
31-03-2016, 01:51PM
|
عضو مشارك - وفقه الله -
|
|
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
|
|
بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام
للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله-
الحديث الثاني:
عن عائشة رضي الله عنها قالت دخلت هند بنت عتبة امرأة أبي سفيان على رسول الله ﷺ فقالت يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح لا يعطيني من النفقة ما يكفيني ويكفي بنيّ إلا ما أخذت من ماله بغير علمه فهل عليّ في ذلك من جناح فقال رسول الله ﷺ خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك )
موضوع الحديث :
استفتاء من هند بنت عتبة في أخذ ما يتمم نفقة بنيها من غير علم زوجها
أولاً : ذكر التراجم الواردة في الحديث
فهند بنت عتبة بن ربيعه بن عبد شمس أخت أبي حذيفة بن عتبة وأبوها الذي بارز يوم بدر هو وأخوه وابنه وكان رجلاً مسناً وشريفاً في قريش حتى فسر قول الله عز وجل ( وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) [ الزخرف : 31 ] قالوا هو عتبة بن ربيعه من قريش وعروة بن مسعود الثقفي من ثقيف حضرت أحداً مع زوجها وكانت تحرض على قتل المسلمين فلما قتل حمزة رضي الله عنه بقرت بطنه وأخذت قطعة من كبده فلاكتها ثم لفظتها وكان حمزة رضي الله عنه هو الذي بارز يوم بدر عمها شيبة بن ربيعه فقتله واختلفا عبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب وعتبة بن ربيعه ضربتين فمال حمزة رضي الله عنه على أبيها عتبة فأجهز عليه لكنها أسلمت يوم الفتح بعد زوجها بيوم وذهبت في اليوم الثاني إلى النبي ﷺ فبايعته وقد جاء عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ إِنَّ هِنْدَ بِنْتَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كَانَ مِمَّا عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَهْلُ أَخْبَاءٍ أَوْ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ أَنْ يَذِلُّوا مِنْ أَهْلِ أَخْبَائِكَ أَوْ خِبَائِكَ شَكَّ يَحْيَى ثُمَّ مَا أَصْبَحَ الْيَوْمَ أَهْلُ أَخْبَاءٍ أَوْ خِبَاءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَعِزُّوا مِنْ أَهْلِ أَخْبَائِكَ أَوْ خِبَائِكَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَيْضًا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ مِسِّيكٌ فَهَلْ عَلَيَّ حَرَجٌ أَنْ أُطْعِمَ مِنْ الَّذِي لَهُ قَالَ لا إِلا بِالْمَعْرُوف
وبايعت رسول الله ﷺ مع النساء المبايعات توفيت في السنة الرابعة عشرة في اليوم الذي توفي فيه أبو قحافة والد أبي بكر الصديق رضي الله عنه
أما قول ابن الملقن رحمه الله عندما ذكر هند قال وهند هذه أم معاوية لها ذكر ونفس وابقة
وأقول : إن هذه الكلمة كلمة عظيمة وفضيعة من ابن الملقن إذ أن الذي حصل منها كان في حال الكفر وقد أخبر النبي ﷺ أن الإسلام يجب ما قبله إذاً فلا يجوز أن نقول في صحابية أسلمت وبايعت وحسن إسلامها مثل هذا القول لأن الصحابة رضي الله عنهم لهم حق الصحبة وهو حق عظيم لا يصل إليه أحد لما ورد عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ ﷺ لا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ )وإن الواجب التأدب مع أصحاب رسول الله وأن نرى لهم الفضل على غيرهم وبالله التوفيق .
أما أبو سفيان فهو صخر بن حرب بن أميه بن عبد شمس بن عبد مناف والد معاوية ويزيد بن أبي سفيان وحنظلة الذي قتل يوم بدر كان من أشراف قريش في الجاهلية وأفضلهم ومن التجار وكانت له راية الرؤساء المعروفة بالعقاب أسلم يوم الفتح وأعطاه النبي ﷺ من غنائم هوازن مائة من الإبل وأربعين أوقية من الفضة تقوم عن أربعة آلاف من الدراهم وأعطى ابنيه على خمسين من الإبل يتألفهم على الإسلام توفي أبو سفيان رضي الله عنه في سنة اثنتين وثلاثين وقيل إحدى وثلاثين وقيل ثلاث وثلاثين
المفردات
إن أبا سفيان رجل شحيح : الشح والبخل متقاربان والظاهر أن الشح أعم من البخل لأن البخل يكون في المال وشح النفس منع البذل أو قلته سواء كان في المال أو غيره
قولها فهل عليّ : أي فهل عليّ من جناح في ذلك أن آخذ من ماله بغير علمه فقال رسول ﷺ ( خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك )
المعنى الإجمالي
أسلمت هند بنت عتبة بن ربيعه بن عبد شمس صبيحة يوم الفتح وكانت قبلها شديدة الحرب على الإسلام وأهله وذهبت فبايعت النبي ﷺ واستفتته بما ورد في هذا الحديث وذلك أنها تأخذ من مال زوجها أبي سفيان بغير علمه فأفتاها بجواز ذلك إذا أخذت قدر الكفاية بالمعروف
فقه الحديث
أولاً : اختلف أهل العلم في هذه القصة هل هي استفتاء أو طلب حكم فمنهم من رأى أنها طلب حكم وأخذ منه جواز الحكم على الغائب إذا تعذر حضوره إلى مجلس الحكم وأخذ منه مسألة الظفر ومنهم من قال أنه استفتاء فمن رأى أنه استفتاء قال بجواز ذكر الإنسان بما يكره إذا كان في الاستفتاء والقول بأنه استفتاء هو الأقرب لقولها أن أبا سفيان رجل شحيح إلى أن قالت فهل عليّ في ذلك من جناح إذا أخذت من ماله بغير علمه . ومما يؤيد أنه استفتاء أنه أفتاها بقوله ( خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك ) ولو كانت المسألة طلب حكم لكان النبي ﷺ قد طلب حضوره وسأله هل يعترف بما ادعت عليه زوجته أم لا ؟ فهذه القرآئن أو هذه الأمور تبين أن المسألة مسألة استفتاء لا مسألة طلب حكم
ثانياً : وجوب نفقة الزوجة على زوجها قال وهو إجماع قلت هذا الإجماع يستند على الأدلة المعروفة في ذلك لقول النبي ﷺ ( أَلا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٍ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً أَلا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ أَلا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ )
ثالثاً : أن نفقة المرأة تقدر بحال الزوج على الصحيح وإلى ذلك ذهب الشافعي رحمه الله وذهب مالك وأبو حنيفة أن الاعتبار في النفقة بحال المرأة وذهب أحمد بن حنبل أن الاعتبار بحالهما والقول الصحيح هو القول الأول لقول الله عز وجل ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ) [ الطلاق : 7 ]
رابعاً :وجوب نفقة الأولاد الصغار على والدهم لقول الله عز وجل ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) [ البقرة : 233 ]
فقوله (وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ ) دليل على أن نفقة الأبناء على الأب أو من ينوب عنه
خامساً : أن هذه النفقة مقدرة بالكفاية لقول النبي ﷺ ( خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك )
سادساً : إذا كان للرجل زوجتان إحداهن لها أولاد كثير والثانية لها أولاد قليل فكل واحدة منهن لها نفقتها بقدر ما عندها من البنين ولعل بعض الناس يظن المساواة مع اختلاف عدد الأولاد وهذا كلام باطل
سابعاً : أن نفقة الأولاد تجب إلى أن يبلغوا فإذا بلغوا فإنه لا تلزم على الأب نفقتهم إلا من باب الإحسان إلا أنه يستثنى من ذلك النساء غير المزوجات والزَمناء وذوي العاهات من الأولاد الذين عندهم عاهات تمنعهم من الكسب فإنه تجب نفقتهم
ثامناً :فيه جواز سماع كلام الأجنبية عند الاستفتاء وعند التحاكم لأن ذلك ضرورة
تاسعاً : يؤخذ منه جواز ذكر الإنسان بما يكره إذا كان للاستفتاء أو للشكوى والله سبحانه وتعالى يقول (لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلا مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا ) [ النساء : 148 ] وأن ما كان من هذا القبيل لا يعد من الغيبة
عاشراً :إذا كان لا يعد من الغيبة من أجل حق المستفتي أو الشاكي فإنه من باب أولى ألا يكون من الغيبة إذا كان ذلك في بيان حق الله فمن ابتدع بدعة أو أحدث حدثاً وجب أن يذكر ببدعته أو حدثه ليعلم الناس حاله وقد قال النبي ﷺ لما ذكر الْمَدِينَةُ وأنها حَرَمٌ مَا بَيْنَ عَيْرٍ إِلَى ثَوْرٍ قال ( فَمَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ لا يُقْبَلُ مِنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ صَرْفٌ وَلا عَدْلٌ )
الحادي عشر : استدل بهذا الحديث على مسألة الظفر وهو أن يكون للرجل حق عند أحد من الناس ولم يصل إلى حقه فتمكن من بعض ماله قالوا فله أن يأخذ بقدر حقه من غير رجوع إلى من عليه الدين
قال ابن الملقن وهذا مذهب الشافعي وأصحابه وتسمى هذه المسألة مسألة الظفر ومنع ذلك أبو حنيفة ومالك كما حكاه النووي في شرح مسلم
الثاني عشر : قال ابن الملقن يجوز الأخذ من الجنس ومن غيره كما هو ظاهر الإطلاق والأصح عند أصحابنا أنه لا يأخذ من غير الجنس إلا إذا تعذر الجنس أي جنس المال الذي له عند الرجل
الثالث عشر : جواز إطلاق الفتوى من غير تقييد بثبوت كما أطلقه النبي ﷺ
الرابع عشر: جواز اعتماد العرف في الأمور التي ليس لها تحديد شرعي لقوله ( خذي من ماله بالمعروف ما يكفيك ويكفي بنيك )
الخامس عشر :جواز خروج المرأة المزوجة من بيتها لحاجتها من محاكمة واستفتاء وغيره إذا أذن لها زوجها أو علمت رضاه هكذا قال ابن الملقن والذي ذكره ابن كثير في ترجمتها أنها استأذنت زوجها في الخروج
السادس عشر: أن ما يذكر في الاستفتاء من عيب أو أذية للغير وكذلك في المحاكمة أنه لا يوجب تعزيراً ولا يكون ذلك من الممنوع كما تقدم
السابع عشر:جواز القضاء على الغائب قال ابن الملقن كذا
استدل به جماعة من أصحابنا وترجم عليه البخاري في صحيحه وفيه قولان لأهل العلم
وأقول : تقدم أن رجحت أن المسألة مسألة استفتاء لا طلب حكم كما بينت الأدلة على ذلك من الحديث
الثامن عشر :أن للمرأة ولاية على ولدها من حيث أن صرف المال على المحجور عليه أن يملكه نفقته لمدة معينة وفي حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو إِذْ جَاءَهُ قَهْرَمَانٌ لَهُ فَدَخَلَ فَقَالَ أَعْطَيْتَ الرَّقِيقَ قُوتَهُمْ قَالَ لا قَالَ فَانْطَلِقْ فَأَعْطِهِمْ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يَحْبِسَ عَمَّنْ يَمْلِكُ قُوتَهُ )
التاسع عشر : أن القول قول الزوجة في قبض النفقة أو عدمها
العشرون : أن المرأة لا يجوز لها أن تأخذ من مال زوجها شيئاً إلا بإذنه وإن قل هكذا قال ابن الملقن
قلت : وقد سأل النساء النبي ﷺ في الإنفاق من مال أزواجهن فأفتاهن رسول الله ﷺ بأن لهن الرطب أي الطعام الناضج ) ولا يجوز للمرأة أن تأخذ غير هذا إلا بإذن زوجها
الحادي والعشرون :أن مال الغير محضور على الغير لا يجوز التصرف فيه إلا بإذن صاحبه أو بأمر شرعي وهذه القاعدة أيدتها أدلة لا نطيل بذكرها منها قول النبي ﷺ كما في حديث أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ مَنْ اقْتَطَعَ حَقَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ بِيَمِينِهِ فَقَدْ أَوْجَبَ اللَّهُ لَهُ النَّارَ وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ وَإِنْ كَانَ شَيْئًا يَسِيرًا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَإِنْ قَضِيبًا مِنْ أَرَاكٍ )
فما أصعب الموقف بين يدي الله عز وجل على من يأخذ أموال الناس بغير حق نسأل الله أن يجعلنا من الوقافين عند الحدود وألا يجعلنا من المتجرئين على حقوق الغير وبالله تعالى التوفيق .
--------
تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ
تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحي النجميَ
تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 5 ]
[ المجلد الخامس ]
http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam5.pdf
الرابط المباشر لتحميل الكتاب :
http://subulsalam.com/play.php?catsmktba=9384
|