01-05-2015, 01:51PM
|
عضو مشارك - وفقه الله -
|
|
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
|
|
بسم الله الرحمن الرحيم
التعليق على رسالة حقيقة الصيام
وكتاب الصيام من الفروع ومسائل مختارة منه
لفضيلة الشيخ العلامة /
محمد صالح بن عثيمين
- رحمه الله تعالى-
فصل:
يكره الصوم وإتمامه لمريض يخاف زيادة مرضه أو طوله
يكره الصوم وإتمامه لمريض يخاف زيادة مرضه أو طوله، ولصحيح مرض في يومه، أو خاف مرضا بعطش أو غيره (ع)، ويجزئه (و) (145)، كمريض يباح له ترك القيام، أو الجمعة، أو يباح له التيمم.
قال صاحب «المحرر»: وقياس قول من قال: إن صوم المسافر لا يُعتدُّ به، أن المريض كذلك وأولى.
ومن لم يمكنه التداوي في مرضه وتَرْكُه يضر به، فله التداوي، نقله حنبل في من به رمد يخاف الضرر بترك الاكتحال؛ لتضرره بالصوم كتضرره بمجرد الصوم(146).
ولا يفطر مريض لا يتضرر بالصوم (و)(147)، وجزم به في «الرعاية» في وجع رأس وحُمّى، ثم قال: قلت: إلا أن يتضرر. كذا قال، وقيل لأحمد: متى يفطر المريض؟ قال: إذا لم يستطع الصوم. قيل: مِثْلُ الحُمَّى؟ قال: وأي مرض أشد من الحمى؟!
ومن خاف تلفا(148) بصومِهِ، كره وأجزأه، وقال في «عيون المسائل»، و«الانتصار»، و«الرعاية» وغيرها: يحرم (و م)، ولم أجد ذكروا في الإجزاء خلافاً، وذكر جماعة في صوم الظهار أنه يجب فطره بمرض مَخُوفٍ، وقيل للقاضي في «الخلاف»: يوم العيد يحرم صومه بخلاف سائر الأيام؟ فقال: هذا لا يمنع صحته، يدل عليه لو نذر صيام يوم هو مريض فيه مرضاً مَخُوفاً، فإنه يفطر، وعليه القضاء، وإن كان معصية، وقال الآجريُّ: من صنعته شاقَّةٌ، فإن خاف تلفاً(149)، أفطر وقضى، وإن لم يضره تَرْكُها، أثم، وإلا فلا، قال: هذا قول الفقهاء، رحمهم الله تعالى، وسبق هذا المعنى في ترتيب الصلوات.
وإن خاف بالصوم ذهاب ماله، فسبق أنَّهُ عذر في تَرْكِ الجمعة والجماعة، وفي صلاة الخوف، وإن أحاط العدو ببلد والصوم يضعفهم، فهل يجوز الفطر (و م)؟ ذكر الخلال روايتين، ويعايا بها(150).
وقال ابن عقيل: إن حصر العدو بلداً، أو قصدوا عدوًّا بمسافة قريبة، لم يجز الفطر، والقصر على الأصح، ونقل حنبل: إذا كانوا بأرض العدو وهم بالقرب، أفطروا عند القتال، وذكر جماعة فيمن هو في الغزو، وتحضر الصلاة، والماء إلى جنبه، يخاف إن ذهب إليه على نفسه، أو فوت مطلوبه، فعنه: يتيمم ويصلي. اختاره أبو بكر، وعنه: لا يتيمم ويؤخر الصلاة، وعنه: إن لم يخف على نفسه، توضأ وصلى، وسبق في التيمم .ومن به شبق يخاف تنشق مثانته، جامَعَ وقضى ولا يكفر، نقله الشالنجي. قال الأصحاب: هذا إن لم تندفع شهوته بدونه، وإلا لم يجز، وكذا إن أمكنه أن لا يفسد صوم زوجته، لم يَجُزْ، وإلا جاز للضرورة، ومع الضرورة إلى وَطْءِ حائض وصائمة، فقيل: الصائمة أولى؛ لتحريم الحائض بالكتاب، وقيل: يتخير لإفساد صومها، وإن تعذر قضاؤه، لدوام شبقه، فكالشيخ الهرم على ما يأتي(151).
-----------------------
(145) هنا في الأول قال: «يكره الصوم إجماعاً»، وفي الثاني قال: «يجزئه وفاقاً» فالوفاق للأئمة الثلاثة فقط، والإجماع لكل العلماء، وذلك أن بعض أهل العلم - رحمهم الله – يقول: لو صام المريض لم يجزئه، ولو صام المسافر لم يجزئه؛ لقوله – تعالى -: {ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} [البقرة: 185]، فهو كما لو صام رمضان في شعبان، يعني: أنه صام قبل وقته، لكن هذا القول ضعيف؛ لأن الله – تعالى - إنما أباح الفطر للرخصة، لا لعدم دخول الوقت، بخلاف من صام رمضان في شعبان، فإنه لا يجزئه.
(146) هنا التمثيل بمن به رمد ويترك الاكتحال بناءاً على أن الاكتحال يفطر، والقول الراجح أن الكحل لا يفطر، حتى لو وجد طعمه في حلقه، فإنه لا يفطر في ذلك.
(147) قوله: «ولا يفطر مريض لا يتضرر بالصوم (و)» دليل على أن المسألة ليست إجماعية، ولكن لا شك أن هذا هو الصواب، وهو أنه لا يفطر المريض إلا إذا تضرر، أو خاف المشقة، وأما مرض ليس فيه مشقة، ولا يخاف الضرر فلا يجوز أن يفطر؛ لأننا نعلم أن الله رخص في ذلك من أجل الحاجة والمشقة، فإذا لم توجد حاجة ولا مشقة حرم الفطر.
(148) إذا خاف الإنسان التلف إذا صام وهو مريض، فذكر المؤلف - رحمه الله - أنه يكره، وذكر قولاً آخر أنه يحرم، وهذا هو الصواب أنه يحرم؛ لأنه إذا خاف التلف بترك الأكل وجب الأكل، فإذا خاف التلف بالأكل حرم الأكل، وهذا واضح، فإذا قال له الأطباء - مثلاً -: إن لم تأكل هذه الحبوب وأنت صائم هلكت، فحينئذٍ يجب عليه أن يأكلها؛ لأن حفظ النفس واجب، وبناءاً على القياس؛ فإن المضطر إلى الأكل إذا خاف التلف وجب عليه أن يأكل، فهذا إذا خاف التلف بالأكل حرم عليه الأكل، ولكن يقول: «ولم أجد ذكروا في الإجزاء خلافاً» يعني: على القول بالتحريم لو أنه لم يتلف بترك الأكل، وأعانه الله عز وجل، فإنه يجزئ، مع أننا قلنا: إنه حرام.
(149) قوله: «خاف تلفاً» يعني: في ترك الصنعة إذا صام فإنه يفطر، وأما إذا
لم يخف تلفاً فإنه يترك الصنعة، ويبقى على صيامه.
(150) قوله:«يعايا بها» يعني: يلغز بها، فيقال: أُناس مقيمون ليسوا مسافرين، وليسوا مرضى، وجاز لهم الفطر، فيقال: هذا فيما إذا حصر بلدهم العدو على القول بجواز الفطر، وهو الصحيح بلا شك، وقد أفتى شيخ الإسلام - رحمه الله - بجواز الفطر في رمضان، حين حاصر التتار دمشق،
وأبى أهل العلم الآخرون ذلك، ولكن شيخ الإسلام - رحمه الله - استدل بأن النبي صلى الله عليه وسلم ألزم الناس في غزوة الفتح، حين دنوا من مكة، فقال لهم: «إنكم مصبحو عدوكم والفطر أقوى لكم فأفطروا» [أخرجه مسلم في الصيام/باب أجر المفطر في السفر إذا تولى العمل (1120).] فبين النبي صلى الله عليه وسلم أن الفطر إذا كان أقوى في القتال فهو أولى، وأمر به، وظاهر الأمر الوجوب، وكان شيخ الإسلام - رحمه الله - يمشي بين الجنود، ومعه كسرة خبز يأكلها، حتى تطمئن قلوبهم للقول بالفطر.
(151) والشبق - نسأل الله العافية - هو عبارة عن شدة الشهوة، فإذا تحركت الشهوة نزل الماء إلى الأنثيين، وقوله - رحمه الله -: «خاف تشقق المثانة» أنا لا أعرف هذا، والمعروف: خاف تشقق أنثييه؛ لأنه بمجرد ما يشتهي ينزل الماء إلى الأنثيين، ثم تنتفخ وتشقق، إلا إذا أنزل، ولاشك أن هذا مرض شديد، فإذا أصيب الإنسان به فلا بأس أن يفطر، بل قد نقول: بوجوب الفطر في هذه الحال.
وهنا انتهى الكلام عن المريض، وقد بين - رحمه الله - بياناً واضحاً في حكم المريض، والخلاصة في ذلك: أن المريض إذا لم يشقَّ عليه الصوم فالفطر حرام، وإن شق عليه بدون خوف ضرر فالصوم مكروه، وإن شق عليه مع خوف الضرر فالصحيح أن الصوم حرام، أما مع خوف التلف فيكون أشد تحريماً، وهذه الخلاصة على القول الراجح، وبناءاً على ذلك نعرف أن ما يفعله بعض العوام من كونه يمتنع عن الفطر مع المشقة في المرض، فهذا غلط، وهذا عدول عن رخصة الله تبارك وتعالى.
المصدر :
http://www.ibnothaimeen.com/all/book...le_18293.shtml
|