§¤°~®~°¤§تحريم الكبر والإعجاب:§¤°~®~°¤§
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له...
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
أما بعد:
فقد ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله:" إنه أوحي إلي أن تواضعوا؛ حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد".
وقد كان عليه الصلاة والسلام على خلق عظيم، كما قال تعالى عنه:[وإنك لعلى خلق عظيم]
ولذلك فقد تضمن كتاب الله الكريم وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم النهي عن كل خلق ذميم.
وإن من الخصال الذميمة التي نهى الشرع عنها، وبين سوء عاقبة من يتخلق بها في الدنيا والآخرة: الكبر والإعجاب.
فقد أخبرنا الله عز وجل في كتابه الكريم عن سوء عاقبة المتكبرين المتجبرين؛ ليأخذ المسلم العبرة والعظة، فيتجنب تلك الأوصاف التي اتصف بها المتكبرون، فنالهم بسبب ذلك عقاب الله وبطشه.
لأن القرآن الكريم نزل لهداية البشرية كلها، لايختص بفئة دون أخرى؛ بل كل مسلم مكلف من ذكر وأنثى مخاطب به، ومكلف بالعمل به، لافرق في ذلك بين الرجال والنساء، والعالم والمتعلم، وإن مما قصه الله على عباده عن بيان عاقبة المتكبرين؛ ليأخذوا العبرة منه: قصة قارون، الذي أعطاه الله من الأموال الطائلة التي تنوء العصبة من القوم بحمل مفاتيحها.
فلم يشكر الله على ذلك، ولم يعترف بإحسانه إليه؛ بل بغى على قومه وتكبر عليهم، وأنكر نعمة ربه، وادعى أنه أعطي ذاك المال لعلم الله بأنه يستحقه، ولمحبته له، فهو يقول إنما أعطيته لعلم الله في أني أهل له.
وقد نبه أهل الخير والصلاح إلى أن هذه النعم يجب عليه أن يشكر المنعم بها عليه، فيحسن إلى الآخرين كما أحسن الله إليه، وأن يستعمل هذا المال الجزيل في طاعة الله، والتقرب إليه بأنواع القربات التي يحصل له بها الثواب في الدار الآخرة.
وأن له أن يأخذ نصيبه من الدنيا مما أباح الله فيها من المآكل والمشارب والملابس والمساكن وغيرها، دون إسراف وتبذير، وألا يستعمل ماوهبه الله له في الفساد في الأرض، والإساءة إلى الخلق؛ لأن الله لا يحب المفسدين؛ ولكنه لم يصغ لنصيحة، ولم يتعظ بموعظة.
يقول الله تعالى في ذلك:[إن قارون كان من قوم موسى فبغى عليهم وءاتيناه من الكنوز ما لإن مفاتحه لتنوأ بالعصبة أولي القوة إذ قال له قومه لاتفرح إن الله لايحب الفرحين (76)وابتغ فيما ءاتاك الله الدار الأخرة ولاتنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولاتبغ الفساد في الأرض إن الله لايحب المفسدين]
يقول الإمام ابن كثير: وقوله:[ إذ قال له قومه لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين]
أي :وعظه فيما هو فيه صالحوا قومه، فقالوا على سبيل النصح والإرشاد: لاتفرح بما أنت فيه من الأموال[إن الله لايحب الفرحين].
قال ابن عباس: يعني المرحين. وقال مجاهد: يعني الأشرين البطرين، الذين لا يشكرون الله على ما أعطاهم.
ولذلك حكى الله رد قارون على هؤلاء الناصحين له فقال:[قال إنما أوتيته على علم عندي]
وقد أورد ابن كثير أقوال المفسرين لمعنى الآية، ثم قال:
والصحيح منها قول من قال: [إنما أوتيته على علم عندي] إن الله إنما أعطاني هذا المال لعلمه بأني أستحقه ولمحبته لي. قال: ولهذا قال الله تعالى رادا عليه فيما ادعاه من اعتناء الله به فيما أعطاه من المال: [أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا].
أي : قد كان من هو أكثر منه مالا، وما كان ذلك عن محبة منا له، وقد أهلكهم الله مع ذلك بكفرهم وعدم شكرهم.
ولهذا قال:[ولا يسئل عن ذنوبهم المجرمون]، أي: لكثرة ذنوبهم.
أيها القرئ الكريم،إن هذه الآيات من كتاب الله تبين لك على أن كثرة المال ومتاع الحياة الدنيا لاتدل على ميزان الفضل والتقوى بين الناس، ولا أن وجود المال الكثير عند شخص دليل على أن الله يحبه وراض عنه، ولذلك أعطاه ذاك المال والبنون وزينة الحياة الدنيا؛لأن الدنيا ومافيها لاتزن عند الله جناح بعوضة، فإنه يعطيها للمؤمن والكافر...
من كتاب:
الوصايا في الكتاب والسنة
المجموعة السابعة
للشيخ: علي بن محمد بن ناصر الفقيهي
يتبع بإذن الله