بسم الله الرحمن الرحيم
( تطريز رياض الصالحين)
للعلامة / فيصل بن عبد العزيز آل مبارك
(1313هـ 1376هـ
[144] وعن ابن مسعود رضي الله عنه : أنّ النَّبيّ ﷺ ، قَالَ : «هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ » . قالها ثَلاثاً . رواه مسلم .
« المُتَنَطِّعونَ » : المتعمقون المتشددون في غير موضِعِ التشديدِ .
المتنطَّع : المتكلَّف في العبادة بما يشق فعله ولا يلزمه ، والخائضُ فيما لا يعنيه وفيما لا يبلغه عقله .
[145] عن أَبي هريرةَ رضي الله عنه عن النَّبيّ ﷺ قَالَ : « إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ، وَلَنْ يُشَادَّ الدِّيْنُ إلا غَلَبَهُ ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأبْشِرُوا ، وَاسْتَعِينُوا بِالغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ » . رواه البخاري .
وفي رواية لَهُ : « سَدِّدُوا وَقَارِبُوا ، وَاغْدُوا وَرُوحُوا ، وَشَيءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ ، القَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا » .
قوله : « الدِّينُ » : هُوَ مرفوع عَلَى مَا لَمْ يسم فاعله . وروي منصوباً وروي « لن يشادَّ الدينَ أحدٌ » .
وقوله ﷺ : « إلا غَلَبَهُ » : أي غَلَبَهُ الدِّينُ وَعَجَزَ ذلِكَ المُشَادُّ عَنْ مُقَاوَمَةِ الدِّينِ لِكَثْرَةِ طُرُقِهِ . وَ« الغَدْوَةُ » : سير أولِ النهارِ . وَ« الرَّوْحَةُ » : آخِرُ النهارِ . وَ« الدُّلْجَةُ » : آخِرُ اللَّيلِ .
وهذا استعارة وتمثيل ، ومعناه : اسْتَعِينُوا عَلَى طَاعَةِ اللهِ عزوجل بِالأَعْمَالِ في وَقْتِ نَشَاطِكُمْ وَفَرَاغِ قُلُوبِكُمْ بِحَيثُ تَسْتَلِذُّونَ العِبَادَةَ ولا تَسْأَمُونَ وتبلُغُونَ مَقْصُودَكُمْ ، كَمَا أنَّ المُسَافِرَ الحَاذِقَ يَسيرُ في هذِهِ الأوْقَاتِ ويستريح هُوَ وَدَابَّتُهُ في غَيرِهَا فَيَصِلُ المَقْصُودَ بِغَيْرِ تَعَب ، واللهُ أعلم .
معنى الحديث : لا يتعمق أحد في الأعمال الدينية ، ويترك الرفق إلا عجز وانقطع عن عمله كله أو بعضه ،فتوسطوا من غير إفراط ، ولا تفريط ، وقاربوا إن لم تستطيعوا العمل بالأكمل ، فاعملوا ما يقرب منه ، وأبشروا بالثواب على العمل الدائم وإنْ قل ، واستعينوا على تحصيل العبادات بفراغكم ونشاطكم ، قال الله تعالى : ﴿ فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ﴾ [ الشرح (7 ، 8) ] .