
18-08-2015, 10:40PM
|
عضو مشارك - وفقه الله -
|
|
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
|
|
بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام
للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -
باب ما يلبس المحرم من الثياب
[212] الحديث الأول :
عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلاً قال : يا رسول الله ما يلبس المحرم من الثياب ؟ قال رسول الله ﷺ
لا يلبس القمص ولا العمائم ولا السراويلات ولا البرانس ولا الخفاف إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من
الكعبين ولا يلبس من الثياب شيئاً مسه زعفران أو ورس . وللبخاري ولا تنتقب المرأة ولا تلبس القفازين
موضوع الحديث :
ما يحرم على المحرم لبسه
المفردات
ما يلبس المحرم من الثياب :استفهام طلبي فأجاب النبي ﷺ بما لا يلبس المحرم لأنه محصور
قوله لا يلبس : يصح أن تكون لا نافية والصيغة صيغة خبر مقصود به الأمر ويصح أن تكون لا ناهية وعلى هذا فيكون
يلبس مجزوم ومثل ذلك ما عطف عليه ومثله أيضاً ولا تنتقب المرأة يصح أن تكون لا ناهية ويكون تنتقب فعل
مجزوم بلا الناهية ويصح أن تكون لا نافية ويكون الفعل مرفوعاً وهو خبر مقصود به النهي .
قوله القمص : جمع قميص وهو ما غطى جميع البدن ما عدا الرأس والحلق والقدمين إذا لم يكن مفرجاً من الأمام
فإن كان مفرجاً من الأمام قيل له جبة إذا كانت طويلة وإذا كان قصيراً فهو قباء أو كوت أو مدرعة
قوله ولا العمائم : العمائم جمع عمامة وهو ما لفّ على الرأس لفات ولم يكن مخيطاً
قوله ولا السراويلات : جمع سراويل ويذكر ويؤنث لأنه اسم أعجمي إلى أن قال ومن النحويين من لا يصرفه في النكرة
ويزعم أنه جمع سروال وسروالة أهـ من مختار الصحاح والسراويل هو ما غطى نصف البدن الأسفل بأن يكون له كمان فإن
كان بدون أكمام قيل له فوطة .
قوله برانس : جمع برنس وهو ثوب رأسه منه
قوله ولا الخفاف : جمع خف وهو ما غطى الكعبين
الورس والزعفران : هما نبتان لكل واحد منهما لون ورائحة
لا تنتقب المرأة : النقاب هو ما غطى الوجه وهو كل ما نسج أو خيط مقصوداً به تغطية الوجه خاصة وفيه فتحات
للعينين والفم والأنف .
قوله ولا تلبس القفازين : القفازان تثنية قفاز وهي شراب الكفين سواء غطيت بمحشو أو بغير محشو
المعنى الإجمالي
سأل رجل رسول الله ﷺ عما يلبس المحرم فأجابه صلوات الله وسلامه عليه بما لا يلبس المحرم باعتبار
أن الممنوع محصور والمباح غير محصور وكان في هذا الجواب غاية الإيجاز والحكمة ممن أوتي جوامع الكلم ﷺ
فقه الحديث
يؤخذ من هذا الحديث عدة مسائل
أولاً : أنه يجوز للمفتي أن يعدل في الجواب عن السؤال المطروح ويجيب عمّا يرى فيه المصلحة إذا كان متضمناً
لها أحسن من السؤال المطروح فقد سئل النبي ﷺ عما يلبس المحرم من الثياب فأجاب النبي ﷺ بما لا
يلبس من الثياب
ثانياً : كان عدول النبي ﷺ عن صريح السؤال إلى عكسه لأن صريح السؤال عن شيء غير محصور فأجاب
بما تتضمن المصلحة للسائل وللمكلفين معاً وهو الإفادة بما لا يلبس المحرم .
ثالثاً : قال ابن دقيق العيد اتفقوا على المنع من لبس ما ذكر في الحديث أي ما هو مصرح به والخلاف فيما يقاس
على ذلك كما أشار إليه بقوله والفقهاء القياسيون عدّوه إلى ما رأوه في معناه
رابعاً : نبه بالقميص على كل ثوب مخيط محيط بالبدن كله أو معظمه فيؤخذ منه تحريم الفنايل المنسوجة التي تغطي
بعض البدن محيطةً به ولو كانت غير مخيطة إذاً فكل ما أحاط بعضو أو بالبدن أجمع أو ببعض البدن فهو محرم في
حال الإحرام فكل ما أحاط بعضو أو بالبدن منسوجاً أو مخيطاً فهو ممنوع في حال الإحرام .
خامساً : نبه بالعمائم على كل ما غطى الرأس سواءً كان مخيطاً أو غير مخيط أو منسوجاً أو غير منسوج فالرأس لا
تجوز تغطيته لا بالكوفية ولا بالطاقية ولا بالعمامة ولا بالطربوش ولا بغير ذلك .
سادساً : المقصود من النهي كل ما لبس وهي ما ذكر أما ما رفع على الرأس للحمل ولو كان ملامساً له فإنه غير
ممنوع فيجوز للحاج أن يحمل متاعه (عفشه) على رأسه وما لم يلامسه مما قصد به التظليل على الرأس فهو جائز لأن
النبي ﷺ خطب وأسامة بن زيد وبلال كانا يظلانه بثوب مرفوع فوق رأسه من الشمس فيؤخذ من هذا أن ما لم يلامس
الرأس مما قصد به الاستظلال كالمظلة وسقف السيارة فإن ذلك جائز
سابعاً : نبه بقوله والسراويلات على كل مخيط أحاط ببعض البدن فما يسمى بالدكة أو الفوطة مما هو مخيط ومحيط
فإنه ممنوع في حال الإحرام .
ثامناً : ويؤخذ منه منع البرانس وما في معناها من الأثواب التي يكون غطاء الرأس منها
تاسعاً : يؤخذ من قوله ولا الخفاف تحريم ومنع ما غطى القدمين من الخفاف والجوارب والجراميق وغير ذلك إلا ما
كان منها أسفل من الكعبين فهذا لا يكون له حكم الخف ولكن له حكم النعل .
عاشراً : قوله إلا أحد لا يجد نعلين فليلبس الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين اختلف أهل العلم في هذه
المسالة هل يجب القطع لمن لم يجد النعلين هل يجب قطع الخفين كما جاء في حديث ابن عمر أو لا يجب ذلك
لأن النبي صلى لم يأمر بالقطع حين خطب الناس بعرفات بل أجاز لبس الخفين من دون قطع وعلى
هذا فهل يحمل الحديث الأخير الذي كان بعرفات والذي ذكر مطلقاً يحمل على المقيد فيجب قطع الخفين لمن لم يجد نعلين
أم لا ؟ بالأول قال الجمهور وبالثاني قالت الحنابلة وهي الرواية المشهورة عن الإمام أحمد لأنه رأى أن
الحديث الثاني ناسخ للأول والمسألة فيها أخذ ورد وإذا نظرنا في نصوص الشريعة نجد أن بعضها ورد مقيداً وبعضها ورد
مطلقاً والغالب أن المطلق محمول على المقيد إذا كان الحكم في ذلك واحد لأن الشارع إذا بيّن في موضع بقيد
أو شرط وسكت عنه في الموضع الآخر فهل يحمل سكوته في الموضع الثاني على أنه نسخ للأول فيؤخذ بالأخير
أو غير نسخ وقصد به الإحالة على القيد فلا يكون نسخاً والمسألة فيها خلاف واحتمال كما ترى .
الحادي عشر : ويؤخذ أيضاً من الحديث أن من لم يجد إزاراً يجوز له أن
يلبس السراويل بدون فدية بل بإذن من الشارع ﷺ.
الثاني عشر :يؤخذ من قوله ولا يلبس من الثياب شيئاً مسه زعفران أو ورس وقد علمنا أن الزعفران والورس نبتان لهما
لون ورائحة فهل المنع من أجل اللون أو من أجل الرائحة أو من أجلهما والظاهر أن ما اجتمعت فيه هاتان
العلتان منع وما لم تجتمع فيه لا يمنع إلا أنه يظهر أنه قد نبه بهذين النبتين على كل ما فيه طيب والطيب متفق على تحريمه في
حال الإحرام وقد اختلف أهل العلم في استدامته فأجاز الجمهور استدامة الطيب وقالت بذلك عائشة
رضي الله عنها وذكرت أنها كانت تطيب رسول الله صلى لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت وأنها كانت ترى
وبيص المسك في مفارق رأسه صلى وهو محرم ) وكره عمر رضي الله عنه وابنه استدامة الطيب وقال بعض
أهل العلم بجوازه في البدن ومنعه في الثياب جمعاً بين حديث عائشة رضي الله عنها وحديث يعلى ابن أمية رضي الله عنه
في قصة الرجل الذي جاء إلى النبي _ بالجعرانة يسأله ماذا يفعل في إحرامه وقد لبس جبة وتضمخ بخلوق فنزل الوحي
على رسول الله صلى ولما سري عنه قال له أنزع عنك الجبة واغسل عنك الخلوق واصنع في حجك
ما تصنع في عمرتك) وبهذا الحديث استدل من يرى عدم استدامة الطيب في الثياب إذا كان يظهر لونه ولكن إذا نظرنا وتأملنا في
النصوص نجد أن هذا حصل بعد موقعة الفتح حين كان النبي ﷺ بالجعرانة وأن استدامة الطيب حصلت
من النبي _ في حجة الوداع وقد روت بعض أزواج النبي _ ( قَالَتْ كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ النَّبِيِّ _ إِلَى مَكَّةَ فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالسُّكِّ الْمُطَيَّبِ
عِنْدَ الإِحْرَامِ فَإِذَا عَرِقَتْ إِحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا فَيَرَاهُ النَّبِيّ ﷺ فلا يَنْهَاهَا) أما قول عائشة (بأنها كانت ترى
وبيص المسك في مفارق النبي ﷺ ) فهذا في الصحيحين أو أحدهما إلا أن الحنابلة رحمهم الله رأوا أن هذا
نسخاً للأمر بغسل الخلوق للبدن دون الثوب وبالله التوفيق .
الثالث عشر : علماً أن نهي النبي ﷺ عن الثوب المصبوغ بالورس أو الزعفران عام في حق الرجال والنساء
فلا يجوز لبسه للمرأة أيضاً لعموم النهي
الرابع عشر : يؤخذ من قوله ولا تنتقب المرأة تحريم النقاب والنقاب شيء منسوج بقدر الوجه فيه فتحات للفم
والعينين والمنخرين وهذا محرم في حال الإحرام لا يجوز لبسه للمرأة المحرمة ومن أجل هذا فقد قال بعض الفقهاء إن إحرام
المرأة في وجهها ومنعوا من تغطية الوجه في حال الإحرام سواء كان ذلك بالنقاب أو البرقع أو بفضل الخمار
وقال بعض أهل العلم من المحدثين وغيرهم أن النهي عن النقاب وما في معناه كالبرقع فهو عما هو مفصل أو منسوج
بقدر الوجه أما أن تغطي المرأة وجهها بفضل خمارها فهذا لا مانع منه بل هو واجب وقد روت عائشة رضي الله عنها
(فقالت كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله ﷺ محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها
على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه )
وهذا الحديث صحيح وهو يدل على أمرين :
الأمر الأول : وجوب تغطية الوجه على المرأة إذا قابلت الرجال الأجانب
الأمر الثاني :أن التغطية بفضل الخمار ليس فيها مناقضة للإحرام وهذا هو
القول الصحيح الذي تطمئن إليه النفس
الخامس عشر : يؤخذ من قوله ولا تلبس القفازين تحريم لبس القفازين على المرأة في حال الإحرام والقفازان هما شرّاب
اليدين سواءً كانت محشوة كما كان يفعل ذلك في الأزمنة السابقة أو غير محشوة كل ذلك ممنوع .
السادس عشر :المنهي عنه هو اللبس المعتاد فمن ارتدى بقميص أو سراويلاً أو غير ذلك فإنه لا ينكر عليه لأن
هذا اللبس لا يدخل في النهي وإنما الذي يدخل في النهي هو لبس كل شيء على عادته المعروفة
السابع عشر : من انتهك شيئاً من هذه المحضورات كأن يلبس قميصاً أو عمامة أو يغطي رأسه من غير ضرورة
فقد أساء ووجبت عليه الفدية لأنها إذا وجبت الفدية في حالة الضرورة فمن باب أولى أنها تجب في غير الضرورة
والله تعالى يقول (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ) [البقرة : 196 ]
ولأهل العلم في هذه المسالة خلاف فيما إذا حصل ذلك عن جهل أو نسيان فمنهم من قال أن الجاهل والناسي لا
تجب عليه فدية ومنهم من قال بوجوب الفدية مطلقاً ومنهم من قال بوجوب الفدية في الإتلافات كحلق الشعر
ونتفه وتقليم الأظافر دون ما لم يكن فيه إتلاف كالطيب واللبس
وبالله التوفيق .
.--------
تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ.
تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحي النجميَ
تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ]
[ المجلد الثالث ]
رابط تحميل الكتاب :
http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf
.
|