بسم الله الرحمن الرحيم
تأسيس الأحكام على ما صح عن خير الأنام
بشرح أحاديث عمدة الأحكام
للعلامة : احمد النجمي
- رحمه الله -
[58] عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما : أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء
يوم الخندق بعدما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش وقال : يارسول الله ما كدت
أصلي حتى كادت الشمس تغرب فقال النبي ﷺ ( والله ما صليتها ) قال فقمنا إلى
بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها فصلى العصر بعد ما غربت الشمس ثم صلى بعدها
المغرب . متفق عليه
موضوع الحديث :
أهيمة الصلاة والأعذار المبيحة لتأخيرها عن وقتها المحدد
المعنى الإجمالي
كان المشروع في أول الإسلام جواز تأخير الصلاة عند القتال وقد نسخ هذا الحكم وبدل
بصلاة الخوف وكان النسخ في السنة السادسة في غزوة عسفان لذلك أخر النبي ﷺ
العصر يوم الخندق سنة خمس حتى غربت الشمس ثم صلاها بعد الغروب مقدمة على
المغرب كترتيبها الأصلي .
فقه الحديث
أولاً : في الحديث دليل على وجوب الترتيب في قضاء الفوائت لكن عند من يرى أن
الأفعال تقتضي الوجوب وبالوجوب قال مالك وأبو حنيفة وأحمد والزهري والنخعي وربيعة
والليث بن سعد وزيد بن علي وذهب الشافعي والهادي والقاسم من أهل البيت إلى عدم
الوجوب لكن مذهب الأولين يترجح لأمور :
( أحدها ) أن ابن قدامة حكى في المغني أن الإمام أحمد روى حديثاً بسنده إلى أبي
جمعة حبيب بن سباع رضي الله عنه – وكان قد أدرك النبي ﷺ. قال : أن النبي
ﷺ عام الأحزاب صلى المغرب فلما فرغ قال علم أحد منكم أني صليت العصر قالوا :
ما صليتها يا رسول الله فأمر بلالاً فأقام فصلى العصر ثم أمره فأقام فأعاد المغرب غير
أن في سنده ابن لهيعة وفيه ضعف وإنما سقناه هنا للاستئناس .
( ثانيها ) أن النبي ﷺ رتب في هذا الحديث الصحيح
( ثالثها ) أن الترتيب هو الفرض الأصلي فلا ينقل عنه إلا ناقل صحيح وهذا كله مع الذكر
أما في النسيان فيعلق القول بوجوبه على صحة حديث أبي جمعة إلا أنه يستثنى في
الذاكر ما إذا كانت الفوائت كثيرة لا يستطيع ترتيبها فهناك يجوز له عدم الترتيب لعدم
الاستطاعة عليه وقد قال ﷺ (ما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم ) الحديث
ثانياً : فيه مشروعية قضاء الفوائت في جماعة
ثالثاً : فيه جواز سب الكفار
رابعاً : اختلفت الأحاديث في عدد الفوائت المقضية يوم الخندق ففي بعضها العصر فقط
وفي بعضها الظهر والعصر وفي بعضها الظهر والعصر والمغرب وجمع بين الأحاديث بالحمل
على تعدد القصة لأن أيام هذه الغزوة كانت فوق العشرين .
خامساً : ترك الصلاة بعذر القتال إنما كان في أول الإسلام ثم نسخ بصلاة الخوف وهو
مذهب الجمهور أنه لا يجوز تأخيرها بعذر القتال وقال قوم بجواز ذلك عند إلتحام الحرب
وتهيؤ الفتح منهم الإمام البخاري والأوزاعي ومكحول واحتج البخاري لذلك بهذا الحديث
وبما رواه عن أنس معلقاً بلفظ : حضرت عند مناهضة حصن تستر عند إضاءة الفجر واشتد
اشتعال القتال فلم يقدروا على الصلاة فلم نصل إلا بعد ارتفاع الشمس فصليناها ونحن
مع أبي موسى ففتح لنا قال أنس : وما يسرني بتلك الصلاة الدنيا وما فيها لكن بعض
الذين لا يرون تأخيرها يقولون يجزؤه التسبيح والتكبير والتحميد إذا تعذر الإيماء ويكون
هو صلاته من غير إعادة عليه والله أعلم .
َ
تَأْسِيسُ الأَحْكَامِ
عَلَى مَا صَحَّ عَنْ خَيْرِ الأَنَامِ
بِشَرْحِ أَحَادِيثِ عُمْدَةِ الأَحْكَامِ
تَأْلِيف
فَضِيلةُ الشَّيخِ العلَّامَة
أَحْمَدُ بن يحيى النجميَ
َ
[ المجلد الأول : ص / 139-141 ]