عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 12-10-2011, 09:13AM
أبو همام فوزي أبو همام فوزي غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Feb 2010
الدولة: لـيـبـيـا
المشاركات: 114
افتراضي

{تكملة}
هذا حديث ليس إسناده بالمعروف، ليس حديث بلال بن الحارث عندي يثَـبْت).
قال ابن القيم: (ومما يدل على صحة قول الإمام أحمد، وأن هذا الحديث لا يصح، أن النبي r أخبر عن تلك المتعة التي أَمَرهم أن يَفسخوا حجهم إليها أنه لأبد الأبد، فكيف يثبت عنه بَعْدَ هذا أنها لهم خاصة؟! هذا من أمْحل المحال، وكيف يأمرهم بالفسخ، ويقول: دَخَلَتِ العمرة في الحج إلى يوم القيامة  ( 2 )، ثم يثبت عنه أن ذلك مختص بالصحابة، دون من بعدهم؟ فنحن نشهد بالله أن حديث بلال بن الحارث هذا لا يصح عن رسول الله r وهو غلط عليه).
وأما ما رواه مسلم في "صحيحه" وأصحاب "السنن" وغيرهم عن أبي ذر أنّ المتعة في الحج كانت لهم خاصة، فهذا مع كَوْنه موقوفاً، إن أريد به أصل المتعة، فهذا لا يقول به أحد من المسلمين، بل المسلمون متفقون على جوازها إلى يوم القيامة، ولذلك قال الإمام أحمد: (رحِمَ اللهُ أبا ذرّ هي في كتاب الرحمن:  فَمَنْ تمتّع بالعُمرِة إلى الحجَّ  (البقرة: 196)).
وإن أريد به مُتْعة فسخ الحج، احتمل ثلاثةَ وجوه من التأويل، ذَكَرها ابن القيم، فليراجعها من شاء، فإن غرضنا هنا التنبيه على ضعف هذا الحديث الذي يحتج به من لا يذهب إلى أفضلية متعة الحج ويرى الإفراد أو القِرَانَ أفضل، مع أن ذلك خلاف الثابت عنه r في أحاديث كثيرة استقصاها ابن القيم في "الزاد" فلتُـطلبْ من هناك.
وقال ابن حزم في "المحلى" (7/108):
(والحارث بن بلال مجهول، ولم يخرج أحد هذا الخبر في صحيح الحديث، وقد صح خلافه بيقين، كما أوردنا من طريق جابر بن عبد الله أن سُراقة بن مالك قال لرسول الله  إذ أمرهم بفسخ الحج إلى العمرة: يا رسولَ الله ألعامنا هذا أم لأبد؟ فقال رسول الله :  بل لأبَد الأبَد. رواه مسلم).
وبهذه المناسبة أقول:
من المشهور الاستدلال في رد دِلالة حديث جابر هذا وما في معناه على أفضلية التمتع،
بل وُجوبه بما ثبت عن عمر وعثمان من النهي عن مُتعة الحج، بل ثبت عن عمر أنه كان يضرب على ذلك، ورُوي مثله عن عثمان ( 1 )، حتى صار ذلك فتنة لكثير من الناس وصادّاً لهم عن الأخذ بحديث جابر المذكور وغيره، ويَدْعَمون ذلك بقوله :  عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين  ، وقوله:  اقتدوا باللذين من بعدي، أبي بكر وعمر ، ونحن نجيب عن هذا الاستدلال غَيْرة على السنة المحمدية من وُجوه:
الأول: أن هذين الحديثين لا يراد بهما قطعاً اتباع أحد الخلفاء الراشدين في حالة كونه مخالفاً لسنته r باجتهاده، لا قصداً لمخالفتها، حاشاه من ذلك، ومن أمثله هذا ما صح عن عمر- رضي الله عنه - أنه كان ينهى من لا يجد الماء أن يتيمم ويصلي ( 1 )!! وإتمام عثمان الصلاة في مِنى مع أن السنّة الثابتة عنه r قَصرُها كما هو ثابت مشهور، فلا يشك عاقل، أنهما لا يُـتَّبعان في مثل هذه الأمثلة المخالفة للسنّة، فينبغي أن يكون الأمر هكذا في نَهْيِهما عن المتعة للقطع بثبوت أمْرِه r بها.
لا يُقال: لعل عندهما علماً بالنهي عنها، ولذلك نَهَيَا عنها، لأننا نقول:
قد ثَبَت من طرق أن نهيَهما إنما كان عن رأي واجتهادٍ حادث، فقد روى مسلم (4/46) وأحمد (1/50) عن أبي موسى أنه كان يفتي بالمتعة، فقال له رجل: رُويدَك ببعض فُـتياك، فإنك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النُّسك بعدُ، حتى لقيه بعدُ، فسأله عمر: قد علمتُ أنّ النبي r قد فعله وأصحابه، ولكن كرِهتُ أن يظلوا مُعَرَّسين بهنّ في الأراك، ثم يروحون في الحج تقطر رؤوسهم).
ورواه البيهقي أيضاً (5/20).
وهذا التعليل من عمر - رضي الله عنه - إشارة منه إلى أن المُتعة التي نهى عنها هي التي فيها التحلل بالعمرة إلى الحج كما هو ظاهر، ولكن قد صح عنه تعليل آخر يشمل فيه مُتعة القِرَانَ أيضاً فقال جابر - رضي الله عنه - : تمتعنا مع رسول الله r، فلما قام عمر قال: (إن الله كان يُحِـلّ لرسوله ما شاء بما شاء، وإن القُـرْآن قدْ نَزَل منازله، فأتموا الحج والعمرة لله
كما أمركم الله، فافْصِلوا حجكم عن عُمرتكم؛ فإنه أتمّ لحِجّتكم، وأتمّ لعُمْرتكم).أخرجه مسلم والبيهقي (5/21).
فثبت مما ذكرنا أن عمر - رضي الله عنه - تأول آية من القرآن بما خالف به سنّته r فأمر بالإفراد، وهو r نهى عنه، ونهى عمر عن المُتعة، وهو r أمرَ بها، ولهذا يجب أن يكون موقفنا من عمر هنا كموقفنا منه في نهيه الجنب الذي لا يجد الماء أن يتيمم ويصلي،
ولا فَرْقَ.
الثاني: أن عمر - رضي الله عنه - قد ورد عنه ما يمكن أن يُؤخَذ منه أنه رجع عن نهيه عن المُتعة. فروى أحمد (5/143) بسند صحيح عن الحسن أن عمر - رضي الله عنه - أراد أن ينهى عن مُتعة الحج، فقال له أُبَيّ: ليس ذاك لك، قد تمتعنا مع رسول الله r،
ولم ينهنا عن ذلك، فأضربَ عنْ ذلك عمر.
قلتُ: الحسن - وهو البصري - لم يسمع من أُبَيًّ، ولا من عمر،كما قال الهيثمي(3/236) ولولا ذاك لكان سنده إلى عمر صحيحاً، لكن قد جاء ما يشهد له، فَرَوى الطحاوي في
"شرح المعاني" (1/375) بسند صحيح عن ابن عباس قال: (يقولون: إن عمر - رضي الله عنه - نهى عن المُتعة، قال عمر - رضي الله عنه -: لو اعتمرتُ في عام مرتين ثم حججتُ لجعلتُها مع حِجتي).
رواه من طريق عبد الرحمن بن زياد قال: ثنا شعبة عن سلمة بن كُهيل قال: سمعتُ طاوساً يحدّث عن ابن عباس.
قلتُ: وهذا سند جيد رجاله ثقات معروفون، غير عبد الرحمن بن زياد وهو الرصاصي، قال أبو حاتم: صدوق، وقال أبو زُرعة : لا بأس به. ولم يتفرد به، فقد أخرجه الطحاوي أيضاً من طريق أخرى عن سفيان عن سلمة بإسناده عنه قال: قال عمر: فذكر مثله. وسنده جيد أيضاً، وقد صححه ابن حزم فقال (7/107) في صدد الرد على القائلين بمفضولية المتعة، المحتجين على ذلك بنهي عمر عنها: (هذا خالفه الحنفيون والمالكيون والشافعيون؛ لأنهم متفقون على إباحة مُتعة الحج، وقد صح عن عمر الرجوع إلى القول بها في الحج، رُوَّينا من طريق شُعبة عن سلمة بن كُهيل عن طاوس عن ابن عباس قال: قال عمر بن الخطاب: لو اعتمرتُ في سنة مرتين ثم حججتُ لجعلتُ مع حِجّتي عُمرة. ورُوَّيناه أيضاً من طريق سفيان عن سلمة بن كُهيل به. ورُويناه أيضاً من طُرُق).
فقدْ رَجَع عمر - رضي الله عنه - إلى القول بالمُتعة اتباعاً للسنّة، وذلك هو الظنّ به
- رضي الله عنه - فكان ذلك من جملة الأدلة الدالّة على ضَعْف حديث الترجمة.
والحمد لله رب العالمين.
رد مع اقتباس