بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام
للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -
باب حد السرقة :
الحديث الأول :
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قطع في مجن قيمته وفي لفظ ثمنه ثلاثة دراهم
موضوع الحديث :
نصاب السرقة
المفردات
قوله قطع : أي قطع يد السارق
في مجن : أي بسبب مجن سرقه والمجن هو الدرقة التي كانت يستجن بها أي يتقى بها ضرب السيوف أو طعن الرماح أو السهام
قوله : قيمته وفي لفظ ثمنه : القيمة والثمن يمكن أن تكون لفظان مختلفان على شيء واحد ويمكن أن يقال أن القيمة هي التي تعرف غالباً عند الناس وأما الثمن فقد يزيد عن القيمة المعروفة وقد ينقص بناء على المماكسة وعلى هذا فإن القيمة والثمن يقال أنهما يختلفان أحياناً ويتفقان في الغالب
المعنى الإجمالي
يخبر عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي ﷺ قطع يد سارق في سرقة مجن قيمته ثلاثة دراهم
فقه الحديث
أولاً : يؤخذ من هذا الحديث الشريف أن الثلاثة الدراهم هي نصاب القطع في السرقة فلا يقطع في أقل منها وبهذا قال مالك وأحمد وإسحاق ورواية عن الشافعي
ثانياً : يؤخذ منه أن الدراهم وهي الفضة هي أصل في نصاب السرقة وهذه الرواية رواية صحيحة رواها البخاري ومسلم ومالك في الموطأ وأحمد في المسند والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجة
وأما الأقوال في نصاب القطع في السرقة فهي ثمانية أقوال حكاها ابن الملقن في كتابه الإعلام بفوائد عمدة الأحكام في شرح هذا الحديث فكان منها القول بأن النصاب ثلاثة دراهم وسبق أن قلت أن الثلاثة الدراهم تقدر بالنقد الحالي بريال إلا ربع سعودي
القول الثاني على أن نصاب القطع في السرقة ربع دينار من الذهب وهذا مقتضى حديث عائشة رضي الله عنها الآتي أن النبي ﷺ قطع في ربع دينار والرواية الموجودة هنا عن عائشة أنها سمعت رسول الله ﷺ يقول تقطع اليد في ربع دينار فصاعداً وهذا الحديث ذهب إليه الشافعي وهو قول كثير من العلماء ذكر ابن الملقن منهم عائشة وعمر بن عبدالعزيز والأوزاعي والليث بن سعد والشافعي وأبو ثور وإسحاق وقد ذهب هؤلاء إلى أن الأصل في نصاب السرقة هو الذهب وإذا قلنا بأن الأصل في نصاب السرقة هو الذهب فإن القطع يكون في ربع دينار سواء كانت قيمته ثلاثة دراهم أو أكثر فلو قلنا بهذا القول وجعلنا الذهب أساساً في نصاب السرقة فإنه لا يقطع إلا فيما قيمته ربع دينار والدينار هو مثقال وهو أربعة جرامات وثلاث وعشرين بالمائة من الجرام الخامس (4.23 جم) وقد كمل الفقهاء اثنين بالمائة ليساوي الدينار أربع جرامات وربع (4.25 ) وإذا قلنا أربع جرامات وربع فإنه يعتبر بقيمة الذهب في وقت السرقة فمثلاً الآن الجرام من الذهب يباع بخمسة وأربعين أو بأربعين ريالاً فيضاف إليها ربع الربع لو قلنا أن قيمة الجرام أربعين فيجب أن نضيف إليه ربع الربع حيث أن الدينار أربع جرامات وربع ( 4.25 ) فيكون النصاب اثنين وأربعين ونصف ريال سعودي والفرق كبير بين هذين النصابين علماً بأن قيمة الذهب ترتفع وتنخفض فتكون غير محددة بل تكون عائمة في القيم المختلفة ومن ناحية أخرى فإذا قلنا بحديث عبدالله بن عمر وهو كان في ذلك الزمن ربع دينار أي الثلاثة الدراهم ربع دينار لأن صرف الدينار في ذلك الزمن اثني عشر درهماً وما كان النبي ﷺ ليقطع في شيء أقل من النصاب الذي يجب القطع به وفيما يظهر لي والله أعلم أن تقدير النصاب بثلاثة دراهم أضبط وكون الدراهم معروفة المقدار فيكون القطع فيما قيمته ثلاثة دراهم وهي ريال إلا ربع بالنقد السعودي هذا ما تلخص لي أما القول بأن نصاب القطع في السرقة عشرة دراهم أو خمسة دراهم أو درهمين أو درهم واحد أو أربعين درهماً فكل هذه الأقوال أدلتها ضعيفة والقول بها أضعف والله تعالى أعلم .
يبقى معنا الكلام من أين تقطع اليد وما هو الذي يثبت به هذا الحد فالجمهور على أن اليد تقطع من مفصل الرسغ وهو مفصل الكف مع الذراع وعلى هذا القول جرى العمل في زمن النبي ﷺ وخلفائه الراشدين وقالت الخوارج أن اليد تقطع من المنكب وقولهم هذا ضعيف وكذلك القول بأنها تقطع من المرفق .
ثالثا : أنه لا يقطع إلا في الآخذ من حرز والحرز شرط عند الجمهور فالصندوق حرز للدراهم وكل شيء حرزه بحسبه والدابة إذا كانت مربوطة فحرزها رباطها والجيب حرز أيضاً وقد ورد في الحديث ( أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ قِيلَ لَهُ هَلَكَ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ قَالَ فَقُلْتُ لا أَصِلُ إِلَى أَهْلِي حَتَّى آتِيَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَرَكِبْتُ رَاحِلَتِي فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ زَعَمُوا أَنَّهُ هَلَكَ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ قَالَ كَلا أَبَا وَهْبٍ فَارْجِعْ إِلَى أَبَاطِحِ مَكَّةَ قَالَ فَبَيْنَمَا أَنَا رَاقِدٌ إِذْ جَاءَ السَّارِقُ فَأَخَذَ ثَوْبِي مِنْ تَحْتِ رَأْسِي فَأَدْرَكْتُهُ فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ ﷺ فَقُلْتُ إِنَّ هَذَا سَرَقَ ثَوْبِي فَأَمَرَ بِهِ ﷺ أَنْ يُقْطَعَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ هَذَا أَرَدْتُ هُوَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ قَالَ فَهَلا قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ )
فنأخذ من هذا الحديث أن رداء صفوان رضي الله عنه كان وضع رأسه عليه حرزاً له ويتبين لنا أن الحرز في كل شيء بحسبه والسيارة إذا كانت مقفلة وفتحها السارق فإنه إذا أخذها ، أخذها من حرز والدابة إذا كانت مربوطة فأخذها السارق من رباطها فإنه قد أخذها من حرز وهكذا وتبين لنا أن بعض الفقهاء الذين يتشددون في الحرز أنهم مخطئون في ذلك ولعل الإنسان يكون آثماً عندما يحاول دفع الحد عن المجرم بأوهى سبب
رابعاً : أن القطع في السرقة هو أن تقطع من مفصل الكف في اليد اليمنى فإن عاد فسرق قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم .
--------
تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ
تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحي النجميَ
تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 5 ]
[ المجلد الخامس ]
http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam5.pdf
الرابط المباشر لتحميل الكتاب :
http://subulsalam.com/play.php?catsmktba=9384
|