الحمد لله رب العالمين والصَّلاة والسَّلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدِّين، أمَّا بعدُ:
(فإن الثبات: هو الاستقامة على الهدى, أمام داعي الهوى والشهوة، وهو الصبر.
والمنهج: هو السبيل الذي يسلكه المسلم، وهو الصراط المستقيم، قال تبارك وتعالى: (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)(1).
والثبات على الدين من وصايا الأنبياء قال تعالى: (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)(2).
والثبات على المنهج الحق هو من صفات أهل الحديث أهل السنة والجماعة، قال ابن تيمية رحمه الله: (إنك تجد أهل الكلام أكثر الناس انتقالًا من قول إلى قول، وجزمًا بالقول في موضع، وجزمًا بنقيضه، وتكفير قائله في موضع آخر، وهذا دليل عدم اليقين، فإن الإيمان كما قال فيه قيصر لما سأل أبا سفيان عمن أسلم مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: (هَلْ يَرْجِعُ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِيِنِهِ سَخْطَةً لَه بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيِهِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ إِذَا خَالَطَ بَشَاشَتُهُ الْقُلُوبَ، لَا يَسْخَطُهُ أَحَدٌ)(3)؛ ولهذا قال بعض السلف عمر بن عبدالعزيز أو غيره: (من جعل دينه غرضًا للخصومات أكثر التنقل).
وأما أهل السنة والحديث فما يعلم أحد من علمائهم ولا صالح عامتهم رجع قط عن قوله واعتقاده بل هم أعظم الناس صبرًا على ذلك وإن امتحنوا بأنواع المحن وفتنوا بأنواع الفتن وهذه حال الأنبياء وأتباعهم من المتقدمين كأهل الأخدود ونحوهم وكسلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين وغيرهم من الأئمة)(4).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في موضعٍ آخر:
(وبالجملة فالثبات والاستقرار في أهل الحديث والسنة أضعاف أضعاف أضعاف ما هو عند أهل الكلام والفلسفة بل المتفلسف أعظم اضطرابًا وحيرة في أمره من المتكلم لأن عند المتكلم من الحق الذي تلقاه عن الأنبياء ما ليس عند المتفلسف ولهذا تجد مثل أبي الحسين البصري وأمثاله أثبت من مثل ابن سينا وأمثاله، وأيضا تجد أهل الفلسفة والكلام أعظم الناس افتراقا واختلافا مع دعوى كل منهم أن الذي يقوله حق مقطوع به قام عليه البرهان وأهل السنة والحديث أعظم الناس اتفاقا وائتلافا وكل من كان من الطوائف إليهم أقرب كان إلى الاتفاق والائتلاف أقرب)(5))(6).
ولمَّا كان الثبات على المنهج له أسبابٌ، فقد سَألَ (الشيخُ هشام العارف حفظه الله تعالى) السـؤال التالي لحامل لواء الجرح والتعديل (الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى)(7):
الســؤال: ما هي أهم الأسباب التي تجعل طالب العلم الذي هو على منهج السلف أن يكون ثابتًا على هذا المنهج, مع العلم أنكم ـ بارك الله فيكم ـ من الأكابر علمًا وسنًا, فمن خلال تجربتكم مع جميع الطلبة, أو بمن مر على هذا المنهج, فوجدنا منهم من ثبت, ووجدنا منهم من انحرف وضل للأسف, ولم يراعي ما كان عليه السلف الصالح, فما هي هذه الأسباب المهمة التي تعين الطالب على الثبات على هذا المنهج السلفي, وأن تبقيه على ذلك رغم وجود الفتن فما هي نصيحتكم الغالية من خلال خبرتكم الطويلة مما رأيتموه في ذلك, بارك الله فيكم؟
فأجاب الشيخ ربيع بن هادي المدخلي حفظه الله تعالى:
بسم الله, من أعظم الأسباب:
أن يشعر الإنسان أنه فقير إلى الله, محتاج إليه في كل لحظة من اللحظات, فيدعو الله أن يثبته, ويدعو الله بما علمنا إياه رسول الله عليه الصلاة والسلام: (يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ، قالوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّكَ تُكْثِر مِنْ هَذا الدُّعَاء أَتَخَافُ عَلَيْنَا؟ قَالَ: نَعَمْ, إِنَّ قُلُوبَ النَّاسِ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ)(8).
فيلاحظ العبد نفسه, ويلجأ إلى الله تبارك وتعالى, فلا يغتر بنفسه وما عنده من العلم, فإن الغرور بالعلم والثقافة الواسعة قد يجر إلى الشدة ـ والعياذ بالله ـ وجانب الانحراف الشديد, وقد حصل هذا مع بلعام بن باعوراء, وحصل لكثير من الناس, ومنهم في هذا العصر (القصيمي)(9) كان عنده من الذكاء والعلم ما يبهر العقول, ولكنه كان مغرورًا معجبًا بنفسه, وهذا (القصيمي) قد ارتد عن الإسلام ـ والعياذ بالله ـ, وقد كان له مؤلفات أكثر من ابن تيمية من قوة ذكائه, وحفظه وفهمه, ولكنك تجد غروره يظهر خلال الصفحات التي يكتبها.
وينبغي للمسلم أن يلجأ إلى الله تبارك وتعالى ليثبته، ويأخذ بأسباب الثبات من الدعاء هذا.
ومِن تدبر كتاب الله وسنة رسول الله ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم ـ واحترام الأوائل, واحترام العلماء, وما شابه ذلك ـ بارك الله فيكم ـ فهذه إن شاء الله من أسباب الثبات, فللصمود في وجه الدنيا يجب على المؤمن أن يكون صابرًا زاهدًا على ما يلاقيه من الفتن والشهوات, (فَإِنَّ فِتْنَةَ أُمَّتِي الْمَالُ)(10).
فمن أسباب الفتن الموجودة الآن عند كثير من الناس: الإغراءات المالية, فكم من شباب سلفي عرفناهم كانوا على المنهج السلفي, ففتنهم رفقاء السوء والتنظيمات الشيطانية, يغرونهم بالمال وبالجاه والمنزلة, فيصبح أميرًا وكبيرًا ـ بارك الله فيكم ـ النفخ الكاذب فيدخل في كل ذلك, فينكب على رأسه, وهذا الأمر موجود الآن عند بعض الشباب السلفي, فتراه على المنهج السلفي, وبعد أيام يركن إلى هؤلاء, (وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ)(11)، يركن إلى هؤلاء الهدامين, فإذا به شيء آخر لم يقف عند حد الانحراف في نفسه, بل ينحرف عدوًا لدودًا وخصمًا شديدًا على المنهج السلفي وأهله, وقد عرفنا هذا في الجامعة الإسلامية من شباب تربوا على أيدينا وجاءتهم هذه الإغراءات, فإذا بهم على أعقابهم ينكصون ـ والعياذ بالله ـ.
فاحذروا الدنيا, فاحذروا الدنيا وزخارفها, ومن يستعفف يعفه الله, ومن يتصبر يصبره الله, ومن يستغنِ يغنه الله, فهذه المؤسسات الإخوانية وغيرها, الرافضية وغيرها, وهم عندكم في فلسطين, أناس ترفضوا, أناس انحرفوا بسبب الإغراءات المالية, كما قرأت أو سمعت أحد كبار المسؤولين يتبجح بأنه جعفري, بأنه رافضي خبيث, هذا كان ـ كما يزعم ـ مجاهد يجاهد لإعلاء كلمة الله, فإذا به رافضي.
الروافض عندنا في الحجاز هم أخبث من اليهود والنصارى, وأشد حقدًا على الإسلام والمسلمين, فأصبح هذا من الروافض ـ والعياذ بالله ـ, بل هو أمير للروافض, لماذا؟ بسبب إغراءات المال.
وأساس هذا الخنوع واستلام الروافض والله الإخوان المسلمون, هم الذين لمعوا الروافض وبهرجوهم, ومهدوا لهم أن ينشروا ضلالاتهم في بلدان ما كانوا يحلمون أن يروها بأعينهم, فإذا بهم يجوسون خلال هذه الديار, وينشرون ضلالاتهم وخبثهم وطعنهم في أصحاب محمد وزوجاته عليه الصلاة والسلام.
الآن في مصر بلغنا أن عدد الروافض بلغ ما يقرب من ستة ملايين, ما السبب؟ هذه الإغراءات المادية التي خشيها الرسول ـ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم ـ وهي فتنة المال, "والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي إِنَّمَا أَخْشَى عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا, فَتَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا فَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ)(12).
فاحذروا هذه المؤسسات, فإنها تجمع أموال المسلمين باسم الجهاد, باسم نصرة المسلمين, وباسم الأيتام والأطفال وغيرها, وهم والله لا يريدون إلا مصالحهم, وإلا إفساد كثير من الناس على أيديهم, فتنبهوا لهذا الغزو الخبيث هذا الغزو الفكري, فإن الإخوان المسلمين عندهم شعارات وأساليب للغزو الفكري والناس يغترون بهذه الأساليب, وهم يغزون هذه البلاد, هم غزاة في هذه البلاد فعلًا, وأفسدوا كثيرًا من الشباب بفكرهم الفاسد وبالمال ـ بارك الله فيكم ـ, حتى يوجد في السعودية من أغروه بالمال وأفسدوه, فالإخوان لا يألون جهدًا إذا رأوكم تجمعتم وكذا فيدسوا في صفوفكم باسم السلفية من يحرفكم عن المنهج السلفي, فتنبهوا لهذه المكايد, وهذه الأساليب.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يوفقنا وإياكم, وأن يثبتنا وإياكم على الحق والهدى, وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن, إن ربنا لسميع الدعاء.
انتهى كلام الشيخ حفظه الله تعالى وجزاه عنَّا كُل خير.