عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 30-04-2015, 09:24PM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم





تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام


للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -




باب الوتر


[124] : عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، قال سأل رجل النبي ﷺ وهو على المنبر ما ترى في صلاة
الليل ؟ قال : " مثنى ، مثنى ، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة ، فأوترت له ما صلى " . وإنه كان يقول : "
اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا ".



موضوع الحديث :

صلاة الليل والوتر .


المفردات :

وهو على المنبر : جملة حالية أي سأله حال وجوده على المنبر .
ما ترى في صلاة الليل : ما استفهامية .
قال مثنى مثنى : أي هي مثنى مثنى أي اثنتين اثنتين ، فالضمير مبتدأ ومثنى خبر وهو معدول عن اثنين واثنتين .


فإذا خشي أحدكم الصبح : أي خاف أن يدركه الفجر قبل أن يوتر .
صل واحدة فأوترت له ما صلى : أي صلى ركعة واحدة .
فأوترت له ما صلى : أي صيرته وتراً .
الوتر : هو الفرد من العدد وهو ما لا ينقسم على اثنين بدون انكسار .
اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً : أي اجعلوا الوتر خاتمة لها .


فقه الحديث :

أولاً : يؤخذ من قوله ﷺ صلاة الليل مثنى ، مثنى
. أن الأفضل في صلاة الليل أن تكون مثنى ، مثنى . أي يسلم من كل ركعتين وبه أخذ مالك فمنع الزيادة على
ركعتين في النافلة وزعم بعض الحنفية أن يتشهد بعد كل ركعتين ورد بأنه قد ورد تفسير مثنى عن راوي الحديث عبد الله
بن عمر من طريق عقبة بن حريث عن مسلم قال قلت لابن عمر رضي الله عنه ما مثنى مثنى قال تسلم من كل ركعتين .


أما الشافعية فقد أجازوا الزيادة على اثنتين مطلقاً بشرط أن لا يزيد على تشهد في الشفع ولا على ركعة في الوتر .
قلت : وقد صرح في المهذب بتفضيل الصلاة مثنى على الزيادة على ذلك .
وهو المصرح به في مذهب الحنابلة
كما أفاده في الكشاف وإنما فضل أهل العلم الصلاة مثنى في صلاة الليل لأنها وردت من القول والفعل أما الزيادة
على اثنتين فقد وردت من الفعل فقط .



ثانياً : أنها وردت بصيغة تشبه الحصر قال ابن دقيق العيد رحمه الله ، وإنما قلنا إنه ظاهر اللفظ لأن المبتدأ محصور
في الخبر فيقتضي ذلك حصر صلاة الليل فيما هو مثنى وقال في العدة لأنه معرف بالإضافة وتعريفه يفيد قصره على الخبر .



ثالثاً : أن الصلاة مثنى أيسر على العبد لأنه يسلم بعد كل ركعتين فيقضي حاجته إن كان له حاجة.


وقد صح عن النبي ﷺ أنه صلى أربعاً وأربعاً وثلاثاً وصح عنه أنه صلى خمساً بتشهد وسلام وأنه صلى سبعاً
بتشهدين وسلام ، وأنه صلى سبعاً بتشهدين وسلام يجلس على السادسة ثم يتشهد ثم يقوم فيأتي بالسابعة ثم
يتشهد ويسلم وأنه صلى تسعاً بتشهدين وسلام يجلس على الثامنة فيتشهد ثم يقوم فيأتي بالتاسعة ويتشهد ويسلم .



فهذه الأحاديث تدل على أن الأمر في ذلك واسع وكل ذلك جائز إلا أن الصلاة مثنى مثنى أفضل لما ذكرنا
والله أعلم .



يؤخذ منه أن وصف المثنوية بصلاة الليل دون صلاة النهار إلا أنه قد وردت رواية عن أصحاب السنن وابن خزيمة
في صحيحه وأحمد وغيرهم من طريق علي بن عبد الله البارقي عن ابن عمر بلفظ صلاة الليل والنهار مثنى مثنى
وقد رد قوم هذه الرواية وحكموا على راويها بالوهم لأن الأثبات من أصحاب ابن عمر رووا عنه هذا الحديث بدون
زيادة والنهار ، وهم نافع وسالم بن عبد الله بن عمر وعبد الله بن دينار وحميد بن عبد الرحمن بن عوف وطاووس
وعبد الله بن شقيق . ولهذا قال يحيى بن معين ومن علي الأزدي حتى أقبل منه ، أي من يكون إلى جانب هؤلاء الأئمة
الأثبات ، وحكم النسائي على راويها بالخطأ .



قال في الفتح لكن روى ابن وهب بإسناد قوي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى" ،
أخرجه بن عبد البر م طريقه فلعل الأزدي اختلط عليه الموقوف بالمرفوع فلا تكون هذه الزيادة صحيحة على طريقة
من يشترط في الصحيح أن لا يكون شاذاً . قال وقد روى ابن أبي شيبة من وجه آخر أن ابن عمر كان يصلي
بالنهار أربعاً اهـ.


وقد احتج يحيى بن سعيد الأنصاري على بطلان هذه الزيادة بأن ابن عمر كان يصلي في النهار أربعاً أربعاً فلو
كانت صحيحة لم يخالفها .

ورغم شذوذ هذه الزيادة ومخالفة راويها لمن هم أعلى منه ثقة وأفضل منه حفظاً وأكثر منه ملازمة لعبد الله بن عمر
وهم عدد وهو واحد ، ومع مخالفتها أيضاً لما صح عن الراوي رغم هذا كله فإن بعضهم قد صححها .

ومن المعاصرين الشيخ محمد ناصر الدين الألباني فإنه قال في تعليقه على صحيح ابن خزيمة الحديث رقم 1210 :
قلت : إسناده صحيح ، كما حققته في صحيح أبي داود رقم 1172 وغيره . ناصر .


وحكى الحافظ في التلخيص تصحيحه عن ابن خزيمة وابن حبان والحاكم .
ومن صححه فقد أيده بإطلاق حديث
عبد الله بن الحارث عند أبي داود وفي سنده عبد الله بن نافع بن العمياء وهو ضعيف وأخرج الترمذي نحوه عن
ربيعة بن الحارث عن الفضل بن عباس مرفوعاً بلفظ الصلاة مثنى مثنى تشهد في كل ركعتين وتخشع وتضرع
وتمسكن وفي سنده أيضاً عبد الله بن نافع المذكور قال الحافظ في التلخيص وله طرق أخرى منها ما أخرجه الطبراني
في الأوسط والدارقطني في غرائب مالك . وقال به الحنيني عن مالك عن نافع عن ابن عمر .


قلت : الحنيني هو إسحاق بن إبراهيم الحنيني . قال في التقريب ضعيف ، قال الذهبي في الكاشف ضعفوه ، ومنها
ما أخرجه الدارقطني من رواية محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان ، وفي إسناده نظر .

قلت : تبين من هذا الاستعراض لطرقه أنها كلها ضعيفة وأن تصحيحه لا يعدو أن يكون تساهلاً والله أعلم .


قال ابن دقيق العيد كما يقتضي ظاهره "أي حديث صلاة الليل مثنى مثنى" عدم الزيادة على الركعتين فكذلك
يقتضي عدم النقصان منها ، وقد اختلفوا في التنفل بركعة مفردة والمذكور في مذهب الشافعي جوازه وعن أبي
حنيفة منعه

قلت : المعروف عن مذهب أبي حنيفة أنه لا يجوز الإيتار بركعة ولو صلى قبلها مثنى ، أما غير الحنفية فقد جوزوا
الإيتار بركعة إذا تقدمتها صلاة ومنعوا التنفل بركعة مفردة لم تتقدمها صلاة إلا ما ذكر عن مذهب الشافعي أنه يجيز ذلك .


وقال في المغني : قال بعض أصحابنا : ولا يصح التطوع بركعة ولا بثلاث ، وهذا كلام الخرقي .
وقال أبو الخطاب في صحة التطوع بركعة روايتان أحدهما يجوز كما روى سعيد قال جرير عن قابوس عن أبيه قال
دخل عمر المسجد فصلى ركعة ثم خرج فتبعه رجل فقال يا أمير المؤمنين إنما صليت ركعة فقال هو تطوع فمن
شاء زاد ومن شاء نقص ، ولنا أن هذا خلاف قول رسول الله ﷺ صلاة الليل مثنى مثنى ولأنه لم يرد الشرع
بمثله والأحكام إنما تتلقى من الشارع اهـ.



واستدل الشافعية لجواز التطوع بركعة مفردة بحديث الصلاة خير موضوع فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر عزاه الألباني
في تخريج الجامع الصغير 3764 للطبراني في الأوسط وقال حسن وذكره الصنعاني في العدة بلفظ فمن شاء استكثر
ومن شاء استقل وقال صححه ابن حبان .


قلت : وعلى تقدير صحته فليس فيه دليل على موضع النـزاع لأن أل في الصلاة للعهد الذهني ولم يعهد
عن الشارع ﷺ أنه صلى ركعة مفردة لم يتقدمها شيء ، وقد قال ﷺ : " صلوا كما رأيتموني أصلي " .

وهل يصح الإيتار بركعة مفردة لم تتقدمها صلاة .
يقال في هذا ما قيل في سابقه اللهم إلا أن ينام عن وتره فيقوم متأخراً قد طرقه الفجر أو كاد فيوتر بواحدة مبادرة
للفجر وقد فعله عبد الله بن مسعود وحذيفة .



وأما الحنفية فقد خصصوا الإيتار بواحدة بحالة الضرورة كهذه الصورة واستدلوا على ذلك بقوله فإذا خشي أحدكم
الصبح صلى واحدة .



رابعاً : يؤخذ من قوله : " فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوترت له ما صلى ". وفي رواية عبد الرحمن بن
القاسم ، عن أبيه عن عبد الله بن عمر _ عند البخاري رقم 993 : " فإذا أردت أن تنصرف فاركع ركعة توتر لك
ما صليت " ، دليل على مشروعية الإيتار بركعة وإلى ذلك ذهب الجمهور ومنعت ذلك الحنفية فقالوا لا يصح الوتر
إلا بثلاث وقد نقل الإيتار بركعة عن جماعة من الصحابة منهم عثمان بن عفان وسعد بن أبي وقاص ومعاوية وعبد الله
بن عباس وعبد الله بن مسعود وحذيفة ، أخرج ذلك عنهم عبد الرزاق في المصنف بأسانيد صحيحة .


وروى محمد بن نصر في قيام الليل الإيتار بركعة عن ابن عمر ومعاذ بن جبل وأبي الدرداء وأبي هريرة ، وفضالة
بن عبيد وأبي موسى ، ومن التابعين عن عطاء ومحمد بن سيرين والحسن البصري وبن شهاب الزهري ، وحكاه
أيضاً عن مالك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وهو ثابت عن النبي ﷺ من قوله وفعله ، فأما القول
ففي حديث عبد الله بن عمر الثابت في الصحاح والسنن والمسانيد وغيرها وفيه فإذا خشي أحدكم الصبح صلى
واحدة توتر له ما قد صلى ، وفي لفظ عبد الرحمن بن القاسم الذي ذكرته في هذا البحث فإذا أردت أن تنصرف
فاركع ركعة توتر لك ما صليت .



وأما الفعل فقد ثبت إيتاره بركعة من حديث ابن عباس عند البخاري ومسلم من حديث عائشة عند مسلم ومن حديث
ابن عمر عن البخاري ومسلم .



وقال الشوكاني في السيل الجرار (1/326) : أما الإيتار بركعة فقد ثبت ثبوتاً متواتر وذلك واضح ظاهر لمن له أدنى
اطلاع على السنة المطهرة اهـ.

وروى الطحاوي في معاني الآثار بسند في غاية الصحة من طريق عروة عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : كان
رسول الله ﷺ يصلي فيما بين أن يفرغ من العشاء إلى الفجر إحدى عشرة ركعة يسلم بين كل ركعتين ويوتر بواحدة .


وهذه الأحاديث الصحاح كلها أدلة ساطعة تدل على سنية الإيتار بركعة وترد على من كره ذلك .

والله يعلم أنه ضاق صدري حينما قرأت باب الوتر في معاني الآثار للطحاوي فرأيته- رحمنا الله وإياه – على كثرة
ما أورد من أحاديث وآثار تدل على سنية الإيتار بواحدة أو بثلاث متصلة بتشهد وسلام ، أو بثلاث يفصل شفعها
عن وترها بتشهد وسلام ، فتعود إلى الإيتار بواحدة ، يدعى إجماعاً على خلاف ما دلت عليه هذه الأحاديث
والآثار ، ويتأول الأحاديث والآثار بتأويلات متعسفة لكي توافق رأي إمامه .

وكم ترى من جهبذ في العلم كهذا يحاول التخلص من سنة ثابتة لكي ينـزل على رأي إمامه كأن رأي الإمام هو
الأصل وسنة النبي ﷺ هي الفرع وفي هذا من شرك التحكيم ما فيه .



خامساً : يؤخذ من قوله " فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة " وفي رواية فليركع ركعة توتر له ما صلى أن وقت
الوتر ينتهي بطلوع الفجر ، قال ابن دقيق العيد وفي مذهب الشافعي وجهان أحدهما أنه ينتهي بطلوع الفجر
والثاني أنه ينتهي بصلاة الصبح . اهـ.



قلت : وفي المذهب الحنبلي أن وقته ينتهي بطلوع الفجر قال في المغني ، ووقته ما بين العشاء وطلوع الفجر
الثاني فلو أوتر قبل العشاء لم يصح وتره ، وقال الثوري وأبو حنيفة إن صلاها قبل العشاء ناسياً لم يعده وخالفه
صاحباه فقالا يعيد ، وكذلك قال مالك والشافعي اهـ.

وهذا القول هو الذي تؤيده الأدلة وعليه الإجماع .


قال المقريزي في مختصر قيام الليل والوتر للمروزي في باب وقت الوتر والذي اتفق عليه أهل العلم أن ما بين صلاة
العشاء وطلوع الفجر وقت للوتر ، واختلفوا فيما بعد ذلك إلى أن يصلي الفجر وقد روى عن النبي ﷺ
أنه أمر بالوتر قبل طلوع للفجر اهـ.

قلت : وحديث عائشة الآتي بلفظ من كل الليل قد أوتر رسول الله صلى وانتهى وتره إلى السحر .
يدل دلالة واضحة أن وقت الوتر ينتهي بانقضاء وقت السحر ، ووقت السحر ينقضي بطلوع الفجر الثاني .


ومما يدل على انقضاء وقت الوتر بطلوع الفجر القاني حديث أبي سعيد عند مسلم أنهم سألوا النبي ﷺ عن الوتر
فقال أوتر قبل الصبح وفي لفظ له أوتر قبل أن تصبحوا .

وقد أخذنا بما صح عن النبي ﷺ وما انعقد عليه الإجماع من أمته وتركنا ماعدا ذلك لأنه اجتهاد من غير معصوم
والله أعلم .



سادساً : يؤخذ من قوله فإذا أردت أن تنصرف فاركع ركعة توتر لك ما صليت . دليل على وجوب الوتر إلا أن في الاستدلال
بهذا الحديث على الوجوب نظر لأنه كان جواباً على سؤال واستدل القائلون بالوجوب أيضاً بحديث إن الله وتر يحب
الوتر فأوتروا يا أهل القرآن، وليس فيه دليل على الوجوب العام وإن صح واستدل للوجوب أيضاً بحديث أن الله
زادكم صلاة ألا وهي الوتر فصلوها ما بين العشاء إلى طلوع الفجر قال في نصب الراية روى من حديث خارجة بن
حذافة ومن حديث عمرو بن العاص وعقبة بن عامر ومن حديث ابن عباس ومن حديث أبي بصرة الغفاري ، ومن حديث
عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده .


ومن حديث ابن عمر ومن حديث أبي سعيد ثم ساقها ، ونقل عن البزار أنه قال في مسنده : وقد روى في هذا المعنى
أحاديث كلها معلولة ونقل عن ابن الجوزي في التنقيح أنه قال لا يلزم أن يكون المزاد من جنس المزاد فيه .

قلت : وعلى تقدير صحة هذا الحديث فليس فيه دليل على الوجوب بل غاية ما فيه أنه يدل على الفضيلة ؛ لأن كلمة
الإمداد والزيادة لا تفيد الوجوب . والله أعلم .



واستدل للوجوب أيضاً بحديث ابن بريدة " الوتر حق فمن لم يوتر فليس منا " . أخرجه أحمد في مسنده وأبو داود
وابن أبي شيبة وأخرج ابن أبي شيبة من طريق معاوية بن قرة عن أبي هريرة نحو حديث ابن بريدة ، وفي سنده خليل
بن مرة الضبعي البصري ضعيف من السابعة قاله في التقريب وهو منقطع بين معاوية وأبي هريرة واستدل للوجوب أيضاً
بحديث اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا أخرجه الشيخان وتعقب بأن صلاة الليل ليست بواجبة فكذا آخره .

وبأن الأصل عدم الوجوب حتى يقوم دليل على الوجوب اهـ.

قال الشيخ مباركفوري في تحفة الأحوذي . قلت : هذا الحديث إنما يدل على وجوب جعل آخر صلاة الليل
وتراً لا على وجوب نفس الوتر المطلوب هذا لا ذا فالاستدلال به على وجوب الوتر غير صحيح ، وكذا
الاستدلال بحديث جابر أوتروا قبل أن تصبحوا رواه الجماعة إلا البخاري ليس بصحيح فإنه إنما يدل على وجوب الإيتار
قبل الإصباح لا على وجوب نفس الإيتار .

واستدل أيضاً بحديث أبي أيوب عند أبي داود والنسائي وابن ماجة مرفوعاً بلفظ الوتر حق على كل مسلم فمن أحب
أن يوتر بخمس فليفعل الحديث .



قال في مختصر السنن وقد وقفه بعضهم ولم يرفعه إلى رسول الله ﷺ. أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة
مرفوعاً كما ذكرناه من رواية بكر بن وائل عن الزهري وتابعه على رفعه الإمام أبو عمرو الأوزاعي وسفيان بن حسن
ومحمد بن أبي حفصة وغيرهم ويحتمل أن يكون يرويه مرة من فتياه ومرة من روايته اهـ.

وقال في معالم السنن وقد دلت الأخبار الصحيحة أنه لم يرد بالحق الوجوب الذي لا يسع غيره ومنها خبر عبادة
بن الصامت رضي الله عنه لما بلغه أن أبا محمد "رجلاً من الأنصار" يقول الوتر حق فقال كذب أبو محمد ثم
روى عن رسول الله ﷺ حديث خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة الحديث اهـ.



وبهذا تعلم أن كل ما أجلب به الحنفية لا ينتهض للوجوب ولا يصلح دليلاً عليه ، نعم هذه الأحاديث تفيد الحث
على الوتر والمبالغة في تأكيده ولذلك فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الوتر سنة وليس بواجب ولهم أدلة على ما
ذهبوا إليه منها الصحيح ومنها الضعيف وأصح تلك الأدلة وأبينها في الدلالة على ما ذهبوا إليه ما رواه الشيخان عن
ابن عمر بلفظ كان رسول الله ﷺ يسبح على الراحلة قِبَل أي وجه توجه ويوتر عليها غير أنه لا يصلي عليها
المكتوبة ، وهذا لفظ مسلم ، وأخرج البخاري هذا اللفظ عن الليث معلقاً من طريق يونس عن ابن شهاب عن سالم
عن أبيه وقال الحافظ وصله الإسماعيلي بالإسنادين المذكورين قبل ببابين وقد أخرجه جماعة غيرهم قال النووي في
شرح مسلم على قوله ويوتر على الراحلة ، فيه دليل لمذهبنا ومذهب مالك وأحمد والجمهور أنه يجوز الوتر على
الراحلة في السفر حيث توجه وأنه سنة وليس بواجب .



وقال أبو حنيفة رحمه الله هو واجب ولا يجوز على الراحلة .
ومما يدل على عدم الوجوب حديث علي المتقدم الوتر ليس بحتم كهيئة المكتوبة ولكن سنة سنها رسول الله
ﷺ وحديث عبادة الذي سبقت الإشارة إليه أنه قال حين أخبر عن أبي محمد أنه يقول الوتر حق فقال كذب
أبو محمد سمعت رسول الله ﷺ يقول خمس صلوات كتبهن الله على العباد الحديث . ومما يدل على عدم
الوجوب ما أخرجه مسلم عن عائشة أن النبي ﷺ. صلى في المسجد ليلة فصلى بصلاته ناس ثم صلى من القابلة
فكثر الناس الحديث وفيه فلما أصبح قال قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن
تفرض عليكم ، وأخرج ابن نضر في قيام الليل والوتر من طريق عيسى بن جارية وفيه لين عن جابر بمعنى حديث
عائشة وفيه فقلنا يا رسول الله رجونا أن تخرج فتصلي بنا فقال إني كرهت أو خشيت أن يكتب عليكم الوتر .



أما حديث : "ثلاث هن على فرائض ولكم تطوع النحر والوتر وركعتا الضحى" . فهو ضعيف ؛ لأنه من رواية أبي جنّاب
الكلبي وهو ضعيف ، وتابعه جابر الجعفي وهو أضعف منه وتابعهما أيضاً وضاح بن يحيى ، عن مندل بن علي ،
عن يحيى بن سعيد عن عكرمة وهو ضعيف أيضاً ، قال ابن حبان : لا يحتج به كان يروي الأحاديث التي كأنها
معلولة ومندل أيضاً ضعيف ، ولهذا فقد أطلق الأئمة على هذا الحديث الضعف كأحمد وابن الصلاح وابن الجوزي
والبيهقي والنووي وروى الدارقطني له شاهداً من حديث أنس وفيه عبد الله بن محرر وهو ضعيف جداً اهـ.

ومن ما سبرته تعلم أن الوتر سنة مؤكدة وليس بواجب ، وفيما ذكرته مقنع لمن أراد الحق وتجرد عن الهوى
. والله أعلم .


سابعاً : يؤخذ من قوله ﷺ : وأنه كان يقول : " اجعلوا آخر صلاتكم باليل وتراً " وجوب ختم صلاة الليل بالوتر
وجعله في آخرها ، وقد اختلفوا في ذلك هل هو على الإيجاب أم على الندب ؟ .

فذهب جماعة إلى وجوب جعل الصلاة من آخر الليل وتراً واحتجوا بقولـه ﷺ : " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل
وتراً " ، حكى ذلك عنهم المروزي في قيام الليل ، وقال : منهم إسحاق بن إبراهيم وجماعة من أصحابنا يذهبون
إلى هذا اهـ.


وهؤلاء يأمرون من أوتر من أول الليل ثم قام آخره أن يشفع وتره بركعة ثم يصلي مثنى ، فإذا كان آخر صلاته أوتر ،
وهذا مروي عن جماعة من الصحابة منهم عثمان بن عفان قال : إني إذا أردت أن أقوم من الليل أوترت بركعة فإذا
قمت ضممت إليها ركعة ، فما شبهتها إلا بالغريبة من الإبل تضم إلى الإبل .

وفعله عبد الله بن عمر وأخبر أنه من رأيه
لا رواية وهو مروي أيضاً – أي الشفع بركعة – عن أبي سعيد الخدري وعروة بن الزبير ، وأسامة بن زيد .‏

وأبى ذلك الأكثرون وقالوا : إذا أوتر أول الليل ثم قام آخر الليل فصلى ركعة أخرى لتشفع وتره الأول بعد السلام والكلام
والحدث والنوم لم تشفعه بعد ما ذُكر بل تكون وتراً آخراً ، فإذا أوتر من آخر صلاته كان قد صلى ثلاثة أوتار
وخالفوا قول النبي ﷺ لا وتران في ليلة وعن ابن عباس أنه لما بلغه فعل ابن عمر لم يعجبه وقال ابن عمر يوتر
في ليلة ثلاثة أوتار .


وهؤلاء يقولون إن أوتر ثم قام من آخر الليل صلى شفعاً حتى يصبح فإنه إذا صلى شفعاً إلى الوتر يكون قد قطع
صلاته على الوتر وممن قال بهذا القول عبد الله بن عباس وعائشة وأبو هريرة ورافع بن خديج وأبو بكر الصديق وعمار
بن ياسر وعائذ ابن عمرو ومن التابعين سعيد بن جبير وسعبد بن المسيب وأبو سلمة بن عبد الرحمن قال محمد بن
نصر وهذا مذهب الشافعي وأحمد وهو أحب إليّ وإن شفع وتره إتباعاً للأخبار التي رويناها رأيته جائزاً .


وروى ابن أبي شيبة في المصنف عن الشعبي أنه سئل عن نقص الوتر فقال إنما أمرنا بالإبرام ولم نؤمر بالنقص وروى
عدم النقض عمن ذكروا سابقاً وعن سعد بن أبي وقاص وعلقمة والحسن وإبراهيم النخعي ومكحول وقال الترمذي
وهو قول سفيان الثوري ومالك بن أنس وأحمد وابن المبارك وهذا أصح لأنه روى من غير وجه أن النبي ﷺ قد
صلى بعد الوتر ركعتين .


قلت : الصلاة بعد الوتر قد أخرجها مسلم وأحمد وأبو داود والنسائي في حديث سعد بن هشام عن عائشة رضي
الله عنها وأخرجه أبو داود من طريق علقمة بن وقاص عن عائشة وأخرج الترمذي وأحمد وابن ماجة أن النبي
ﷺ كان يصلي بعد الوتر ركعتين زاد ابن ماجة وهو جالس من طريق الحسن عن أمه عن أم سلمة.


وحكى الساعاتي تصحيحه عن الدارقطني وأخرج أحمد أيضاً عن أبي أمامة _ الركعتين بعد الوتر وهو جالس وقال
فقرأ بـ_ إذا زلزلت _ و _ قل يا أيها الكافرون _ وإذ قد ثبت أن النبي ﷺ صلى بعد الوتر ركعتين فالجمع
بين هذه الأحاديث وبين قول النبي ﷺ " اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا " ، أن هذه الأحاديث التي أثبتت
أن النبي ﷺ صلى بعد الوتر ركعتين صرفت الأمر في قوله اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً من الإيجاب إلى الندبية
إذ أن فعله كان بياناً للجواز . هذا هو رأي الجمهور قال النووي الصواب أن هاتين الركعتين فعلهما ﷺ بعد الوتر
جالساً لبيان الجواز ولم يواظب على ذلك وأبى ذلك الشوكاني في النيل فقال أما الأحاديث التي فيها الأمر للأمة
بجعل آخر صلاة الليل وترا فلا معارضة بينها وبين فعله ﷺ للركعتين بعد الوتر لما تقرر في الأصول أن فعله لا
يعارض القول الخاص بالأمة بلا معنى للاستنكار . اهـ.


وأقول : الحق أن الأصل في أفعاله ﷺ التشريع إلا ما دل الدليل على خصوصيته به ولا دليل على الخصوصية
هنا فلم يبق سوى التشريع وبذلك يترجح قول من قال أن النبي ﷺ فعلها لبيان الجواز وخلاصة هذا البحث أن
حديث "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا" محمول على الاستحباب وأن الأفضل في الوتر أن يكون آخر صلاة
الليل شفعاً ، وأن من أوتر أول الليل وقام في آخره تشرع له الصلاة شفعً ، وأن نقض الوتر لا يمكن ولا يشرع بل هو
اجتهاد من غير معصوم خالف النص . والله أعلم .




تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf










التعديل الأخير تم بواسطة ام عادل السلفية ; 01-05-2015 الساعة 02:55AM
رد مع اقتباس