبعد الناس عنه ولا يمكنوا منه لأنه قد يحدث الضلال في أصل الاعتقاد من جرّاء ذلك؛ لأن المتكلم يفسر القرآن فيكون القارئ ظانا أن هذا التفسير هو موضحا لكلام الله جل وعلا، فيعتقد أنه مستدل به يعني في ذلك التفسير مستدل( ) بالقرآن فيه، مستدل بالنسبة فيه فيقع الخلط والبلاء وقع ذلك كثيرا.
المسألة التي تليها وهي (أنهم لا يقبلون من الحق إلا الذي مع طائفتهم كقوله ﴿قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا﴾[البقرة:91].) هذه قالها اليهود.
(لا يقبلون) الصحيح (لا يقبلون) هي مكتوبة هنا (لا يعقلون) لكن الصحيح(لا يقبلون)، (أنهم لا يقبلون من الحق إلا الذي مع طائفتهم)، قال تعالى (قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا) يعني اليهود قالوا ﴿نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ﴾[البقرة:91]، اليهود قالوا لا نؤمن إلا بما أنزل علينا، كانت هذه حجتهم، وكان ذلك برهانا، (نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا) أما ما وراءه فلا نؤمن به، فلما كان أمرهم كذلك، كان مما يحتج به عليهم أنه قد جاء في التوراة وصف النبي عليه الصلاة والسلام، هذا هو الذي أنزل عليهم، لذلك سيأتي في المسألة التي تليها أنهم كانوا لا يعلمون ما تقوله طائفتهم؛ يعني أكثرهم لا يعلم ما في كتبهم، يقولون لا نؤمن إلا بما أنزل على طائفتنا ومع ذلك لا يعلمون ما عندهم, فالنبي  وصف وصفا تاما في التوراة وفي الإنجيل، فحرفوا ذلك الوصف وقالوا لا نؤمن إلا بما أنزل علينا, صفة النبي  موجودة، فآمنوا بما أنزل عليكم، فلم يؤمنوا بذلك.
كذلك النصارى بشروا, بشرهم عيسى عليه السلام بالنبي عليه الصلاة والسلام، بشرهم بنبي يأتي اسمه أحمد وهو منصوص على ذلك في انجيل بَرنابا الموجود المطبوع الآن وهي نسخة نفيسة من الإنجيل والنصارى لا يقرون بنسبة ذلك الإنجيل إليهم، ويقولون أناجيلهم أربعة أما إنجيل برنابا فينفون لنسبته إلي النصرانية ويقولون هذا فيه ما فيه إما مختلف وإما غير مقر, إلى آخره وكان قد وجده الشيخ محمد رشيد رضا في أحد المكاتب في إيطاليا نسخة بلغة أخرى لاتينية، فترجمه إلى العربية وطبعه فيه البشارة بالنبي عليه الصلاة والسلام، لم يؤمنوا بذلك مع أنهم يقولون (نُؤْمِنُ بِمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا).
هؤلاء شاركهم طوائف من هذه الأمة كثيرة، فتجد أنّ عوام أهل المذاهب الفقهية مثلا يقولون لا نؤمن إلا بما جاء في مذهبنا، وهذا كثر في هذه الأمة خاصة في العصور المتأخرة, فتجد أن السائل إذا سأل مفتيا يقول أفتني على مذهب الشافعي, أفتني على مذهب الإمام أحمد, أفتني على مذهب الإمام أبي حنيفة، لم؟ قال: لأني على هذا المذهب. وهذا تجدونه كثيرا في فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية حيث يأتيه من يسأله، فيقول أفتنا على مذهب الشافعي, أفتنا على مذهب كذا.
ولأجل أن هذا كثر في الناس كان في وقت الشيخ رحمه الله بعض المفتين يحفظون كتبا في المذاهب الأربعة فيأتيهم السائل فيقول: أفتنا على المذهب الشافعي. فيفتيهم، يأتي آخر فيقول أفتني على مذهب أبي حنيفة فيفتيه, وهكذا، فكان بعض المفتين في وقت الشيخ وقبله يفتون على المذاهب الأربعة ويعدون أن هذا مفخرة, لم؟ لأن كل طائفة لا تؤمن إلا بنا عندها أما عند الآخرين يقولون لا نؤمن به, وهذا لاشك أنه باطل؛ لأن الواجب على المفتي أن يكون في فتواه مفتيا بما يعتقد أنه الحق, بما يعتقد أنه ينجيه بين يدي الله جل وعلا، مثل ما ذكر منصور البهوتي؛ الشيخ منصور رحمه الله تعالى المصنف للروض المربع وشرح المنتهى ولكشاف القناع ولكتب كثيرة فإنه اُستفتى في مسألة فأفتى فيها بفتوى فقيل له إن هذه الفتوى مخالفة لما ذكرته في كتابك كشاف القناع، فقال: ذاك ذكرنا فيه المذهب، وأما ما أفتيت به فهذا ما أعتقده. وهذا هو الواجب، التصنيف تبين المسائل بأدلتها على مذهب معين للتعليم لتصوير المسائل، هذا هو الطريقة العلمية الصحيحة، أما المفتي فإنه يفتي بما يعلم أنه الحق، لا يؤمن بما أنزل إليه فقط ويترك -يعني بما عنده، بما عليه طائفته- ويترك البقية بل ينظر ويجتهد في الحق.
أهل البدع كذلك تجد أن الخارجي مثلا؛ الاباضي مثلا إذا سألته، يقول لك أنا لا أومن إلا بما عليه مشايخنا، طيب أولو كانوا على باطل؟ أهل البدع والخرافات لا بد أن أسأل علماءنا، طيب إذا سألت علماءك شوف الدليل معهم هل معهم حجة أقوى من حجة الآخر أم لا؟ لابد أن تتحرى الحق.
فأصبحت هذه الظاهرة موجودة في المسلمين في أوسع الأبواب، أن كل أهل مذهب إما مذهب فقهي أو عقدي يقولون نؤمن بما عند طائفتنا ولا يتحرون الحق لا يبحثون عنه، فكانوا من جنس أولئك الذين لم يتحروا الحق الذي جاء به النبي  وإنما قنعوا بما عندهم.
في وقت إمام الدعوة رحمه الله لما قام بالدعوة -يعني سبب ذكر هذه المسألة- واجهه هؤلاء، واجهه هؤلاء، واجهه فقهاء الشافعية مثلا رحمهم الله تعالى بأن قالوا إن متأخري الشافعية قالوا كذا وكذا -مثلا من جواز بعض المسائل التي كان ينهى عنها والتسمح في بعض البدع التي كان ينهى عنها ونحو ذلك- بعض المسائل يقول هو إنها حرام يقولون نص علماؤنا على الكراهة ونحو ذلك، فعارضه كل ذي مذهب بما عليه مذهب أصحابه فكان رحمه الله تعالى يناقش كلاًّ بأمرين:
الأول: أنه يذكر ما عليه طائفته -كما سيأتي- أن من كلام الشافعية مثلا من كلام الحنفية، من كلام المالكية، ما هو فيه بيان الحق للمسألة، لكنهم لا يعلمون بما كانت عليه طائفتهم، لا يعلمون بما يقوله أهل مذهبهم.
الثاني: أن يبين المقصود من كلام العلماء إنما هو إفهام الأدلة، فإذا عارض كلام أهل العلم الأدلة فإنه لا يسوغ أن نأخذ بكلامهم ونترك الأدلة الواضحة.
ولهذا ذكر الشيخ في المسألة التي بعدها قال (التاسعة والعشرون أنهم مع ذلك –يعني أنهم لا يقبلون من الحق إلا ما كان عليه طائفتهم- لا يعلمون بما تقوله الطائفة)، هذا الذي حصل فرد عليه طوائف ممن العلماء وهم لا يعلمون ما عليه أقوال أهل مذهبهم، ولهذا اعتنى علماء الدعوة رحمهم الله تعالى في كتبهم بنقل مذاهب العلماء في مسائل التوحيد، بنقل كلام أهل العلم في مسائل التوحيد لأن المتأخرين مثلا من الفقهاء الأئمة الشافعية أو الحنفية أو المالكية أو نحوهم كانوا يقبلون كلام علماء عصرهم، علماء المتأخرين منهم، لكن العلماء الأولون من أهل المذهب، لما لا يقبلون كلامهم؟ فكان أئمة الدعوة رحمهم الله والمشايخ ينقلون لهم كلام المتقدمين مثل كلام ابن حجر الهيثمي، ومثل كلام ابن حجر العسقلاني، ومثل كلام النووي، مثل كلام الذهبي، وهؤلاء كلهم شافعية، مثلا ينقلون كلام الإمام مالك في المدونة، وكلام أصحابه مثل الطرطوشي ونحوهم، والقرطبي وأمثالهم في بعض مسائل التوحيد ليبين أن مذهب المالكية هو كذا، ولهذا تجد أن كتب علماء هذه الدعوة مشحونة بالنقل عن كتب أولئك، لم؟ لبيان أن أولئك قالوا بمثل ما قاله الشيخ رحمه الله لكن هؤلاء لم يطالعوا أو خفي عليهم، وإنما عقلوا وقبلوا ما عليه متأخروهم، وهذا من المسائل المهمة التي ينبغي لطالب العلم أن يعتني بها؛ لأنه قد يأتي بعضهم وينقل نقولا عن بعض أئمة أهل المذهب، مثلا يأتي بعضهم يضاد مسائل العقيدة الصحيحة والتوحيد والنهي عن البدع بكلام بعض الشافعية، بكلام بعض المالكية، بكلام بعض الحنفية، بكلام بعض الحنابلة، طالب العلم أول ما يسمع بهذا الاحتجاج يذهب ويبحث في كتب القوم في كتب الحنابلة في كتب الشافعية في كتب المالكية إلى آخره، المتقدمة، حتى يثبت لهذا الذي احتج بكلام أهل طائفته أن من أهل طائفته من لم يقل بهذا القول وإذا كان أهل الطائفة المخصوصة هذه قد وقعوا في الاختلاف فإذن الحجة فيمن؟ الحجة في كلام السلف، هذا برهان ضروري يُحتج به أينما ذهبت كن منه على ذكر وبينة.
إذا نقل لك ناقل مثل ما صنف مثلا محمد علوي المالكي في كتابه الأخير الذي سماه ”شفاء الفؤاذ بزيارة خير العباد“ نقل نقول عن بعض أهل العلم في تجويز بعض الأشياء التي هي من قبيل البدع، إذا بحث الباحث وجد أنه كتم نقولا كثيرة في النهي عن هذه الأمور فهو نقل عن بعض أهل العلم في تحسين هذه البدع، وكتم نقولا كثيرة، فيها بيان الصواب والحق في هذه المسألة، الشافعية نقل عنهم عندهم قول ثاني بينه محققوهم بينه كبار علمائهم، الحنابلة كذلك، المالكية كذلك، الحنفية كذلك.
فإذن إذا أورد عليك مورد وقال أنا لا أقبل إلا بكلام أهل مذهبي، فقل أولا قبولٌ، أولا قبول بهذا الكلام وستجد من كلام أئمة أهل مذهبه المعين ما يرد به عليهم؛ لأن الحق واضح، وكل مذهب وكل أتباع إمام عندهم من أهل العلم كثير ممن يقولون في المسائل بما تدل عليه الدلائل من الكتاب والسنة وكلام الأئمة أئمة السلف هذا أولا.
الثاني تناقشه هل الواجب أن لا تقبل إلا ما قالته طائفتك، أم الواجب أن تبحث فيما دل عليه الكتاب والسنة، الجواب: الواجب أن نبحث فيما تُعُبِّدْنَا به وهو الكتاب والسنة، ونفهم الكتاب والسنة بإفهام العلماء لنا؛ لأن العلماء إنما هم واسطة لفهم الكتاب والسنة؛ لأنهم تخصصوا وبذلوا أعمارهم ليلهم ونهارهم وجهدهم في فهم الأدلة من الكتاب والسنة، فوظيفة أهل العلم ليست استقلالية، إنما هي تبعية بإفهام الأدلة من الكتاب والسنة، وهذا الذي فعله الشيخ رحمه الله تعالى مع مخالفيه وأثمر ثمرات يانعة.
إذن هذه المسألة التاسعة والعشرون هي أنهم مع ذلك لا يعلمون بما تقوله الطائفة كما نبه الله عليه بقوله ﴿فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[البقرة:91]. متصلة بما قبلها لأن اليهود كانوا يحتجون بشيء وهو لا يعلمون بما عندهم.
كذلك من ورثهم في هذه الأمة وشابههم يحتجون بما عليه الطائفة وهم يجهلون أن من أهل مذهبهم من بخلاف تلك الأقوال.
المسألة الأخيرة التي نختم بها الكلام هي المسألة العجيبة (الثلاثون) قال الشيخ رحمه الله (وهي من عجائب آيات الله أنهم لما تركوا وصية الله بالاجتماع وارتكبوا ما نهى الله عنه من الافتراق صار كل حزب بما لديهم فرحين.)
الجماعة جماعة أي رسولٍ كانت واحدة، ثم يبدأ التفرق بعد ذلك، أمر الله جل وعلا كل أتباع رسول بأن يجتمعوا على رسولهم، أما في اليهود فظاهر والنصارى فظاهر كما قال جل وعلا ﴿وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَةُ﴾[البينة:4]، قال جل وعلا في الآية الأخرى ﴿وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾[الشورى:14]، وقال جل وعلا ﴿وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ﴾[البقرة:176] وقال جل وعلا ﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمْ الْبَيِّنَاتُ﴾[البقرة:213]، وقال جل وعلا ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾[آل عمران:105]، وغير ذلك من الآيات والله جل وعلا أمر العباد بالاجتماع، والاجتماع يكون على أساس العلم فكل من أخذ بالعلم الذي ورِثه من الرسول الذي أرسل إليه فإنه يهديه ذلك العلم إلى الاجتماع وترك الاختلاف والتفرق.
هذه المسألة مهمة للغاية لأن الجماعة والاجتماع دائما ترحم به الأمة، كما شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أنّ نتيجة الجماعة والاجتماع هو رضا الله جل وعلا ونصره وتأييده ومغفرته وتوفيقه للمجتمعين، ونتيجة الفرقة والاختلاف غضب الله ومقته وضرب قلوب بعضهم ببعض ولعنته وسخطه، هذا نتيجة الجماعة ونتيجة الفرقة.
كل رسول كانت جماعته الأولى مجتمعة ثم بدأ التفرق وهذا ظاهر في الأمم من قبل، قال جل وعلا في بيان حال الأمم السابقة ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾( )، لم؟ لأنهم تركوا الاجتماع الذي أمروا به وأخذوا بالتفرق والاختلاف، ما سبب ذلك التفرق و الاختلاف الذي حدث بعد الجماعة الأولى؟ هو ما أخبر الله جل وعلا به قال ﴿فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ﴾[المائدة:14]، وقال جل وعلا في الآية الأخرى ﴿وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ﴾[الشورى:14].
قال شيخ الإسلام رحمه الله وغيره إن سبب الفرقة اثنان:
الأول: هو ترك العلم وترك حظ ما أمر العباد به.
الثاني: هو البغي.
إذا ترك طائفة العلم الذي أمرت به ونسيت، يعني تركت حظا مما ذكرت به حصل التفرق والبعد عن الجماعة الأولى.
الثاني أن يكون هناك بغي وعدوان من طائفة من هذه الطائفة المفترقة المخالفة عن الجماعة الأولى المجتمعة على الحق والهدى.
بعد ذلك إذا حصل هذان الأمران وهذان السببان وهو ترك العلم ونسيان حظ ما ذُكِّر به العباد والثاني هو البغي بين العباد يحصل التفرق والاختلاف، وإذا حصل التفرق والاختلاف كان كما أخبر الله جل وعلا بقوله (فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ) نتيجة التفرق والاختلاف العداوة والبغضاء، وهذا كما قال الشيخ رحمه الله: وهي من عجائب آيات الله أنهم لما تركوا وصية الله بالاجتماع وارتكبوا ما نهى الله عنه من الافتراق، صار كل حزب بما لديهم فرحين.
فإذن فرح كل حزب بما لديه نعمة أو عذاب هو عذاب لأنهم لم يجعلهم الله جل وعلا فرحين بما هم عليه إلا لما خالفوا وصية الله جل وعلا بالاجتماع وارتكبوا ما نهى الله عنه من الافتراق.
فهذه عقوبة، إذا وجدت الفرق والطوائف كل فرقة فرحة بما عندها ممن خالفوا وتركوا الجماعة الأولى تعلم أن هذا من العذاب الذي عذبوا به لأنهم تركوا وصية الله بالاجتماع وأخذوا بالتفرق والاختلاف.
هذا حاصل في هذه الأمة من أول ما ظهرت الخوارج وهم لما خالفوا وصية الله بالاجتماع، وأخذوا بالتفرق والاختلاف ونسول حظا مما ذكروا به وتركوا العلم الذي أنزل عليهم، صاروا فرحين بما عندهم حتى إن الخارجي يكون أشجع الناس؛ يعني أشجع الناس في وقته وأقواهم مدافعة عما هو عليه من الباطل، لم؟ لأنه فرح به أشد الفرح، خالفوا الصحابة وقاتلوا الصحابة، وذلك لأنهم فرحون بما هم عليه وأصل ضلالهم كما هو معلوم مسألة تحكيم القرآن يعني الأخذ بظاهر قوله تعالى ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ﴾[المائدة44] فكفروا الصحابة وتركوا العلم الذي كان عند الصحابة واعتزوا بآرائهم فصاروا فرحين بما عندهم.
كذلك المرجئة أول ما ظهرت كان لها رأي ثم بعد ذلك صارت فرحة بما عندها لأنها تركت ما أمر الله به من الاجتماع، وأخذت بالقول الذي ليس عليه الجماعة الأولى.
ولهذا من أراد النجاة فإنما السبيل بالأخذ بوصية الله بالاجتماع، وهذه ذكرها الشيخ رحمه الله في أول الكلام في المسألة الثانية والثالثة، وهنا يريد أن عقوبة الافتراق أن يكون المرء فرحا بما هو عليه من الباطل، هذا من عقوبة الافتراق، فأول ما يخالف يكون عنده تردد ويكون عنده نوع من عدم الثبات ما هو عليه، حتى يستمرئ المخالفة ويستمرئ التفرق، فيعاقبه الله جل وعلا بفرحه بما عليه حتى يكون من أهل التفرق والاختلاف والعياذ بالله.
على العموم هذه المسألة كما ذكر الشيخ رحمه الله أنها من عجائب آيات الله؛ لأنها عقوبة لا يشعر بها إلا المتيقنون.
اسأل الله جل وعلا أن يبصرني بالحق والهدى، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
أعدّ هذه المادة: سالم الجزائري.
رد مع اقتباس