عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 20-04-2004, 06:48AM
عبد الله بن حميد الفلاسي
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
افتراضي

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله ) .

وثبت تقديم النبي صلى الله عليه وسلم لليمن في صورٍ عدّة من حياته ، وقول عائشة رضي الله عنها : ( في شأنه كله) عام في تقديم اليمين في كل أمرٍ مستحسن .

قال ابن الملقن : ( والضابط في ذلك : أن كل ما كان من باب التكريم والزينة كان باليمين ، وما كان بخلافه فباليسار ، فمن الأول : لبس الثوب والسراويل ، والخف ودخول المسجد والسواك والانتعال وتقليم الأظفار والاكتحال وقص الشارب وترجيل الشعر ونتف الإبط وحلق الرأس والسلام في الصلاة وغسل أعضاء الطهارة والخروج من الخلاء والأكل والشرب والمصافحة واستلام الحجر الأسود وغير ذلك مما هو في معناه كالاضطجاع ... ) [ الإعلام : 1/392 ] .

ثم قال : ( ورد الشرع بإكرام جهة اليمين وتفضيلها على الشمال في مواضع : في الشرب لما شرب وعن يساره الأعرابي ثم ناول الأعرابي وقال : الأيمن فالأيمن ، وفي الصف الذي يلي يمين الإمام ، وفي غير ذلك مما تقدم ، والله تعالى يقول : (وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ)(مريم: 52) ، ويقول : ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ )(الحاقة: 19) ... ) إلى آخر كلامه .

المقصود أن الصور التي وردت في الشرع بتقديم اليمين على الشمال كثيرة جداً ، وهي محل جمع لمن سمت همته ، وزادت نهمته ، وهذا هو الأصل ولا ينقل عنه إلاّ بدليل ، بل جاء في الصحيح في إحدى روايات تقديم الشراب للأيمن قوله صلى الله عليه وسلم : ( الأيمنون الأيمنون ، ألا فيمّنوا ) ، قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " عند هذا الحديث : ( ويستفاد من حذف المفعول التعميم في جميع الأشياء لقول عائشة رضي الله عنها : ( كان يعجبه التيمن في شأنه كله ) .. ) إلى آخر كلامه .

قلت : واحترام الداخل بتقديم الأيمن من ذلك .

وعلى هذا فحديث تقديم الشراب للأيمن وإن كان صغيراً أو أعربياً لا يخالف الحث على تقديم الأكبر ، لأن الحق هنا غير متساوٍ فالأيمن أولى به لجهته ، فبعضهم أولى به من بعض فيعطى كل ذي حقٍ حقه ، والغلام كان أولى بالشراب من الأشياخ فقدم له حقه .

قال ابن عبدالبر رحمه الله : ( وفي هذا الحديث من الفقه أن من وجب له شيء من الأشياء لم يدفع عنه ولم يتسور عليه فيه إلا بإذنه صغيرا كان أو كبيرا إذا كان ممن يجوز له إذنه وليس هذا موضع كبّر كبّر ، لأن السن إنما يراعى عند استواء المعاني والحقوق وكل ذي حق أولى بحقه أبداً ، والمناولة على اليمين من الحقوق الواجبة في آداب المجالسة ) .

ومثله قاله النووي رحمه الله : ( فيه بيان استحباب التيامن في كل ما كان من أنواع الإكرام وفيه أن الأيمن في الشراب ونحوه يقدم وإن كان صغيرا أو مفضولاً لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم الأعرابي والغلام على أبي بكر رضي الله عنه وأما تقديم الأفاضل والكبار فهو عند التساوي في باقي الأوصاف ولهذا يقدم الأعلم والأقرأ على الأسن الشيب في الإمامة في الصلاة ) .

ونقل ابن حجر رحمه الله أيضاً عن : ( ابن بطال [ قوله ] : فيه تقديم ذي السن في السواك ، ويلتحق به الطعام والشراب والمشي والكلام ) .

قال ابن حجر : ( وقال المهلب هذا ما لم يترتب القوم في الجلوس فإذا ترتبوا فالسنة حينئذ تقديم الأيمن ) .

قال ابن حجر : وهو صحيح .

قلت : وتقييد المهلب ، وتصحيح ابن حجر له ، هو الصواب ، لأنهم إذا ترتبوا صار الأحق الأيمن الأدنى ، لا لأنه أفضل ولكن لأن جهته الأفضل قاله ابن حجر ، ولما كان المقام مقام كلام وخطابه فالأحق به الأكبر لأنه الأعلم والأرجح عقلاً عادة فيقدم وربما يكونون في الفصاحة والخطابة سواء .

وجمع ابن حجر رحمه الله بين الأحاديث بقوله : ( ويجمع بأنه محمول على الحالة التي يجلسون فيها متساوين إما بين يدي الكبير أو عن يساره كلهم أو خلفه أو حيث لا يكون فيهم ، فتخص هذه الصورة من عموم تقديم الأيمن ) .

قلت : وهذا هو الأدب حين الإقبال على الباب أن يتأخر الصغير والأدنى منزلة ، ويتقدم الكبير والأعلى منزلة ، ولو أقبلوا على الباب صفاً واحداً فللأيمن حق التقدم وإن كان صغيراً أو أدنى منزلة لفضل جهته ، وإن كان الأولى به أن يتأخر كي يقدم الكبير بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم للغلام : ( يا غلام أتأذن لي أن أعطيه الأشياخ ؟ ) .
وكما ذكرت أخي في سؤالك أن الأمر متعلّق بالعادات وطبائع الناس ، والابتداع موقوف على الأعمال التعبدية وأما العادات فالأصل فيها الإباحة ما لم يكن لها تعلّق بأمر مشروع فيوقف على المشروع ولا يزاد عليه .

وعدم ورود الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في بعض العادات لا يدل على عدم مشروعيتها أصلاً ، بل ربما يكون عدم الورود تشريعاً بالحكم بالبراءة الأصلية : وهي الإباحة في العادات ، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق ) ، وتقديم الأيمن من ذلك ، ولا يليق بأن يقال للناس كونوا فوضى ، فلابدّ من أمرٍ يضبطهم ، وتقدم تفضيل الشارع لتقديم اليمين في سائر الأمور أرشدنا إلى ضبط الناس ومنع الفوضى .

ومن أطلق تقديم الأكبر يرد عليه بالمعارضة والنقض :

فبمالمعارضة أنه مطالب بدليل ينص على تقديم الأكبر عند الدخول كما طُلب في تقديم الأيمن .

وبالنقض من حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم الأيمن على الأكبر في مواطن ، وتقدم أن فضيلة اليمين تقدم على فضيلة الكِبَر ، فاختيارها أولى ، مع مراعاة ما سبق تفصيله .

ولا أعلم عالماً من العلماء قال ببدعية تقديم الأيمن عند الدخول ، وتتبع عادات الناس وآدابهم مما لم يرد به دليل ولا يظهر فيه مخالفة شرعية والحكم على بدعيتها تجاسر وجهل ، وكتب الآداب مليئة بمثل ذلك مما لم يرد فيه دليل شرعي ، ولكن أقره عقلاء الرجال وأدبائهم ، فعمل به أهل الفضل والعلم وارتضوه ودونوه في كتبهم وحثوا الناس عليه ، وارتضاء هذه الأعمال داخلة في عموم الأدلة التي تحث على مكارم الأخلاق والعادات ، والله أعلم .

منقول
رد مع اقتباس