السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسمـ الله الرحمان الرحيم
الفاتحة ...أمّ الكتاب...
وما أدراك ما أمّ الكتاب !!
*عظّم الله تعالى شأنها وأعلى قدرها،
وأجمل فيها ما فصّل -في قرآنه الكريم -بعدها،
فاشتملت على مقاصده كلّها، على توحيده بأنواعه الثلاثة،
و على يوم الدين والمعاد، وعلى طرق الأنبياء وأعدائهم وتقسيم الخليقة
لأقسام ثلاثة وفيها فضيلة الدعاء وفيها طلب الهداية وسبيلها،
وغيرها من الأسرار والعجائب والحكم والفوائد
في آيات قليلة وإيجاز بليغ لا عجب بعده أن تسمّى: بـأمّ الكتاب!
* افتتح الله بها كتابه القرآن فسماها "القرآن"!
وخصّها بالذكر فقال:
﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِّنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ ﴾الحجر87
فكان من باب إطلاق العام وإرادة الخاص تعظيما وتبجيلا لها.
-قال أبو الوليد الباجي –رحمه الله- في كتاب الصلاة من المنتقى:
[... وإنما قيل لها القرآن على معنى التخصيص لها بهذا الإسم
وإن كان كلّ شيء من القرآن قرآنا عظيمًا كما يقال في الكعبة
"بيت الله" وإن كانت البيوت كلّها بيوت الله ولكن على سبيل
التخصيص والتعظيم لمكة].
* وفرض على عباده أن يفتتحوا بها الصلاة وسمّاها "الصلاة"!
كما جاء في مسلم من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ
أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ
بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ..."
-قال الباجي-رحمه الله في المنتقى:[قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: "قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي
وَبَيْنَ عَبْدِي بِنِصْفَيْنِ" ثُمَّ عَدَّ آيَ أُمِّ الْقُرْآنِ فَسَمَّاهَا صَلَاةً لِمَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الصَّلَاةَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ هُوَ الدُّعَاءُ وَهَذِهِ هِيَ الصَّلَاةُ
الَّتِي أُمِرْنَا بِأَدَاءِ الْفَرَائِضِ بِهَا دُونَ سَائِرِ مَا يَقَعُ هَذَا الِاسْمُ عَلَيْهِ
وَذَلِكَ أَيْضًا يَصِحُّ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا :
أَنْ تَكُونَ الْأَلْفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ فَلَا يَقَعُ تَحْتَ هَذِهِ اللَّفْظَةِ فِي الْحَدِيثِ
مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّلَاةِ غَيْرَ أُمِّ الْقُرْآنِ .
وَالثَّانِي : أَنْ تَكُونَ لِلْجِنْسِ ثُمَّ وَقَعَ التَّخْصِيصُ وَالْبَيَانُ
أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ أُمُّ الْقُرْآنِ دُونَ غَيْرِهَا .
وَالْمَعْنَى الثَّانِي عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ إنَّ الصَّلَاةَ هِيَ الْأَفْعَالُ
لَكِنَّهُ سَمَّى أُمَّ الْقُرْآنِ صَلَاةً لَمَّا كَانَتْ لَا تَتِمُّ إلَّا بِهَا
وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَصِحُّ إلَّا بِأُمِّ الْقُرْآنِ. ]أهـ
-قال الشيخ العلاّمة الألباني رحمه الله تعليقا على قول الله تعالى
في الحديث القدسي:"قسمتُ الصلاةَ بيني وبين عَبدِي ..."الحديث،
قال: أي الفاتحةُ وهُو إطلاقُ الكلّ وإرادةُ الجزءِ تعظيماً.
صفة صلاة النبي-عليه السلام-(الكتاب الأمّ)ص 314/طبعة المعارف.
* وأمر أن يُنَـادَى في الخلائق بقدرها الكريم،
ومنزلتها الرفيعة العالية في الصلاة فعن أبي هريرة قال:
"أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أنـادي أنّه
لاصلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد"
صحيح سنن أبي داود رقم 733ص 154 /
كتاب الصلاة والأذان والمساجد
مكتب التربية العربي لدول الخليج.
* وفي التكرار والتأكيد والتشديد على قراءتها ما صحّ عن أبي هريرة
–رضي الله عنه-أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من صلّى صلاة لم يقرأ فيها بأمّ القرآن فهي خِداج، فهي خِداج،
فهي خِداج، غير تمام"
صحيح أبي داود/رقم 734/
كتاب الصلاة والأذان والمساجد/
مكتب التربية العربي لدول الخليج.
* وعن أبي سعيد بن المعلّى أنّ الرسول قال له :
"...لأعلمنّك أعظم سورة من القرآن ... قبل أن أخرج من المسجد،
قال: قلت:يا رسول الله قولك! قال:
الحمد لله ربّ العالمين هي السبع المثاني التي أوتيت والقرآن العظيم".
صحيح أبي داود رقم 1294 /ص 273
كتاب الصلاة والأذان والمساجد/
طبعة مكتب التربية.
ومن بديع أقوال شيخ الإسلام الثاني الطبيب الربّاني إبن قيّم الجوزية
–رحمه الله- في سَـفْرِهِ النفيسِ "زاد المعـاد" :
[فَاتِحَةُ الْكِتاب، وأُمُّ القرآن، والسبعُ المثانى، والشفاءُ التام، والدواءُ النافع،
والرُّقيةُ التامة، ومفتاح الغِنَى والفلاح، وحافظةُ القوة، ودافعةُ الهم والغم
والخوف والحزن لمن عرف مقدارَها وأعطاها حقَّها، وأحسنَ تنزيلها على دائه،
وعَرَفَ وجهَ الاستشفاء والتداوى بها، والسرَّ الذى لأجله كانت كذلك.
ولما وقع بعضُ الصحابة على ذلك، رقى بها اللَّديغ، فبرأ لوقته.
فقال له النبىُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "وما أدراك أنَّها رُقْيَة".
ومَن ساعده التوفيق، وأُعين بنور البصيرة حتى وقف على أسرارِ هذه السورة،
وما اشتملت عليه مِنَ التوحيد، ومعرفةِ الذات والأسماء والصفات والأفعال،
وإثباتِ الشرع والقَدَر والمعاد، وتجريدِ توحيد الربوبية والإلهية، وكمال التوكل
والتفويض إلى مَن له الأمر كُلُّه، وله الحمدُ كُلُّه، وبيده الخيرُ كُلُّه،
وإليه يرجع الأمرُ كُلُّه، والافتقار إليه فى طلب الهداية التى هى أصلُ سعادة الدارين،وعَلِمَ ارتباطَ معانيها بجلب مصالحهما، ودفع مفاسدهما،
وأنَّ العاقبةَ المطلقة التامة، والنعمةَ الكاملةَ مَنوطةٌ بها،
موقوفةٌ على التحقق بها، أغنتهُ عن كثيرٍ من الأدوية والرُّقى،
واستفتح بها من الخير أبوابه، ودفع بها من الشرّ أسبابَه،...
وتاللهِ لا تجدُ مقالةً فاسدةً، ولا بدعةً باطلةً
إلاّ وفاتحةُ الكتابِ متضمِّنة لردّها وإبطالها بأقرب الطُرُق،
وأصحِّها وأوضحِها، ولا تجدُ باباً من أبواب المعارف الإلهية،
وأعمالِ القلوب وأدويتها مِن عللها وأسقامها
إلاّ وفى فاتحة الكتاب مفتاحُه، وموضعُ الدلالة عليه،
ولا منزلاً من منازل السائرين إلى
ربِّ العالمين إلا وبدايتُه ونهايتُه فيها... ]
زاد المعاد 4/348 طبعة دار الرسالة.
هذا فيضٌ من غيض وقطرٌ من بحر
من فضائل هذه السورة العظيمة عند الله تبارك وتعالى...
ومن شاء الإستزادة والنهل من بحور علومها الغزيرة
والتفقه في حِكمها الباهرة وأسرارها العجيبة في الاستشفاء الروحي
والبدني فعليه بكتب شيخ الإسلام إبن تيمة الحرّاني
وتلميذه البارّ إبن قيم الجوزية ففيها الشِفَا والكِفَا .
قال الشاعر:
ألم تر أن الله أعطاك سورةً *** ترى كلَّ ملكٍ دونها يتذبذبُ.
والله وليّ التوفيق.