عرض مشاركة واحدة
  #24  
قديم 06-02-2015, 01:50PM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم





عقيدة التوحيد
وبيان ما يضادها من الشرك الأكبر والأصغر
والتعطيل والبدع وغير ذلك


وجوب محبة الرسول وتعظيمه



الباب الخامس
في بيان ما يجب اعتقاده في الرسول صلى الله عليه وسلم
وأهل بيته وصحابته

وذلك في فصول:
الفصل الأول: في وجوب محبة الرسول وتعظيمه، والنهي عن الغلو والإطراء في مدحه، وبيان منزلته - صلى الله عليه وسلم.
الفصل الثاني: في وجوب طاعته والاقتداء به.
الفصل الثالث: في مشروعية الصلاة والسلام عليه.
الفصل الرابع: في فضل أهل البيت، وما يجب لهم من غير جفاء ولا غلو.
الفصل الخامس: في فضل الصحابة وما يجب اعتقاده فيهم، ومذهب أهل السنة والجماعة فيما حدث بينهم.
الفصل السادس: في النهي عن سب الصحابة وأئمة الهدى.


(1/147)


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ

الفصل الأول
في وجوب محبة الرسول وتعظيمه
والنهي عن الغلو والإطراء في مدحه وبيان منزلته - صلى الله عليه وسلم -

1 - وجوب محبته وتعظيمه - صلى الله عليه وسلم:

يجبُ على العبدِ أولًا: محبّةُ الله عز وجل، وهي من أعظم أنواع العبادة، قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: 165] .

لأنه هو الرّبُّ المتفضّل على عباده بجميع النّعم ظاهِرها وباطنها، ثم بعد محبة الله تعالى، تجب محبة رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه هو الذي دعا إلى الله، وعرَّف به، وبلَّغ شريعته، وبيَّن أحكامه، فما حصل للمؤمنين من خير في الدنيا والآخرة، فعلى يد هذا الرسول، ولا يدخلُ أحدٌ الجنة إلا بطاعته واتباعه - صلى الله عليه وسلم - وفي الحديث: «ثلاثٌ من كُنَّ فيه وجد حلاوةَ الإيمان؛ أن يكون الله ورسولَه أحبَّ إليه مما سواهما، وأن يُحبَّ المرء لا يُحبّه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه، كما يكره أن يقذف في النار» .



فمحبة الرسول تابعة لمحبة الله تعالى، لازمة لها، وتليها في المرتبة، وقد جاء بخصوص محبته - صلى الله عليه وسلم - ووجوب تقديمها على محبة كل محبوب سوى الله تعالى، قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يؤمنُ أحدكم حتى أكونَ أحبَّ إليه»

(1/148)


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ


«من ولده ووالده والناسِ أجمعين» .
بل ورد أنه يجب على المؤمن أن يكون الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - أحبَّ إليه من نفسه، كما في الحديث: «أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: يا رسول الله، لأنتَ أحبُّ إليَّ من كل شيء إلا من نفسي، فقال: والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك، فقال له عمر: فإنك الآن أحب إليَّ من نفسي، فقال: الآن يا عمر» .

ففي هذا أن محبة الرسول واجبةٌ ومقدّمةٌ على محبّة كل شيء سوى محبة الله، فإنها تابعة لها لازمة لها؛ لأنها محبة في الله ولأجله، تزيد بزيادة محبة الله في قلب المؤمن، وتنقص بنقصها، وكل من كان محبًّا لله فإنما يحب في الله ولأجله.

ومحبّته - صلى الله عليه وسلم - تقتضي تعظيمه وتوقيره واتباعه، وتقديم قوله على قول كل أحد من الخلق، وتعظيم سنته.
قال العلامة ابن القيم - رحمه الله -: (وكلُّ محبة وتعظيم للبشر فإنما تجوز تبعًا لمحبة الله وتعظيمه، كمحبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتعظيمه، فإنها من تمام محبة مرسله وتعظيمه، فإن أمته يحبونه لمحبة الله له، ويعظمونه ويجلونه لإجلال الله له، فهي محبة لله من موجبات محبة الله.

(1/149)


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ

والمقصودُ: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ألقى الله عليه من المهابة والمحبة ... . ولهذا لم يكن بشر أحب إلى بشر، ولا أهيب وأجلّ في صدره، من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في صدور أصحابه - رضي الله عنهم - قال عمرو بن العاص بعد إسلامه: إنه لم يكن شخص أبغضَ إليَّ منه. فلما أسلمت، لم يكن شخص أحب إليَّ منه، ولا أجلَّ في عيني منه، قال: ولو سُئِلت أن أصفه لكم لما أطقتُ، لأني لم أكن أملأ عينيَّ منه؛ إجلالًا له.

وقال عروة بن مسعود لقريش: يا قوم، والله لقد وفدت إلى كسرى وقيصر والملوك، فما رأيتُ ملكًا يعظمه أصحابه؛ ما يعظم أصحابُ محمد محمدًا - صلى الله عليه وسلم - والله ما يحدُّون النظر إليه تعظيمًا له، وما تنخَّم نُخامةً إلا وقعت في كَفِّ رجل منهم، فيدلك بها وجهَهُ وصدره، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه) انتهى.



2 - النهي عن الغُلوّ والإطراء في مدحه:
الغلو: تجاوز الحد، يُقالُ: غَلا غُلُوًّا، إذا تجاوز الحد في القدر، قال تعالى: {لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} [النساء: 171] أي: لا تجاوزوا الحد.
والإطراءُ: مجاوزة الحدِّ في المدح، والكذب فيه، والمرادُ بالغُلوِّ في حق النبي - صلى الله عليه وسلم -: مجاوزة الحد في قدره؛ بأن يُرفع فوق مرتبة العبودية والرسالة، ويُجعلَ له شيء من خصائص الإلهية؛ بأن يُدعى ويُستغاثَ

(1/150)


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ

به من دون الله، ويُحلفَ به.
والمراد بالإطراء في حقه - صلى الله عليه وسلم -: أن يُزادَ في مدحه، فقد نهى - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك بقوله: «لا تُطروني كما أطرتِ النَّصارى ابنَ مريم، إنما أنا عبد، فقولوا: عبدُ الله ورسولُه» أي: لا تمدحوني بالباطل، ولا تجاوزوا الحدَّ في مدحي، كما غلت النَّصارى في عيسى - عليه السلام - فادَّعوا فيه الألوهية، وَصِفُوني بما وَصَفَني به ربّي، فقولوا: عبدُ الله ورسوله. ولما قال له بعض أصحابه: «أنت سيّدُنا، فقال: (السَّيّدُ الله تبارك وتعالى) ، ولما قالوا: أفضلنا وأعظمنا طَولًا، فقال: (قولوا بقولكم، أو بعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان» .



وقال له ناس: يا رسولَ الله، يا خيرَنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا، فقال: «يا أيها الناس، قولوا بقولكم، ولا يستهوينكم الشيطان، أنا محمد عبدُ الله ورسولُه، ما أحبُّ أن ترفعوني فوقَ منزلتي التي أنزلني الله عزّ وجلّ» .

كره - صلى الله عليه وسلم - أن يمدحوه بهذه الألفاظ: أنت سيدنا - أنت خيرُنا - أنت أفضلُنا - أنت أعظمُنا، مع أنه أفضلُ الخلق وأشرفُهم على الإطلاق؛ لكنه نهاهم عن ذلك ابتعادًا بهم عن الغُلُوِّ والإطراء في حقه، وحمايةً

(1/151)


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ

للتوحيد، وأرشدهم أن يصفوه بصفتين؛ هما أعلى مراتب العبد، وليس فيهما غلو ولا خطر على العقيدة، وهما: عبد الله ورسوله، ولم يُحب أن يرفعوه فوق ما أنزله الله عز وجل من المنزلة التي رضيها له، وقد خالف نهيَه - صلى الله عليه وسلم - كثيرٌ من الناس فصاروا يدعونه، ويستغيثون به، ويحلفونَ به، ويطلبون منه ما لا يُطلب إلا من الله، كما يُفعلُ في الموالد والقصائد والأناشيد، ولا يُميزون بين حق الله وحق الرسول.


يقول العلامةُ ابن القيم في النونية:
لله حق لا يكون لغيره ... ولعبده حق هما حقان
لا تجعلوا الحقين حقًّا واحدًا ... من غير تمييز ولا فرقان

3 - بيان منزلته - صلى الله عليه وسلم -:
لا بأس ببيان منزلته بمدحه - صلى الله عليه وسلم - بما مدحه الله به، وذكر منزلته التي فضله الله بها واعتقاد ذلك، فله - صلى الله عليه وسلم - المنزلة العالية التي أنزله الله فيها، فهو عبد الله ورسوله، وخيرته من خلقه، وأفضل الخلق على الإطلاق، وهو رسول الله إلى الناس كافة، وإلى جميع الثقلين الجن والإنس، وهو أفضل الرسل، وخاتم النبيين، لا نبيَّ بعده، قد شرح الله له صدره، ورفع له ذكره، وجعل الذِّلَّة والصَّغار على من خالف أمره، وهو

(1/152)


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ

صاحب المقام المحمود الذي قال الله تعالى فيه: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: 79] .
أي: المقام الذي يُقيمه الله فيه للشفاعة للناس يوم القيامة؛ ليريحهم ربهم من شدة الموقف، وهو مقام خاص به - صلى الله عليه وسلم - دونَ غيره من النبيين.

وهو أخشى الخلق لله، وأتقاهم له، وقد نهى الله عن رفع الصوت بحضرته - صلى الله عليه وسلم - وأثنى على الذين يَغُضّونَ أصواتهم عنده، فقال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الحجرات: 2- 5] .


قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: (هذه آيات أدّب الله فيها عباده المؤمنين فيما يعاملون به النبي - صلى الله عليه وسلم - من التوقير والاحترام، والتبجيل والإعظام ... أن لا يرفعوا أصواتهم بين يدي النبي - صلى الله عليه وسلم - فوق صوته) .
ونهى سبحانه وتعالى أن يُدعى الرسول باسمه كما يُدعى سائرُ الناس، فيقال: يا محمد، وإنما يُدعى بالرسالة والنبوة فيقال: يا رسول الله، يا نبي الله، قال تعالى: {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا} [النور: 63] .

(1/153)


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ

كما أن الله سبحانه يناديه بـ (يا أيها النبي، يا أيها الرسول) . وقد صلى الله وملائكته عليه، وأمر عباده بالصلاة والتسليم عليه، فقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الأحزاب: 56] .

لكن لا يُخصص لمدحه - صلى الله عليه وسلم - وقتٌ ولا كيفية معينة إلا بدليلٍ صحيح من الكتاب والسُّنَّة، فما يفعله أصحابُ الموالد من تخصيص اليوم الذي يزعمون أنه يوم مولده لمدحه بدعة منكرة.



ومن تعظيمه - صلى الله عليه وسلم -: تعظيم سنته، واعتقاد وجوب العمل بها، وأنها في المنزلة الثانية بعد القرآن الكريم في وجوب التعظيم والعمل؛ لأنها وحي من الله تعالى، كما قال تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم: 3، 4] .

فلا يجوز التشكيك فيها، والتقليل من شأنها، أو الكلام فيها بتصحيح أو تضعيف لطرقها وأسانيدها أو شرح لمعانيها إلا بعلم وتحفُّظ، وقد كثر في هذا الزمان تطاول الجهَّالِ على سُنّة الرسول - صلى الله عليه وسلم - خصوصًا من بعض الشباب الناشئين؛ الذين لا يزالون في المراحل الأولى من التعليم، صاروا يصحِّحون ويُضعّفون في الأحاديث، ويجرحون في الرواة بغير علم سوى قراءة الكتب، وهذا خطرٌ عظيم عليهم وعلى الأمة، فيجب عليهم أن يتقوا الله، ويقفوا عند حدهم.

(1/154)


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ


المصدر

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...les/atwbmy.pdf





رد مع اقتباس