الموضوع: [مدارسة] الرواية بالمعنى
عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 28-09-2010, 09:34PM
أم عبد الله السنية
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
افتراضي

بسم الله الرحمن الرَّحيم

الحمد لله والصَّلاة والسَّلام على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم
أما بعد،

رواية الحديث بالمعنى هو أن يتمَّ نقله بلفظ غير لفظ المروي عنه، والرواية بالمعنى إنَّما هي لحاجةٍ، أي لا تكون إلَّا إذا استحال الإتيان باللَّفظ فيكون ناسيا للفظ حافظا للمعنى -فإن كان ذاكرا للفظه لم يجز تغييره-، أو كأن يكون المخاطَب من غير النَّاطقين باللُّغة العربيَّة فدعت الحاجة هنا إلى إفهامه بلغته؛ وذلك أنَّ الأصل والأولى-كما ذكر أهل العلم- أن يحافظ المُحدِّث على لفظ حديث رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا يصار إلى الرِّاوية بالمعنى إلَّا عند الحاجة إليها وتكون بشروط معلومة.

وفي قولكم
اقتباس:
والذي أقوله والله أعلم أن يحاول المسلم قدر المستطاع رواية الحديث بلفظه وإن تعسّر هذا أحيانا فلا بأس من رواية الحديث بالمعنى على أن لا يغلب على من رواه أنه أحال المعنى الحقيقي للحديث ومن باب قوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن ( 16) .


لم تُبينوا أنَّ الرواية بالمعنى لا تكون في حقِّ كل مُحدِّثٍ وأنَّه لا يروي بالمعنى إلَّا إذا توفَّرت فيه شروط، بحيث إذا انتفت ولم تتواجد هذه الشُّروط انتفى معها جواز الرِّواية بالمعنى وبقي على الأصل الأوَّل ألا وهو رواية الحديث بلفظه؛ حيث أنَّه لا خلاف بين العلماء في عدم جواز رواية الحديث بالمعنى [كما قال ابن الصَّلاح] لمن " لم يكن عالما عارفا بالألفاظ ومقاصدها، خبيرا بما يحيل معانيها، بصيرا بمقادير التفاوت بينها"؛ ففي هذه الحالة "لا خلاف أنَّه لا يجوز له ذلك، وعليه أن لا يروي ما سمعه إلَّا على اللَّفظ الذِّي سمعه من غير تغيير". فوَجَب توضيح هذه النُّقطة أوَّلا.


ثانيا [وهو ما ذكره المناوي] على الرَّاوي بالمعنى أن يكون نحويا بالإضافة لكونه عارفا بمدلولات الألفاظ ومقاصدها وما يُحيل معانيها وذلك مخافة كما ذُكر أن يدخل في قوله صلَّى الله عليه وسلَّم « من كذب عليَّ متعمِّدا فليتبوَّأ مقعده من النَّار»

لكن حسبي في هذه النُّقطة أن أُشير أنَّ اللَّاحن قد لا يكون مُتعمِّدا في خطئه، فهو من باب الجهل وقلَّة العلم بحيث لم يتعمَّد رواية الحديث بغير اللَّفظ الذِّي ذُكر عنه صلوات الله وسلامه عليه؛ فأن يتعمَّد الشَّخص رواية حديث لم يقله صلَّى الله عليه وسلَّم هو أن يختلق خبرا فيكون افتراء وكذبا على رسول رب السماوات والأرض، بحيث يكون حديثا لا أساس له؛ بينما اللَّاحن عنده الحديث الصَّحيح إلَّا أنَّه يحمله "لحنه أن يدخل فيه ما ليس منه ويخرج منه ما هو فيه"؛فهو على الظَّاهر سليم النيَّة في التَّبليغ عن النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم لكن يبقى أنَّ العلماء منعوا نقله وذلك للحنه فيه وإحالة المعنى إلى غيره.

ومن هنا تجدر الإشارة إلى أهميَّة العناية بتعلُّم اللُّغة العربيَّة وتعليمها وقد قال شيخ الإسلام /المجموع32/252:" وَمَعْلُومٌ أَنَّ " تَعَلُّمَ الْعَرَبِيَّةِ؛ وَتَعْلِيمَ الْعَرَبِيَّةِ " فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ؛ وَكَانَ السَّلَفُ يُؤَدِّبُونَ أَوْلَادَهُمْ عَلَى اللَّحْنِ. فَنَحْنُ مَأْمُورُونَ أَمْرَ إيجَابٍ أَوْ أَمْرَ اسْتِحْبَابٍ أَنْ نَحْفَظَ الْقَانُونَ الْعَرَبِيَّ؛ وَنُصْلِحَ الْأَلْسُنَ الْمَائِلَةَ عَنْهُ؛ فَيَحْفَظُ لَنَا طَرِيقَةَ فَهْمِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ وَالِاقْتِدَاءِ بِالْعَرَبِ فِي خِطَابِهَا. فَلَوْ تُرِكَ النَّاسُ عَلَى لَحْنِهِمْ كَانَ نَقْصًا وَعَيْبًا؛ فَكَيْفَ إذَا جَاءَ قَوْمٌ إلَى الْأَلْسِنَةِ الْعَرَبِيَّةِ الْمُسْتَقِيمَةِ وَالْأَوْزَانِ الْقَوِيمَةِ: فَأَفْسَدُوهَا بِمِثْلِ هَذِهِ الْمُفْرَدَاتِ وَالْأَوْزَانِ الْمُفْسِدَةِ لِلِّسَانِ النَّاقِلَةِ عَنْ الْعَرَبِيَّةِ الْعَرْبَاءِ إلَى أَنْوَاعِ الْهَذَيَانِ؛ الَّذِي لَا يَهْذِي بِهِ إلَّا قَوْمٌ مِنْ الْأَعَاجِمِ الطَّمَاطِمِ الصمْيَانِ ".

ثالثا، [وهو ما ذكره الشَّيخ العثيمين رحمه الله] أن لا يكون اللَّفظ متعبدا به، كألفاظ الأذكار ونحوها.

رابعًا، من باب الاحتياط في الرِّواية عندما لا يضمن الإنسان أن يأتي بالحديث على وجهه عليه أن يأتي بلفظٍ يدلُّ على تحرِّيه فيُفهم بذلك أنَّه نقله بلفظٍ غير لفظ المروِّي عنه، فيقول مثلًا: "هكذا"، "أو مثل هذا"، "أو نحو هذا"، "أو شكل هذا"، "أو كما قال عليه الصَّلاة والسَّلام"، "أو بمعناه"، إلى آخره.


على الإنسان المحدِّث أن يستوعب من الحديث ما يجب استيعابه بحيث لا يحذف منه شيئًا يتعلَّق بما ذكره، فإذا كان عالما عارفا بالألفاظ ومقاصدها، خبيرا بما يُحيل معانيها، بصيرا بمقادير التفاوت بينها، مُستوعبا الحديث على وجه لا خلل فيه فإنَّه تجوز في حقِّه الرِّواية بالمعنى، على أن يختمه بقوله "أو كما قال صلَّى الله عليه وسلَّم" حتَّى لا يحفظه أحد بلفظه ظانًا أنَّه لفظ الحديث عن الرَّسول عليه الصَّلاة والسَّلام، لكن من كان لا يعرف المعاني -كما يحصل من بعض الأشخاص- فتراه يسوق لك أحاديث لا تدري أصلها، ويكون هو قد سمع حديثًا حرَّفه واختصره وأدَّاه على فهمه، مثل هذا يَضيع ويُضيِّع والله المستعان وتنتفي في حقِّه الرِّواية بالمعنى على أيِّ وجهٍ كان وعليه أن يأتي بالحديث على الوجه المروِّي عنه؛ فالرِّواية بالمعنى وإن أجازها جمهور أهل العلم إلَّا أنَّ لها شروط. فعلى هذا الأساس

1.لا يكون النَّقل إلَّا باللَّفظ؛ لأنَّ جواز الرِّواية بالمعنى إنَّما هي لحاجة،
2.حينما لا يستطاع اللَّفظ تجوز الرِّواية بالمعنى لكن بشروطها.




وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وصلَّى الله وسلَّم وبارك على نبيِّنا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين


التعديل الأخير تم بواسطة أم عبد الله السنية ; 28-09-2010 الساعة 09:49PM
رد مع اقتباس
[ ] إن [ 2 ] من الأَعْضَاءِ يَشْكُرُونَكُمْ : [ جَزَاك اللهُ خَيْرًا عَلَى هَذِهِ الُمشَارَكَةِ الُممَيَّزَة ].
أم البراء (28-09-2010)