
19-04-2015, 07:40PM
|
عضو مشارك - وفقه الله -
|
|
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
|
|
بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام
للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -
[113] : عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : "من نسي صلاة فليصليها إذا ذكرها ،
لا كفارة لها إلا ذلك قال تعالى : _ وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي _ .
ولمسلم : " مَن نسي صـلاة أو نام عنها ، فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها " .
موضوع الحديث :
وجوب قضاء الفوائت التي فاتت بعذر النوم أو النسيان عند الذكر أو الاستيقاظ .
المفردات :
مَنْ : اسم شرط .
نسي : فعل الشرط .
وصلاة : مفعول .
فليصلها : جواب الشرط ، وجزائه إذا ذكرها أي متى ذكرها ، والضمير في يصليها وذكرها يعود على الصلاة
المنسية .
لا كفارة : لا نافية للجنس ، وكفارة اسمها .
إلا ذلك : أي إلا صلاتها عند الذكر أو الاستيقاظ .
المعنى الإجمالي :
من عدالة الشرع الإسلامي الحكيم في أحكامه وتكاليفه أنه أسقط التبعة عن العبد في حالة النوم والنسيان _ رَبَّنَا لا
تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا _ وألزمه بقضاء الفائتة بعد زمن هذين العذرين عند زواله فمتى ذكر الناسي أو استيقظ النائم
وجب عليه أن يقضي ما فاته ، وهذا ما لم يكن النوم مقصوداً ومعتمداً ، فمن اعتاد مثلاً أن ينام عن الصبح يومياً إلى
أن تطلع الشمس أو تكاد ، لا يكون النوم في حقه عذراً وكذا من تعمد السهر إلى وقت السحر مثلاً أو استيقظ عند
دخول الوقت أو قربه ونام أو سمع النداء واستثقل به النوم ، كل هؤلاء لا يكون النوم في حقهم عذراً . والله أعلم .
فقه الحديث :
أولاً : اختلف في الاستشهاد بالآية هل هو من كلام رسول الله _ أو مدرج من كلام قتادة والراجح الأخير لأنه قد ورد
في رواية لمسلم بلفظ قال قتادة _ وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي _ .
ثانياً : القراءة المشهورة في الآية _ وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي _ بإضافة ذكري إلى الضمير المعظم ، وقرأها ابن شهاب
_ للذكرى _ على زنة فُعلى مشددة الفاء ، واختلف في معناها فقيل : معناها للتذكر بها أو فيها ،
وقيل : المراد أقم الصلاة حين تذكرها ، وقيل المراد لأذكرك بالمدح أي أمدحك على ذلك ، وقيل : المراد عند
تذكيري لك إياها ، قال الحافظ : وهذا يعضد قراءة من قرأ _ للذكرى _ .
وقد رجح ابن جرير القول الأول وهو ظاهر الآية ، غير أنه لا ينفي احتمال الآية للمعاني الأخرى .
ثالثاً : يجب قضاء الصلاة إذا فاتت بالنوم أو النسيان . قال ابن دقيق العيد : وهو منطوقه ولا خلاف فيه .
رابعاً : أن اللفظ يقتضي توجه الأمر بقضائها عند ذكرها ؛ لأنه جعل الذكر ظرفاً للمأمور به وهو القضاء فيلزم فعله عند
وجوده ، وهل يلزم على الفور أو على التراخي ؟ في ذلك خلاف .
فمن قال على التراخي : استدل بقصة نوم النبي _ وأصحابه عن الصبح حيث أمرهم ، فاقتادوا الرواحل شيئاً ثم نزلوا
فتوضأوا ، وفي لفظ من حديث عمران بن حصين : " فلما رفع رسول الله ﷺ رأسه ورأى الشمس قد بزغت
قال ارتحلوا وسار بنا حتى ابيضت الشمس نزل فصلى الغداة . قالوا : فاقتياد الرواحل وخروجهم من الوادي يدل على
أن القضاء ليس على الفور .
والجواب عن هذا : أنه عمل لمصلحة الصلاة فلم يمنع ، يدل على ذلك قولـه : " إن هذا منـزل حضَرَنَا فيه الشيطان " .
فكان الخروج والابتعاد عن ذلك المنـزل من مصلحة الصلاة فلذلك لا يعد تأخيراً ، ولا يكون مانعاً من الفورية .
ولا يشرع الخروج من كل مكان وقعت فيه المعصية أو وقع فيه التفريط أو الغفلة استدلالاً بفعل النبي ﷺ ،
فإن هذا أمر لا يعرفه إلا نبي .
خامساً : اختلف العلماء في قضاء المتروكة عمداً ، فذهب الجمهور إلى قضائها مستدلين بهذا الحديث ، قال
النووي : فيه وجوب قضاء الفريضة الفائتة سواء تركها بعذر كنوم ونسيان أو بغير عذر ، وإنما قيد في الحديث بالنسيان
لخروجه على سبب لأنه إذا وجب القضاء على المعذور فغيره أولى بالوجوب ، وهي من باب التنبيه بالأدنى على
الأعلى .. إلى أن قال : وشذ بعض أهل الظاهر فقال لا يجب قضاء بغير عذر ، وزعم أنها أعظم من أن يخرج
من وبال معصيتها بالقضاء ، وهذا خطأ من قائله وجهله .
وقال العلامة ابن رشد في كتابه بداية المجتهد (1/176) : ومن رأى أن الناسي والعامد ضدان والأضداد
لا يقاس بعضها على بعض ، إذ أحكامها مختلفة وإنما تقاس الأشباه ؛ لم يجز قياس العامد على الناسي ، والحق
في هذا أنه إذا جعل الوجوب من باب التغليظ كان القياس سائغاً ، وأما من جعل من باب الرفق بالناسي العذر لـه ،
وأن لا يفوته ذلك الخير فالعامد في هذا ضد الناسي ، والقياس غير سائغ ؛ لأن الناسي معذور والعامد غير معذور ،
والأصل أن القضاء لا يجب بأمر الأداء ، وإنما يجب بأمر مجدد على ما قال المتكلمون ؛ لأن القاضي قد فاته أحد
شروط التمكن من وقوع الفعل على صحته ، وهو الوقت إذا كان شرطاً من شروط الصحة . والتأخير عن الوقت
في قياس التقديم عليه ، لكن قد ورد الأثر بالناسي والنائم وتردد العامد بين أن يكون شبيهاً أو غير شبيه . والله الموفق
للحق .
أما المغمى عليه فإن قوماً أسقطوا عنه القضاء فيما ذهب وقته ، وقوم أوجبوا عليه القضاء ومن هؤلاء من اشترط عليه
القضاء في عدد معلوم ، وقالوا يقضي في الخمس فما دونها ، والسبب في اختلافهم تردده بين النائم والمجنون ،
فمن شبهه بالنائم أوجب عليه القضاء ، ومن شبهه بالمجنون أسقط عنه الوجوب . اهـ.
واستدل المانعون من القضاء بأن حقوق الله المؤقتة لا تقبل في غير أوقاتها ، فكما لا تقبل قبل دخول وقتها فكذلك
لا تقبل بعد خروجه ، وأن العبادة إن فسرت بموافقة الأمر فهذه لم توافق الأمر ، وإن فسرت بما أبرأ الذمة فهذه لم
تبرأ بها الذمة .
قالوا في مسند الإمام أحمد من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. مرفوعاً : " من أفطر يوماً من رمضان بغير عذر لم
يقضه عنه صيام الدهر " . اهـ فكيف يقال يقضيه عنه يوم مثله .
قلت : الذي يظهر لي أن الترك عمداً ينقسم إلى قسمين :
القسم الأول : أن يترك الصلاة محتملاً لعذر أو متأولاً لتأويل ، فمثل هذا يناظر ويعرف بالحق فإن رجع جاز له القضاء .
القسم الثاني : من تركها من دون عذر ولا تأويل فإن الأحاديث مصرحة بكفره لحديث جابر عند مسلم وأبي داود
والترمذي وابن ماجة قال : قال رسول الله ﷺ : " بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة " . وحديث بريدة رضي
الله عنه قال : سمعت رسول الله ﷺ يقول : " العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر " . رواه
الخمسة وصححه النسائي والعراقي .
أما الفقهاء فقد اختلفوا في كفر تارك الصلاة ، فذهب مالك والشافعي ورواية عن أحمد أنه لا يكفر ولكن يُقتل حداً ،
وذهب جماعة من السلف إلى أنه يكفر وهو مروي عن علي بن أبي طالب وهو إحدى الروايتين عن أحمد
بن حنبل ، وبه قال عبد الله بن المبارك وإسحاق بن راهويه ، وهو وجه لبعض أصحاب الشافعي .
وذهب أبو حنيفة وجماعة من أهل الكوفة والمزني إلى أنه لا يكفر ولا يقتل بل يعزر ويحبس حتى يصلي ، أفاده الشوكاني
ورجح القول بكفره – إن شاء الله – لصحة دليله .
أما حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ : " خمس صلوات كتبهن الله على العباد من أتى بهن لم
يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة ، ومن مات ولم يأت بهن فليس له عند الله
عهد ، إن شاء عذبه وإن شاء غفر لـه " . فإنه متأول على احتمال صحته على ما جاء في الشطر الأول فإن فيه من
أتى بهن لم يضيع منهن شيئاً استخفافاً بحقهن كان له ..الخ فكان دخول الجنة مشروط بالإتيان بها كاملة ويحمل
النفي في قوله ومن لم يأت بهن فليس له عند الله عهد إن شاء عذبه وإن شاء غفر لـه محمول على المنتقص منها
استخفافاً عكس الشطر الأول من الحديث ، وهذا على احتمال صحته كما قلت فإن في حديثي المدلجي حكم
عليه القشيري بالجهل ، وذكره ابن حبان في الثقات وهو معروف بتساهله ، وصحح الحديث الألباني في صحيح
الجامع الصغير رقم 3237 و3238 ولفظ الرقم الأول فيه بعض المخالفة للفظ الحديث الآنف الذكر وكلاهما
عن عبادة وهو مؤيد ما جمعت به هنا فإن لفظه : " خمس صلوات افترضهن الله عز وجل من أحسن وضوئهن
وصلاهن لوقتهن وأتم ركوعهن وخشوعهن كان له على الله عهد أن يغفر له ، ومن لم يفعل فليس له على الله عهد ،
إن شاء غفر وإن شاء عذبه " ، وبهذا يتبين أن الأدلة ليس بينها تعارض وأن الصواب القول بكفر تارك الصلاة .
وبالله التوفيق .
فإن قال قائل : أنا مؤمن بوجوب الصلوات ولكن لا أريد أن أصلي .
قلنا له : كذبتَ ، لو كنت مؤمناً بوجوبها لدفعك الإيمان إلى أداء الصلاة ؛ لأن الله ركز في طبع كل إنسان أن يطلب
ما يؤمن بجدواه عنه ومنفعته له ، ويجتنب ويترك ما يؤمن بضرره عليه .
فلو كنت مؤمناً بأن الصلاة فريضة إلهية يترتب على فعلها الفلاح والفوز برضى الله ودخول الجنة لكان ذلك حافزاً لك
على أدائها ، لأنا نراك تحرص على ما ينفعك في الدنيا وتتفانى في تحصيله ، فتتعب فيه جسمك وتفني فيه
وقتك ، والسبب في ذلك أنك اقتنعت بأنه ينفعك فحرصت عليه ، فلو كنت مؤمناً بجدوى الصلاة عنك ومنفعتها
لك لحرصت عليها كما تحرص على أمور دنياك مع العلم أن صلاة واحدة نفعها أعظم من الدنيا كلها فقد
ثبت عن النبي _ أنه قال : " ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها " فإذا كان هذا في النافلة فكيف به في الفريضة .
ومن جهة أخرى فإن الشر المترتب على تركها أعظم من كل شر يحذره الإنسان ، فمثلاً الإنسان يؤمن بأن النار
محرقة فلذلك يفر منها ويحذر الوقوع فيها ، والإنسان يؤمن بأن الثعبان قاتل فلذلك يفر منه ، وأن الأسد قاتل
فلذلك يفر منه فراره من النار والثعبان والأسد ففراره من هذه الأشياء ناشئ عن إيمانه بضررها ، فمن آمن بأن ترك الصلاة
موجب للنار ولذلك فإن ضرره أشد من الوقوع في النار الدنيوية ، أو الإقدام على مسك الأسد أو الحية فإن هذا
الإيمان سيحمله على أدائها ، وقد تبين بأن من زعم أنه مؤمن بفريضة الصلاة ولم يؤدها فإنه كاذب في دعواه بل
كافر جاحد بلسان حاله وإن لم يسم جاحداً بلسان مقاله وبالله التوفيق .
سادساً : يؤخذ من قوله فليصلها إذا ذكرها ، أن من ذكر صلاة منسية وهو في صلاة واجبة الترتيب مع المنسية فإنه
يقطع التي هو فيها أو يحولها إلى تطوع وفي ذلك خلاف يدل على وجوب القضاء عند الذكر وذلك يعم من ذكرها
وهو في الصلاة .
قال ابن دقيق العيد : وحيث يقال بالقطع فوجه الدليل منه أنه يقتضي الأمر بالقضاء عند الذكر ومن ضرورة ذلك
قطع ما هو فيه ومن أراد إخراج شيء من ذلك فعليه أن يبين مانعاً من إعمال اللفظ في الصورة التي يخرجها
ولا يخلو هذا التصرف من نوع جدل ، وقال الصنعاني : وهو دليل على الفورية فيلزم خروجه مما هو فيه وقطعه
والإتيان بما ذكره وهو عام في كل أوقات الذكرى فلا يخرج عنها شيء إلا بدليل ولم يقم هنا دليل وبوب الحافظ
البيهقي في السنن باب من ذكر صلاة وهو في أخرى .. الخ .
قلت : الذي يظهر لي أن المضي في الصلاة التي هو فيها وتحويلها إلى تطوع أولى ولا يتنافى مع الفورية فإن
من ذكر فائتة وهو حاقن له أن يقضي حاجته ويتوضأ ولا يكون في ذلك منافاة للفورية والله قد نهى عن إبطال
الأعمال والله أعلم .
سابعاً : يؤخذ من قوله : " لا كفارة لها إلا ذلك " أن كفارة المتروكة بنوم أو نسيان هو قضائها لا يكفرها شيء سوى
ذلك ، ومن هنا يقال أن المتروكة عمداً لا يكفرها شيء إلا التوبة والدخول في الإسلام من جديد ، أما الجمهور
فيقولون أن من ترك واجباً حتى فات وقته ترتب في ذمته ولزمه قضائه والذي يظهر لي أن هذه القاعدة تتمشى في
غير الصلاة أما الصلاة فقد جعل النبي _ تركها كفراً والله تعالى يقول عن أهل النار المخلدين فيها : _ مَا سَلَكَكُمْ
فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ _ (المدثر:24-44) . والله أعلم .
فإن قال قائل يمكن أن تحمل هذه الأحاديث التي أوردتموها في كفر تارك الصلاة على أن ذلك من بابا كفر دون
كفر كحديث سباب المسلم فسوق وقتاله كفر .
والجواب عليه من وجهين :
أولاً : أن إطلاق اسم الكفر في السنة إنما ورد على الأفعال أما التروك فلم يرد في شيء منها فيما أعلم ولهذا ورد
عن الصحابة رضوان الله عليهم أنهم كانوا لا يرون شيئاً من الدين تركه كفر غير الصلاة .
ثانياً : أن الله عز وجل أخبر عن أهل النار أنهم لما سئلوا عما أدخلهم النار أجابوا بأربعة أشياء ، أولها : ترك الصلاة ،
حيث قالوا : _ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ *
حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ _ (المدثر:43-48) . فدل على أن ترك الصلاة كفر أو ناشئ
عن الكفر كما تقدم ، وقد صح عن النبي _ أن المصلين الموحدين الذين يدخلون النار بكبائر إذا أذن الله في
إخراجهم منها بشفاعة الشافعين أو برحمة أرحم الراحمين تدخل عليهم الملائكة ليخرجونهم فيجدونهم قد
امتحشوا إلا موضع السجود منهم وحرام على مواضع السجود أن تأكلها النار فدل على أن من ترك الصلاة حرم
من الشفاعة وخلد في النار . والله أعلم .
تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ
تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ
تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]
http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf
|