العزة المفقودة بالأماني
بسم الله الرحمن الرحيم
فما من امرء إلا وطموحه ومُناه الذي هو شاخص بين عينيه. أن يكون عزيزاً في قومه وجيرانه وأهل بلده، فلا ينظر إليه أحد نظرة دون أو إحتقار .فيكون من أهل الذل والمذلة والمسكنة في نظر مؤمن أو حتى من كان من الفجار. بل إنه لا يتصور سعادة يفوز بها دون أن يكون عزيزا غنيا. ولذلك فعبر التاريخ قد كان الملوك والجبابرة في صراعات لنيل مايعتقدون حصول العزة به والنفوذ... وإن كان وهما لاحقيقة له.
فسلك النًاس طرقاً تتراً وسبلا شتى للحصول على العزةِ ونيل شرفها فلم يجدوا طريقها.فما سلكوا طريقا لنيلها إلا ونهايته بابا موصدا دونها. فمنهم من تعزز بمعرفة ملك وآخر بوزير وآخر ثري غني في فن بيعه وشراءه قدير. فتعلقوا به ونسوا من ملّكَهُم واعزّهُم فزادوهم ذلًا وتعباً ورهقاً فلم يجدوا إلا ابواباً موصدةً دونها. إلا باباً واحداً لا يكفي المسلم أن يعرف طريقه بل لابد أن يسلكه بعد معرفته. ومعرفته لاتكون إلا بطلب العلم الموروث عن نبي الحي القيوم محمد صلى الله عليه وسلم واصحابه فعند الترمذي
(وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة قالوا ومن هي يا رسول الله قال ما أنا عليه وأصحابي)[كتاب الايمان_باب ماجاء في افتراق هذه الأمة_2853].
فالطريق في تقوى الله والعمل بسنة نبيه والقيام بأمره... وذلك بالتمسك بكتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم على وفق هدي السلف. والتقوى مبنية على العلم، فمن رام طاعة الله وتقواه للعزة بغير علم عبد الله بالبدع وكان مايفسد أكثر مايصلح وذلّ.
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه "نحن قوم أعزنا الله بالإسلام فمتى ما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله"
فلما كانوا رضي الله عنهم متمسكين بكتاب ربهم وهدي نبيهم عليه الصلاة والسلام شهد الله لهم بالعزة والعلو.
فقال سبحانه {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ}[آل عمران_139]
وذلك ليس شرفاً في الدنيا وحسب بل وفي الاخرةِ أيضا. وذلك أعلى من شرف الحسب والنسب والجاه والسلطان
فقال عزّ وجلّ {زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ
وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ}[البقرة_212]
ولذلك استحق في الشريعة فمٌ تفوه صاحبه بعزاء الجاهلية واعتزَّ بمفاخِرِ الاباء دون الاسلام والسنة، أن يُبكّتْ بأمرهِ بعضِّ ذكر ابيهِ باسنانهِ ولسانهِ بصريح العبارة كما خرج الإمام أحمد و البخاري في الأدب المفرد عن أبي بن كعب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من تعزى بعزى الجاهلية فأعضوه بهنِّ أبيه ولاتكنوا)
قال ابن القيم "يقال له عض إيْر أبيك". وقال شيخنا العلامة بن باز "المراد بالتعزي بعزاء الجاهلية الانتساب إلى القبيلة والعشيرة، والعزاء: اسم مصدر لدعوى المستغيث وهي أن يقول: يا لفلان أو يا أولاد فلان من الافتخار والتكبر والتعاظم على الغير بالانتساب إلى عشيرته وقومه الذين ينتمي إليهم، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم من سمع من يتعاظم بعشيرته بدعوى الجاهلية أن يقول له: اعضض بهن أبيك تذكيراً لهذا المتكبِّر بالعضو الذي خرج منه، وهو فرج أبيه حتى يكف عن عزاء الجاهلية".
فلن يجد أهل الاسلام العزة عند أهل الشرك وأهل الكفر والنفاق كالرافضة ولا أهل البدع كالخوارج. بل تلك العزةِ تنال بعد تقوى الله بالتعاون مع أهل البر والتقوى والسنة والآثار بعد تحقيق امر الله الواحد القهار والعمل به.
قال الامام احمد رحمه الله "لاينبغي أن يتعاون مع أهل البدع..."
وقال رحمه الله.. "لاينبغي لأهل البدع أن يؤمنوا"
قال تعالى {الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۚ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا}[النساء_139]
أي أن بيده الإعزاز فليتبع امره من الايمان به وتوحيده والعمل بطاعة نبيه وترك مولاة الكفار .فحينئذ ستكون العزة ولو بعد حين فحصولها قد يتاخر ابتلاءا وتمحيصا.
الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِين(3)َ}[العنكبوت].
فحجاب العزة في معصية الله والرسول فقد روى أحمد في مسنده عن ابن عمر مرفوعا "وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري". فدل على ان من وافق امره القيام بالتوحيد والسنة فٙسٙيعزُه الله ولو بعد حين وسيكون الاستخلاف والعزة
قال تعالى {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هم الفاسقون}[النور_55].
فلا يُوجب الذلة على البلدان مثل الشرك والبدع وظهور المنكرات والفواحش والمعاصي والمعازف وتضييع أمر الصلاة واكلهم المال بالربا والباطل والتحاكم بغير الكتاب والسنة. روى أبوداود في سننه عن ابن عمر مرفوعا (إذا تبايعتم بالعينة و أخذتم أذناب البقر و رضيتم بالزرع و تركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم)[كتاب الإجارة_باب في النهي عن العينة_3464]
فدل ان الرجوع لدين السلف طلباً للعلمِ الموروثِ عنهم والعمل به والقيام بأمر الله يورث العزة ولابد وإلا فبمقدارِ تضييعه علما وعملا واتباعا للهوى يكون ضياعها .وقد شاهدنا اليوم كيف كان مآل وعاقبة من خالفهم في طريقةِ الجهادِ والتكفيرِ ومنهج الدعوة ولزوم التوحيد والسنة كيف اصابه الذل والهوان بيدي الاعداء
قال تعالى {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ}[محمد_7]
فلا عزة إلا بنصر الله ولانصر الا بالعلم ولايُعرف العلم الابعد طلبه عند أهلهِ الراسخين العارفين له .ثم الفائدة من ذلك لا تكون الا بالعمل به ظاهرا وباطنا فليست العزة في المال والجاه والتعرف على الملوك والوزاراء ولابنيل الشهادات المرموقة والولايات العظيمة، بل العزة لاتكون إلا بالتعرف على رب الارض والسماء رب الملوك والكنوز والبلاد والعباد فلله ملك السموات والارض كما أخبر عز وجل .وفي الحديث "تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة"
فمن ابتغى العزة عند غيره من دونه أذله سبحانه واتعبه وارهقه ولو بعد حين وذلك ليعود لطلب العزة عنده بالتوحيد وافراده سبحانه بالعبادة وتحقيق معنى لاإله إلا الله وطاعته وترك معصيته. قال تعالى {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا}[الجن_6].
وقال عز وجل {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ}[آل عمران_173].
فلما طلبوا العزة منه بالقيام بأمره فانظر ألى أي شيء صاروا وانقلبوا..فقال تعالى {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ}[آل عمران_174]
وفي مسائل ابن هانيء سأل رجل الإمام أحمد فقال أوصني فقال "أعزِ أمر الله حيث كنت يعزك الله".
فالقيام بامر الله يكون بالعمل بفرائضه وترك قربان حدوده. و إذا رأى منكراً أن ينكره بما يستطيع. فأعز أمره لِيُعزك
بأن تنصر السنة وتنشرها بعلم وحكمة وصبر وحلم سيما و الحاجة اليها قائمة.....وهكذا
فاللهم اعزنا بتقواك وطاعتك والدعوة لتوحيدك وسنة نبيك والعمل بكتابك واجعل مبتغانا تقديم رضاك على رضى الناس وأهواءهم. فإنه من ارضى الناس لطلب عزتهم بسخط الله سخط الله عليه وسلبه عزتهم وأذله بهم وأسخطهم عليه .
فاللهم رحماك رحماك ليس لنا رب سواك فسبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمدلله رب العالمين
كتبه / أبوعبدالله ماهر بن ظافر القحطاني
عضو التوعية بهيئة الامربالمعروف والنهي عن المنكر وعضو التوعية بالحج وإمام وخطيب جامع بلال بن رباح رضي الله عنه بجدة