
11-01-2016, 06:27PM
|
عضو مشارك - وفقه الله -
|
|
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
|
|
بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام
للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -
[304]الحديث العاشر :
عن عائشة رضي الله عنها قالت جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي ﷺ فقالت :كنت عند رفاعة القرظي فطلقني فبت طلاقي فتزوجت بعده عبدالرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدبة الثوب فتبسم رسول الله ﷺ وقال أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ لا ، حتى تذوقي عسيلته ويذق عسيلتك قالت ـ وأبو بكر عنده ـ وخالد بن سعيد بالباب ينتظر أن يؤذن له ، فنادى : يا أبا بكر ، ألا تسمع إلى هذه ما تجهر به عند رسول الله ﷺ .
موضوع الحديث :
أن من طلق زوجته طلاقاً بائناً بينونة كبرى ثم تزوجت برجل آخر أنها لا تحل للأول إن فارقها الثاني بغير تبييت نية تحليل إلا بعد جماع يشعر بلذته الرجل والمرأة وهل يُشترط فيه الانتشار والإنزال هذا محل نظر
المفردات
رفاعة القرظي : نسبة إلى بني قريظة ومطلقته اسمها تميمة بنت وهب بمثناة مضمومة مصغرة أي تُميمة ورفاعة هو ابن سموئل وعبدالرحمن بن الزبير أبوه الزبير بن باطا وكل الثلاثة من بقايا بني قريظة الذين أسلموا أو الذين كانوا وقت قتل آبائهم وأمهاتهم دون الحلم وللزبير بن باطا قصة مع ثابت بن قيس بن شماس ذكرها أصحاب المغازي والسير وهو أنه كان قد أسر ثابت بن قيس في حروب بينهم وبين بني قريظة والأنصار في الجاهلية وحلق رأسه ومنّ عليه فلما نزلوا على حكم سعد بن معاذ وحكم عليهم بالقتل أي جميع البالغين أراد ثابت أن يرد يده فذهب إليه وقال له أطلب من رسول الله ﷺ دمك فوافق ولكنه قال كيف أبقى بدون عيال فطلب ثابت من رسول الله ﷺ أن يمّن عليه بأولاده ففعل وأخيراً قال كيف يعيش رجل في الحجاز بدون مال فطلب ثابت من رسول الله ﷺ أن يمّن عليه بماله ففعل النبي صلى وأخيراً قال لثابت ما هي إلا قبلة ناضح حتى ألحق الأحبة فطلب منه أن يضرب عنقه ففعل
قولها طلقني فبت طلاقي : البتُّ معناه الطلاق المبين بينونة كبرى فلا تحل له بعدها حتى تنكح زوجاً غيره
قولها وإنما معه مثل هدبة الثوب : شبهت ما معه بهدبة الثوب إما في الرقة والرخاوة وإما في الصغر
أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة ؟ لا : أي لا يتم لك ذلك حتى تذوقي عسيلة زوجك الجديد ويذوق عسيلتك والعُسيلة تصغير عسلة وهو كناية عن لذة الجماع
وأبو بكر عنده : أي جالس عند النبي ﷺ حين قالت له ذلك
وخالد بن سعيد بالباب : هو خالد بن سعيد بن العاص
بالباب : أي ينتظر أن يُؤذن له
فنادى يا أبا بكر ألا تسمع إلى هذه ما تجهر به عند رسول الله ﷺ وكأنه يريد من أبي بكر أن ينتهرها ولكن أبا بكر لزم الأدب عند رسول الله ﷺ فلا يمكنه أن يتقدم بين يديه بشيء
المعنى الإجمالي
تقول عائشة رضي الله عنها جاءت امرأة رفاعة القرظي إلى النبي ﷺ فقالت كنت عند رفاعة القرظي فطلقني فبت طلاقي وأخبرت أنها تزوجت بعده بعبدالرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدبة الثوب تعريضاً بأنها تريد أن تخرج منه وتعود إلى زوجها الأول رفاعة فتبسم النبي ﷺ وعرف أنها تريد أن ترجع إلى زوجها الأول فقال لها لا حتى تذوقي عسيلة زوجك الجديد ويذوق عسيلتك كناية عن شرطية وجود لذة الجماع في حل الزواج الثاني وعلى هذا فيحمل قوله تعالى ( حتى تنكح زوجاً غيره ) على أن المراد بالنكاح هنا الذي هو لذة الجماع وبالله التوفيق
فقه الحديث
أولاً: يؤخذ من هذا الحديث أن طلاق البته موجب لتحريم الزوجة المطلقة على زوجها المطلق وبينونتها منه بينونة كبرى لا تحل له بعدها حتى تنكح زوجاً غيره
ثانياً : ذكر الصنعاني في العدة لطلاق البتة احتمالات وهي إرسالها أي الطلقات دفعة واحدة كقول القائل أنت طالق ثلاثاً أو مفرقة بأن يكرر أنت طالق عدة مرات تصل إلى ثلاث أو يقول لها هي طالق البتة أو طلاق البينونة بأن يقول أنت طالق طلاق البتة أو أنت بائن وهذا كله عند من يرى وقوع هذه الألفاظ مبينة لمن طلقها وهم الجمهور وذهب بعض أهل العلم إلى أن ذلك لا يكفي بل لا بد أن تكون الطلقات مفرقة كل طلقة تتبعها رجعة وفي الثالثة تكون البينونة وهذا مذهب بعض أهل العلم وممن ذهب إلى ذلك الظاهرية وابن تيميه وتلميذه ابن القيم الجوزية وحكاه الصنعاني عن الهادوية ومسالة الطلاق فيها خلاف طويل ونزاع كثير سيأتي بعضه في كتاب الطلاق
ثالثاً : يؤخذ من قولها فتزوجت بعده بعبدالرحمن بن الزبير أنها أتت شاكية من عبدالرحمن وراغبة في الرجوع إلى زوجها الأول
رابعاً : يدل على ذلك قولها وإنما معه مثل هدبة الثوب
خامساً : قوله فتبسم رسول الله ﷺ أي متعجباً من صنيعها
سادساً : قوله لها أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة يؤخذ منه أن الظن الذي تسنده قرائن يؤخذ به
سابعاً : قوله لها لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك أفتاها بعدم جواز رجوعها إلى رفاعة على نقيض قصدها
ثامناً : يؤخذ من قوله لا حتى تذوقي عسيلته أن تحليل الزوج الثاني للزوج الأول إنما يكون بالجماع الذي تصحبه اللذة وهل يشترط الانتشار والإنزال هذا محل نظر
تاسعاً : يؤخذ من هذه الفتوى أن قوله سبحانه وتعالى ( حتى تنكح زوجاً غيره ) ليس مجرد النكاح الذي هو العقد ولكن لا بد أن يصحبه الدخول بها وهو الجماع
عاشراً : يؤخذ من مجموع الحديث أن النبي ﷺ أفتاها بنقيض قصدها حيث أنها ظنت أن مجرد زواجها من عبدالرحمن سيكون مبيحاً لزوجها الأول وهي قد اعترفت بأنه لم يصل منها إلى كبير شيء فأفتاها بنقيض قصدها
الحادي عشر : هذا هو مذهب الجمهور على مقتضى هذا الحديث وشذ رجلان من السلف رحمهما الله فذهب سعيد بن المسيب إلى أن مطلق العقد يكفي لحل المبتوتة للزوج الأول وخالف في ذلك الإجماع وذهب الحسن البصري رحمه الله إلى أنها لا تحل إلا بجماع يكون فيه إنزال وشذ بذلك عن رأي الجمهور أما جمهور الفقهاء فهم يشترطون الجماع ولو لم يصحبه إنزال بل إن الحل يترتب على إدخال الحشفة في الفرج الذي قال النووي أنه يترتب عليه مائة حكم
الثاني عشر : أن من احتال حيلة يقصد بها استعجال الشيء المحرم المشروط بشرط أنه يعاقب بحرمانه من ذلك مؤقتاً حتى يتحقق الشرط
وبالله التوفيق .
--------
تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ.
تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحي النجميَ
تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 4 ]
[ المجلد الرابع ]
رابط تحميل الكتاب :
http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam4.pdf
|