بسم الله الرحمن الرحيم
العلـم
لسماحة مفتي عام المملكة العربية السعوديه الشيخ/
عبد العزيز بن عبد الله ال الشيخ
-حفظه الله ورعاه-
إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه الله فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين. أمَّا بعد ُ:
فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.
عباد الله، خلق الله الخلق لعبادته لطاعته ومحبته (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ)، والله يرضى من عباده أن يعبدوه وحده لا شريك له ويغضب على كفرهم به وإشراكهم بغيره (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ)، وإن المؤمن إذا تأمل نعمة الله عليه رأى أن نعمة الإيمان نعمة هداية له بالإيمان وتشريفه بالإسلام أعظم النعم وأجلها (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلْ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ).
أيها المسلم، وإن المؤمن في هذه الدنيا وقد من الله عليه بالإسلام والإيمان يخشى من فتن هذه الدنيا يخاف من الزيغ بعد الهدى والانحراف بعد الاستقامة يخشى على نفسه لا سيما وإن عدو الله إبليس بالمرصاد فهو عدوه وعدو أبيه قبله (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً)، (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ)،
فالمؤمن يلتمس رضا الله وهدى الله له ويبحث عن أسباب الهداية لكي يقوم بها رجاء أن يوفق للاستقامة على الهدى وأن يلقى الله على أحسن حال، وقد جعل الله للهداية أسباب فمن أسباب الهداية توفيق الله للعبد للهدى والاستقامة على الخير ولهذا التوفيق علامات تدل عليه غالباً فمن توفيق الله للعبد أن يمنحه الأعمال الصالحة ويعينه عليها سواء أعمالاً بدنية كالصلاة والصوم وأعمالاً كالزكاة ومركب من المال والبدن كالحج ويوفقه للأقوال الطيبة والأعمال الصالحة (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً)، وفي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أراد الله بعبد خيراً استعمله"، قالوا كيف ذلك يا رسول الله قال: "يوفقه لعمل صالح قبل موته"، سأل صلى الله عليه وسلم أي الناس خير قال: "من طال عمره وحسن عمله"، وسأل أي الناس شر قال: "من طال عمره وساء عمله"،
ومن توفيق الله للعبد أن يرزقه علماً نافعا يهتدي به الخير ويتخلص به من ظلمات الجهل والظلال فإن العلم النافع سبب لخشية الله (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)، والله جل وعلا ميز العلماء عن غيرهم (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)، والعلم يأخذ قدر حاجته وما يعبد به ربه ويعرف به دينه من حلال وحرام ليكون على بصيرة من أمره وفي الحديث: "من يرد الله به خير يفقهه في الدين"، ومن علامة توفيق الله للعبد أن يهديه للخير ويمنحه الدعوة إليه دعوة الناس وإصلاح شأنهم فإن الدعوة إلى الله طريق الأنبياء والمرسلين (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ)، والله يقول: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي)، وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم قال: "فوالله لئن يهدي الله بك رجلاً واحد خير لك من حمر النعم"،
ومن توفيق الله للعبد أن يوفقه للتوبة النصوح، ما دام حيا يوفقه للتوبة من ذنوب بينه وبين ربه من إخلال بواجب أو ارتكاب لمحرم ويتخلص من مظالم العباد فيرد الحقوق إلى أهلها ويبرئ ذمته من التبعات من مال سرقه أو نهبه أو غش في بيع أو شراء أو دلس أو أنكر حقوق ما في ذمته فمن توفيق الله له أن يمن عليه بالتوبة التي يتدارك بها أخطاءه ويرد الحقوق إلى أهلها يقول صلى الله عليه وسلم: "أتدرون من المفلس فيكم"، قالوا يا رسول الله المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع قال: "ولكن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بأعمال كالجبال بصيام وصلاة وصدقة ويأتي قد ظلم هذا وشتم هذا وضرب هذا وأكل مال هذا فيأخذ هذا من حسناته فإن انقضت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من سيئاتهم ثم طرحت عليه ثم طرح في النار"،
فمن توفيق الله للعبد أن يمن عليه بتدارك ذلك كله يفكر في نفسه وفي شبيه بعد شبابه ما ارتكب من أخطاء وماذا قصر وماذا تعامل مع الخلق ليرد الحقوق إلى أهلها قبل أن يمكن الغرماء من حسناته يوم القيامة فتلك المصيبة العظيمة ومن توفيق الله للعبد أن يمنحه طيب النفس وانشراح الصدر لقضاء حوائج العباد قدر استطاعته فإن قضاء حوائج العباد لمن وفق إليها نعمة وهداية من الله وتوفيق يقول صلى الله عليه وسلم: "اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما شاء"، وفي الحديث "إن أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس وإن أفضل عمل سرور تدخله على نفس مسلم تكشف غمه وتقضي دينه و... بعد الجوع"،
ومن توفيق الله للعبد اهتمامه بالقرآن وعنايته به وسعيه بتقوية ذلك فخيرنا من تعلم القرآن وعلمه ومن توفيق الله للعبد أن يكون آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر على قدر استطاعته فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلق أهل الإيمان (التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنْ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ وَبَشِّرْ الْمُؤْمِنِينَ)،
فالمؤمن آمراً بالمعروف ملزماً نفسه بالطاعة وملزماً أهله بالخير وساع في إخبار إخوانه وأقاربه وجيرانه ومن يتعامل معه إذا رأى منكر دله على الخير وحذره منه وبين له عقوبته الدنيوية والأخروية لأن المؤمن يحب لأخيه ما يحبه لنفسه ومن توفيق الله للعبد أن يرزقه براً للأبوين في حياتهما إحسان وخدمة ونفقة وطيب قول وخطاباً حسن وتواضعاً لهما ولا سيما عند كبر السن وضعف القوة وعدم القدرة على القيام بالواجب (إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً* وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنْ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً)، يدعوا لهما بعد موتهما فذلك الأعمال الصالحة التي تصل الأبوين كما في الحديث: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعوا له"، ومن توفيق الله له أن ينفق على زوجته وأهل بيته ويكون ... منفقاً عليهم كما أوجب الله متقرباً بذلك إلى الله وفي الحديث يقول صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص: "إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى اللقمة تضعها في فيّ امرأتك"،
ومن توفيق الله له حسن أخلاقه ولين جانبه وبعده عن سيء الأخلاق، ومن توفيق الله له محافظته على الصلوات الخمس وعنايته بها واهتمامه بها وأن تكون أعظم أموره يراها واجب عليه ...( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ* الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)، حافظوا عليها وقتاً ويحافظ عليها جماعة ويحافظ عليها مسجداً ويتقرب بذلك إلى الله جل وعلا: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ* أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ* الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)،
ومن أسباب الهداية البحث عن الحق فمعرفة الحق والعمل بالحق والبعد عن الهوى (أَفَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ)، فمن عرف الحق وعمل به وابتعد عن الهوى وطبق شرع الله فذلك الموفق بالهداية، ومن هداية الله للعبد أن يرزقه تقواه في قلبه وجوارحه قال الله جل وعلا: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى* وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى)،
ومن هداية الله له أن .. قلبه بعيداً عن العجب والكبر والغل والحسد الذي يوجب له عذاب الله فيكون قلبه نقياً لا يحمل غلاً على مسلم ولا يدير فكره في الإضرار في المسلم ولا يسعى في إلحاق الهموم بالمسلمين ولا يفرح بذلك لأن هذا من أخلاق الفاسقين لا من أخلاق المؤمنين والله يقول: (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ* إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ)، ويقول عن أتباع المؤمنين: (وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ)،
ومن هداية الله للعبد أن يمنحه حب القرآن تلاوة وتدبراً وتلذذاً به وانشراح بتلاوته فيزداد إيماناً على الإيمان وتقوى وخيرا (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ)، (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ* لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ)،
ومن هداية الله للعبد أن يمنحه البعد عن جلساء السوء ودعاة الفتنة والفساد ونشر الفوضى فيكون حذراً منهم إلا أن يرجوا أن يصلح شأنهم ويبعدهم عما هم فيه وإلا فالبعد عن هؤلاء أولى (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)،
ومن هداية الله للعبد أن يمنحه العقيدة السليمة القائمة على عبادة الله وإخلاص الدين له وتوحيد الله بكل أنواع العبادة من دعاء ورجاء وخوف واستغاثة واستجابة ورغبة ورهبة وإنابة ليكون قلبه متعلقاً بالله حباً وخوفاً ورجاء بعيداً عن الخرافات الوثنيين وأرباب الطرق الفاسدة الذين لا خير فيهم ومن هداية الله للعبد أن يمنحه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تلاوتها والعمل بها والاقتداء به في الأقوال والأعمال وأن يعلم حقاً أن كل الطرق إلى الله مسدودة إلا من طريقه صلى الله عليه وسلم فهو الواسطة بيننا وبين ربنا في إبلاغ الشرع والدين فأرباب الطرق ودعاء الضلال الذين جعلوا لأنفسهم منهجاً غير منهج المسلمين أولئك على ضلال وخطر فإنهم سلكوا في عباداتهم مسلك البدع والضلال وجعلوا أرباب الطرق ومشائخ الطرق قدوة لهم في الباطل والضلال وهذا عين الخسارة والضلال،
ومن هداية الله للعبد أن يرزقه الكسب الحلال فتكون مكاسبه مكاسب طيبة خالية من الحرام مكاسب نافعة فيها قوة القلب والبدن مال طيب طاهر يعلم مدخله ومخرجه الطريق الذي جاء منه طريق طيب والطريق الذي أنفق فيه طريق طيب لأنه يعلم أنه مسئول عن هذا المال ما مصدره وما طرق إنفاقه فمن توفيق الله له أن تكون مكاسبه مكاسب طيبة خالية من الحرام من ربا ورشوة وغسيل أموال وغلول واعتداء على الأموال العامة أو الخاصة بل مكاسبه مكاسب طيبة يعلم أن الله سيحاسبه عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه فلهذا يحاسب نفسه في هذه الدنيا ومن هداية الله له أن يبتعد عن المشتبهات في الأموال ويعلم أن المشتبه كلما ابتعد المسلم عنه ازداد خير واطمأن قلبه بالحلال لا يضرنه كثرة الرصيد ولا ارتفاع أسهم ولا كثرة الأرقام إنما يهتم أن يكون هذا المال جاء من طريق مشروع وصرف في طريق مشروع ونعم المال الصالح للرجل الصالح فالمسلم بعيداً عن الحرام بكل صوره ولا يخدعه من يهون الحرام عليه ويسهل الحرام عليه فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "الإثم ما حاك به نفسك وإن أفتاك الناس وأفتوك"،
فالبصيرة والإيمان لا تغرنه تسهيل من سهل وتهاون من تهاون في الربا أو المكاسب الخبيثة هو بعيد كل البعد عنها لعلمه أن الله حرم الربا وتوعد عليه الوعيد الشديد الذي .... ترتعد فرائصه من ذلك الوعيد (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)،
ومن هداية الله له أن يرزقه السداد في أقواله وأعماله فيقول الحق ويعمل بالحق ويدعوا إلى الهدى ومن هداية الله له أن يشغله بما ينفعه في دينه ودنياه ويبعده عما لا خير فيه "ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه"،
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمَّدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وصحبِه، وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ، أما بعد ُ:
فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى.
عباد الله، يتعرض المسلم في هذه الدنيا بأنواع الفتن والمغريات والصارفة عن طريق الله المستقيم إن المؤمن حيال هذه الأمور ينبغي أن يستعين بالله ويسأله التوفيق والسداد والثبات على الحق يقول الله لنبيه: (وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً* إِذاً لأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ)، ويستعين بالله في مقابلة هذه الفتن والمصائب لكنه يخلص لله ويضطر إلى الله ألم تسمع يوسف عليه السلام يقول: (وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنْ الْجَاهِلِينَ* فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، إن المؤمن يستعين بالله ويلجأ إليه أن يثبت قلبه على الحق وألا يزيغه بعد الهدى وأن يبتعد عن محارم الله وأن يطبق أوامر الله ويبتعد عن خلق الكبر والتعاظم والإعجاب بالنفس فإن الكبر بلاء لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر"، قالوا: يا رسول الله الرجل يحب أن يكون ثوبه حسن ونعله حسن قال: "إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغبط الناس"،
فالكبر رد الحق فالمتكبر إذا نوقش في خطأ وقع منه تكبر فلم يقبل إذا كتب كتابة سيئة ونوقش فيها تكبر أن يقول إني مخطئ وأصر على باطله ودافع عن باطله واستمات ولم يقبل الحق ولم يرجع إليه هكذا المغرور بنفسه يظلم الناس ويتعدى عليهم والمؤمن بخلاف ذلك .. الحق هدفه إن نبه حمد الله على أن أنقذ من الجهل ورد إلى الصواب فإن غايته معرفة الحق والعمل به وإن خفي عليه وجاءه من يرشده وينبه ويوقضه من غفلته ويدله على ما أخطأ فيه حمد الله وأثنى عليه وعلم أنها نعمة من الله أنعم عليه حيث لم يصر على الباطل ولم يتمادى في الطغيان.
واعلموا رحمكم اللهُ أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ صلى اللهُ عليه وسلم، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعة ضلالةٌ، وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذّ شذَّ في النار، وصَلُّوا رَحِمَكُم اللهُ على عبدالله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].
اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدِك ورسولِك وخيرتك من خلقك وأمينك على وحيك من بلغ الرسالة ونصح الأمة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق الجهاد فصلوا وسلموا عليه، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارضَ اللَّهُمَّ عن خُلفائِه الراشدين الأئمة المهديين أهل الايمان والتواضع لله أبي بكر، وعمرَ، وعثمانَ، وعليٍّ، وعَن سائرِ أصحابِ نبيِّك أجمعين، وعن التابِعين، وتابِعيهم بإحسانٍ إلى يومِ الدين، وعنَّا معهم بعفوِك، وكرمِك، وجودِك، وإحسانك، يا أرحمَ الراحمين.
اللهم أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وأذِلَّ الشركَ والمُشرِكين، ودمِّرْ أعداءَ الدين، وانصُرْ عبادَك المُوَحِّدين، واجعلِ اللَّهُمَّ هذا البلدَ آمنًا مُطمئِنًا، وسائرَ بلاد المسلمين، يا ربَّ العالمين، اللَّهمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، اللَّهمَّ آمِنَّا في أوطانِنا، وأصلح أئمتنا ووُلاةَ أمرِنا، اللهم وفِّقْهُم لما فيه صلاح الإسلامِ والمُسلمين، اللَّهمّ وفِّقْ إمامَنا إمامَ المسلمينَ عبدَ الله بنَ عبدِ العزيزِ لكلِّ خير، اللهم أمده بعونك وتوفيقك وتأييدك، وكن له عوناً في كل ما أهمه واجعله بركة على أمته وعلى المسلمين أجمعين إنك على شيء قدير،
اللهم شد عضده بولي عهده سلطان بن عبدالعزيز ووفقه لصالح الأقوال والأعمال، اللهم وفق النائب الثاني نايف بن عبدالعزيز لكل خير وسدده في أقواله وأعماله إنك على كل شيء قدير، اللهم وفق المسلمين لاجتماع كلمتهم وتوحيد صفوفهم، اللهم طهر مجتمعاتهم من الفتن والانحراف والضلال والانقسام واجعلهم على بصيرة في أمورهم ويحذرون من مكايد عدوهم، اللهم اجمع قلوبهم وخلصهم من هذه الفتن ما ظهر منها وما بطن، (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) [الحشر:10]، (ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين) [الأعراف:23] (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) [البقرة:201].
عباد الله، (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [النحل:90]، فاذكروا اللهَ العظيمَ الجليلَ يذكرْكم، واشكروه على عُموم نعمه يزدْكم، ولذكرُ الله أكبرُ، والله يعلم ما تصنعون.
- 01-07-1432هـ
المصدر :
http://mufti.af.org.sa/node/1762