عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 25-10-2007, 05:30PM
أبو عبد الرحمن السلفي1
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
[الشرح]
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
اللهم إنا نسألك علما نافعا وعملا صالحا وقلبا خاشعا وعينا دامعة.
اللهم اهدنا فيما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك نهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
اللهم اجعلنا ممن آمن حق الإيمان واتقى حق التقوى وصدق حق التصديق.
اللهم اجعلنا من الذين يتعلمون العلم ابتغاء وجهك ويطلبون به ما عند إنك ولي ذلك وإنك مسؤول.
اللهم لا تكلنا لأنفسنا طرفة عين فيما تقلبنا وأينما توجهنا.
أما بعد:
فهذه المسائل من مسائل الجاهلية؛ يعني الخصال التي كان عليها أهل الجاهلية من المسائل المهمة لكثرة الواقعين في ذلك في هذا الزمان ومن قبله، فذكر المسألة الرابعة والعشرين قال (المسألة الرابعة والعشرون -يعني من خصال أهل الجاهلية ومن مسائلهم- ترك الدخول في الحق إذا سبقهم إليه الضعفاء تكبرا وأنفة فأنزل الله جل وعلا قوله ﴿وَلَا تَطْرُد الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾[الأنعام:52]) وهذه الخصلة من خصال أهل الجاهلية كانت قائمة في الكبار فيهم من ذوي الجاه, وذي المال، وذي الشرف، وذوي الرئاسة، من كبار جاهلي العرب, ومن كبار الجاهلية في الأمم الأخرى من اليهود والنصارى وغيرهم.
فإن المرء إذا كان مقدما مرفوعا إما لأجل جاهه، أو لأجل علمه، أو لأجل عقله في فئته فإنه يدخل إليه الشيطان من هذه الجهة وينفخ فيه حتى يجعله متكبرا على الحق -والعياذ بالله-.
وذكر قول الله جل وعلا (وَلَا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ)، وهذه الآية ذكر المفسرون في سبب نزولها عدة روايات مجملها أن المشركين قالوا لرسول الله : اجعل لنا مجلسا تخصُّنا به، لا نجلس مع هؤلاء الأعبد. يعنون: خبابا وبلالا وصهيبا, وذُكر في بعض الروايات وسلمان، ولكن هذا ليس بجيد لأن هذه الآية مكية, مجلسا تخصنا به, اجعل لنا مجلسا تخصنا به, فمالَ رسول الله  إلى ذلك بقلبه وهمّ بذلك، فأنزل الله جل وعلا (وَلَا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ)، وقوله هنا (وَلَا تَطْرُدْ الَّذِينَ) يعني ما همَّ به عليه الصلاة والسلام، وإلاّ فهو لم يقع منه طردٌ لهم، وإنما همّ بأن يخص أولئك من بين المؤمنين الذين هم ليسوا كأولئك في الشرف والجاه والرفعة، وكان ذلك من رسول الله عليه الصلاة والسلام طمعا في إسلام أولئك، وأنّ أولئك كبار القدْر، كبار الجاه، ذوو نفوذ وذوو أمر مطاع، فطمع رسول الله  في هدايتهم، فقبل شرطهم بأن يخصهم ويستنكف ويطرد أولئك النفر المؤمنين الذين ليسوا كأولئك في الجاه والرفعة والرئاسة ونحو ذلك، فأنزل الله جل وعلا هذه الآية.
وهذا الذي ذُكر في سبب النزول، ظاهر منه استدلال الشيخ رحمه الله تعالى، من أنّ أولئك المشركين كانوا يرغبون في استماع الحق وكن منعهم من الحضور إلى مجلس رسول الله  التكبر عن أن يَشركوا أولئك النفر المؤمنين الذين كانوا إما فقراء وإما موالي، عبيد، أو نحو ذلك، فكرهوا أن يشاركوهم في مجالسهم، وكرهوا أن يحضروا عند رسول الله  ويكون فيه أولئك حتى إنه ذُكر أن بعضهم قال: اجعل لنا مجلسا تعرف به العرب مفضلنا. تعرف به العرب مفضلنا، هذا يدل على ما في داخل صدورهم من التكبر والأنفة, والحق إنما يكون مع الذين يميلون له, لا يكون مع المتكبرين, ولهذا أولئك لا ينفع فيهم مثل هذا، قال جل وعلا﴿[وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا]( ) لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ﴾[الأنفال:23] يعني أهل الكتاب، لو شاء الله جل وعلا لأسمعهم ولو أسمعهم الحق والهدى كما يَسمعه من ينتفع به، (لَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ) لأنهم يعلمون الحق، ولكنهم ينسلخون عنه تكبرا وأنفة، وهذا الذي منع كثيرا من الجاهليين من كبار قريش من الدخول في الإسلام، تعرفون كلمة أبي جهل المشهورة في ذلك، حيث قال: حتى تنازعنا نحن وبني هاشم الشرف، فقالوا فتصدقوا وتصدقنا، ونحروا ونحرنا، وبذلوا وبذلنا حتى إذا كنا كفرسي رهان قالوا منا رسول يأتيه الوحي من السماء وليس منكم أحد، لا والله لا نؤمن به أبدا. هذا يدل على أن أولئك تركوا قبول الحق، ومنعهم الدخول في الحق سبق الضعفاء، منعهم من ذلك أن يكون النبي عليه الصلاة والسلام أقبل على أولئك النفر تكبرا منهم وأنفة.
كذلك اليهود، اليهود كان فيهم ذلك وكانوا يخفون الحق، ويقولون كيف نتّبع هذا النبي الأمي فنخسر مالنا ونخسر جاهنا ونخسر ما يبذله لنا ذووا الأموال، وهذا سيأتي إن شاء الله تعالى في بيان سبب تبديلهم الكتب وتبديلهم المنزَّل عليهم.
هذه الخصلة كما رأيتم، هذه سببها ما يقع في النفوس من التكبر، وهذا دخل ووجد في هذه الأمة كما قال النبي عليه الصلاة والسلام «لتتبعن سنن من كان قبلكم»، وُجد في هذه الأمة المنتسبين إلى الإسلام قبل المتمسكين إلى الإسلام، فكثيرا منهم منعه من قبول الحق التكبر والأنفة أنْ كل أولئك الذين سبقوا إليه هم الذين سبقوا وهم الذين تقدموا في الحق ويكون ذلك الكبار تابعين، يكون أولئك الكبار لاحقين، والكبار وذوو الجاه وذوو السمعة وذوو الرئاسة دائما يحبون أن يكونوا هم الذين يتقدمون الناس، هم الذين يسبقون ولو كان سبقهم في غير الحق وفي غير الهدى، فإنّ همتهم لما جعل الله جل وعلا في قلوبهم من الضلال ومن ترك الهدى لو كان ذلك في غير الصواب سلكوه، وهذا ظاهر في كثير من أئمة البدع في الإسلام، فإنهم لم يرذخوا للحق لأنهم يعتقدون أنهم ذووا شرف ذووا رفعة، لما أوتوه من عقول، لما أوتوه من فهم، فكيف يميلون للحق مع أن الذين اتبعوه هم الذين يسمونهم أهل الظاهر ويسمونهم حشوية، ويسمونهم بأسماء متنوعة تؤول جميعا وتجتمع جميعا في أنهم ليسوا بذوي نباهة ولا بذوي عقول.
فإذن أولئك الذين كانوا من الكبار في الإسلام من أهل البدع كان كثيرا منهم يعلم الحق ولكنه يصعب عليه أن يتركَه من أجل ما لَه من المنزلة والرفعة، يصعب عليه أن يتركه لذوي عقول ضعيفة عنده، وهذا يجر إلى أنه لا يُقدّم، ولا يكون مرفوعا، ولا يكون مبجلا، ولا يكون متبوعا، ولا تراه في كثير ممن أبتلي بإتباع الناس لهم إذ لم يكن معهم إنصاف، ولم يكن معهم تقوى وخير من الله جل وعلا، فإنه يصدهم الأتباع، يصدهم كثرة من يعظمهم، يصدهم كثرة من يتبعهم على أن يقبلوا الحق، فإن النفس إذا وجدت من يتبعها، إذا وجدت من يعظمها، ثم كان السبيل في قبول الحق والرضوخ له أن يُترك تعظيمه أن يُترك رفعه فإنه يصعب جدا من النفوس أن تقبل ذلك، وهذا كَثُر في الذين ركبوا هواهم في هذه الأمة في أصناف شتى كثيرة، أينما توجهت وجدت ذلك.
فإذن كل من لم يقبل الحق لأجل التكبر والأنفة فإنه لهم نصيب في مشابهة الجاهليين في ذلك، وهذا يدل على أن ترك قبول الحق لأجل سبق الضعفاء أو لأجل تقدمهم أو لأجل أنهم أخص لصاحب الدعوة فإن هذا –والعياذ بالله- من الكبائر، بل قد يكون مخرجا من الملة إذا كان فيه عدم قبول أصل الدين، مثل ما يحصل من كبار علماء المشركين في هذه الأزمان المتأخرة.
ومن الأمثلة في ذلك التي ذكرها بعض من لهم صدارة ولهم رفعة من الذين يسمّون بعلماء هذا الوقت يكونون معظمين من وُجد، ممن هم معظمين للشركيات معظمين للأضرحة والموتى ونحو ذلك، حيث جرى بيني وبينه حديث ومناقشة حول أهل الإسلام والتوحيد والشرك، وهو من كبار علماء بلده، فكان مما قال في بيان حقيقة الأمر، أنه قال هذا سبيل من سبل الرّزق فلا تقطعه عمن يأتي إليه، ثم قال نصه –هو توفي الآن- نعم الذي تقول حق، ولكن التكفير صعب، كون مبتدعة نعم، ولكن كما قال أترك الناس تعيش.
وهذا لأنه معظم في طائفته، صعب أن يترك ويسحب منه كل ما اكتسبه في حياته الطويلة، هذا صعب على النفوس خاصة في أنفس كبار السن، يعني من دخل في الكهولة ونحو ذلك، فيصعب عليه نفسيا هذا.
إذا تبين لك ذلك، فإذن نستفيد من هذا أن هذه الخصلة من خصال أهل الجاهلية كثيرة تأملها تجدها في هذه الأمة، في الأغنياء، في ذوي الترف، في الرؤساء، في الملوك، في الأمراء، في نحو ذلك، هذه موجودة فيهم إلا ما شاء الله جل وعلا، فإنهم تراهم يتنقّصون الحق لأجل من اتبعهم ويرفضون الدخول فيه لأجل حال من دخل فيه.
أيضا ننبه إلى أن على أهل الدعوة، على الدعاة، على أهل العلم أن يعتنوا بالصفوة الذين أقبلوا على الله جل وعلا، وأن يتركوا الالتفات إلى ذوي الشرف وذوي الرفعة إلا إذا كان أولئك يقطنون مع غيرهم ويقبلون مع غيرهم، أما أن يقبل على أولئك ويترك الذين يريدون وجه الله جل وعلا، فإنّ هذا من الذي نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام قال جل وعلا في سورة الأنعام ﴿وَلَا تَطْرُدْ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾[الأنعام:52]، نبّه أنهم أهل الإخلاص أهل طمع فيما عند الله جل وعلا لا يريدون إلا وجه الله جل وعلا، وهذا فيه تنبيه إلى أن أولئك الذين همّ رسول الله  أن يطرد هؤلاء من أجلهم أنهم لا يريدون وجه الله جل وعلا، أنه لهم مقاصد أخر في ذلك، قال جل وعلا ﴿مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنْ الظَّالِمِينَ﴾[الأنعام:52]، وهذا فيه النهي الشديد عن ذلك، وكذلك قال جل وعلا في سورة الكهف ﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾[الكهف:28]، قال المفسرون في قوله (تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) يعني تريد التزيّن فدخول أولئك ولمجالسة أولئك.
وهذه خصلة نفسية تدخل في قلوب كثيرين، فعلى الدعاة أن يكون همهم إيصال الحق، وإذا كان هناك في إيصال الحق فيه شيء من ترك ما أمرنا الله جل وعلا به رعايةً لخواطر بعض ذوي الشرف وذوي الجاه ونحو ذلك، فلا يقبل الداعية، لا يقبل طالب العلم، لا يقبل العالم بذلك، إلا إذا كان ثَم مصلحة راجحة، كما كان النبي عليه الصلاة والسلام يفعل في المدينة مع رؤساء الوفود، هذا له حال آخر، أما أن يُشترط على صاحب الدعوة أو العالم أن لا يجلس مع أولئك، مع هؤلاء، وأن يكون لهم مجلس مع الخاصة من ذوي الشرف، فهذا هو الذي نهى عنه النبي عليه الصلاة والسلام.
المسألة التي تليها أنهم يستدلون على بطلان ما جاء به النبي يعني على بطلان الحق، يستدلون على بطلانه سبق الضعفاء كقوله ﴿لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾[الأحقاف:11]، هذه المسألة مسألة استدلال والمسألة الأولى مسألة طلب، ففي الأولى طلب ذلك وفي الثانية يستدلون على بطلان الحق.
الأولى يريدون سماع الحق ولكنهم طلبوا أن لا يكون معهم أولئك الضعفاء، أولئك الأعبد، أولئك الذين ليسوا من ذوي الجاه ومن ذوي الشرف ومن ذوي الرفعة؛ لأنهم يلحقهم نقص، ويلحقهم شيء من التعيير إذا جلسوا في مجلس فيه أولئك الأعبد والجميع على حد سواء.
قال رحمه الله تعالى في هذه المسألة -أعني المسألة الخامسة والعشرون- استدلال على بطلانه يعني على بطلان الحق بسبق الضعفاء، يستدلون على بطلانه بسبق الضعفاء كما قال جل وعلا في سورة الأحقاف ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ﴾[الأحقاف:11]، قوله هنا (لِلَّذِينَ آمَنُوا) يعني عن الذين آمنوا (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا) اللام هنا بمعنى (عن) يعني وقال الذين كفروا عن الذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه، قال جل وعلا ﴿وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ﴾[الأحقاف:11]، فهم استدلوا على بطلان ما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام بسبق الضعفاء.
وهذه المسألة غير المسألة التي مرت معنا أنهم يستدلون على بطلانه؛ لأنه إنما أخذه الذين ليس لهم عقول، وليس لهم حظ لما سبق من المسائل، حيث استدل على ذلك بقوله تعالى في سورة هود ﴿بَادِي الرَّأْيِ﴾[هود:27]، وأولئك دخلوا من غير تدبر ومن غير فهم، هنا يستدلون على البطلان بسبق هؤلاء، فهؤلاء كونهم سبقوا وهم أراذلنا وهم من ليسوا بذوي فهم، كونهم سبقوا، هذا دليل على أنه ليس بحق، لأنه لو كان حقا لأخذه ذووا العقول وأخذه ذووا الشرف وأخذه ذووا الفهم من الملأ من الكبار.
هذه المسألة واضحة المعنى، وهي شبيهة بالمسألة التي سلفت من قبل لكن هذه في الاستدلال على البطلان بالسّبق وتلك ليست استدلالا بالسبق وإنما استدلال بحال الضعفاء.
قال (السادسة والعشرون تحرف كتاب الله من بعد ما عقلوه وهم يعلمون)
هذه الخصلة التي هي تحريف كتاب الله من بعد ما عقلوه هي في اليهود في بني إسرائيل، وهذا التحريف للكتاب عي أنهم وجدوا صفة النبي  في التوراة، صفة واضحة جلية فلما رأوا النبي  عرفوا أنه هو المدعو، وأنه هو نبي الأميين، وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا، ﴿فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ﴾[البقرة:89]، وكان من صفة النبي  أنه ربعة أكحل العينين جعد الشعر، فسأل اليهودَ المشركون في مكة ما تجدون في صفة النبي ، النبي الأمي الذي يخرج؟ قالوا: نجد صفته في كتابنا أنه طويل أزرق العينين سائل الشعر. أو نحو ذلك، فوصفوه بغير الوصف الذي جاء في التوراة، فحرفوا وهذا معنى قوله أنهم حرفوا كتاب الله من بعد ما عقلوه( )، يعني من بعد ما عرفوه، من بعد ما فهموه، كما قال جل وعلا في الآية الأخرى في سورة البقرة ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ [فَرِيقًا]( ) مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾[البقرة:146]، يعرفون النبي  ويعرفون أن ما أنزل إليه حق كما يعرفون أبناءهم لا يلتبس عليهم ذلك، ولكنهم كتموا الحق (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ)، وهذا ظاهر في معنى تحريفهم لكتاب الله.
هذه الخصلة في اليهود تبعها أنواع من التحاريف وسبقها أنواع من التحريف، أما من يبق فإنهم حرّفوا كتاب الله جل وعلا؛ يعني الذي أنزل عليهم، حرفوا تارة بحذف بعض ما جاء فيه، فإن تحريف التوراة والإنجيل لأهل العلم فيها مذاهب:
منهم من يرى أن التحريف في المعنى دون اللفظ، وأنهم ما حرّفوا التوراة بمعنى أزالوا الألفاظ وتركوا بعضا ومحوا بعضا، وإنما حرفوها من جهة المعنى والتفسير، وإلى هذا المعنى [يرمي] شيخ الإسلام ابن تيمية في سلف له من أهل العلم، يقول إن التحريف إنما هو تحريف المعنى، أما التوراة فإنهم لم يغيروا ألفاظها كما يستدل على ذلك بقصة اليهود بين الذين زنيا، وقال للنبي عليه الصلاة والسلام «كتاب الله الرجم» وراموا أن يغير حتى أتى عبد الله بن سلام فأخبر النبي  أنها في التوراة، فأتوا بالتوراة فوضعوا أصابعهم على هذا الموضع، فقال عبد الله بن سلام رضي الله عنه: مُرْهُ فليرفع يده فإن الآية تحته. فرفع يده فوجدها كما أخبر به عبد الله بن سلام.
هذا نوع من التحريف ليس تحريفا في اللفظ، ولكنه كتم للحق تحريف في المنى وهذا من فعل الأحبار، لهذا كان شيخ الإسلام يرى أن التحريف كان في المعنى.
وقال آخرون من أهل العلم إن التحريف كان في الألفاظ بزيادة ونقصان وزادوا أشياء وتركوا أشياء وحذفوا أشياء.
وقال آخرون -وهو القول الصحيح فيما يظهر- أن التحريف الذي حصل في التوراة يجمع الأمرين، منه ما هو تحريف للألفاظ ومنه ما تحريف للمعنى، زادوا في التوراة أشياء من أقوال أهل العلم فيه من أقوال أحبارهم، وزادوا فيها أشياء هي من قبيل التأصيل حتى جعلت من كلام الله، جعلوا فيها قصصا طوالا، جعلوا فيه أخبار هي ليست من أصل التوراة ولكن زادوها؛ زادها علماؤهم حتى جعلت من التوراة، ومنه ما هو تحريف بالمعنى الذي حصل من كتب المتقدمة نوع تحريف، تحريف بالمعنى، تحريف في المعنى بأن يفسر الكلام الذي جاء على غير ما يعلمون تفسيره كما قال ﴿وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾[البقرة:136]، ومنه ما هو تحريف في اللفظ يُزيدون وينقصون، يحذفون، يضعون أشياء زائدة.
وهذا يجمع القولين السابقين وهو الظاهر وهو الصواب؛ لأن التحريف بمعنى الحذف واضح موجود، ففي التوراة أشياء وفي الإنجيل أشياء لا يمكن أن تُنسب على أنها منزلة من عند الله جل وعلا، فيها أشياء شركية فيها أشياء فيها الخنى والزنى والعياذ بالله، فيها أشياء لا يصح ولا يجوز أن تنسب لله جل وعلا، كذلك فيها أشياء من كلام علمائهم واضحة، حيث فيها مثلا في التوراة قال موسى وقال فلان، بل فيها نسبة أقوال لمن بعد موسى عليه السلام، وكذلك في الإنجيل، وهذا ظاهر لأنه زِيد فيها ونقص، كذلك تحريف المعنى لأنهم فسروها بغير تفسيرها.
هذا الذي حصل لأولئك من جهة تحريف المعنى وتحريف اللفظ لم يحصل لهذه الأمة في الجهتين وذلك لأن القرآن محفوظ قال جل وعلا ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾[الحجر:9]، الذكر هو القرآن حفظه الله جل وعلا أن يزاد فيه أو ينقص، حفظه الله جل وعلا من التحريف والتبديل لأنه لا دين بعد دين الإسلام، ولا رسول بعد محمد عليه الصلاة والسلام، ولما كان القرآن محفوظا لم يتطرق إليه تحريف في لفظه، وإنما كان التحريف في تأويله، التحريف في معناه، وهذا هو الذي شابه فيه هذه الأمة اليهود، فإنهم يعلمون أنه من الحق كذا وكذا مما جاء في القرآن وجاءت به السنة، ولكنهم يحرفون ذلك ويصرفونه عن عانيه اللائقة به، وعما دل عليه إلى أقوال أخرى تنصر مذاهبهم، وهذا هو الكثير في هذه الأمة، وكل أهل الأهواء وأهل البدع وأهل الخرافة وأهل الشعوذة يجدون في القرآن ما يستدلون به محرِّفين لمعناه متبعين لما تشابه منه، هذا القدْر شابهوا به اليهود ومن شابههم من أهل الملل.
مثال ذلك ما يكثر عند مؤولة الصفات من نفي ظواهر الآيات التي اشتملت على صفات الله جل وعلا، ويحرفون المعنى إلى معنى آخر مخترع من عند أنفسهم.
مثاله عند أول آية في القرآن ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ﴾( ) تجد أنّ القوم يفسرون (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) بما يخرج اشتمالهما على الرحمة، ويقولون إن الرحمة هنا ليست في حق الله جل وعلا حقيقة، وإنما يراد بالرحمة هنا مجاز عن الإلهام, مجاز عن الإحسان, وهذا من أنواع التحريف؛ تحريف المعنى, كذلك يأتون إلى مثل قوله جل وعلا ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾( ) في آيات، ويقولون إن استوى بمعنى استولى فيزيدون فيه.
ولهذا قال بعض أهل العلم ما أشبه (لام) الجهمي بـ (نون) اليهودي، فإن اليهود قيل لهم قولوا حطة فقالوا حنطة أو قالوا حبة في شعرة، والجهمي قيل له قولوا استوى فقال استولى.
ويشابههم من قال بقولهم من أهل العلم من حاول أن يضلل عن معنى الظاهر الذي جاء به نصوص الصفات في القرآن ويصرف ذلك إلى معان أخر، من مثل ما جاء في تفسير الاستواء عند ابن العربي المالكي في كتابه ”عارضة الأحوذي“ حيث قال: إن الاستواء يأتي عند العرب على خمسة عشرة معنى. فساقها، وقال: فنقول للمثبت أي هذه المعاني المراد؟ وهذا غلط, وهو من التحريف؛ تحريف المعنى – والعياذ بالله-؛ لأن استوى في لغة العرب لا تكون إلا بمعنى واحد وهو بمعنى علا وارتفع ﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ﴾[المؤمنون:28]، يعني علوتم عليه وارتفعتم عليه.
وهذا كثير أيضا في أبواب القدر وأبواب الإيمان ونحو ذلك. فالمعتزلة مثلا استدلوا بقول الله جل وعلا ﴿وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾[النساء:79]، على أن العبد هو الذي يفعل المعصية و أن الله جل وعلا لا يخلق فعله هذا ويعرضون عن قوله جل وعلا ﴿[قُلْ]( ) كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾[النساء:78]، ونحو ذلك.
كذلك في أبواب الإيمان بالغيب حرفوا النصوص، ففي القرآن إثبات الميزان، وفي القرآن إثبات الصراط، وفي القرآن إثبات الصحف؛ أن هناك صحف تتطاير ومنهم من يأخذ صحيفته بيمينه ومنهم من يأخذ بشماله، القوم الذين لا يؤمنون بالغيبيات من العقلانيين من المعتزلة ومن شابههم لا يؤمنون بذلك ويحرفونه عن معناه.
كذلك المشركون الذين يؤيدون الشرك والخرافة، فإنهم يأتون إلى دلائل التوحيد التي في القرآن ويحرفونها عن معناها, ويأتون مثلا إلى الآيات التي فيها أنّ المشركين يدعون غير الله جل وعلا ويجعلونها دعوة الأصنام لا غير، ويخصون شرك المشركين لأنهم متبركون في العبادة الأصنام، ويخرجون من ذلك عبادة الأوثان أو عبادة الصالحين، ونحو ذلك مما جاء موضحا في القرآن.
وهذا طفحت به كتبهم واستدلوا من ذلك بدلائل من القرآن ونحو ذلك، يحرفون المعاني، ولهذا يقول أهل السنة: أهل السنة يكتبون ما لهم وما عليهم، وأما أهل البدعة فإنما يكتبون ما لهم. يأتون بآية فيكتبونها, يحرفون معناها ويجعلونها لهم، فأما أهل السنة إذا كانت الآية لهم، الحديث لهم استدلوا به وإذا كانت عليهم يعني أنها تُشْكل على ما يستدلون له، فإنهم يكتبونها ويذهبون إلى طلب دفع ذلك الإشكال، إلى طلب رفع تلك الشبهة التي ضربت بتلك الآيات فإن الله جل وعلا جعل كتابه فيه اشتباه إلا على الراسخين من أهل العلم، حتى يتميز أولئك الصفوة الذين هم الراسخون في العلم، فيكتبون مالهم ويكتبون ما عليهم ما يستدل الخصم به عليهم إنصافا منهم، فلا يدخلون في الأدلة التي عليهم يدخلون فيها بتحريف وصرف لها عن معانيها لكي يوافق ما عندهم، بل يأخذون بما دلت عليه ويجيبون عن ذلك بأنهم إنما يرومون الحق، فكل من صرف الدلائل عن ظاهرها وحملها على شيء لا تعرفه العرب من لغاتها فإن ذلك يدخل في مشابهة اليهود الذين حرّفوا الكتاب من بعد ما عقلوه وهم يعلمون.
نقف عند هذا، المسألة السابعة والعشرون تحتاج إلى شيء من التفصيل تصنيف الكتب الباطلة.
وبهذا القدْر كفاية، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[الأسئلة]
1/ (العاشرة) الاستدلال على بطلان الدين بقلة أفهام أهلهم وعدم حفظهم كقولهم بادي الرأي، وهذه المسألة الخامسة والعشرون سببها قد يشتبه، لماذا يستدلون على البطلان بسبق الضعفاء ؟
لأن الضعفاء عندهم قليل فهمهم، قليل حظهم، فتلك المسألة وهي العاشرة أن سبب عدم قناعتهم بأن الضعفاء آمنوا به لأن الضعفاء عندهم قليلي الفهم، قليلوا الحجة، وعديموا الحظ، المسألة الثامنة هي في أنّ الضعفاء اتبعوا، المسألة الثامنة هي في مجرد الاتباع، المسألة العاشرة في عقول الضعفاء، المسألة هذه الخامسة والعشرون بالسبق ثلاث صفات؛ تلك في الاتباع وهذه في فهمهم وعقولهم وهذه في سبقهم وكل واحدة فيها فكل واحدة فيها صفة من الصفات، وليتأمل الشيخ رحمه الله المصنف ما كتب هذه المسائل من قبيل التصور النظري، هو كتبها من الواجهة، أو كما يقال من الميدان؛ لأنه واجه هؤلاء جميعا، فكان يكتب المسألة بعد أن يرى مشابهة هذه الأمة بأهل الجاهلية فيهم، فيراها أمامه فيكتبها، ولهذا ترى أن هذه المسائل بعضها -يعني لو كان هناك مثلا نظر على طريقة المحدَثين بأن المسائل متشابهة تكون بعضها تلو بعض- لكانت هذه المسائل الثامنة والعاشرة والخامسة والعشرون متقاربة واحدة وراء الأخرى، لكن الشيخ رحمه الله تعالى في هذه الرسالة الظاهر من حَالَه من ترتيب الكتاب، أنه يكتبها من واقع المواجهة إذا وجد حالة كتبها من واقع المواجهة وهذت ظاهر إذا تأملته وجدته ظاهرا في حال ترك الشيخ.....
2/ إذا دخل جني في شخص ثم أسلم وتاب وشهد على أن الذي أدخله هو الساحر فلان، هل تقبل شهادته من القاضي؟
الجواب: لا، لأن الجن شهادتهم ضعيفة عند أهل العلم لا تقبل، هذا معروف في كتب المصطلح فيه يعقدون له فصلا بأن روايتهم ضعيفة؛ لأنه عند أهل العلم أسانيد فيها جن، وأشهرهم من يقال له شمهروش الجني، فهذا حدث بأحاديث فيها أنه سمعها من النبي ، فأخذها منه من أخذها من أهل العلم فيكون في بعضها بين العالم وبين النبي  الذي عاش في القرن الثاني بينه وبينه ثلاثة يكون مثلا اثنين والجني يقول سمعت من النبي ، وتعلم أن الجن أعمارهم غير أعمار بني آدم، فرواية الجن عند أهل العلم ضعيفة كذلك.
شهادتهم ضعيفة لا تقبل، لم؟
لأن الشهادة والرواية تحتاج إلى إثبات العدالة، وعدالة الجني لا يمكن أن يثبتها إنسي.
3/ أين ذكر شيخ الإسلام أنّ التحريف في الكتب وقع في المعنى دون اللفظ؟
هذا في كتابه المشهور ”الجواب الصحيح لمن بدّل دين المسيح“ من أراد هذه الأقوال بشيء من التفصيل فهي موجودة في إغاثة اللهفان لابن القيم، فقد ذكر فصلا طويلا في التحريف وما وقع والأقوال في ذلك للبخاري أو شيخ الإسلام وقول عدد من أهل العلم. ( )
4/ فيه بعض طلبة العلم يترفع عن مخالطة العوام، ويقول لا أخالط إلا من فيه خير، هل هذا من التكبر والأنفة؟
يخالط العوام الذين فيهم خير، أما العوام الذين ليس فيهم خير لا يخالطهم، العامي قد يكون في عقيدته وفي استسلامه لله أحسن من بعض المنتسبين, وهذا ظاهر قد يكون عليه بعض مظاهر التقصير أو مظاهر المخالفات لكنه في حقيقة الأمر هي أقوى يقينا وإيمانا –يعني في مسائل إيمان القلوب- من غيره فخالطه العوام لأجل دعوتهم التأثير فيهم ونحو ذلك مطلوبة، لكن مثل ما قال «لا تصاحب إلا مؤمن ولا يأكل طعامك إلا تقي», يحرص المرء على أنه إنما يخالط من ينفعه أو يؤثر عليه.
5/ قال: إذا كان معنى كلمة استوى غير معداة بأي حرف معناها علا فكيف يفهم قوله تعالى ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾( ) الآية وقول الإمام للمصلين استووا وغير ذلك. نرجوا البيان حفظكم الله؟
الجواب: أن مادة استوى غير مادة سوّى, سوّى هذه مادة واستوى مادة أخرى, فسواه بمعنى أصلحه وعدله، يقول الإمام استووا يعني أصلحوا صفوفكم وعدلوها، بأن لا يكون أحد باديا صدره متقدم, متأخر, ونحو ذلك كذلك قال(فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) جعلته مستوى لخلقه, بخلاف قوله تعالى في سورة القصص﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى﴾[القصص:14]، هذا (اسْتَوَى) بمعنى كمل خلقه واشتد يعني علا خلقه وارتفع على جنس الخلق (بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى) فإذا كان جنس خلقه يعني خلق موسى على حال فبلغ أرفع الحال وأعلا الحال.
أما ما ذكر في التسوية في قوله تعالى﴿فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾[البقرة:29 ], (فَإِذَا سَوَّيْتُهُ) هذه مادة أخرى بمعنى الإصلاح والتهيئة.
هنا تعرف استوى أصل معناها علا وارتفع, فإذا كانت معداة تقول استوى فلان يعني علا وارتفع، بدون على كذا وإلى كذا، فإذا كان عديت استوى بحرف الجر إلى فيكون استوى ضمن معنى قصد كما في قوله جل وعلا ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾[البقرة:29]، نعرف أن استوى بمعنى علا وارتفع لا تتعدى بحرف (إلى). فإذا تعدت بحرف (إلى) يكون فعل استوى ضُمِّن معنى قصد وعمد؛ لأنك تقول قصد إلى الشيء وعمد إلى الشيء.
والتضمن باب مهم في فهم اللغة وذلك أن التضمن فيه إثبات للمعنى الأول وزيادة المعنى المضمن فقوله تعالى هنا ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾[البقرة:29]، (اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ) يعني علا وارتفع وعمد وقصد إلى السماء فسواهن، فيكون معنى الاستواء بالتعدية بـ(إلى) فيه المعنى الأصلي وهو العلو والارتفاع، وفيه المعنى الذي أفادته تعدية الفعل بحرف (إلى) وهو معنى القصد والعمد.
وهذا إذ ذهبت إلى بعض المفسرين ممن يفسرون بتفسير السلف لقوله تعالى (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ) يقول عمد وقصد، لا يعني هنا أنه أول إنما هو فسره بما تضمنه؛ لأجل ظهور المعنى الأصلي، وهذا ما يفسره بعض أهل العلم بأنه تفسير –يسميه بعضهم –تفسير باللازم أو بالتضمن، وهذا باب شريف لفهم اللغة والقرآن.
إذا عديت بـ(على) صار مع معنى ارتفع وعلا معنى زائد وهو استقر؛ يعني تقول: استقر على الشيء. فيكون قوله تعالى ﴿فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ﴾[المؤمنون:28]، يعني ارتفعت وعلوت واستقررت، فصار فيه هنا زيادة معنى أفاده تعدية الفعل بحرف (على)، وهذا هو الذي ذُكر في قوله تعالى ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ﴾( ) قال بعضهم علا وارتفع، قال بعض السلف واستقر أيضا لأن هذا هو بادر اللغة.
6/ ما رأيكم وما تنصحون به فيما حدث من تغيير في مناهج التوحيد لمناهج التعليم الابتدائية، مثل نواقض الإسلام والشرك الأصغر وما يتعلق باليهود والنصارى وبعض الفرق الضالة الشيعة والصوفية وغيرها؟
هذا التغير في المناهج فيما يتعلق بالتوحيد هذا جاء فيما أفهم من نحو عشرين سنة تقريبا بدأ هذا التغيير، وسببه أن بعض المنتسبين إلى الدعوة والراغبين في دعوة الشاب أو التأثير على النشء أنهم قالوا أن هذه الكتب أي كتب التوحيد مثل العقيدة العامة، ومثل نواقض الإسلام، ومثل ثلاثة الأصول، وكتاب التوحيد ونحوها، أما هذه لا تصلح لهذا الجيل الجديد لأنه حدثت أشياء وتغيرت أمور، ونحاول أن ندخل عليها تجديدا في تغيير بعض المناهج فأول ما نزعوا الواسطية نحن درسنا في المتوسط والثانوي العقيدة الواسطية بشرحها، كذلك كتاب التوحيد بشرحه كان موجودا فغُير بكتاب التوحيد لمحمد قطب وبعض المؤلفات للمعاصرين، وهذه كانت فكرة من بعض الإسلاميين هذا في أصلها، هم الذين فتحوا هذا الباب في المسائل ممن تأثروا ببعض المدارس الدعوية في البلاد.
وهذا لا شك أنه سبب فجوة كبيرة وجعل مدخلا لتغيير مناهج العقيدة والتوحيد والدين، مثل ما مرّ من أربع سنوات تقريبا، بلّغنا أحد الإخوان بأنه قد عُمِّم على بعض المدارس المتوسطة أنه لا يُفصَّل في موضوع الربا وإنما يدرس تعريفه وأما تفصيل أنواعه وما يتعلق به فإن هذا لا يفصل للطلاب، لا شك أن هذه المسألة منكرة، لأنّ فهم هذا جزء من الدين موجود في المنهج فما الذي وراء مثل هذا، فمن باب الذكر والخبر، اتصلت ببعض المسؤولين في وزارة المعارف على هذا الأمر فكان جوابهم أن هذا اجتهاد خاص من لجنة تطوير المناهج، اجتهاد خاص منهم، قال لأنّ الطلاب في المتوسط بالتجربة في السنين التي مضت قبل ذلك القرار قال لا يفهمون هذا المعنى، ما يتصورون ربا الفضل وربا النسيئة وكل قرض جر نفعا، صعب تصورهم له بالتجربة في السنين الماضية وقدم بعض الاعتراضات من بعض الأساتذة الطلاب ما فهموا مثل هذا، فيقررون في المناهج أن هذا صعب عليهم، يقول فأصدرنا هذا التوجيه العام بعدم تدريس هذا فظنينا أو ل ما ظنيننا أن المسألة أرفع منكم، فإذا كان أهل العلم يرون أن هذا يُلغى يُلغى، وفعلا في ذلك الحين ألغي ذلك القرار.
المقصود من هذا بعض التغييرات الموجودة في المناهج لها تاريخ، ومنه ما سببه بعض المنتسبين إلى الدعوة الإسلامية كما يقال وهذا ظاهر -كما ترون الآن- بدأ تصحيح في بعض المناهج التعليمية، ومنه ما سببه لجنة تطوير المناهج في وزارة المناهج، ومنه ما سببه جهات أخرى، فبعض الذين يحملون هذه الأمور يجعلون السبب واحدا وهذا غير واقع.
وإنما بالتأمل وبالمعرفة القريبة اتّضح لي أنها أسباب ثلاث هي التي ذكرت:
منها ما هو سببه الأول وهو بعض الإسلاميين.
ومنه ما هو سببه لجنة تطوير المناهج تأتي باقتراحات وبإنشاءات تأتي بهذا وتحذف هذا.
ومنه ما له أسباب أخر.
توحيد السبب ليس من قبيل معرفة الواقع تماما.
7/ إذا كان لي سلطة في بعض معاملة العمال الأجانب أفلا أتسبب في تشهيرهم؟ ما فهمت لكن نذكر جملا في هذا.
وهو أنّ الكفار الموجودين في دار إسلام على قسمين:
منهم من يظهر العداوة للمسلمين، إما بكلمة وإما بفعل أو نحو ذلك، فهذا يجب أن يسعى في تشهيره وذلك أنه ناقض أصلا من أصول، ناقض أصلا وشرطا من شرائط السماح له بالدخول وأيضا لأنه وهو قبل كل شيء لأنه نابذ الإسلام وأظهر العداوة، فهذا يجب أن نظهر له العداوة وأن نسعى في إبعاده عن ديار المسلمين، حتى لا يوقع الشر وحتى لا يظهر في بلاد المسلمين غير رفعة كلمة الله جل وعلا.
الصنف الآخر هم الذين لا يقاتلون في الدين لا يظهرون العداوة وإنما هم همهم مصلحتهم، فهؤلاء يعاملون بالعدل، الأصل في هؤلاء أن يعاملوا بالعدل والقسط، كما قال جل وعلا ﴿يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ [إِنَّ]( ) اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ﴾[الممتحنة:8]، فمن لم يعادينا في الدين ولم يُظهر لنا هذه العداوة ويتبين منه ذلك، فهؤلاء يعاملون بالعدل وهو الأصل فيهم كما قال ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ﴾[النحل:90]، ومنهم من يعامل بالبر كما في هذه الآية (أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) يحسن إليهم يساعدون، لهذا أجاز الفقهاء الصدقة للكافر، الصدقة المطلقة تجوز للكافر؛ يعني الذين لم يبارز في العداوة، والزكاة تجوز للمؤلَّف للكافر الذي يتألف في الإسلام ونحو ذلك، فمعاملتهم، معاملة هؤلاء الذين لم يظهروا العداوة لا يجوز أن يعتدى عليهم ولا أن يبغوا عليهم، ولا أن يظلموا، ولا أن يؤخذ شيئا من حقوقهم، ولا أن يسعى المسلم ضدهم في أمر لا يستحقونه وإنما يعاملهم بالعدل فبالعدل قامت الأرض والسموات، الله جل وعلا أمر بالعدل مع الأعداء قال ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾[المائدة:8]، فلو كان كافرا إذ لم يكن يظهر لنا عيبا في الدين لم يظهر عداوة، لم يستهزئ، لم يظهر شيئا مما يكون به معاديا للحق وأهله، للإسلام، للنبي ، للقرآن ونحو ذلك فإنه يعامل بالعدل، وقد يعامل بالحسن والبر فإذا كان في ذلك مصلحة شرعية، كما أجاب النبي  دعوة اليهودي وأكل من طعامه وأكل من طعامه وكما كان يحسن إلى بعض جيرانه ونحو ذلك مما في ذلك فيه مصلحة للدعوة.
فبهذا يتحرر الأمر، فبعض الناس يغلو في هذا الأصل في الولاء والبراء، وبعضهم يجفو ويقصر عنه الذي يغلو يحمل كل الكفار على محمل واحد ممن هم في دار الإسلام، وهذا ليس من حكم الله جل وعلا في شيء، وبعضهم يجفو ويقصر حتى يقع في مودّتهم وفي دعوتهم وفي إقرانهم وفي الاستئناس لهم وفي تقريبهم ونحو ذلك، وكلا الطرفين ذميم، ذاك غالا وهذا جافي مقصر، والصواب هو ما دل عليه كتاب الله وسنة ونبيه عليه الصلاة والسلام.
رد مع اقتباس