18-05-2015, 06:32PM
|
عضو مشارك - وفقه الله -
|
|
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
|
|
بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام
للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -
[183] الحديث السابع :
من كتاب الصيام عن أبي هريرة رضي الله عنه قال بينما نحن جلوس عند النبي ﷺ إذ جاءه رجل
فقال يا رسول الله هلكت قال مالك ؟ قال: وقعت على إمرأتي وأنا صائم -وفي رواية : أصبت أهلي في
رمضان - فقال رسول الله ﷺ. هل تجد رقبة تعتقـها ؟ قال : لا قال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين
متتابعين ؟ قال : لا قال : فهل تجد إطعام ستين مسكينا ؟ قال : لا قال : فمكث النبي ﷺ فبينما
نحن على ذلك أتى النبي ﷺ بعرق فيه تمر- والعرق : المكتل - قال : أين السائل ؟ قال : أنا قال :
خذ هذا فتصدق به فقال الرجل :على أفقر مني يا رسول الله ؟ فوالله ما بين لابتيها - يريد الحرتين- أهل
بيت أفقر من أهل بيتي فضحك رسول الله ﷺ حتى بدت أنيابه ثم قال : (( أطعمه أهلك )).
موضوع الحديث :
كفارة الجماع في نهار رمضان
المفردات :
الحرة: أرض تركبها حجارة سود
بينما : ظرف زمان يلازمه الاظافة إلى جملة اسمية غالباً وتلتقي بإذا تارة وبإذ أخرى اللتين للمفاجأة فإذا لم
تلحقهما ما فلا تلتقي بواحدة منها قاله الصنعاني في العدة قوله إذ جاءه رجل :إذ هي الفجائية التي تكون للمفاجأة .
هلكت وفي رواية احترقت والمراد أنه وقع في ذنب يوجب له الهلكة والاحتراق .
قوله قال مالك : استفهام قال وقعت على امرأتي ( وأنا صائم ) جملة حالية أي حال كوني صائم وفي رواية أصبت
أهلي في رمضان .
هل تجد رقبة : الرقبة هنا مطلقة وتعم الذكر والأنثى والصغير والكبير والسليم والناقص إلا أن السنة دلت على
أن الرقبة الكافرة لا تجزئ وكذلك الرقبة غير الصحيحة .
قوله شهرين متتابعين : متتابعين وصف للشهرين أي لا يكون بينهما انقطاع اختياري
قوله بعرق : العرق هو المكتل .
قوله خذ هذا فتصدق به : هذا أمر لكن قال الرجل على أفقر مني يا رسول الله فوالله ما بين لابتيها ...إلى آخر الحديث .
أفقر : اسم تفضيل من الفقر والمعنى أكثر فقراً.
قوله فضحك رسول الله : الفاء هنا سببية وكأنه بسبب التعجب من حاله حتى بدت أنيابه وحتى للغاية ثم قال
أطعمه أهلك .
قوله الحرة : أرض تركبها حجارة سود هذا تفسير للحرة وهي واحدة حرتين .
المعنى الإجمالي :
وقع هذا الصحابي على امرأته وهو صائم فتوقع الهلكة لنفسه وأهله فجاء إلى النبي ﷺ يشكو حاله فسأله
هل تستطيع أن تعتق رقبة فقال لا فقال أتستطيع أن تصوم شهرين قال لا فقال أتستطيع أن تطعم ستين مسكينا
قال لا فمكث الرجل عند النبي ﷺ منتظراً جوابه فجاء رجل بعرق فيه تمر والظاهر أنه من الصدقة فقال خذ
هذا فتصدق به فقال على أفقر مني أو من أهل بيتي فوا الله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر من أهل بيتي فعند
ذلك ضحك رسول الله ﷺ متعجباً من حاله ثم قال أطعمه أهلك .
فقه الحديث
يؤخذ من هذا الحديث عدة مسائل :
المسألة الأولى : أن من أرتكب معصية لا حدّ فيها وجاء مستفتياً أنه لا يعاقب لأن النبي _ لم يعاقبه
مع اعترافه بالمعصية .
المسألة الثانية : أن المعاقبة فيما لم يكن حداً تكون تعزيراً والتعزير استصلاح ولا استصلاح مع الصلاح بمعنى
أن إظهار الندم دال على صلاح المستفتي فلا داعي للاستصلاح
المسألة الثالثة: أنه لو عوقب لكانت المعاقبة سبباً في ترك أناس للاستفتاء
وهذه مفسدة عظيمة يجب دفعها .
المسألة الرابعة : جمهور الأمة على إيجاب الكفارة على من جامع عامداً في نهار رمضان وقد نقل عن
بعض السلف أنها لا تجب وهو قول شاذ ولا يعول عليه .
المسألة الخامسة : اختلفوا في جماع الناسي هل يقتضي الكفارة أم لا ؟ قال ابن دقيق العيد ولأصحاب
مالك قولان ويحتج من يوجبها أن النبي _ لم يسأل هذا السائل هل فعل ذلك عامداً أو ناسياً هكذا
قال ابن دقيق العيد . وأقول : الظاهر من حال هذا المستفتي ومن فحوى سؤاله أنه فعل ذلك عامداً لأنه
صدر سؤاله فقوله هلكت أو احترقت ولا يكون كذلك إلا إذا كان قد فعل ذلك عمداً .
الأمر الثاني : أن حالة النسيان بالنسبة إلى الجماع فيها بعد لكونها تقع بين شخصين إذا نسي أحدهما
ذكره الآخر ولكونها تحتاج إلى ستر وبعد عن أنظار الناس وما أشبه ذلك.
المسألة السادسة: الظاهر من قول الرسول ﷺ هل تجد رقبة تعتقها ؟ قال لا قال فهل تستطيع أن تصوم
شهرين متتابعين ؟ قال لا قال فهل تجد إطعام ستين مسكيناً ؟ قال لا أن هذا الترتيب واجب وانه لا يجوز
الانتقال من الأمر الأول إلى الثاني إلا بعد العجز عن الأول وهذا أي القول بالترتيب هو مذهب الشافعي
وأحمد وجمهور الفقهاء وذهب مالك إلى أن هذه الخصال على التخيير لا على الترتيب وهذه مخالفة
للنص قال ابن العربي لأن النبي ﷺ نقله من أمر بعد عدمه إلى أمر آخر وليس هذا شأن التخيير وللاختلاف
في ذلك دليل آخر وهي الرواية قد وردت بالتخيير وبعدمه فرجح القائلون بالترتيب روايته لأن الرواية به
أكثر فإن الذين رووا الترتيب عن الزهري ثلاثون نفساً قلت : وإذا كانت قد وردت رواية مطلقة فهي تحمل
على المقيدة وذلك تمشياً على قول الجمهور القائلين بحمل المطلق على المقيد وهذا هو الحق إن شاء الله .
المسألة السابعة : قول النبي ﷺ هل تجد رقبة تعتقها يدل على أن الواجب
الأول في هذه الكفارة هو عتق الرقبة .
المسألة الثامنة : أنه يشترط في الرقبة المعتقة شروطاً
أولها : أن يكون سبب الملك سبب شرعي صحيح .
وثانيها : أن تكون الرقبة المعتقة سليمة من العيوب المخلة .
وثالثها :أنه يشترط الإيمان في الرقبة المعتقة عند الجمهور وذهبت الحنفية إلى عدم إعتبار شرط الإيمان
وتمسكوا بإطلاقات في بعض النصوص جاءت مقيدة في غيرها ومن ذلك قوله هنا هل تجد رقبة ؟ وقالوا إن
اسم الرقبة يقع على الرقبة المؤمنة والكافرة على حد سواء جرياً على أصل الحنفية وهو العمل بالمطلق وتقديمه
على المقيد وقول الجمهور هو الحق إن شاء الله لقول النبي ﷺ لذلك الرجل(أعتقها فإنها مؤمنة )
المسألة التاسعة : قوله فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين قال لا ويتنين من هذا أن الانتقال من
الصوم إلى الإطعام لا يكون إلا عند العجز عن الصوم .
المسالة العاشرة :يؤخذ من هذا أنه يؤخذ بقول المستفتي في نفي الاستطاعة وكذلك يجب على المفتي
أن يراجعه حتى يتبين ما إذا كان السبب عنده سبباً شرعياً أم لا لأن المفارقات بين زمن الصحابة
وزماننا عظيماً في الالتزام بالصدق وغير ذلك .
المسألة الحادية عشرة :قد ورد في بعض روايات هذا الحديث فهل أوقعني في ذلك إلا الصيام أو قال وهل
أوتيت إلا من الصوم قال الصنعاني فاقتضى ذلك عدم الاستطاعة بسبب شدة الشبق وهو عدم الصبر عن
الجماع في الصوم فنشأ لأصحاب الشافعي نظر في أن هذا هل يكون عذراً مرخصاً للانتقال إلى الإطعام
قلت : الظاهر من الحديث أن النبي ﷺ قد قبل عذره بذلك واعتبره مبيحاً لانتقاله من الصوم إلى الإطعام .
ويقاس على ذلك من لا يستطيع الصيام لبعض الأمور التي يترتب عليها عدم استطاعة أو مشقة شديدة
كأن يكون كاسباً على أهله وإذا ترك الكسب وجلس للصوم أضّر بأهله ولا يمكنه الجمع بينهما .
المسالة الثانية عشرة :قوله فهل تجد إطعام ستين مسكيناً يدل على وجوب إطعام هذا العدد وهل يجب
العدد أو يجب طعام ستين مسكيناً وقد ذهبت الحنفية إلى إطعام الستين مسكيناً مؤول بأن المراد
إطعام طعام ستين مسكيناً وكأن الحنفية رجعوا في ذلك إلى أمر معقول وهو أنه قد يتعذر وجود ستين
مسكيناً فأدى ذلك إلى أن الواجب هو الكمية المقدرة وليس عدد المساكين .
قلت : وأنا أقول أن قول الحنفية هنا وجيه لا لقياسهم العقلي ولكن لأن النبي ﷺ أعطى ذلك المستفتي
جميع الكفارة وعدد أهل بيته في أغلب الأحوال لا يزيدون على العشرة ولم يستفصل عن عددهم فدل
على أن الواجب هو الكمية لا عدد المساكين علماً بأن تلك الكمية التي هي خمسة عشر صاعاً لو صرفت
إلى عشرة كفتهم ستة أيام أو إلى خمسة كفتهم اثني عشر يوماً وهكذا فدل على أن المقصود الكمية التي
تكفي لإطعام هذا العدد وليس العدد
المسالة الثالثة عشرة :عندما أجاز النبي ﷺ لذلك الرجل أن يطعم أهله بطعام الكفارة هل كان ذلك
منه إلغاء للكفارة عن ذلك الرجل أو أنها باقية في ذمته لذلك قال ابن دقيق العيد قوله عليه السلام أطعمه
أهلك تباينت المذاهب فيه فمن قائل يقول هو دليل على إسقاط الكفارة عنه بسبب الإعسار المقارن كما
تسقط صدقة الفطر بالإعسار المقارن لاستهلال الهلال قال وهذا قول الشافعي ومن قائل يقول لا
تسقط الكفارة بالإعسار المقارن وهو مالك والصحيح مذهب الشافعي أهـ .
وعلى هذا فهل تبقى في ذمته أو تسقط عنه بالكلية قولان والذي يظهر لي أن القول بسقوطها بالكلية هو
الحق لأنها لو بقيت في ذمته لبين له النبي ﷺ ذلك وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز
كما قالوا فدل على أنها تسقط عنه .
المسألة الرابعة عشرة :هل يجوز للمكفر أن يأكل كفارته إذا كان حاله كحال ذلك الرجل وقد إدعى قوم
خصوصيتة بذلك الرجل وهذه الدعوى لا دليل عليها لعدم الدليل وادعى آخرون بأن ذلك منسوخ وهذا
القول أيضاً ضعيف لعدم ما يدل على النسخ فيتبين بأنه إذا كان المكفر هو أشد أهل تلك الحاضرة فقراً
كما قال ذلك الرجـل ( ما بين لابتيها أهل بيت أفقر من أهل بيتي) جاز له أكل كفارته .
المسألة الخامسة عشرة: أن المسلم إذا عجز عن الكفارة أو غيرها من الواجبات فإنها تلزم في بيت
مال المسلمين لقول النبي ﷺ (… أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفى من المؤمنين فترك دينا
فعلى قضاؤه ومن ترك مالا فلورثته ) وفي رواية (… ومن ترك دينـاً أو ضياعاً فإلىّ وعلىّ )
المسألة السادسة عشرة : جمهور الأمة على وجوب القضاء على من أفسد صومه بالجماع وذهب بعضهم
إلى عدم وجوبه لسكوته عليه الصلاة والسلام وعدم إخباره لذلك المستفتي بأن عليه القضاء والخلاف في ذلك
جار بين أهل العلم وذهب بعضهم إلى أنه إن كفّر بالصيام أجزأه عن القضاء قال الصنعاني : أقول هذا الوجه
قاله الأوزاعي وقد روي أنه ذكر في حديث عمرو بن شعيب الذي أخرجه أحمد وفيه (وأمره أن يصوم
يوماً مكانه ) وفيه الحجاج بن أرطأة وفيه كلام معروف قال في الفتح وقد ورد الأمر بالقضاء في هذا الحديث
في رواية أبي أويس وعبد الجبار وهشام بن سعد كلهم عن الزهري نفسه بغير هذه الزيادة وحديث الليث عن
الزهري في الصحيحين بدونها . والكلام في هذا يتوقف على صحة الدليل فينظر .
المسألة السابعة العشرة : اختلفوا في وجوب الكفارة على المرأة إذا مكّنت طائعة فوطئها الزوج هل تجب
عليها الكفارة أم لا ؟ قال ابن دقيق العيد وللشافعي قولان أحدهما الوجوب وهو مذهب مالك وأبي حنيفة
وأصح الروايتين عند أصحاب أحمد والثاني عدم الوجوب عليها واختصاص الزوج بلزوم الكفارة وهو المنصور
عند أصحاب الشافعي من قوليه . قلت : القول بعدم الوجوب على المرأة هو الأقرب لأن هذه العملية وهي
عملية الجماع أمر مشترك بين الرجل والمرأة والمتعة حاصلة لهما إلا أن الشرع جعل الزوج مسؤولاً عن كل
ما يتعلق بذلك فأوجب عليه المهر والنفقة والكسوة والمسكن وما إلى ذلك وهذا فيما يظهر لي أنه يلتحق
بتلك الواجبات إلا أن تكون المرأة هي المتسببة في الجماع فحينئذ تلحقها الكفارة والذي يدل عليه عدم
سؤال النبي ﷺ لذلك المستفتي هل طاوعته امرأته أم لا .
المسألة الثامنة عشرة : إيجاب التتابع في الصيام أي صيام الشهرين وللفقهاء كلام فيما إذا انتقض التتابع بأمر
قهري هل ينتقض التتابع بذلك ؟ أما الاختياري فمجمع عليه أنه ينقض التتابع ويجب عليه العود من جديد
والظاهر أن القول الصحيح انه ما كان قهرياً كمرض شديد أو جاء العيد ووجب عليه الفطر فيه أن ذلك
لا ينقض التتابع . وبــالله الـتــوفيق .
المسألة التاسعة عشرة : إذا تكرر الجماع في أيام متعددة قبل التكفير فهل يكفي في ذلك كفارة واحدة
أو تجب الكفارة بعدد الأيام ؟ والقول الصحيح أنها تجب بعدد الأيام لأن كل يوم له حرمة مستقلة أما إذا
تعدد الجماع في يوم واحد عدة مرات فلا تلزم فيه إلا كفارة واحدة .وبالله التوفيق
--------
التصفية والتربية
TarbiaTasfia@
تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ
تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحي النجميَ
تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [ 3 ]
[ المجلد الثالث ]
رابط تحميل الكتاب :
http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam3.pdf
|