
31-03-2016, 01:56PM
|
عضو مشارك - وفقه الله -
|
|
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
|
|
بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام
للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -
الحديث الثالث :
عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله ﷺ سمع جلبة خصم بباب حجرته فخرج إليهم فقال ألا إنما أنا بشر وإنما يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها
موضوع الحديث :
إخبار النبي ﷺ عن نفسه بأنه بشر كسائر البشر وأنه يقضي على نحو مما يسمع وأن قضاءه لا يحل شيئاً محرماً بل إن المال الحرام يبقى حراماً ولا يحله حكم الحاكم لقوله ( فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها )
المفردات
جلبة : هي اختلاط الأصوات ومثله لجبة بأن ترتفع أصوات مختلطة لا يتبين منها شيء
جلبة خصم : أي أصوات خصوم يتنازعون
عند باب حجرته : أي حجرة أم سلمة رضي الله عنها
فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض : مثل قوله ألحن بحجته من بعض وهذا أمر ملموس فالناس يتفاوتون في إقامة الحجة
ومعنى أبلغ : أكثر بلاغة
فأحسب : أي فأظن وأعتقد أنه صادق فأقضي له بناءً على ذلك الحسبان فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار
فليحملها أو يذرها : أي أن ذلك الحق الذي أخذه من مال أخيه ببلاغته إنما هي قطعة من النار
فليحملها : أمر تهديد
أو يذرها : أمر إباحة
المعنى الإجمالي
سمع النبي ﷺ خصومة قوم عند باب حجرته فخرج إليهم وقال لهم إنما أنا بشر وإنما أقضي على نحو مما أسمع ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته أي أقوى حجة وأكثر بلاغة فأقضي له فمن قضيت له بحق أخيه فإنما اقتطع له قطعة من النار فليحملها إن شاء فإنه متى حملها حمل النار أو ليذرها إن شاء فهو خير أن يترك ما ليس له فيه حق
فقه الحديث
أولاً : يؤخذ من هذا الحديث جواز التقاضي والتخاصم في المسجد فإنه قد ورد أن كَعْبٍ بن مالك رضي الله عنه تَقَاضَى عبدالله بن أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ e وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا …) الحديث ولا شك أن بيوت الله ينبغي أن تصان عن الخصومات
ثانياً : قوله ألا إنما أنا بشر في هذا تقرير من النبي ﷺ لبشريته تبعاً لما قضاه الله عز وجل وأمر به في قوله (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ) [ فصلت : 6 و الكهف : 110 ]
ثالثاً : يؤخذ من هذا براءة النبي ﷺ مما يدعيه له بعض أصحاب البدع من صوفية وبريلوية وغيرهم من اعتقادات في رسول الله ﷺ تتجاوز به إلى مقامات الألوهية وهذا افتراء عليه ﷺ فهو بريء من كل من كذب عليه أو أعطاه شيئاً من حق ربه سبحانه وتعالى
رابعاً : في هذا تقرير وهو قوله إنما أنا بشر تقرير بأنه لا يعلم الغيب وأنه بشر كغيره من البشر لا يحكم إلا بالظاهر
خامساً : يؤخذ من قوله وإنما يأتيني الخصم دليل على أن المتخاصمين كل منهما يريد أن يجعل الحجة له وقد يتغلب أحدهما إما بكونه محق ومعه البينة وإما لكونه أشد بلاغة من خصمه فيجعل ببلاغته الحق باطلاً والباطل حقاً والصدق كذباً والكذب صدقاً
سادساً : يؤخذ من قوله ولعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له أن حكم النبي ﷺ كحكم غيره من البشر يقضي بما سمع من الحجج والأمور الشرعية وذلك شيء غير مبيح لمال الغير لقوله ( فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار )
سابعاً : يؤخذ من هذا أن حكم النبي ﷺ كحكم غيره لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً بل تبقى الأحكام الحقيقية كما هي فمن جاء بشاهدي زور بأنه قضى دائنه المبلغ المحدد فحكم القاضي بأنه قد برئت ذمته من ذلك الدين فإن ذمته لم تبرأ بذلك الحكم وإذا أتى الرجل بشاهدين يشهدان أن فلاناً تزوج فلانة وأشهدنا على ذلك فحكم القاضي بشهادتهما وحكم بأنها زوجته لم يبح له وطئها بذلك الحكم بل هو يعتبر كلما وطئها وطئها بالزنا والعياذ بالله وهذا مذهب الجمهور وخالف في ذلك أبو حنيفة فزعم أن حكم القاضي يبيح الفروج دون الأموال وكل ذلك حرام لا يباح منه شيء بشهادة الزور بل أن ذلك يبقى حراماً كما هو في الأصل حرام
ثامناً : يؤخذ من قوله فإنما هي قطعة من النار أن الحكم لا يبيح ما حكم به القاضي ولو كان مستنداً إلى البينة واليمين وأن مال الغير حرام على الغير وقد قال النبي ﷺ كما جاء في الحديث عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ضَالَّةُ الْمُسْلِمِ حَرَقُ النَّارِ ) وهي ضالة فكيف إذا أخذ ذلك المال بحكم احتال فيه فإنه يكون أشد تحريماً وعلى من يخاف الله أن يمتنع عن أخذه
تاسعاً : في قوله فليحملها أو يذرها قوله فليحملها إن شاء هذا الأمر أمر تهديد كقوله سبحانه وتعالى (اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ) [ فصلت : 40 ]
عاشراً : أن الحاكم لا يجوز له أن يحكم بعلمه بل يجب عليه أن يحكم بالإجراءات الشرعية التي تبيح الحكم في الظاهر حتى ولو علم هو بنفسه شيئاً خلاف ما يحكم به فإنه يجب عليه أن يحكم بالإجراءات ويترك علمه ومن هنا قال الفقهاء أن الواجب على القاضي ألا يحكم بعلمه
الحادي عشر : يؤخذ منه موعظة القاضي للخصوم
الثاني عشر: يؤخذ منه العمل بالظن وبناء الحكم عليه حيث قال أنه صادق وهو أمر مجمع عليه بالنسبة للحاكم والمفتي وبالله التوفيق .
--------
تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ
تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحي النجميَ
تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 5 ]
[ المجلد الخامس ]
http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam5.pdf
الرابط المباشر لتحميل الكتاب :
http://subulsalam.com/play.php?catsmktba=9384
|