عرض مشاركة واحدة
  #30  
قديم 17-04-2015, 07:26PM
ام عادل السلفية ام عادل السلفية غير متواجد حالياً
عضو مشارك - وفقه الله -
 
تاريخ التسجيل: Sep 2014
المشاركات: 2,159
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم




تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام


للعلامة : احمد النجمي
-رحمه الله -




[111] : عن زيد بن أرقم _ قال : كنا نتكلم في الصلاة يكلم الرجل صاحبه وهو إلى جنبه في الصلاة حتى
نزلت : _ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ _ فأمرنا بالسكوت ونُهينا عن الكلام .

الراوي : زيد بن أرقم الخزرجي صحابي جليل غزا مع النبي _ سبع عشرة غزوة ، وهو الذي أخبر النبي ﷺ
بكلام عبد الله بن أبي بن سلول المنافق فحلف ما قال فأنزل الله تصديق زيد في سورة المنافقين .



موضوع الحديث :


تحريم الكلام في الصلاة ما عدا الذكر وقراءة القرآن والدعاء .


المفردات :

وهو إلى جنبه : أي قريباً منه .
وقوموا لله قانتين : أي خاشعين أو ساكتين ، وللقنوت عدة معان ، وهي : الخشوع ، والسكوت ، والدعاء ،
وطول القيام ، ودوام الطاعة ، والإقرار بالعبودية .



المعنى الإجمالي :

يخبر زيد بن أرقم أن الكلام في الصلاة كان مباحاً في أول الإسلام ثم نسخ بقوله تعالى : _ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ _ ،
فأمروا بالسكوت عن كلام الناس وقصر الكلام في الصلاة على ذكر الله وقراءة القرآن والدعاء .



فقه الحديث :

أولاً : يؤخذ من الحديث دليل على النسخ وهو إجماع ممن يعتد به .
ثانياً : يؤخذ منه أن القنوت المذكور في هذه الآية المراد به السكوت عن الكلام وهو قصر اللفظ المشترك
على بعض معانيه وتعيينه لواحد منها وهو كالنص فيه لأن قول الصحابي حتى نزل قوله تعالى : _ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ
_ فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام ، يدل على أن المراد بالقنوت في هذه الآية السكوت ولا يقال أن هذا
حصل من الصحابي بطريق اجتهادي بل هذا الحكم من الصحابي لا يخلو عن أحد أمرين :

إما أن يكون الصحابي أخذه عن النبي ﷺ أي أن المراد بالقنوت السكوت وعلى هذا فهو مرفوع ويتعين هذا
المعنى لكلمة القنوت هنا .


والثاني : أن يكون الصحابي أخذه من قرائن الأحوال التي احتفت بالآية وقت نزولها كمنع النبي _ عن الكلام
بعد نزولها وعلى هذا فإنه مقدم على غيره .

قال ابن دقيق العيد : والأرجح في هذا كله حمله على ما أشعر به كلام الراوي فإن المشاهدين للوحي
والتنـزيل يعلمون بسبب التنـزيل والقرائن المحتفة به ما يرشدهم إلى تعيين المحتملات وبيان المجملات ،
فهم في ذلك كله كالناقلين للفظ يدل على التعليل والتسبيب ، وقد قالوا : إن قول الصحابي في الآية نزلت
في كذا يتنـزل منـزلة المسند .


وقال الصنعاني في العدة في تعليقه على الكلام الآنف الذكر : " أقول : بل المقطوع به أن لا يطلق الراوي
في مقال الاحتمال إلا ما صار عنده قطعاً لا يبقى معه احتمال كما قرر في أصول الحديث . اهـ.

ثانياً : اختلف الفقهاء في أشياء هل تبطل الصلاة أم لا ؟ وهي النحنحة والبكاء والنفخ .
فأما النحنحة فإن الشوكاني حكى عن أبي حنيفة ومحمد والهادوية أنها مفسدة ، وقد ذهب إلى ذلك الإمام يحيى
والشافعي وأبي يوسف كذا في البحر النيل 2/323 .

قلت : المشهور عند الشافعية أنها تفسد الصلاة بناء على أن النحنحة يبين فيها حرفان قال في المهذب : فإن
تنحنح أو تنفس أو نفخ أو بكى أو تبسم عامداً ، ولم يبن منه حرفان لم تبطل صلاته . وبعدم البطلان والفساد
قالت الحنابلة في الثلاثة اعتماداً على الأحاديث الواردة في ذلك ، ولعله هو الأقرب . ففي النحنحة ما رواه
النسائي بسند رجاله كلهم ثقات عن عبد الله بن نجي ، عن علي _ قال : كان لي من رسول الله _ ساعة
آتيه فيها ، فإذا أتيته استأذنت إن وجدته يصلي فتنحنح دخلت وإن وجدته فارغاً أذن لي . إلا أنه قد اختلف
فيه على عبد الله بن نجي فتارة قال عن علي وتارة قال عن أبيه عن علي وصله أبو أسامة ، عن شرحبيل
بن مدرك . ورواه مرسلاً جرير وإسماعيل بن عياش كلاهما ، عن مغيرة بن مقسم ، عن الحارث العكلي
عن ابن نجي ، عن عليّ .


ووراه ابن خزيمة في صحيحه (2/54) وقال : قال أبو بكر : قد اختلفوا في هذا الخبر عن عبد الله نجي فلست
أحفظ أحداً قال عن أبيه غير شرحبيل بن مدرك هذا ، ورواه عمارة بن القعقاع ومغيرة بن مقسم جميعاً ، عن الحارث
العكلي ، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير ، عن عبد الله بن نجي ، عن عليّ . وقال جرير ، عن المغيرة ، عن الحارث
وعمارة ، عن الحارث يسبح . وقال أبو بكر بن عياش ، عن المغيرة يتنحنح . اهـ.


قلت : ينحصر الخلاف في هذا في ثلاث نقط : واحدة في المتن ، واثنتان في السند ، فأما التي في المتن فهي
إبدال "يتنحنح" بـ"يسبح" ، وكلا اللفظين ثابت والجمع بينهما ممكن وهو أن يحمل على أنه كان أحياناً يسبح ،
وأحياناً يتنحنح ، فيبقى الاستدلال بالحديث على جواز النحنحة قائم كما هو ، وأما النقطتان اللتان في السند
فهما زيادة نجي بين عبد الله بن نجي وعلي ، وزيادة أبي زرعة عمرو بن جرير بين الحارث العكلي وعبد الله بن نجي .


والنقطة الثانية بسيطة ؛ فإنه يحمل على أن الحارث العكلي سمع الحديث من عبد الله بن نجي بواسطة ، وسمعه
منه بدون واسطة ، ثم إن الواسطة وهو أبو زرعة بن عمرو بن جرير ثقة متفق على الإخراج له وهو وعبد الله بن نجي
من الطبقة الثالثة والحارث من السادسة .


أما النقطة الأولى وهو إثبات واسطة بين عبد الله بن نجي وعلي بن أبي طالب والواسطة هو نجي وبإسقاط نجي
يكون السند منقطعاً على ما ذكره الألباني – رحمه الله – وبإثباته يضعف الحديث بجهالة نجي .

والحاصل أن الألباني أعلّ الحديث بعلتين هما الانقطاع والجهالة ، أما الانقطاع فبناء على أن عبد الله بن نجي
لم يسمع من علي ابن أبي طالب ، وقد قال ابن حجر : روى عن أبيه ، وكان على مطهرة علي وعمار وحذيفة
والحسين بن علي وغيرهم .


قلت : إذا كان قد روى عن حذيفة وعمار وقد توفيا قبل علي بأعوام وكان أبوه نجي على مطهرة علي رضي الله
عنهم أجمعين فما الذي يمنعه من سماع علي وإذ قد وثقه النسائي ، وقال البزار : سمع هو وأبوه من علي ،
فإن الحديث محمول على الاتصال لتوفر الدواعي على ذلك بالمعاصرة واللقي ، فيبعد جداً أن يكون أبوه
على مطهرة علي ولا يلقى علياً ، مع أن الخلفاء الراشدين كانوا لا يحتجبون من الناس ، وقد ذكر ابن ماكولا أن
نجياً كان له عشرة أولاد قُتل منهم سبعة مع علي رضي الله عنه ، أما نجي فقد وثقه العجلي فقال : تابعي ثقة ،
فالحديث في رأيي لا يبعد أن يكون حسناً . والله أعلم .



ثم إن النحنحة ليست كلاماً حتى تبطل الصلاة فهي لا تسمى كلاماً في العرف اللغوي ، والحديث
دال على المنع من الكلام .



قال ابن دقيق العيد رحمه الله : "والأقرب أن ينظر إلى مواقع الإجماع والخلاف حيث لا يسمى الملفوظ
به كلاماً ، فما أجمع على إلحاقه بالكلام ألحقناه ، وما لم يجمع عليه مع كونه لا يسمى كلاماً فيقوى فيه عدم
الإبطال ، قالوا من هذا استبعد القول بإلحاق النفخ بالكلام ، ومن ضعف التعليل فيه قول من علل البطلان
به بأنه يشبه الكلام وهذا ركيك مع ثبوت السنة الصحيحة أن النبي ﷺ نفخ في صلاة الكسوف في سجوده .



وقال الصنعاني : واعلم أن الكلام المنهي عنه هو المخاطبة كما قال الراوي يخاطب بعضنا بعضاً ، ثم قال :
ونهينا عن الكلام ، أي الذي نهي عنه وهو المخاطبة ، وكذلك حديث "لا يصلح فيها شيء من كلام الناس"
المراد به من مخاطباتهم ، والتنحنح والأنين والتأوه ليست من الكلام ، فإنه ما تركب من حرفين ولا مركب
فيما ذكر " اهـ.



قلت : وكذلك البكاء ، فقد صح عن النبي ﷺ أنه كان يصلي وفي صدره أزيز كأزيز المرجل ، وأقر عائشة
لما قالت : " إن أبا بكر رجل رقيق ، إذا قرأ غلبه البكاء " .

وكان عمر يُسمع نشيجه من مؤخر الصفوف ، ومما ذكر تبين أنه ليس شيء منها يبطل الصلاة ويكره فعل
شيء منها لغير حاجة . والله أعلم .



رابعاً : نشأ من هذا الحديث إشكال وهو أن ظاهر حديث زيد بن أرقم أن نسخ الكلام كان بعد الهجرة ؛
لأن زيد بن أرقم أنصاري حديث السِنّ ، لم يسلم إلا بعد الهجرة مع أن الآية مكية ، وحديث ابن مسعود حين
قدم من الحبشة سلّم على النبي ﷺ وهو في الصلاة فلم يرد عليه وقال بعد ذلك : "إن الله يحدث في أمره
ما يشاء وإن الله أحدث أن لا تكلموا في الصلاة" .

والجواب عنه صعب ، إلا أن يقال : إن إباحة الكلام في الصلاة تكررت وتكرر بذلك التحريم والله أعلم . اهـ.

نقلاً عن ابن دقيق العيد .




تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ

تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ


تأسيس الأحكام بشرح أحاديث عمدة الأحكام [2]
[ المجلد الثاني ]

http://subulsalam.com/site/kutub/Ahm...ssisAhkam2.pdf







رد مع اقتباس