التحذير من إكثار الكلام في المجالس فيما لا يفيد في الآخرة و من الغيبة و السخرية و النميمة
و أنه ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد
و أن حرمة ذلك بالشهر المحرم أشد
بسم الله الرحمن الرحيم
فمن الأخطاء العظيمة الشائعة بين كثير من الناس في المجالس التهاون في ضبط اللسان مع عظيم خطره وسوء عاقبته لمن استهان بأمره
فمن أقل آفاته أن يتناجى به مع غيره بما لاينتفع به في آخرته فيكثر الكلام فيما لا يرجو ثوابة فيقسو قلبه و يُحرم بهجته و سروره و يكدر صفاءه و يذل عند عدول الخلق فتقل مكانته
و ترخص قيمة كلامه لكثرته فتنقص هيبته بقدر ذلك و يُحرم الصدق
وفي الحديث من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه قال بن رجب إي ترك ما لا يفيده في آخرته و قيل من كثر كلامه كثر سقطه و ذلك علامة لإعراض الرب عنه نسأله سبحانه عفوه ومغفرته
فآفة اللسان ثرثرته
روى*أبوعبيدة*عن*الحسن*قال : من علامة إعراض الله تعالى ، عن العبد و خذلانه أن يجعل شغله فيما لا يعنيه
قال*سهل بن عبد الله التستري: من تكلم فيما*لا يعنيه ، حرم الصدق
قال*معروف*: كلام العبد فيما لا يعنيه خذلان من الله عز وجل.*
قال رجل لمالك بمجلس كم مضى من عمرك فأدبه و علمه ألا يتكلم بما لا يفيده و لا يعنيه فقال
رحمه الله هذا مما لا يعنيك و من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه
و من تكلم فيما لا يحسنه و لا يعنيه عرض نفسه لسماع ما لا يرضيه
و من أشد آفات اللسان الغيبة و هي كما عرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ذكرك أخاك بما يكره فإن كان فيه ما قال فقد اغتابه و إن لم يكن فيه ما قال فقد بهته (رواه مسلم)
قال الله تعالى ( وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ )
الثاني النميمة و هي نقل كلام من شخص إلى شخص ليفسد الود بينهما
قال بن عبدالبر يفسد النمام في ساعة ما لا يفسده الساحر في سنة
روى البخاري والنسائي عن بن عباس رضى الله عنهما قال مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحائط المدينة من حطان مكة أو المدينة ، سمع صوت إنسانين يعذبان في قبورهما ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يعذبان وما يعذبان في كبير ثم قال : بلى ! كان أحدهما لا يستبرئ من بوله ، وكان الآخر يمشي بالنميمة . ثم دعا بجريدة فكسرها كسرتين ، فوضع على كل قبر منهما كسرة ، فقيل له : يا رسول الله لم فعلت هذا ؟ قال : لعله أن يخفف عنهما ما لم ييبسا – أو إلى أن ييبسا -
و الواجب حسن الظن بالمسلم قال أمير المؤمنين عمر و لا تظن بكلمة خرجت من أخيك شرا و أنت تجد لها في الخير محملا - و نقول كذلك في الأفعال
قال تعالى( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ )
و في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إياكم وسوء الظن فإنه أكذب الحديث
فيالله كم حرك سوء الظن لسان مصلي قائم صائم فصار يفري به فريا يستطيل في عرض إخوانه سرفا بغير حساب
و في الحديث أهونُ الرِّبا كالذي ينكِحُ أُمَّه ، و إنَّ أرْبى الرِّبا استطالةُ المرءِ في عِرضِ أخيه
و من أعظم آفاته السخرية و التنقص من الآخرين و لمزهم بلقب مضحك أو فيه تنقص لإثارة ضحك أهل المجلس أو لحسد في قلبه يتشفى منه بالسخرية و التنقص من من يحسده و فيه اثر من آثار الإعجاب بالنفس عياذا بالله
قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَىٰ أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَىٰ أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ ۖ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ ۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ ۚ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ )
و قد تقترن السخرية بالغيبة فيكون إثمها أعظم و لا ينفع المغتاب و الساخر قدرته أن يقول ذلك أمام من اغتابه فيجب الإنكار عليه وإن كان صالحا طيبا بلا مجاملة
روى أبو داود عن أبي حذيفة عن عائشة قالت : قلتُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم حسبُك من صفيةَ كذا وكذا, قال: غيرُ مُسَدِّدٍ تعني قصيرةً. فقال: لقد قلتِ كلِمَةً لو مُزِجت بماءِ البحرِ لمزجته .قالت: وحكيْتُ له إنسانًا , فقال: ما أُحِبُّ أني حَكيْتُ إنسانًا وأن لي كذا وكذا.
أي قلدت إنسان على وجه التنقص وذلك من آفات اللسان والفعال
و لا يدخل في النميمة و الغيبة بالإجماع التحذير من أهل البدع و الدعاة إلى أبواب جهنم فذاك من النصيحة الواجبة كما دخل رجل على الإمام أحمد وهو يقول فلان ضعيف فلان كذا فقال تغتاب العلماء فقال هذه نصيحة وليست غيبة
قال شيخ الإسلام والتحذير من أهل الأهواء واجب باتفاق العلماء فمن سمى ذلك غيبة ومسبة للعلماء فقد اتبع غير سبيل المؤمنين مادام المتكلم من أهل العلم ويعرف كيف يتكلم في أهل البدع ومتى يسكت عن تعيينهم
ولكن عباد الله إذا كرر الكلام في صاحب بدعة وتوسع واسرف واستطال فذكر ما لا يفيد السامعين وقد عرف حاله عندهم فتلك غيبة ونميمة كما مر الإمام أحمد على قوم وهم يذكرون ابن أبي دؤاد بعدما عرف حاله فنهاهم وقال كفاكم
قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ)[سورة المجادلة 9]
فاللهم واحفظ ألسنتنا أن نتكلم بها بما يهلكنا ويوبق دنيانا واخرانا أو تحبط أعمالنا ونحن لا نشعر
قال تعالى ( مايلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد )
وبخاصة ونحن في شهر الله المحرم فهو من الأشهر الحرم فالذنب فيه أعظم والعقوبة أشد قال تعالى
(إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ۚ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)[سورة التوبة 36]
قال بن عباس : لاتظلمون فيهن أنفسكم في كلهن ثم اختص أربعة أشهر عظم حرمتها وجعل الذنب فيهن أعظم والطاعة أفضل
قال بن تيمية معنى كونها حرم اي العقوبة لمن عصى الله فيهن أشد
فلنحفظ فيه الجوارح السمع والبصر واللسان والفؤاد ولنكثر فيه من الصيام
فقد خرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه: أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم
قال نبينا صلى الله عليه وسلم لمعاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو قال على مناخرهم إلا حصاد ألسنتهم
فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك واحفظ اللهم ألسنتنا فيه من الكذب والنفاق والغيبة والنميمة وسوء الأخلاق
والسلام عليكم ورحمة الله
كتبه محبكم واخوكم
أبوعبدالله ماهر بن ظافر القحطاني