
10-05-2015, 09:22PM
|
عضو مشارك - وفقه الله -
|
|
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
|
|
بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام
للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -
باب
الجمع بين الصلاتين في السفر
[131] : عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : كان النبي ﷺ يجمع في السفر بين صلاة الظهر
والعصر إذا كان على ظهر سير ويجمع بين المغرب والعشاء .
موضوع الحديث :
الجمع بين الصلاتين في السفر .
المفردات :
على ظهر سير : أي إذا كان جاداً في السفر ، قال ابن حجر – رحمه الله – ولفظ الظهر يقع في مثل هذا اتساعاً
في الكلام كأن السير كان مستنداً إلى ظهر قوي .
المعنى الإجمالي :
تمتاز شريعة نبينا محمد ﷺ من بين سائر الشرائع السماوية بالسماحة واليسر وإزاحة كل حرج ومشقة عن
المكلفين أو تخفيفهما ، ومن التخفيفات المرموقة في شريعتنا الجمع في السفر بين الصلاتين المشتركتين
في الوقت وهي الظهر والعصر والمغرب والعشاء تقديماً وتأخيراً في وقت إحداهما مقصورتين ، فهذا ابن عباس
رضي الله عنهما يروي عن النبي ﷺ أنه كان يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء إذا كان على
ظهر سير .
فقه الحديث :
أولاً : في قولـه : كان رسول الله ﷺ يجمع في السفر بين صلاة الظهر والعصر إذا كان على ظهر سير ،
ويجمع بين المغرب والعشاء ، دليل لمن قال إن الجمع في السفر مشروع وهم الجمهور ، ومنهم الأئمة الثلاثة مالك
والشافعي وأحمد ؛ لأن كان تقتضي في الغالب الاستمرار على الشيء ومعاودته مرة بعد مرة .
وذهب الحسن وابن سيرين وأبو حنيفة وصاحباه إلى أن الجمع لا يشرع إلا في عرفة ومزدلفة فقط ، وحملوا ما
ورد في الجمع من نصوص على الجمع الصوري وهو تأخير الأولى إلى آخر وقتها ، وتقديم الأخرى في أول
وقتها ، ورُدَّ عليهم بأن الجمع شرع لإزالة المشقة والحرج عن الأمة ، وهذا أكثر مشقة من جمع الصلاتين
في وقت إحداهما لأمور :
أولاً : لأن معرفة أوائل الأوقات وأواخرها لا يتسنى لكثير من الخاصة ، فكيف بالعامة ؟ .
ثانياً : لأن ذلك يوجب تكرار النـزول لكي يعرف أوائل الأوقات وأواخرها بالظل ، وفي هذا مشقة أكثر من النـزول لأداء
الصلاة في وقت إحداهما ، وذلك ينافي رفع الحرج الذي امتن الله به على عباده حيث يقول : _ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ
فِي الدِّينِ مِنْ حَرَج _ (الحج: من الآية78) .
ثالثاً : أن الأحاديث الواردة في الجمع في السفر صحيحة وصريحة ، وحملها على ما ذكر تعطيل لسنة ثابتة لا يعذر
أحد عن الأخذ بها والعمل بموجبها .
ومن هذا تعلم أن مذهب الجمهور هو الحق ؛ لأن الجمع بين الصلاتين في السفر صح من حديث ابن عباس وأنس
بن مالك وعبد الله بن عمر ومعاذ بن جبل .
ثانياً : يؤخذ من قوله : يجمع في السفر بين صلاة الظهر والعصر ..الخ ،
دليلٌ لمن قال بجواز الجمع مطلقاً ،
سواء كان تقديماً أو تأخيراً ، لأن حديث ابن عباس مطلق فيدخل تحته التقديم لكن قيد في حديث أنس بما
إذا جمع تأخيراً ولفظه عند البخاري : كان النبي ﷺ إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخّر الظهر إلى وقت
العصر ثم يجمع بينهما ، وإذا زاغت صلى الظهر ثم ركب ، أي وإذا زاغت ولم يرتحل صلى الظهر ثم ركب ،
قال الحافظ في الفتح : وهو المحفوظ عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس ، لكن روى الإسماعيلي عن جعفر الفرياني
عن إسحاق بن راهويه عن شبابة فقال : إذا كان في سفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً ثم ارتحل .
ورواه الحاكم في الأربعين قال : حدثنا محمد بن يعقوب الأصم ، قال حدثنا محمد بن إسحاق الصغاني أحد شيوخ
مسلم ، قال حدثنا محمد بن عبد الله الواسطي فذكر الحديث ، وفيه : فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى
الظهر والعصر ثم ركب ، قال صلاح الدين العلائي : جيد اهـ. نقلاً عن الفتح بتصرف .
قلت : القاعدة الاصطلاحية أن زيادة الثقة مقبولة ، وإسحاق إمام فتقبل زيادته وجعفر المتفرد عنه إمام أيضاً وقد
حصلت له المتابعة بما في سند الحاكم وع هذا فليس المعول في جمع التقديم على حديث أنس فقط ،
بل قد صح جمع التقديم من حديث أبي جحيفة المتفق عليه من طريق عون بن أبي جحيفة والحكم بن عتبة
ولفظ رواية عون : خرج علينا رسول الله ﷺ بالهاجرة ، فأتى بوضوء فتوضأ ، فصلى بنا الظهر والعصر وبين
يديه عنـزة ، والمرأة والحمار يمرون من ورائهما .
ومن حديث معاذ بن جبل عند أبي داود بلفظ : أن النبي ﷺ كان في غزوة تبوك إذا ارتحل قبل أن تزيغ
الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر فيصليها جميعاً ، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلى الظهر والعصر جميعاً
ثم سار ، وكان إذا ارتحل قبل المغرب أخر المغرب حتى يصليها مع العشاء ، وإذا ارتحل بعد المغرب عجل
العشاء فصلاها مع المغرب.
وروى الترمذي عن معاذ بن جبل أن النبي _ كان في غزوة تبوك بمثل حديث أبي داود إلا أن فيه : وإذا ارتحل
بعد زيغ الشمس عجل العصر إلى الظهر وصلى الظهر والعصر جميعاً ثم ارتحل ، وقال في المغرب مثل ذلك ،
صحيح سنن الترمذي (455) ، وصحيح أبي داود (1106) ، وصحيح الإرواء (785) ، وذكر في الإرواء
تحت الرقم المذكور (3/28) وقال : صحيح ، وعزاه لأبي داود والترمذي وأحمد (5/241، 242) وكلهم قالوا :
حدثنا قتيبة بن سعيد ، حدثنا الليث بن سعد ، عن يزيد بن أبي حبيب ، عن أبي الطفيل عامر بن واثلة ، عن معاذ
بن جبل أن النبي _ كان في غزوة تبوك ... الحديث . إلى أن قال : وقال الترمذي حديث حسن غريب ، تفرد
به قتيبة ، لا نعرف أحداً رواه عن الليث غيره ، وقال في مكان آخر من الصفحة الأخرى : حديث حسن
صحيح .
قلت – يعني الألباني - : وأنا أرى أن الحديث صحيح ، رجاله كلهم ثقات رجال الستة ، وقد أعله الحاكم بما
لا يقدح في صحته ، فراجع كلامه في ذلك مع الرد عليه في زاد المعاد (1/187، 188) ، ولذلك قال
في أعلام الموقعين (3/25) : وإسناده صحيح ، وعلته واهية ،
وغاية ما أعل به علتان :
الأولى : تفرد قتيبة به أو وهمه فيه ، والأخرى : عنعنة يزيد بن أبي حبيب .
والجواب عن الأولى أن قتيبة ثقة ثبت فلا يضر تفرده كما هو مقرر في علم الحديث ، وأما الوهم فمردود ؛ إذ لا
دليل عليه إلا الظن ، والظن لا يغني من الحق شيئاً ، ولا يرد به حديث الثقة ولو فتح هذا الباب لم يسلم لنا
حديث .
والجواب عن العلة الأخرى : فهو أن يزيد بن أبي حبيب غير معروف بالتدليس وقد أدرك أبا الطفيل حتماً لأنه ولد
سنة 53هـ وتوفي سنة 128هـ وتوفي أبو الطفيل سنة مائة أو بعدها وعمر يزيد حينئذٍ 47هـ سنة .
وقد أطال – رحمه الله – في تصحيح حديث قتيبة هذا بما لا مزيد عليه.
ثم قال : قلت : وليس في شيء من هذه الطرق عن أبي الزبير ذكر لجمع التقديم الوارد في حديث قتيبة ولا يضره
لما تقرر أن زيادة الثقة مقبولة لا سيما ولم ينفرد به بل تابعه الرملي وإن خالفه في إسناده كما سبق ، على أن
لهذه الزيادات شاهداًَ قوياً في بعض حديث أنس رضي الله عنه .
قلت : هي رواية الفرياني عن إسحاق بن راهويه عن شبابة بن سوار بزيادة : صلى الظهر والعصر ثم ركب ،
ثم أورد لهما شاهداً من حديث ابن عباس ولفظه : ألا أحدثكم عن صلاة رسول الله ﷺ في السفر ؟
قال : قلنا : بلى ، قال : كان إذا زاغت الشمس في منـزله جمع بين الظهر والعصر قبل أن يركب ... الخ ،
مثل حديث معاذ وعزاه للشافعي (1/116) ، وأحمد (1/367/368) ، والدراقطني (149) ، والبيهقي
(3/163/164) ، من طريق حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن عكرمة وكريب كلاهما عن ابن عباس
ثم قال : قلت وحسين هذا ضعيف .
قال الحافظ في التلخيص (2/48) : واختلف عليه فيه ، وجمع الدارقطني في سننه بين وجوه الاختلاف فيه ،
إلا أن علته ضعف حسين ، ويقال أن الترمذي حسنه وكأنه باعتبار المتابعة وغفل ابن العربي فصحح إسناده .
لكن طريق أخرى أخرجها يحيى بن عبد الحميد الحماني في مسنده ، عن أبي خالد الأحمر ، عن الحجاج عن الحكم ،
عن مقسم عن ابن عباس رضي الله عنهما وروى إسماعيل القاضي في الأحكام عن إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه
عن سليمان بن بلال عن هشام بن عروة عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنه نحوه .
قلت – يعني الألباني - : فالحديث صحيح عن ابن عباس بهذه المتابعات والطرق ، وقواه البيهقي بشواهده ،
فهو شاهد آخر لحديث معاذ من رواية قتيبة ، وهي تدل على حفظه وقوة حديثه .
قلت : وعلى هذا فقد صح جمع التقديم من رواية ثلاثة من الصحابة وهم :
1- أنس بن مالك عند الإسماعيلي من طريق جعفر الفرياني ، حدثنا إسحاق ابن راهويه ، أنبأنا شبابة بن سوار ،
عن عقيل ، عن ابن شهاب الزهري ، عن أنس وفيه : وإذا زالت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر والعصر ثم ارتحل .
ولـه متابع رواه الحاكم في الأربعين من طريق محمد بن يعقوب أبي العباس الأصم عن محمد بن إسحاق الصنعاني ،
عن حسان بن عبد الله ، عن المفضل بن فضالة ، عن عقيل وفيه : وإذا زاغت الشمس قبل أن يرتحل
صلى الظهر والعصر ثم ارتحل .
2- من طريق معاذ بن جبل كما تقدم بيانه بشواهده التي تؤكد أن قتيبة ابن
سعيد قد حفظ الحديث سنداً ومتناً .
3- من طريق ابن عباس وصح بالمتابعات ، ولذلك فإنه قد وجب المصير إلى جمع التقديم لصحته عن نبي الهدى
ﷺ وإلى جواز جمع التقديم ، ذهب الشافعي وأحمد بن حنبل في المشهور عنه ، وهو رواية عن مالك .
ثالثاً : يؤخذ من قوله : إذا كان على ظهر سير دليل ، لمن خصص الجمع بالسائر دون النازل وهو مروي عن
ابن حبيب من المالكية ، ورواية عن مالك ، لكن روى أبو داود بإسناد رجاله رجال الصحيحين عن معاذ بن جبل
رضي الله عنه أنهم خرجوا مع رسول الله ﷺ في غزوة تبوك ، فكان رسول الله ﷺ يجمع بين الظهر والعصر ،
والمغرب والعشاء فأخر الصلاة يوماً ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً ، ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء
جميعاً .
قال الشافعي في الأم : قوله ثم خرج فصلى ثم دخل ، ثم خرج فصلى ، لا يكون إلا وهو نازل فللمسافر أن
يجمع سائراً ونازلاً ، وحكى الحافظ عن ابن عبد البر أنه قال : في هذا أوضح دليل على الرد على من قال : لا
يجمع إلا من جدَّ به السير ، وهو قاطع اللالتباس .اهـ.
ويجوز الجمع بين الصلاتين في السفر سائراً ونازلاً قال عطاء وجمهور أهل المدينة والشافعي وإسحاق وابن المنذر
ورواية عن أحمد ، وهو المشهور عند أصحابه والمرجح عندهم .
قال في المغنى : وروى عن أحمد جواز جمع الصلاة الثانية إلى الأولى ، وهذا
هو الصحيح وعليه أكثر الأصحاب .
قال القاضي : الأول هو الفضيلة والاستحباب ، وإن أحب أن يجمع بين الصلاتين في وقت الأولى منهما نازلاً
كان أو سائراً أو مقيماً في بلد إقامة لا تمنع القصر ، وهذا قول عطاء وجمهور علماء المدينة والشافعي وإسحاق وابن
المنذر لما روى معاذ بن جبل ، ثم أورد حديثي معاذ بن جبل وابن عباس السابقين في جمع التقديم .
ثم قال : وروى مالك في الموطأ عن أبي الزبير عن أبي الطفيل أن معاذ بن جبل أخبره أنهم خرجوا مع رسول الله
ﷺ في غزوة تبوك فكان رسول الله ﷺ يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء قال فأخر الصلاة
يوماً ، ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً ، ثم دخل ، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً.
قال ابن عبد البر : هذا حديث صحيح الإسناد ، وفيه أوضح الدلائل وأقوى الحجج في الرد على من قال لا
يجمع بين الصلاتين إلا إذا جَدَّ به السير ؛ لأنه كان يجمع وهو نازل غير سائر ماكث في خبائه ، يخرج فيصلي
الصلاتين جميعاً ، ثم ينصرف إلى خبائه ، ثم يخرج فيقيمها ويجمع بين الصلاتين من غير أن يجد به السير.
وقال ابن القيم عن شيخ الإسلام ابن تيمية : ويدل على جمع التقديم جمعه بعرفة بين الظهر والعصر ، لمصلحة
الوقوف ولا يقطعه بالنـزول لصلاة العصر مع إمكان ذلك بلا مشقة بالجمع كذلك لأجل المشقة والحاجة أولى .اهـ.
رابعاً : في قوله : " كان يجمع في السفر " الحديث ، دليل على جواز الجمع في كل ما يسمى سفراً ، وسيأتي الاختلاف
في السفر الذي يجوز فيه الجمع والقصر ، ومنع ذلك أبو حنيفة وأصحابه كما تقدم .
قال ابن عبد البر في كتابه التمهيد (12/198) : وقال أبو حنيفة وأصحابه لا يجمع أحد بين الصلاتين في سفر
ولا حضر ، لا صحيح ولا مريض ، في صحو ولا في مطر ، إلا أن للمسافر أن يؤخر الظهر إلى آخر وقتها ، ثم
ينـزل فيصليها في آخر وقتها ، ثم يمكث قليلاً ويصلي العصر في أول وقتها ، وكذلك المريض .
قالوا : فأما أن يصلي صلاة في وقت الأخرى فلا إلا بعرفة والمزدلفة لا غير.
وأجازت الهادوية التي تقمصت الزيدية
واشتهرت بها على ما جمعت في مذهبها من الرفض والاعتزال قالت بجواز الجمع في الحضر لكل مشغول بطاعة
أو مباح ينفعه تقديماً أو تأخيراً ، وعلى هذا يجري العمل في مساجد الزيدية دائماً من غير نكير ناسين أو متناسين
قول الله تعالى : _ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً _ (النساء: من الآية103) .
وتاركين ما ثبت في السنن الصحيحة الصريحة في المواقيت إلى ما قرره شيوخهم وقادتهم وكبراؤهم ، وحق
عليهم قول الله تعالى : _ وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا _ (الأحزاب:67) .
قال في كتاب "الأزهار" الذي هو الكتاب المعتمد لديهم في الأحكام : وللمريض المتوضئ ، والمسافر
ولو لمعصية ، والخائف والمشغول بطاعة أو مباح ينفعه وينقصه التوقيت جمع التقديم والتأخير بأذان لهما وإقامتين ،
ولا يسقط الترتيب وإن نسي ويصح التنفل بينهما .
قال الشوكاني – رحمه الله – في السيل الجرار (1/192) رداً على ما ورد في الفقرة السابقة : وأثبت لمن عداهم
جمع المشاركة وهذا كله ظلمات بعضها فوق بعض وخبط يتعجب الناظر فيه إذا كان له أدنى تمييز ، والحاصل أن
هذا القول لم يسمع في أيام النبوة ، وقد كان فيهم المريض وأهل العلل الكثيرة ، وفيهم من قال له رسول الله
ﷺ : " صل قائماً فإن لم تستطع فقاعداً ، فإن لم تستطع فعلى جنب " .
ولم يسمع بأنه أمر أحداً منهم بتأخير الصلاة عن وقتها ، ولا جاء في ذلك حرف واحد من كتاب ولا سنة ،
وهكذا لم يسمع شيء من ذلك في عصر الصحابة بعد موته ولا في عصر من بعدهم ، ولم يقل بذلك أحد من
أهل المذاهب الأربعة ، ولا من سائر أهل الأرض ، فمثل هذه المسائل من عجائب الرأي الذي اختص به أهل
أرضنا اللهم غفراً ... إلى أن قال : وأما ما ذكره المصنف من جواز الجمع لمشغول بطاعة ، فليت شعري ما
هي هذه الطاعة التي يجب تأثيرها على الصلاة ؟ التي هي رأس الطاعات وهي أحد أركان الإسلام ، والتي ليس
بين العبد وبين الكفر إلا مجرد تركها ، وأعجب من هذا وأغرب تجويزهم الجمع للمشغول بمباح ينفعه وينقص في
التوقيت ، فإن جميع الناس إلا النادر يدأبون في أعمال المعاش العائد لهم بمنفعة وإذا وقتوا فقد تركوا ذلك العمل
وقت طهارتهم وصلاتهم ومشيهم إلى المساجد – ومعنى وقتوا : صلوا الصلاة في أوقاتها - .
قال : فعلى هذا هم معذورون عن التوقيت طول أعمارهم ، ولهم جمع الصلاة ما داموا على قيد الحياة ، وهذا تفريط
عظيم وتساهل بجانب هذه العبادة العظيمة ، وإفراط في مراعاة جانب الأعمال الدنيوية على الأعمال الأخروية ،
وقد كان الصحابة – _ - في أيام الرسول ﷺ يشتغلون بالأعمال التي يقوم بها ما يحتاجون إليه ، فمنهم
من هو في الأسواق ، ومنهم من هو في عمل الحرث ونحوه ، ومنهم من هو في تحصيل علف ماشيته ، ولم يسمع
عن الرسول ﷺ أنه عذر أحداً عن حضور الصلاة في أوقاتها ، ولا بلغنا أن أحداً منهم طلب من الرسول ﷺ
أن يرخص له ، لعلمهم أن هذا لا يسوغه الشرع .
قلت : من سوّغ الجمع دائماً وأبداً من غير عذر من أعذار الجمع الثلاثة التي هي السفر والمرض والمطر استناداً
إلى قول شخص بعينه ، فقد اتخذه مشرعاً ودخل في هذه الآية _ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ
يَأْذَنْ بِهِ _ (الشورى: من الآية21) .
وليعد للسؤال جواباً ، لأنه رفض النصوص الشرعية الدالة على التوقيت من كتاب وسنة ، وما أكثرها ، وأخذ بقول
من ليس بمعصوم ، فإلى الله المشتكى ، وبين يديه الملتقى ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .
قال الشوكاني – رحمه الله - : وأما التمسك بحديث جمعه ﷺ في المدينة فهذا وقع مرة واحدة ،
وتأوله كثير من الراوين للحديث ، وحمله بعضهم على الجمع الصوري لتصريح جماعة من رواته بذلك ، وقد أفردنا
هذا البحث برسالة مستقلة وذكرنا في شرح المنتقى ما ينتفع به طالب الحق . اهـ.
قلت : حديث ابن عباس قال راويه لما سُئل : لم فعل ذلك ؟ قال : أراد ألا يحرج أمته . ومعنى ذلك – والله أعلم - :
أنه صلوات الله وسلامه عليه أراد أن يشرع لأمته شرعاً للضرورات ، كأن يقع مثلاً حريق والناس يدأبون على إطفائه
وإنقاذ من يمكن إنقاذه ، أو دهمهم سيل أو فيضان والناس في إنقاذ الأرواح والأموال ، أو حصل زلزال تهدمت
بسببه أبنية والناس يدأبون في إنقاذ من تحت الأبنية لعلهم يجدون بعضهم أحياء ، أو يكون للإنسان مريض لا يوجد
له أحد غيره فإذا تركه تضرر ، فهذا يجوز له الجمع لتمريض مريضه .
ومما سبق يتبين أن مذهب الجمهور وسط بين الإفراط والتفريط .
فالإفراط في مذهب الحنفية : الذين منعوا الجمع في غير عرفة ومزدلفة .
والتفريط في مذهب الهادوية : الذين
أجازوا الجمع لأي عمل من أعمال الدنيا ، بل قد اتخذه أتباع هذا المذهب ديدناً بل قد أسقطوا وقت العصر
والعشاء من الحساب ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
قال ابن عبد البر في التمهيد – رحمه الله(_) - : وقد تقدم القول في جمع الصلاتين في السفر ، وأما في الحضر
لغير عذر فإنه لا يجوز على أي حال البتة إلا طائفة شذت ، سنورد ما إليه ذهبوا إن شاء الله .
وروينا عن النبي _ من حديث ابن عباس أنه قال الجمع بين الصلاتين في الحضر لغير عذر من الكبائر
وهو حديث ضعيف .
ثم اختلف أهل العلم في الجمع من أجل المطر ، فأجازه مالك في الليل أي بين المغرب والعشاء ومنعه في النهار
أي بين الظهر والعصر ، وإن كان المطر نازلاً .
قال الشوكاني – رحمه الله - : وأما التمسك بحديث جمعه _ في المدينة فهذا وقع مرة واحدة ، وتأوله كثير
من الراوين للحديث ، وحمله بعضهم على الجمع الصوري لتصريح جماعة من رواته بذلك ، وقد أفردنا هذا البحث
برسالة مستقلة وذكرنا في شرح المنتقى ما ينتفع به طالب الحق . اهـ.
قلت : حديث ابن عباس قال راويه لما سُئل : لم فعل ذلك ؟ قال : أراد ألا يحرج أمته . ومعنى ذلك – والله أعلم -
: أنه صلوات الله وسلامه عليه أراد أن يشرع لأمته شرعاً للضرورات ، كأن يقع مثلاً حريق والناس يدأبون على إطفائه
وإنقاذ من يمكن إنقاذه ، أو دهمهم سيل أو فيضان والناس في إنقاذ الأرواح والأموال ، أو حصل زلزال تهدمت
بسببه أبنية والناس يدأبون في إنقاذ من تحت الأبنية لعلهم يجدون بعضهم أحياء ، أو يكون للإنسان مريض لا يوجد
له أحد غيره فإذا تركه تضرر ، فهذا يجوز له الجمع لتمريض مريضه .
ومما سبق يتبين أن مذهب الجمهور وسط بين الإفراط والتفريط .
فالإفراط في مذهب الحنفية : الذين منعوا الجمع في غير عرفة ومزدلفة .
والتفريط في مذهب الهادوية : الذين
أجازوا الجمع لأي عمل من أعمال الدنيا ، بل قد اتخذه أتباع هذا المذهب ديدناً بل قد أسقطوا وقت العصر والعشاء
من الحساب ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
قال ابن عبد البر في التمهيد – رحمه الله(_) - : وقد تقدم القول في جمع الصلاتين في السفر ، وأما في الحضر
لغير عذر فإنه لا يجوز على أي حال البتة إلا طائفة شذت ، سنورد ما إليه ذهبوا إن شاء الله .
وروينا عن النبي _ من حديث ابن عباس أنه قال الجمع بين الصلاتين في الحضر لغير عذر من الكبائر وهو
حديث ضعيف .
ثم اختلف أهل العلم في الجمع من أجل المطر ، فأجازه مالك في الليل أي بين المغرب والعشاء ومنعه في النهار
أي بين الظهر والعصر ، وإن كان المطر نازلاً .
قال ابن عبد البر في التمهيد (12/210) : واختلفوا في عذر المرض والمطر ، فقال مالك وأصحابه : جائز أن يجمع
بين المغرب والعشاء ليلة المطر ، قال : ولا يجمع بين الظهر والعصر في حال المطر .
قلت : ويجمع بين المغرب والعشاء وإن لم يكن مطر إذا كان طيناً وظلمة ، هذا هو المشهور من مذهب مالك
في مساجد الجماعات في الحضر .
وهذا القول هو جواز الجمع لعذر المطر بين المغرب والعشاء هو المشهور عن الإمام أحمد ، قال في المغني : ويجوز
الجمع بين المغرب والعشاء لأجل المطر ، ويروى ذلك عن ابن عمر وفعله أبان بن عثمان في أهل المدينة ، وهو قول
الفقهاء السبعة ومالك والأوزاعي والشافعي وإسحاق ، وروى عن مروان وعمر بن عبد العزيز .. إلى أن قال : فأما الجمع
بين الظهر والعصر فغير جائز ، قال الأثرم : قيل لأبي عبد الله : يجمع بين الظهر والعصر في المطر ؟ قال : لا ، ما
سمعت بهذا ، وهذا اختيار أبي بكر ابن حامد وقول مالك .
وقال أبو الحسن التميمي فيه قولان ، أحدهما : أنه لا بأس به وهو قول أبي الخطاب ومذهب الشافعي لما روى
يحيى بن واضح ، عن موسى بن عقبة ، عن نافع ، عن ابن عمر _ أن النبي _ جمع في المدينة بين الظهر والعصر
في المطر ، قال : ولأنه معنى أباح الجمع بين الظهر والعصر كالسفر(_)اهـ.
واختلفوا في مشروعية الجمع للمريض بين الظهر والعصر ، والمغرب والعشاء ، فذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن
راهوية إلى جواز الجمع للمريض ومنع ذلك الشافعي ، وقال الليث بن سعد : يجمع المريض والمبطون ، وقال مالك :
إذا خاف المريض أن يغلب على عقله جمع جمع تقديم ، أما إذا لم يخف على عقله أن يغلب ولكن كان الجمع
أرفق به فإنه يجوز له أن يجمع بينهما في وسط الأولى وأخرها .
أما إذا جمع وليس بمضطر فإنه يعيد مادام في الأولى ، فإن خرج الوقت ولم يعد فلا شيء عليه .
وقال أبو حنيفة يجوز أن يجمع المريض كجمع المسافر(_) أي في أخر وقت الأولى وأول وقت الثانية .
هذه مذاهب الفقهاء في مشروعية الجمع للمريض ، والأشبه بالحق عندي أنه يجوز الجمع للمريض سواء كان تقديماً
أو تأخيراً ؛ وذلك أن المشقة الحاصلة بالمرض أعظم من المشقة الحاصلة بالسفر ، وقد أجاز النبي _ الجمع
للمستحاضة بل أمرها به في قوله : فإن قويت على أن تؤخري الظهر وتعجلين العصر وتغتسلين لهما غسلاً واحداً
يعني فافعلي .
والاستحاضة مرض وحديثها دليل على جواز الجمع للمريض ، علماً بأن المشقة الحاصلة على المريض بأداء
كل صلاة في وقتها معلومة لدى الجميع لا يختلف فيها اثنان . وبالله التوفيق .
تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ
تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ
تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]
http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf
|