عرض مشاركة واحدة
  #39  
قديم 20-12-2015, 01:18AM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم






تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام


للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -


[289]الحديث الثاني :
عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال جاءني رسول الله ﷺ يعودني عام حجة الوداع من وجع اشتد بي فقلت يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة أفأتصدق بثلثي مالي قال لا قلت فالشطر يا رسول الله قال لا قلت فالثلث قال الثلث والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعل في فيّ امرأتك قال قلت يا رسول الله أخلف بعد أصحابي قال إنك لن تخلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة .ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون اللهم امض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله _ أن مات بمكة ) .



موضوع الحديث :
الوصية بكم تكون وما هو المطلوب في حق الورثة



المفردات
يعودني : المقصود هنا العيادة من المرض وهي زيارة المريض
عام حجة الوداع : هذا هو المشهور وقد ورد أنه في عام الفتح
من وجع : المراد بالوجع المرض
اشتد بي : من الشدة وهي ضد الخفة
قوله ولا يرثني إلا ابنة : أي ابنة واحدة
أفأتصدق بثلثي مالي : استفهام وكانت الإجابة لا
قلت فالشطر : أي النصف قال لا
قلت فالثلث : قال الثلث والثلث كثير ، المقصود بالكثرة أي كثرة الموصى به وفيه إشارة إلى الغض من الثلث وأنه أفضل
إنك أن تذر : ورد بفتح الهمزة وكسرها ومعنى أن في حال الفتح تعريفية ومعنى إن بالكسر شرطية
قوله أغنياء : أي تتركهم وعندهم غناً يغنيهم عن تكفف الناس أولى من أن تحوجهم على التكفف
خير : هو جواب الشرط على رأي مالك بتقدير فهو خير أما معنى التعريف فهو ضمير للمبتدأ المنسبك من المصدر أي تركك ورثتك أغنياء خير
من أن تذرهم : تتركهم
عالة : فقراء
يتكففون الناس : يطلبونهم بأكفهم
قوله وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله : أي تريد بها وجه الله
إلا أجرت عليها : أي كتب لك بها أجر
حتى : للغاية في القلة أي حتى الذي تجعله في فيء امرأتك من الطعام
قلت يا رسول الله أخلف بعد أصحابي :أي أتأخر عنهم إذا ارتحلوا عن مكة التي هي بلدي الذي هاجرت منه
قال إنك لن تخلف فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله : أي تريد به وجه الله
إلا ازددت به درجة ورفعة : المقصود به رفع الدرجات في الجنة بكثرة الثواب
ولعلك أن تخلف : لعل للترجي والضمير اسمها
حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون : والمراد به انتفاع المؤمنين بسعد وما وهبه الله على يديه من الفتوح والغنائم ويضر بك آخرون المقصود به ما يحصل على المشركين من القتل والسبي والهزائم
قوله اللهم امض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم : دعاء من النبي ﷺ لأصحابه
قوله ولكن البائس سعد بن خولة : البائس هو الذي وقع عليه البأس وهو الفقر والحاجة والمسكنة يرثي له رسول الله ﷺ أن مات بمكة


المعنى الإجمالي
زار النبي ﷺ سعد بن أبي وقاص في مرض أصابه وهو بمكة فقام سعد يسأله عن الوصية لأنه لم يكن له في ذلك الحين إلا ابنة واحدة فأراد أن يوصي بثلثي ماله فنهاه النبي ﷺ ثم أراد أن يوصي بالشطر فنهاه ﷺ ثم استأذنه في الثلث فقال صلى الثلث والثلث كثير ولكون سعد من المهاجرين خاف أن يخلف بعد أصحابه فيكون في ذلك انتقاص من أجر هجرته فدار بينه وبين النبي الكريم صلى الحوار الذي ذكر في هذا الحديث.


فقه الحديث
يؤخذ من هذا الحديث عدة مسائل
أولاً : قوله جاءني رسول الله ﷺ يعودني يؤخذ منه مشروعية العيادة للمريض وهذه المسألة تذكر في كتاب الجنائز وفي كتب الأدب


ثانياً : قوله في عام حجة الوداع هذا هو المشهور كما قال الصنعاني رحمه الله في العدة ويظهر أن الصنعاني رحمه الله أخذ من فتح الباري فقال قال الحافظ في الفتح ج5 ص363 على قوله في كتاب الوصايا يعودني وأنا بمكة زاد الزهري في روايته ( في حجة الوداع من وجع اشتد بي ) وله في الهجرة ( من وجع اشفيت منه على الموت ) واتفق أصحاب الزهري على أن ذلك كان في حجة الوداع إلا ابن عيينة فقال في فتح مكة أخرجه الترمذي وغيره من طريقه واتفق الحفاظ على أنه وهم فيه وقد أخرجه البخاري في الفرائض من طريقه فقال بمكة ولم يذكر الفتح قال وقد وجدت لابن عيينة مستنداً فيه وذلك فيما أخرجه أحمد والبزار والطبراني والبخاري في التأريخ وابن سعد من حديث عمرو بن القاري أن رسول الله صلى قدم فخلف سعداً مريضاً حيث خرج إلى حنين فلما قدم من الجعرانة معتمراً دخل عليه وهو مغلوب فقال يا رسول الله (إن لي مالاً وإني أورث كلالة أفأوصي بمالي …... الحديث ) وفيه ( قلت يا رسول الله أميت أنا بالدار التي خرجت منها مهاجراً …. الحديث ) قال ويمكن الجمع بين الروايتين بأن يكون ذلك وقع له مرتين مرة عام الفتح ومرة عام حجة الوداع ففي الأولى لم يكن له وارث من الأولاد أصلاً وفي الثانية كانت له ابنة فقط .


ثالثاً : يؤخذ من قوله من وجع اشتد بي أنه يجوز ذكر اشتداد الوجع إن لم يكن من باب الشكوى بل كان القصد منه حصول دعوة أو إرشاد إلى علاج أو ما أشبه ذلك


رابعاً : يؤخذ من قوله وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة أن الوصية ينظر فيها الموصي إلى من يبقى بعده فإن كان المال كثيراً والوارث واحد أمكن أن يوصي بشيء من المال صدقة لله عز وجل


خامساً : يؤخذ من قوله أفأتصدق بثلثي مالي قال لا يؤخذ منه تحريم التصدق بالثلثين ومثل ذلك الشطر لقول النبي ﷺ فيهما لا


سادساً : يؤخذ من قوله فالثلث قال الثلث والثلث كثير يؤخذ منه جواز الوصية بالثلث


سابعاً : يؤخذ من قوله والثلث كثير إرشاد إلى الوصية بما هو أقل من الثلث


ثامناً : قد استطرد مالك رحمه الله في قوله والثلث كثير في مسائل عدة فمثلاً عنده مسح الرأس يجزئ منه الثلث وعنده تقصير الرأس عند التحلل من الإحرام يجزئ منه الثلث وهكذا


تاسعاً : ورد في الرواية كثير وورد في بعضها شك كثير أو كبير وهل المقصود منه أنه يترتب عليه أجر كثير أو كبير وأن التصدق بالثلث هو الأكمل وأن المراد كثير أجره أو أن المراد كثير غير قليل ورجح الشافعي هذا الأخير وأخذ منه ابن عباس رضي الله عنهما أنه ينبغي الغض من الثلث إلى الربع


عاشراً : يؤخذ من قوله إنك إن تذر ورثتك أغنياء ورد فيه روايتان رواية بفتح الهمزة من أن على التقليل ورواية بكسر الهمزة من إن على أنها شرطية وأنكر بعضهم رواية الكسر وهي ثابتة واختلف في خير هل يكون جواباً للشرط فزعم بعضهم أنه يصلح جواباً ورجح مالك ذلك على تقدير فهو خير


الحادي عشر : يؤخذ من قوله إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس أن طلب الغنى للورثة مستحباً شرعاً بحيث أن ذلك يعزهم ويغنيهم عن سؤال الناس وأن ذلك خير من التصدق


الثاني عشر: يؤخذ من قوله خير من أن تذرهم عالة يؤخذ من ذلك أن ترك الورثة عالة يتكففون الناس أمر محذور ومذموم


الثالث عشر : يؤخذ من قوله وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى ما تجعل في فئ امرأتك يؤخذ من هذه الجملة أن الأجر يتوقف على النية وليس كل إنفاق يؤجر صاحبه ما لم يكن مبتغياً به وجه الله والدار الآخرة


الرابع عشر : هل يكتفى بنية واحدة أم لا بد من التجدد بحيث أنه يكون في كل نفقة مبتغياً بها وجه الله الأظهر في نظري أن النية الواحدة يكتفى بها في المستقبل إن لم يعدل عنها
الخامس عشر : يؤخذ من هذا أيضاً أن المباحات تتحول للمؤمن طاعات بإخلاص النية فهو إذا اكتسب المال ليعف ويعف من تحت يده كان المباح في ذلك صدقة وقربة فإن أكل للتقوي على الطاعة كان أكله قربة وإن جامع امرأته ليستعف بها ويعفها كان ذلك قربة وهكذا


السادس عشر : يؤخذ من قوله إلا ازددت بها درجة ورفعة أن الطاعات يرتفع بها العبد في الدرجات وهو لا يشعر ومثل ذلك قوله ( ما من عبد يسجد لله سجدة إلا رفعه بها درجة ) وهذا في الإنفاق وهكذا في جميع الطاعات


السابع عشر : في قوله ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون في هذا تعريض لأن قول سعد أخلف بعد أصحابي يقصد التأخر عنهم وعن مزاحمتهم بالأكتاف والأقدام وتسابقهم في نصرة دين الله عز وجل لكن قول النبي ﷺ ولعلك أن تخلف قصد به طول العمر وكذلك حصل حيث كان آخر العشرة المبشرين بالجنة موتاً


الثامن عشر : يؤخذ من هذا معجزة للنبي ﷺ فقد فتح الله على يد سعد بلداناً كثيرة من جهة العراق وهو الذي افتتح المدائن ودخل إيوان كسرى وأرسل كنوزه إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه


التاسع عشر : قوله حتى ينتفع أقوام المراد بالانتفاع ما أجرى الله على يديه من الفتوح والانتصارات وما حازوه من الغنائم على يديه وبقيادته وكل هذا فضل من الله جعله على يدي سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لقوة إيمانه وقوة شكيمته


العشرون : قوله ويضر بك آخرون يريد به ما حصل من الإضرار على الكفار من النكسات والانتصارات المتوالية عليهم وأخذ بلادهم وطرد أصحاب السلطان منها وتحويلها غنيمة للمسلمين حتى خرج كسرى يزدجرد في سنة ثلاثين (30) من مملكته وقتل .


الحادي والعشرون : دعاء النبي ﷺ لأصحابه بأن يمضي الله لهم هجرتهم ولا يردهم على أعقابهم


الثاني والعشرون : توجعه على سعد بن خولة لموته بمكة حين قال لكن البائس سعد بن خولة يرثي له رسول الله ﷺ أن مات بمكة وحرم الخير الكثير الذي يجعله الله عز وجل للمهاجر بأن يجعل له من بلده إلى مهاجره في الجنة


الثالث والعشرون : وهي الخاتمة نرجوا من الله عز وجل لسعد بن خولة الذي قدر الله له أن يموت بمكة نرجوا له الخير من الله وإن كان قد يكون أنه يصير أقل درجة من غيره والله سبحانه وتعالى قد وعد أنه لا يضيع عمل عامل وما توجع رسول الله ﷺ على سعد بن خولة خوفاً عليه من النار ولكن يرثي له والله أعلم هبوط الدرجة وهذا كله من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله عز وجل والله سبحانه وتعالى أعلم فنسأل الله أن يغفر لنا إن كنا قد حصل لنا سوء فهم أو خطأ فيما نقول فإنا لم نقصد من وراء ذلك إلا الخير إن شاء الله
وبالله التوفيق .




--------


تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ.

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحي النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 4 ]

[ المجلد الرابع ]

رابط تحميل الكتاب :

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam4.pdf







رد مع اقتباس