عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 21-09-2007, 06:24PM
أبو عبد الرحمن السلفي1
عضو غير مشارك
 
المشاركات: n/a
الارهاب أسبابه وعلاجه وموقف المسلم من الفتن

الارهاب أسبابه وعلاجه وموقف المسلم من الفتن
محاضرة لفضيلة الشيخ صالح السحيمي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .. وبعد ..

فقد أكرمنا الله -تبارك وتعالى- بأعظم كرامة ببعث نبيه –صلى الله عليه وسلم- حيث أخرجنا الله به من الظلمات إلى النور وأعزنا به بعد الذلة وجمعنا به بعد الفرقة، وجعلنا إخوة في الله متحابين متآلفين لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى قال الله -تعالى-: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} [الحجرات:13]، وقال -تبارك وتعالى- ممتناً علينا بهذه النعمة ومذكراً بما كان عليه حالنا قبل الاسلام: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً، وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون} [آل عمران:103].

عاش المسلمون هذه النعمة العظيمة واغتبطوا بها في عهد النبوة إلى أن ظهرت بذرة الخلاف عندما ألب عبدالله بن سبأ وأتباعه الناس على عثمان -رضي الله عنه-، وكانت نواة ظهور الخوارج قد بدأت باعتراض ذي الخويصرة التميمي على قسمة النبي -صلى الله عليه وسلم- الغنائم يوم حنين حيث قال: اعدل يا محمد فإنك لم تعدل، وقال -أيضاً- إنها قسمة ما أريد بها وجه الله، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «ويحك ومن يعدل إن لم أعدل إلا تأمنونني وأنا أمين من في السماء؟!» فلما هم عمر -رضي الله عنه- بقتله قال: «دعه فإنه يخرج من ضئضه قوم تحقرون صلاتكم إلى صلاتهم وصيامكم إلى صيامهم يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية»(1).

ثم أثيرت الفتنة على عثمان -رضي الله عنه- كما أشرت بسبب التحزب والمعارضة التي رامت الفتنة والفرقة وضرب الإسلام في الصميم والتي إزداد أوارها بعد قتل ذي النورين ثم تفاقم الأمر وكثرت الفتن وظهرت الفرق وعلى رأسها فرقة الخوارج الذين قاتلوا علياً -رضي الله عنه- واستحلوا دماء المسلمين وأموالهم، وأخافوا السبيل، وحاربوا الله ورسوله فقضى على فتنتهم علي -رضي الله عنه- ووجد ذو الخويصرة بين قتلاهم ثم خططوا لقتل جمع من الصحابة فنجحوا في قتل علي -رضي الله عنه-، وما زالت فتنتهم تظهر تارة وتخبوا تارة إلى يومنا هذا إلى أن يخرج آخرهم مع الدجال كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم-.

وقد ظهرت في الآونة الأخيرة أصوات وأقلام ونداءات من بعض الأقزام تدعوا سفهاء الأحلام إلى التحزب والتشرذم وتنخر في عظام الأمة بالدعوة إلى مفارقة الجماعة الحقة والتكتل في جماعات حزبية ضيقة تدعوا إلى التطرف والغلو بأساليب براقة، ومظاهر خداعة أدت إلى شرخ في صفوف هذه الأمة وسلك مروجوها شتى الأساليب في إقناع بعض شبابنا بذلك الفكر الخارجي الذي مكن لأعداء الإسلام من الأصطياد في الماء العكر تحت شعار حقوق الإنسان أحيانا،ً والدعوة إلى تغيير المناهج التعليمية أحياناً أخرى، بدعوى أنها سبب لما حصل من التطرف والغلو من بعض الجماعات والأفراد .

ترويج أصحاب هذا الفكر لنشر باطلهم بعدة أمور منها :

أولاً: التهوين من شأن الدعوة إلى التوحيد تحت شعار أن العقيدة معلومة لدى الجميع ويمكن فهمها خلال عشر دقائق كما يقول بعضهم بل تنازلوا عن التأسيس على العقيدة الصحيحة بدعوى أن ذلك يفرق الأمة.

ثانياً: النيل من علماء الأمة والتزهيد في علمهم وتشويه سمعتهم بدعوى أنهم لا يفقهون الواقع وليسوا مؤهلين لحل مشاكل الأمة الإسلامية والنهوض بشأنها .

ثالثاً: إبعاد كثير من الشباب عن العلم الشرعي المستمد من الكتاب والسنة وإشغالهم بالأناشيد الحماسية وما ينشر هنا وهناك عبر وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة.

رابعاً: انتقاصهم لولاة الأمور وإظهار مثالبهم -أوما يظن أنه مثالب- من فوق المنابر أو عبر الفضائيات المشبوه وتأويل النصوص التي على طاعة ولي الأمر بأن المراد بذلك الإمام الأعظم الذي هو خليفة المسلمين جميعاً ناسين أو متناسين ما أجمع عليه علماء الأمة من أنه في حال تعدد الأقطار الإسلامية فإن لكل قطر ما له من الحقوق وما عليه من الواجبات شأنه في ذلك شأن الخليفة، فتجب له الطاعة في المعروف، ويحرم الخروج عليه ما دام يقيم حكم الله في الأمة وهذا أمر أجمع عليه علماء المسلمين.

خامساً: استقطاب المنظرين الذين يدعون إلى الفكر الخارجي وجمع الشباب لهم في الخلوات وغسل أدمغتهم في اجتماعات سرية تعقد في المخيمات أو الاستراحات يركزون فيها على فصل الشباب عن علمائهم وولاة أمرهم ويربطونهم بأشخاص اتخذوا الخروج والتكفير منهجاً لهم.

سادساً: الدعوة إلى الجهاد الذي يتصورنه وهو استباحة دماء المسلمين وأموالهم والحث على التخريب والتفجير ونسف الجسور والممتلكات بدعوى أن دار المسلمين دار حرب يتعين فيها القتال يبثون هذا الفكر من خلال بعض الأناشيد بل قد يصل الأمر إلى تدريب الشباب على استخدام كافة أنواع الأسلحة في أماكن بعيدة عن الأنظار في الداخل أو أماكن مشبوهة في الخارج.

سابعاً: توزيع الكتب والنشرات والمطويات والأشرطة التي تدعوا إلى الفكر الخارجي وإلى تكفير المسلمين ولا سيما العلماء والحكام وسنذكر طائفة من هذه الكتب التي تدعو إلى ذلك وهي:

1) مؤلفات سيد قطب، وأخطرها الكتب التي فيها تكفير الأمة في هذا العصر والطعن في الصحابة بل وحتى الأنبياء مثل كتاب "في ظلال القرآن"، "كتب وشخصيات"، العدالة الاجتماعية، معالم في الطريق.

2) كتب أبي الأعلى المودودي.

3) كتب حسن البنا.

4) كتب سعيد حوى .

5) كتب عصام العطار.

6) كتب أبي الفتح البيانوني .

7) كتب محمد بن على الصابوني .

8) كتب محمد حسن حنبكة الميداني .

9) كتب الترابي .

10) كتب الهضيبي .

11) كتب التلمساني .

21) كتب أحمد محمد الراشد -وهو اسم حركي- ومن أخطرها: المسار، العوائق، المنطلق، الرقائق.

22) كتب عصام البشير .

23) كتب ونشرات وأشرطة محمد سرور زين العابدين زعيم المنتدى بلندن، بالإضافة إلى كتب أخرى تنتشر في مكتباتنا غير ما ذكر من الكتب التي شحنت بهذا الفكر، فلا بد من تجفيف هذا المنبع بحظر تلك الكتب ومنع تداولها ومراقبة المكتبات التي تتساهل في نشرها أو بيعها أو توزيعها.

هذه الكتب إذا قرأها الشاب الذي لم ينضج فكره ولم تكن لديه حصانة علمية تحول بينه وبين التأثر فإنها تفسد عقله وفكره وتجعله يسير خلف الأوهام حتى يكون مستعداً لتنفيذ كل ما يطلب منه ولو كان بإزهاق نفسه أو غيره من المسلمين أو المستأمنين في سبيل الوصول إلى الهدف وهو الشهادة في سبيل الله والظفر بدخول الجنة كما صور له المنظرون بأن هذا هو الطريق الصحيح الذي من سلكه بلغ المُــنى وفاز برضى الله، فصار التكفير والتفجير والتخريب في بلاد المسلمين والخروج عن منهج السلف الصالح هو طريق الهدى عند هؤلاء:

كفى بك داءً أن ترى الموت شافياً وحسب المنايا أن يكن أمانيا(2)

ثامناً: تغلغل كثير من نشطاء الجماعات التكفيرية مثل جماعة الإخوان المسلمين ومن تفرع عنهم في مدارسنا ومعاهدنا وجامعاتنا ومسخوا كثيراً من أبنائنا بغرس المنهج التكفيري بينهم من خلال الرحلات الطلابية والروايات التي لا يخلو كثير منها من مبالغات وكذب.

وهذه بعض المجالات التي نجحوا في خلالها في إفساد شريحة ليست بالقليلة من شبابنا حتى تنكروا لمنهجهم وعلمائهم وولاة أمرهم وأضهروا لهم أن الحق ما هم عليه ومن سواهم ليسوا على شي وبعد هذا التوضيح والبيان لبعض أسباب نشوء هذا الفكر الدخيل على ديننا وامتنا فإن ثمة سؤالاً هو كيف نحصن شبابنا منه؟

للوقاية من الفكر التكفيري الدخيل ينبغي علينا أفراداً وجماعات اتخاذا الخطوات التالية:

1- دعوة الشباب للاعتصام بالكتاب والسنة والرجوع إليهما في كل الأمور قال -تعالى-: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} [آل عمران:103]، وقال -تعالى-: {وما اختلفتم فيه من شي فحكمه إلى الله} [الشورى:10]، فالاعتصام بكتاب الله هو الحصن الحصين والركن الركين الذي يحفظ الله به من الوقوع في المهلكة.

2- التأكيد على فهم الكتاب والسنة على وفق منهج السلف الصالح، وهذا لا يتحقق إلا إذا تفقه المسلمون على العلماء الربانيين الذين ينفون عن كتاب الله -تعالى- وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين قال الله -عز وجل-: {فسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [النحل:43، والأنبياء:7]، وقال -تعالى-: {وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلي أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم} [النساء:83]، وقطع الطريق على المفسدين في الأرض ممن يتصدون للفتوى بغير علم، الذين يشوهون سمعة علماء الأمة ويصفونهم بأوصاف تنطبق على الواصفين أنفسهم فالتفاف الشباب على أهل ميراث النبوة الراسخين في العلم فيه حماية بإذن الله لهؤلاء الشباب من قطاع الطرق الذين يهرفون بما لا يعرفون ويشيعون الأباطيل ويزعمون بأنه ليست هنالك مرجعية يمكن أن يربط بها الشباب.

3- البعد عن مواطن الفتن لاتقاء شرها وأثارها السيئة قال الله -تعالى-: {واتقوا فتنةً لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة} [الأنفال:25]، وذلك بالمبادرة بالأعمال الصالحة التي يحفظ بها عباده من الفتن، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «بادروا بالأعمال فتناً كقطع من الليل المظلم يمسي الرجل فيها مؤمناً ويصبح كافراً ويصبح مؤمناً ويمسي كافراً يبيع دينه بعرض من الدنيا»(3).

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ستكون فتن القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي ومن يشرف لها تستشرفه ومن وجد ملجأً أو معاذاً فليعذ به»(4).

4- الاجتهاد في العبادة وتقوى الله -عز وجل- بامتثال أوامره واجتناب نواهيه إذ هو سبيل النجاة من كل مكروه، قال الله -تعالى-: {ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا} [الطلاق:4]، وقال -تعالى-: {ومن يتق الله يجعل له مخرجاً} [الطلاق:2]،فتقوى الله -تعالى- والاستقامة على شرعه والعمل بما يرضيه سبب كل فلاح ونجاح في الدارين.

5- ردم المستنقعات والقضاء على ظاهرة المعاصي فإن ما أصاب المسلمين من فتن وشر واختلاف إنما هو ناجم عن تفشي المعاصي والمنكرات وما أحل بهم من مصائب فبما كسبت أيديهم قال الله -تعالى-: {أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنا هذا قل هو من عند أنفسكم} [آل عمران:2165]، وقال -تعالى-: {ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس} [الروم:41].

6- لزوم جماعة المسلمين وإمامهم وترسيخ مفهوم طاعة ولي الأمر في المعروف، قال -تعالى-: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} [النساء:59]، وقال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «إن الله يرضى لكم ثلاثاً ويسخط لكم ثلاثاً يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً وان تعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم»(5).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: «ثلاث خصال لا يغل عليهن قلب مسلم أبداً إخلاص العمل لله ومناصحة ولي الأمر ولزوم الجماعة»(6).

وقال -عليه الصلاة والسلام-: «من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر فإن من فارق الجماعة شبراً فمات فميتته جاهلية»(7).

وروى البخاري في "صحيحه" من حديث حذيفة الطويل قال:… قلت فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: «تلزم جماعة المسلمين وإمامهم»، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال –صلى الله عليه وسلم-: «فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك»(8).

7- الاستعانة بالصبر على الشدائد فالصبر يطفئ كثيراً من الفتن قال الله -تعالى-: {يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين} [البقرة:153]، وقال -تعالى-: {واصبر على ما أصابك} [لقمان:17].

وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن»(9).

8- معالجة الأمور بالحلم والأناة وعدم التسرع في الأحكام والفتوى والبعد عن الانفعالات والغضب تلك هي صفة الأنبياء والمرسلين وأتباعهم قال -تعالى-: {إن إبراهيم لحليم آواه منيب} [هود:75]، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأشج بني عبد القيس: «إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله الحلم والأناة»(10).

9- التحلي بالرفق وحسن التعامل واللطف في معالجة الفتن قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء شانه»(11).

ويقول أيضاً: «إن الله يحب الرفق في الأمر كله» (12).

10- الاجتهاد في تصور الأمور على حقيقتها وفهمها وإدراكها وسبر أعماقها وتقدير خطورتها إذ الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فلا يغتر المسلم بظواهر الأمور والصور المجردة بل على المؤمن أن يكون يقظاً متنبهاً لكل ما يدور حوله فيلبس لكل حالة لبوسها ويعد لكل أمر عدته، مع الثبات على الأهداف وعدم التنازل عن المنهج الحق، وعدم التسرع في إصدار الأحكام، أو الخوض في المسائل الشرعية بغير علم، قال الله -تعالى-: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولا} [الإسراء:36].

11- التثبت في الأمور، وعدم الإصغاء إلى الإشاعات، لاسيما ما يبث عبر وسائل الإعلام المختلفة، والفضائيات المشبوهة، والتي يهدف الكثير منها إلى التشويش على المسلمين وتفريق كلمتهم وإضعاف وحدتهم، قال الله -تعالى-: {يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجاهلة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين} [الحجرات:6]، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث»(13).

21- الرجوع في أسماء الإيمان والدين والحكم بالتكفير أو التفسيق أو التبديع إلى الضوابط الشرعية التي جاءت في الكتاب والسنة والحذر من إصدار الأحكام على المسلمين جزافاً بدون روية والتحقق والتثبت مما يُسمع لما في ذلك خطورة فإنه يحرم على المسلم أن يكفر أخاه المسلم المعين ولو قام به موجب الكفر، إلا بعد توفر الشروط وانتفاء الموانع قال الله -عز وجل-: {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا} [النساء:94].

وقد حذر النبي -صلى الله عليه وسلم- من ذلك حيث قال: «لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق ولا يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك»(14).

وعن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «أيما رجل قال لأخيه يا كافر فقد باء بها أحدهما». متفق عليه(15).

يقول ابن دقيق العيد في بيان معنى هذا الحديث: «وهذا وعيد عظيم لمن أكفر أحداً من المسلمين وليس كذلك، وهي ورطة عظيمة وقع فيها خلق كثير من المتكلمين، ومن المنسوبين إلى السنة وأهل الحديث لما اختلفوا في العقائد فغلظوا على مخالفيهم وحكموا بكفرهم».

ويؤكد شيخ الإسلام ابن تيمية ذلك بقوله: «إني من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة وفاسقاً أخرى وعاصياً أخرى وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العملية»(16).

هذه بعض الأمور التي ينبغي للمسلم أن يراعيها عند ظهور الفتن المدلهمة ومن الواجب على جميع المسلمين أفراداً وجماعات حكاماً ومحكومين علماء وطلاب علم أن تتضافر جهودهم من أجل القضاء على الفتن واجتثاثها من جذورها ولا سيما ما يجري هذه الأيام من فتنة التكفير الذي وصل بالبعض إلى استباحة دماء المسلمين وأموالهم وتخريب مرافقهم باستخدام وسائل التدمير والتفجير تغذيهم بعض المنظمات المشبوهة والأقلام المأجورة والفتاوى المضللة الأمر الذي أدى إلى التغرير ببعض حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام حيث تحولوا إلى مخربين يقتلون المسلمين والمستأمنين ويعتدون على الأموال والممتلكات ويسمون ذلك جهاداً وهذا من تسمية الأشياء بغير اسمها .

ولا بد هنا أن أشير إلى مواقف الناس من الجهاد لتتضح الصورة لطالب الحق:

أ - موقف أهل السنة والجماعة:

وهو أن الجهاد مشروع وباق إلى قيام الساعة خلف كل بر وفاجر من أئمة المسلمين ولابد أن يكون المسلم مستعداً للجهاد إلى أن يلقى الله -عز وجل-، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من مات ولم يغزو أو يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق»(17).

ولكن لا بد للجهاد من شروط ومقومات تتلخص في:

1. أن يكون خالصاً لوجه الله -تعالى-.

2. وأن تكون للمسلمين شوكة وقوة ومنعة.

3. وأن يكون تحت راية مسلمة موحدة.

4. وأن يدعو إليه إمام المسلمين.

5. وأن تسبقه دعوة إلى الإسلام فيمتنع المدعوون من الإجابة أو يمنع من نشر الإسلام.

6. وأن يغلب على الظن أنه لا يترتب على ذلك ضرر يلحق الإسلام والمسلمين.

7. فإذا توافرت هذه الشروط والمقومات فحي على الجهاد وإلا فلا .

ب – موقف المفرطين الذين يُخذلون عن الجهاد حتى لو وجدت شروطه ومقوماته بدعوى أنه لم يبق إلا الجهاد الأكبر وهو جهاد النفس ويرددون في ذلك حديثاً موضوعاً «رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر»، وهذا منهج بعض المتصوفة الذين يتجولون باسم الدعوة في البلدان ويعتمدون على القصص والمنامات والرؤى والأحاديث الموضوعة والضعيفة.

ج- طائفة تسمى الجهاد بغير اسمه، وهم خوارج هذا العصر الذي خرج أسلافهم على المسلمين منذ قتلهم لعثمان وعلي رضي الله عنهما إلى أن يخرج آخرهم مع الدجال كما أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- ويدعون أهل الأصنام ويقتلون أهل الإسلام يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم سماهم النبي -صلى الله عليه وسلم- كلاب أهل النار، شر قتلى قتلاهم(18) يذبحون المسلمين في بلاد الإسلام ويعتقدون أنها دار حرب وقد قدموا لأعداء الإسلام خدمة لم يتمكنوا من الحصول عليها بوسائلهم وأعطوا الكفار ذريعة للنيل من الإسلام والمسلمين واحتلال بعض بلدان المسلمين والله أعلم بمن يقف ورائهم من المنظمات الصهيونية والماسونية بطريق مباشر أو غير مباشر.

فيجب على المسلمين كل بحسب قدرته أن يكشف زيفهم وأن يبين ضلالهم حتى لا ينتشر فسادهم ويستفحل أمرهم ويحرم التستر على أحد منهم لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان وقد قال الله -تبارك وتعالى-: {وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان} [المائدة:2]، فمن آواهم أو تستر عليهم أو دافع عنهم أو برر أعمالهم فإنه مشارك لهم في قتل النفوس البريئة المعصومة من المسلمين أو المستأمنين والمعاهدين والذميين وينطبق عليه الحديث الثابت عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: " لعن الله من آوى محدثاً ".

والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.





ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رواه البخاري (7432)، ومسلم (1064) -واللفظ له- عن أبي سعيد الخدري.

(2) وهو من «الطويل» للمتنبي.

(3) رواه مسلم (118) عن أبي هريرة.

(4) رواه البخاري (3406 و 6670 و 6671) ، ومسلم (2886) عن أبي هريرة.

(5) رواه مسلم (1715) عن أبي هريرة.

(6) رواه الرمذي (2658) عن عبد الله بن مسعود ، وصححه شيخنا في «الصحيحة» (404).

(7) رواه البخاري (6646 و 6724) ، ومسلم (1849) عن ابن عباس.

(8) رواه البخاري (3411) ، ومسلم (1847) عن حذيفة.

(9) رواه مسلم (2999) عن صهيب.

(10) رواه مسلم (17) عن ابن عباس.

(11) رواه مسلم (2594) عن عائشة.

(12) رواه البخاري(5678)، ومسلم (2165) عن عائشة.

(13) رواه البخاري(4849)، ومسلم (2563) عن أبي هريرة.

(14) رواه البخاري(5698)من حديث أبي ذر رضي الله عنه.

(15) رواه البخاري(5753)، ومسلم (60) عن ابن عمر.

(16) «مجموع الفتاوى» (3/229).

(17) رواه مسلم (1910) عن أبي هريرة.

(18) (حسن) رواه ابن ماجة (176) عن أبي أمامة ، وحسنه شيخنا فيه.
رد مع اقتباس