
27-04-2015, 11:24PM
|
عضو مشارك - وفقه الله -
|
|
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
|
|
بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام
للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -
[121] : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله ﷺ يدعو : "اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر
وعذاب النار ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال" وفي لفظ لمسلم : " إذا تشهد أحدكم فليستعذ
بالله من أربعٍ : يقول اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم .." ثم ذكر نحوه .
موضوع الحديث :
الدعاء بعد التشهد .
المفردات :
أعوذ : بمعنى ألجأ واعتصم بك يا رب مما ذكر من عذاب القبر .
العذاب : هو تعرض الإنسان لما يؤلمه بحرارته كالنار ، أو بثقله كالصدمات بالأثقال ، أو التردي من الشواهق ،
أو بضيقه كالسجون الضيقة تحت الارض ، أو بغوصه في البدن كغرز إبرة في الجسم ولهذا قال تعالى : _ كَلَّا
إِنَّ كِتَابَ الْفُجَّارِ لَفِي سِجِّينٍ _ (المطففين:7) . وهذا بالنسبة لعذاب الدنيا ، أما عذاب البرزخ وعذاب الآخرة
فهو شيء لا يستطاع وصفه .
فتنة المحيا : هي البلوى التي يختبر بها العبد ليُرى ثباته على الحق أو تحوله عنه متأثراً بها أي بالفتنة التي يتعرض
لها كما قال تعالى : _ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ _ (الأنبياء: من الآية35) . _ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى
الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً _ (الكهف:7) . _ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ _ (آل عمران: من
الآية186) .
المحيا : أي الحياة وفتنة المحيا ما يتعرض له الإنسان في حياته من تقلبات قد توقعه في المعصية تارة ، والكفر تارة
والشرك أخرى ، والفتنة تكون إما بالغنى ، وإما بالفقر والحاجة ، وإما بالمرض ، وإما بتقلبات السياسة ، وإما بضغوط
المجتمع ، وإما بحب الأهل والولد ، وإما بالرغبة في الدنيا والطمع فيها ، وإما بالرهبة من عدو أو غير ذلك مما
يتعرض له العبد في حياته .
فتنة الممات : يحتمل أن يكون المراد به ما يكون عند الموت من أمر الخاتمة إذ قد ورد أن الشيطان يتعرض للإنسان
ليحوله عن الإيمان حتى في آخر لحظة من عمره كالحكاية التي حكيت عن الإمام أحمد عند موته وإما أن يكون
المراد به بعد الموت عند نزول القبر من تعرض العبد لفتنة السؤال من قبل الملكين نكير ومنكر وقد صح عن النبي
ﷺ في ذلك أحاديث لا أطيل بذكرها وفي ذلك يقول الله عز وجل : _ يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي
الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ _ (إبراهيم:27) . اللهم ثبتنا يا رب .
المسيح : بالسين المهملة والحاء المهملة أيضاً وقيل بالخاء من المسخ والثابت الأول ، وهذا اللفظ يطلق على الدجال
وعلى نبي الله عيسى عليه السلام فإذا أريد به الدجال قيد به ، أما عيسى عليه السلام فلقب له لأنه لا يمسح ذا عاهة
إلا برئ أو لأنه خرج من بطن أمه ممسوحاً أي مدهوناً وأما الدجال : فلأنه يمسح الأرض كلها إلا مكة والمدينة
وقيل لأنه ممسوح العين اليمنى .
والدجال : من الدجل وهو التضليل وذلك لأنه يضلل الناس فيقول لهم هو ربهم ويأمر السماء فتمطر والأرض فتنبت
فتنة من الله لعباده والعياذ بالله .
المعنى الإجمالي :
شرع الله عز وجل لعباده على لسان رسوله ﷺ أن يستعيذوا به في دفع الفتن عنهم وأن يقيهم عذاب القبر
وعذاب النار لأنه لا قبل لهم بدفع ذلك ولا طاقة لهم بصرف ضرر هذه الأمور الضارة عن أنفسهم إن لم يكن لهم
عون وهداية وتوفيق من الله وشرع بعد التشهد ليكون ذلك في آخر الصلاة التي هي أفضل قربة إلى الله ؛ لأن
ذلك أحرى للإجابة . والله أعلم .
فقه الحديث :
أولاً : يؤخذ من الحديث مشروعية التعوذ بالله من هذه الخصال لشدة خطورتها وضررها على العبد .
ثانياً : يؤخذ منه أنها بعد التشهد لأنه أقرب للإجابة .
ثالثاً : يؤخذ منه أن المشروع للعبد أن يتقرب أولاً إلى الله بفعل ما أمره ثم يسأله بعد ذلك فهو أولى بأن
يجاب وذلك أن إجابة الله لعبده مشروطة باستجابة العبد له بفعل أوامره واجتناب نواهيه كما أشار إلى
ذلك القرآن حيث يقول الله تعالى : _ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا
لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ _ (البقرة:186) .
رابعاً : يؤخذ منه شدة خطر الفتن التي يتعرض لها العبد في حياته وبعد موته وأنه لا يستطيع الخلوص منها إلا بحول
وقوة من الله .
خامساً : يؤخذ منه شدة خطر الدجال وعظم فتنته ، مما جعل النبي ﷺ يحذر أمته ويأمرهم بالاستعاذة بالله
من شره .
سادساً : الاستعاذة من عذاب القبر وعذاب النار استعاذة من أسباب العذاب المؤدية إليه .
سابعاً : أن الموافقة في الاسم بين المؤمن والكافر لا تضر وذلك لأن نبي الله عيسى _ سمي المسيح ، والدجال سمي
المسيح وإذا أريد الدجال بين بالوصف والله أعلم .
ثامناً : خص الفقهاء هذا الدعاء وغيره بالتشهد الأخير ، قال ابن دقيق العيد : وليعلم أن قوله ﷺ إذا تشهد أحدكم
عام في التشهد الأول والأخير معاً ، وقد اشتهر بين الفقهاء استحباب التخفيف في التشهد الأول وعدم استحباب
الدعاء بعده حتى تسامح بعضهم في الصلاة على الآل فيه إلى أن قال والعموم الذي ذكرنا يقتضي الطلب بهذا الدعاء
فمن خصه فلابد من دليل راجح وإن كان نصاً فلابد من صحته .
قلت : النص هو حديث أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود وقد علمت أنه قد أعل بعدم سماع أبي عبيدة من أبيه
ولكن يتأيد بحديث ابن مسعود عند أحمد رحمه الله علمني رسول الله ﷺ التشهد في وسط الصلاة وآخرها فإذا
كان في وسط الصلاة نهض إذا فرغ من التشهد قال الهيثمي رجاله موثقون وصححه أحمد شاكر وبهذا يتبين رجحان
ما ذهب إليه الفقهاء ، والله أعلم .
تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ
تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ
تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]
http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf
|