عرض مشاركة واحدة
  #21  
قديم 06-02-2015, 02:41AM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم




عقيدة التوحيد
وبيان ما يضادها من الشرك الأكبر والأصغر
والتعطيل والبدع وغير ذلك


النظرية المادية للحياة ومفاسد هذه النظرية


الفصل التاسع
النظرية المادية للحياة ومفاسد هذه النظرية

هناك نظرتان للحياة: نظرة مادّيّة للحياة، ونظرة صحيحة،

ولكل من النظرتين آثارها:
أ - فالنظرة الماديّة للحياة معناها:
أن يكون تفكير الإنسان مقصورًا على تحصيل ملذاته العاجلة، ويكون عمله محصورًا في نطاق ذلك، فلا يتجاوز تفكيره ما وراء ذلك من العواقب، ولا يعمل له، ولا يهتم بشأنه، ولا يعلم أن الله جعل هذه الحياة الدنيا مزرعة للآخرة، فجعل الدُّنيا دارَ عمل، وجعل الآخرة دار جزاء، فمن استغل دنياه بالعمل الصالح ربحَ الدارين، ومن ضيّع دنياه ضاعت آخرته: {خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ} [الحج: 11] .

فالله لم يخلق هذه الدنيا عبثًا بل خلقها لحكمة عظيمة، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك: 2] .
وقال تعالى: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الكهف: 7] .
أوجد سبحانه في هذه الحياة من المتع العاجلة، والزينة الظاهرة من الأموال والأولاد، والجاه والسلطان، وسائر المستلذات ما لا يعلمه


(1/131)


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ

إلا الله.
فمن الناس - وهم الأكثر - من قَصَر نظرهُ على ظاهرها ومفاتنها، ومتَّع نفسَهُ بها، ولم يتأمل في سرها، فانشغل بتحصيلها وجمعها والتمتع بها عن العمل لما بعدها؛ بل ربما أنكر أن يكون هناك حياة غيرها، كما قال تعالى: {وَقَالُوا إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ} [الأنعام: 29] .

وقد توعد الله تعالى مَنْ هذه نظرتُهُ للحياة؛ فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [يونس: 7، 8] .
وقال تعالى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود: 15، 16] .

وهذا الوعيد يشمل أصحابَ هذه النظرة؛ سواء كانوا من الذين يعملون عمل الآخرة؛ يريدون به الحياة الدنيا، كالمنافقين والمرائين بأعمالهم، أو كانوا من الكُفَّارِ الذين لا يؤمنون ببعث ولا حساب، كحال أهل الجاهلية والمذاهب الهدامة من رأسمالية وشيوعية، وعلمانية إلحادية، وأولئك لم يعرفوا قدرَ الحياة، ولا تعدو نظرتهم لها أن تكون كنظرة البهائم، بل هم أضل سبيلًا؛ لأنهم ألغَوا عقولهم، وسخروا طاقاتهم، وضيعوا أوقاتهم فيما لا يبقى لهم، ولا يبقون له،

(1/132)


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ

ولم يعملوا لمصيرهم الذي ينتظرهم ولا بُدَّ لهم منه.
والبهائم ليس لها مصيرٌ ينتظرها، وليس لها عقول تفكر بها، بخلاف أولئك، ولهذا يقول تعالى فيها: {أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا} [الفرقان: 44] .

وقد وصف الله أهل هذه النظرة بعدم العلم، قال تعالى: {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} [الروم: 6، 7] .

فهم وإن كانوا أهل خبرة في المخترعات والصناعات؛ فهم جُهَّالٌ لا يستحقون أن يُوصَفوا بالعلم؛ لأن علمهم لم يتجاوز ظاهر الحياة الدنيا، وهذا علم ناقص لا يستحق أصحابه أن يطلق عليهم هذا الوصف الشريف، فيقال: العلماء، وإنما يطلق هذا على أهل معرفة الله وخشيته، كما قال تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] .



ومن النظرة المادية للحياة الدنيا: ما ذكره الله في قصة قارون، وما آتاه الله من الكنوز: {فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [القصص: 79] .

فتمنَّوا مثله وغبطوه، ووصفوه بالحظ العظيم بناءً على نظرتهم المادية، وهذا كما هو الحال الآن في الدول الكافرة، وما عندها من تقدّم صناعي واقتصادي، فإنَّ ضعافَ الإيمان من المسلمين ينظرون إليهم نظرة إعجاب دون نظر إلى ما هم عليه من الكفر، وما ينتظرهم من سوء المصير، فتبعثهم هذه النظرة الخاطئة إلى تعظيم الكفار واحترامهم

(1/133)


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ

في نفوسهم، والتشبه بهم في أخلاقهم وعاداتهم السيئة، ولم يقلدوهم في الجد وإعداد القوة والشيء النافع من المخترعات والصناعات، كما قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} [الأنفال: 60] .


ب - النظرة الثانية للحياة:
النظرة الصحيحة


وهي: أن يعتبر الإنسان ما في هذه الحياة من مال وسلطان وقوى مادية وسيلةً يُستعان بها لعمل الآخرة.
فالدنيا في الحقيقة لا تُذمُّ لذاتها، وإنما يتوجه المدح والذّمّ إلى فعل العبد فيها، فهي قنطرة ومعبر للآخرة، ومنها زادُ الجنة، وخيرُ عيش ينالُه أهل الجنة إنَّما حصل لهم بما زرعوه في الدنيا.

فهي دار الجهاد، والصلاة والصيام، والإنفاق في سبيل الله، ومضمار التسابق إلى الخيرات.
يقول الله تعالى لأهل الجنة: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة: 24] يعني: الدنيا.

(1/134)


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ


المصدر

http://www.alfawzan.af.org.sa/sites/...les/atwbmy.pdf




رد مع اقتباس