
28-04-2015, 08:52PM
|
عضو مشارك - وفقه الله -
|
|
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
|
|
بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام
للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -
[122] : وعن عبد الله بن عمرو بن العاص عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال لرسول الله صلى علمني
دعاء أدعو به في صلاتي ، قال : قل : " اللهم إني ظلمت نفسي ظلماً كثيراً ، ولا يغفر الذنوب إلا أنت ، فاغفر
لي مغفرة من عندك وارحمني ، إنك أنت الغفور الرحيم " .
موضوع الحديث :
الدعاء في الصلاة وهذا الحديث من جوامع الأدعية والإستغفارات .
المفردات :
دعاء أدعو به في صلاتي : الدعاء هو طلب العبد من ربه سبحانه طلب يصحبه خضوع وافتقار ومسألة .
ظلمت نفسي ظلماً كثيراً : إخبار أن الذنوب ما هي إلا ظلم من الإنسان لنفسه بإيقاعها فيما لا طاقة لها به ، أما الرب
عز وجل فهو في غنى عن طاعة المطيعين ويتنـزه أن تضره معصية العاصين وفي الحديث القدسي : " يا عبادي إنكم
لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني " .
ظلماً كثيراً : فيه إخبار بكثرة وقوع الإنسان في الذنوب والظلم للنفس وذلك بالتقصير في الواجبات إما بالتأخير
وعدم المسارعة أو بعدم تأديتها على الوجه المطلوب وإما بدخول الرياء والعجب فيها وإما بترك بعضها والتهاون
فيه إيثار الراحة أو خوفاً من الملامة من بعض الجاهلين أو غير ذلك ، أما المعاصي فكثير ما يقع فيها العبد
بدافع الطمع أو بدافع الهوى أو رضا المخلوق أو طاعة للشيطان ولهذا فإن العبد لا يخلو في كل لحظة من عمره
من تقصير في واجب أو وقوع في ذنب ؛ فلهذا قال ظلماً كثيراً . والله
أعلم .
من عندك : أي تفضلاً منك عليّ وإن كنت لا استوجبه تفضلاً محضاً .
المعنى الإجمالي :
طلب أبو بكر الصديق _ من رسول الله ﷺ أن يعلمه دعاء يدعو به في صلاته فعلمه هذا الدعاء الجامع النافع
المتضمن لمغفرة كل ظلم بدر من العبد بحكم بشريته وبحكم دنياه التي يتقلب فيها والتي لا يخلو فيها أحد
من ظلم وقد تضمن هذا الدعاء على قلته عدة أمور هي أساس في العقيدة :
أولها : اعتراف العبد بالتقصير في حق ربه .
ثانيها : إفراد الله بالألوهية في قوله "ولا يغفر الذنب إلا أنت".
ثالثها : تفويضه إليه وتخليه عن السببية في قوله "فاغفره لي مغفرة من عندك " .
رابعها : استكانة العبد لربه وتذلـله له وافتقاره إليه بطلب التفضل المحض .
خامسها : وصف العبد لربه بالمغفرة والرحمة .
فقه الحديث :
يؤخذ من هذا الحديث سنية هذا الدعاء في الصلاة أما في أي مكان فيها فهذا لم يرد بالتحديد ومواضع الدعاء
في الصلاة موضعان .
قال ابن دقيق العيد رحمه الله : هذا الحديث يقتضي الأمر بهذا الدعاء في الصلاة من غير تعيين لمحله ولو
فعل فيها حيث لا يكره الدعاء في أي الأماكن كان ، ولعل الأولى أن يكون في أحد موطنين إما السجود وإما
بعد التشهد اهـ.
وقال في العدة : أما محلات الدعاء في الصلاة التي ورد أنه كان يدعو فيها رسول الله ﷺ فهي سبعة مواضع
كما ذكره ابن القيم في زاد المعاد ويجمعها قولنا مواضع كانت في الصلاة لأحمد إذا ما دعا قد خصصوها بسبعة :
مواضع كانـت في الصـلاة لأحمد
إذا مـا وعـاقد خصـوصها بسبعة
عقـيب افتـتاح ثم بعـد قـراءة
وحـال ركوع واعتـدال وسـجدة
وبيـنهما بـعد التشـهد هـذه
مواضـع تـروى عن ثـقات بصحة
وتحريرها :
1- دعاء الاستفتاح .
2- بعد القراءة كما ورد أنه كان إذا قرأ فمر بآية رحمة سأل أو آية عذاب استعاذ .
3- في الركوع .
4- في الاعتدال من الركوع .
5- في السجود .
6- في الاعتدال بين السجدتين .
7- بعد التشهد .
قلت : أكثر هذه المواضع لها أذكار معينة كالاستفتاح وذكر الاعتدال من الركوع وبين السجدتين ، فينبغي المثابرة
على الوارد إلا إذا أطال فلا مانع أن يدعو بغير ما ورد ، والذي ثبت الحث على الدعاء فيه هو السجود لحديث
أما الركوع فعظموا فيه الرب ، وأما السجود فاجتهدوا فيه في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم ، وبعد التشهد لقوله صلى
ثم ليتخير من الدعاء أعجبه أو من المسألة ما شاء .
ثانياً : فيه دليل على أن الإنسان لا يخلو من ذنب أو تقصير في واجب دائماً ويدل عليه قوله _ : " استقيموا ولن تحصوا ،
وأعلموا أن خير أعمالكم الصلاة ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن ". عزاه في الجامع الكبير إلى أحمد والحاكم
والبيهقي من حديث ثوبان والطبراني من حديث عبد الله بن عمرو وسلمة ابن الأكوع ، وصححه الألباني في صحيح
الجامع الصغير رقم 963 ، وحديث : " كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون " عزاه في تخريج الجامع الصغير
إلى أحمد والترمذي والحاكم وقال حسن وهو برقم 4391 .
ثالثاً : يؤخذ منه أن الأليق بالعبد التخلي عن الاعتماد على الأسباب لا لأنها ليس لها تأثير بل ما أمر الله بها إلا لربط
مسبباتها بها كربط دخول الجنة بالإيمان والعمل الصالح وربط عصمة الدم والمال بالشهادتين وما من شيء إلا ربط
مسببه بسبب كربط المغفرة بالتوبة ولكن لا يكون مدلياً بها على الله وينص الحديث أن توفيق الله للعبد للعمل الصالح
تفضل من الله وقبول العمل على ما فيه من آفات النقص والخلل تفضل منه وثوابه على العمل الصالح تفضل منه مع
أن العمل الصالح مغمور في جانب النعم الكثيرة والمتعددة الثابتة منها والمتجددة وعلى هذا فليس للعبد شيء
يوجب إدلاله بالعمل مع ما ذكر . والله أعلم .
رابعاً : يؤخذ منه رد على المعتزلة في قولهم أن الأعمال الصالحة موجبة للثواب وجوباً عقلياً إذ لو كان كما قالوا
لقال فاغفر لي باستغفاري ولا يخفى أن هذا إلزام للباري تعالى من قبل عباده وفي ذلك من سوء الأدب مع الله ما فيه .
والحق أن الله لا يلزم بشيء من قبل خلقه ولا يجب عليه شيء لخلقه ولكنه وعد ووعده الحق أن يثيب المطيعين
ويرحم المؤمنين لا إلزاماً ووجوباً ولكن رحمة منه وفضلا والله لا يخلف الميعاد .
تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ
تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ
تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]
http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf
|